حكم عَرَق الصبي الُمجنب من حرام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7537


ــ[140]ــ

   [ 209 ] مسألة 4 : الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه إشكال ، والأحوط أمره بالغسل إذ يصح منه قبل البلوغ على الأقوى (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالأصغر بأن نام أو بال فهل يجب أن يتوضأ حينئذ لصلواته أو لا بدّ من التيمم ؟ فعلى القول بأن التيمم رافع يجب عليه الوضوء لأنه كمن اغتسل ونام ، وعلى القول بأنه مبيح يجب التيمم عليه لأنه جنب ، وإنما حكم الشارع بإباحة دخوله في الصلاة لتيممه وهو قد انتقض بنومه ، فهو بالفعل جنب غير واجد للماء فيجب أن يتيمم لصلاته .

   ومنها : ما إذا  لم نتمكّن من تغسيل الميت لمانع فيه فيمّمناه ، فلو مسّه أحد بعد ذلك لا يجب عليه الغسل بمسه بناء على أن التيمم رافع للحدث حقيقة ويجب عليه ذلك بناء على أنه مبيح ، لأن الميت محدث بحدث الموت وإنما اُبيح دفنه بتيممه فحسب .

   ومنها : ما نحن فيه ، لأنّ التيمم إذا كان رافعاً للجنابة حقيقة فنحكم بطهارة عرقه لأنه ليس جنباً من الحرام ، وأما بناء على أنه مبيح كما هو المختار فعرقه محكوم بالنجاسة لأنه جنب من الحرام وإنما التيمم أوجب إباحة دخوله في الصلاة .

   ومنها : غير ذلك من الفروع التي يأتي تفصيلها كتفصيل الكلام في أن التيمم رافع أو مبيح في مبحث التيمم إن شاء الله فانتظره .

   (1) يقع الكلام في هذه المسألة من جهتين : إحداهما في أن عرق الصبي المجنب من الحرام هل هو كعرق البالغ المجنب محكوم بنجاسته أو أنه محكوم بالطهارة على خلاف المجنب من الحرام من البالغين ؟ وثانيتهما : أنه إذا قلنا بنجاسة عرقه فهل يصح منه غسل الجنابة حتى يرتفع به نجاسة عرقه ومانعيته من الصلاة أو أن الغسل منه لا يقع صحيحاً ، فلا رافع لنجاسة عرقه ولا لمانعيته عن الصلاة . ولنسمّ الجهة الاُولى بالبحث عن المقتضي والجهة الثانية بالبحث عن الرافع .

   أمّا الجهة الاُولى : فالحكم بنجاسة عرق الصبي إذا أجنب من الحرام والحكم بطهارته يبتنيان على أن المراد من لفظة الحرام الواردة في الروايتين المتقدمتين هل هو الحرام الفعلي الذي يستحق فاعله العقاب بفعله ، بمعنى أن ما اُخذ في موضوع الحكم بنجاسة العرق ومانعيّته هو الحرام بما أنه حرام فلعنوان الحرام دخالة في ترتّب حكمه ،

 
 

ــ[141]ــ

أو أن المراد بها ذات العمل بمعنى أن الحرام اُخذ مشيراً إلى الذوات من اللواط والزنا والاستمناء ونحوها وإن لم يكن فاعلها مستحقاً للعقاب بفعلها ، حيث إن المحرم مبغوض ولا يرضى الشارع بفعله أبداً وإن لم يستحق فاعله العقاب ، ومن هنا يوبّخ الصبي إذا ارتكب شيئاً من المحرمات مع عدم كونها محرمة في حقه بالفعل .

   فعلى الأول لا يحكم بنجاسة عرق الصبي لعدم حرمة العمل الصادر منه بالفعل بحيث يستحق العقاب بفعله ، لأدلة رفع القلم عن الصبي فالجنابة غير متحققة بالاضافة إليه ، وعلى الثاني لا بد من الحكم بنجاسة عرقه إذا أجنب من الحرام لأنه عمل مبغوض ولا يرضى الشارع بفعله وإن لم يكن فاعله ـ وهو الصبي ـ مستحقاً للعقاب .

   والظاهر أن الأوّل هو المتعين الصحيح ، لأن ظاهر أخذ الحرام موضوعاً للحكمين المتقدِّمين أن لعنوان الحرام مدخلية في ترتبهما وأنه اُخذ في موضوعهما بما أنه حرام فحمله على أنه اُخذ مشيراً إلى أمر آخر هو الموضوع في الحقيقة أعني ذات العمل خلاف الظاهر ولا يصار إليه إلاّ بقيام قرينة تدل عليه ، ومعه لا مناص من حمل الحرام على الحرام الفعلي الذي يستحق فاعله العقاب .

   ويؤيد ذلك أن الوطء بالشبهة مع أنه عمل مبغوض في ذاته لم يلتزموا فيه بنجاسة عرق الواطئ أو بمانعيّته في الصلاة ، ولا وجه له إلاّ عدم كون الوطء بالشبهة محرّماً فعلياً في حق فاعله ، وكذلك الغافل ونحوه . فالمتحصل أن العمل إذا لم يكن محرّماً فعلياً بالاضافة إلى فاعله إما لأجل أنه لا حرمة بحسب الواقع أصلاً ـ  كما في مثل الصبي  ـ وإما لعـدم كون الحرمة فعلية وإن كانت متحـقِّقة في نفسـها ـ  كما في حق الواطئ بالشّبهة  ـ فلا يمكن الالتزام بنجاسة عرقه ولا بمانعيته في الصلاة .

   وأمّا الجهة الثانية : أعني صحة الغسل من الصبي وفساده ـ  بعد الفراغ عن نجاسة عرقه  ـ فملخص الكلام فيها : أن المسألة من صغريات الكبرى المعروفة وهي مشروعية عبادات الصبي وعدمها ، وتفصيل الكلام في تحقيقها يأتي في بحث الصلاة

ــ[142]ــ

إن  شاء الله(1) ، ونشير إلى إجماله هنا توضيحاً للمراد فنقول : مشروعية عبادات الصبي هي المعـروفة عندهم ، وعن غير واحد الاسـتدلال عليها باطلاقات أدلّة التكليف كالأوامر المتعلِّقة بالصلاة أو الصوم أو غيرهما ، حيث إنّ إطلاق هذه الخطابات يشمل الصبيان وقد رفع عنهم الالزام بما دلّ على رفع القلم عن الصبي فلا محالة تبقى محبوبية العمل بحالها وهي كافية في صحّته .

   ولكن الاستدلال بذلك عليل بل لعلّه أمر واضح الفساد وذلك أما أوّلاً ، فلأنّ التكاليف الشرعية اُمور غير قابلة للتجزئة والتقسيم إلى إلزام ومحبوبية حتى يبقى أحدهما عند ارتفاع الآخر ، نظير ما ذكروه في محله من أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز ، لأنها بسائط بحتـة صادرة عن الشارع ، فاذا فرضنا أن هذا الأمر الواحد البسيط قد رفعه الشارع عن الصبي فلا يبقى هناك شيء يدل على محبوبية العمل في نفسه .

   وأمّا ثانياً : فلما بيّناه في محله من أن الأحكام الالزامية من الوجوب والتحريم مما لا تناله يد الجعل والتشريع ، لأن ما هو مجعول للشارع إنما هو الاعتبار ـ أعني اعتباره شيئاً على ذمة المكلفين ـ وهو ملزوم لتلك الأحكام الالزامية ، وأما الأحكام الالزامية بنفسها فهي أحكام عقلية يدركها العقل بعد اعتبار الشارع وجعله ، لأنه إذا اعتبر العمل على ذمة المكلفين ولم يرخّصهم في تركه فلا محالة يدرك العقل لابدية ذلك العمل واستحقاق المكلف العقاب على مخالفته . فتحصّل : أن الالزام من المدركات العقلية ومجعول الشارع أمر آخر وعليه فلا معنى لرفع الالزام بالحديث لأنه ليس من المجعولات الشرعية كما عرفت ، فلا مناص من أن يتعلّق الرفع بالاعتبار الذي عرفت أنه فعل الشارع ومجعوله ، فإذا فرضنا أنّ الشارع رفع اعتباره في حق الصبي فمن أين يستفاد محبوبية العمل بالاضافة إليه ؟ فهذا الاستدلال ساقط .

   وأحسن ما يستدل به على مشروعية عبادات الصبي إنما هو الأمر الوارد بأمر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المسألة  [ 1811 ]  .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net