طهارة الثّعلب والأرنب والوزغ والعقرب ومُطلق المسوخ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9930


ــ[143]ــ

   الثاني عشر : عرق الابل الجلاّلة ((1)) بل مطلق الحيوان الجلاّل على الأحوط (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصبيان بالصلاة وغيرها من العبادات (2) ، لما قدّمناه في الاُصول من أنّ الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء حقيقة ، وحيث إن الشارع أمر أولياء الصبيان بأمر أطفالهم بالصلاة مثلاً فيثبت بذلك أمر الشارع بالصلاة بالاضافة إلى الصبيان وهو يدل على محبوبية عبادات الصبي التي منها غسله . والنتيجة أنه لا مانع من ارتفاع نجاسة عرق الصبي المجنب من الحرام أو مانعيته بغسله .

   (1) لم يقع خلاف في طهارة العرق في غير الأبل من الحيوانات الجلاّلة عدا ما يحكى عن نزهة ابن سعيد (3) وهو شاذ لا يعبأ به في مقابلة الأصحاب ، وأما عرق الابل الجلالة فعن جملة من المتقدمين القول بنجاسته ، بل قيل إنه الأشهر بين القدماء وذلك لحسنة حفص بن البختري عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «لا تشرب من ألبان الابل الجلاّلة ، وإن أصابك شيء من عرقها فاغسله» (4) .

   وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «لا تأكل اللحوم الجلاّلة ، وإن أصابك من عرقها شيء فاغسله» (5) واللاّم في «الجلاّلة» في الصحيحة إن حملناها على العهد والاشارة إلى الابل الجلاّلة فهي والحسنة متطابقتان فيختص نجاسة العرق بخصوص الجلالة من الابل ، وأما إذا أبقيناها على إطلاقها لتشمل الجلال من غير الابل أيضاً ـ كما يرومه القائل بنجاسة العرق في مطلق الجلاّل بحملها على النجس ـ فهو وإن كان يقتضي الحكم بنجاسة العرق في مطلق الجلال إلاّ أنه خلاف التسالم على طهارة عرق الجلاّل من غير الابل . وكيف كان ، فقد استدلّ بهاتين الروايتين على نجاسة عرق الابل الجلاّلة ، بل استدلّ بالثانية على نجاسة عرق مطلق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر عدم نجاسته ، لكن لا تجوز الصلاة في عرق الحيوان الجلال مطلقاً .

(2) كما في حسنة الحلبي المروية في الوسائل 4 : 19 / أبواب أعداد الفرائض ب 3 ح 5 ، 8 .

(3) نزهة الناظر : 19 .

(4) ، (5) الوسائل 3 : 423 / أبواب النجاسات ب 15 ح 2 ، 1 .

ــ[144]ــ

الجلاّل ، لأن الأمر بغسله ظاهر في الارشاد إلى نجاسته كما مرّ في نظائره ، منها قوله (عليه السلام) : «إغسل ثوبك من أبوال ما لايؤكل لحمه» (1) .

   ولكن الصحيح عدم نجاسة العرق من الابل الجلالة فضلاً عن غيرها ، بيان ذلك : أن الأمر بغسل الثوب أو البدن ونحوهما مما أصابه البول أو العرق وإن كان ظاهراً في نجاسة البول أو العرق ولا سيما إذا كان بلفظة من كما في قوله (عليه السلام): «إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» لأنها ظاهرة في أن الأمر بغسل الثوب أو البدن إنما هو من جهة الأثر الحاصل من إصابة البول ، وليس ذلك الأثر إلاّ نجاسته ، وكذلك الحال فيما إذا أمر بغسل نفس البول أو العرق كما في الحسنة والصحيحة المتقدِّمتين حيث قال (عليه السلام) «إغسله» أي ذلك العرق ، فانه أيضاً ظاهر في الارشاد إلى نجاسة العرق وإن كان في الظهور دون القسم السابق ، إلاّ أن هذا إنما هو فيما إذا لم يكن في الرواية قرينة أو ما يحتمل قرينيته على خلاف هذا الظهور وهي ثابتة في الروايتين لأنه (عليه السلام) نهى عن شرب ألبان الابل الجلالة في الحسنة أولاً ثم فرّع عليه الأمر بغسل عرقها ، كما أنه في الصحيحة نهى عن أكل لحوم الجلالة ثم فرّع عليه الأمر بغسل عرقها ، وسبق الأمر بغسله بالنهي عن شرب الألبان أو أكل اللحوم قرينة أو أنه صالح للقرينية على أن وجوب غسل العرق مستند إلى صيرورة الجلال من الابل وغيرها محـرّم الأكل عرضاً ولا تجـوز الصلاة في شيء من أجزاء ما لايؤكل لحـمه : روثه ولبنه وعرقه وغيرها ، كانت حرمته ذاتية أم عرضية بالجلل أو بوطء الآدمي أو بشرب الشاة من لبن خنزيرة ، ولأجل ذلك فرّع عليه الأمر بغسل عرقه حتى يزول ولا يمنع عن الصلاة ـ وإن كان محكوماً بالطهارة في نفسه ـ كما هو الحال في ريق فم الهرة أو غيرها من الحيوانات الطاهرة مما لا يؤكل لحمه .

   وعلى الجملة أن الأمر بغسل عرق الجلال في الروايتين إما ظاهر فيما ذكرناه أو أنه محتمل له ومعه لا يبقى للاستدلال بهما على نجاسة العرق مجال . ثم إن تخصيص العرق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .

ــ[145]ــ

بالذكر دون بقية أجزائها ورطوباتها إنما هو لكثرة الابتلاء به فان عرقها يصيب ثوب راكبها وبدنه لا محالة .

   ثم إنّ الوجه في التعدي عن المحرمات الذاتية إلى المحرم بالعرض إنما هو إطلاق الأدلّة الدالّة على بطلان الصلاة فيما حرّم الله أكله من غير تقييده بالمحرّم بالذات ، وغير ذلك مما يستفاد منه عموم المنع لكل من المحرمات الذاتية والعرضية ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محله . والغرض مجرد التنبيه على أن التعدي إلى المحرمات العرضية من المسائل الخلافية وليس من الاُمور المتسالم عليها بينهم ، وإنما نحن بنينا على التسوية بين الذاتي والعرضي ، ولقد بنى شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في رسالة اللباس المشكوك فيه على اختصاص المانعية بالمحرم الذاتي ، وأفاد أن الجلل لا يوجب اندراج الحيوان المتصف به في عنوان ما لايؤكل لحمه ولا في عنوان حرام أكله (1) إلاّ أنه في تعليقته المباركة بنى على تعميم المانعية للجلل أيضاً ، وهما كلامان متناقضان والتفصيل موكول إلى محله .

   وكيف كان ، فلا دليل على نجاسة عرق الابل الجلاّلة فضلاً عن غيرها ، ومن هنا كتبنا في التعليقة : أن الظاهر طهارة العرق من الابل الجلاّلة ولكن لا تصح فيه الصلاة . فعلى هذا لا موجب لحمل اللاّم في الصحيحة على العهد والاشارة حتى تطابق الحسنة ولئلاّ يكون إطلاقها على خلاف المتسالم عليه ، بل نبقيها على إطلاقها وهو يقتضي بطلان الصلاة في عرق مطلق الجلال من دون تخصيص ذلك بالابل ، وقد عرفت أنها لا تدلّ على نجاسته حتى يكون على خلاف المتسالَم عليه ، هذا على أنه لا عهد في الصحيحة حتى تحمل عليه اللاّم . والذي تلخص أن الأمر بغسل العرق من الابل الجلالة أو من مطلق الجلال وإن سلمنا أنه إرشاد ـ  وليس أمراً مولوياً لبداهة أن غسل العرق ليس من الواجبات النفسية في الشريعة المقدّسة  ـ إلاّ أنه إرشاد إلى مانعيته لا إلى نجاسته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة في اللباس المشكوك فيه : 240 .

ــ[146]ــ

   [ 210 ] مسألة 1 : الأحوط الاجتناب عن الثعلب والأرنب والوزغ والعقرب والفأر ، بل مطلق المسوخات وإن كان الأقوى طهارة الجميع (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ذهب بعض المتقدِّمين إلى نجاسة الثعلب والأرنب والوزغ والفأرة ، وآخر إلى نجاسة الثعلب والأرنب ، وعن ثالث نجاسة الوزغ ، وعن بعض كتب الشيخ نجاسـة مطلق المسوخ(1) ، وعن بعضها الآخر نجاسة كل ما لايؤكل لحمه (2) .

   والصحيح طهارة الجميع كما ستتضح . أما الثعلب والأرنب فقد ورد في نجاستهما مرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «سألته هل يحل أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئاً من السباع حياً أو ميتاً ؟ قال : لا يضره ولكن يغسل يده»(3) إلاّ أنها ضعيفة ولا يمكن أن يعتمد عليها في الحكم بنجاسة الأرنب والثعلب لارسالها ، كما لا مجال لدعوى انجبارها بعمل الأصحاب إذ الشهرة على خلافها .

 وأما الفأرة فقد دلت على نجاستها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب أيصلّى فيها ؟ قال : إغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره نضحه بالماء» (4) وهي معارضة بصحيحته الاُخرى عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «سألته عن العظاية والحية والوزغ تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : لا بأس به ، وسألته عن فأرة وقعت في حب دهن واُخرجت قبل أن تموت أيبيعه من مسلم ؟ قال : نعم ويدهن به» (5) وصحيحة سعيد الأعرج قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفأرة والكلب تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حيّة فقال : لا بأس بأكله»(6) وما رواه في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 3 : 183 ـ 184 م 306 ما نصه : «القرد لا يجوز بيعه لأنه مسخ نجس» .

(2) النهاية : 52 ، المبسوط 1 : 37 .

(3) الوسائل 3 : 462 / أبواب النجاسات ب 34 ح 3 .

(4) الوسائل 3 : 460 / أبواب النجاسات ب 33 ح 2 .

(5) الوسائل 3 : 460 / أبواب النجاسات ب 33 ح 1 .

(6) الوسائل 24 : 198 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 45 ح 1 .

ــ[147]ــ

قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) «أن علياً (عليه السلام) قال: لا بأس بسؤر الفأرة أن يشرب منه ويتوضأ»(1) فان هذه الروايات الثلاث مطبقة على طهارة الفأرة ، ومعها لا مناص من حمل ما دلّ على نجاستها على استحباب الاجتناب عنها أو على كراهة تركه .

   وأما الوزغة ففي صحيحة معاوية بن عمّار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفأرة والوزغة تقع في البئر ، قال : ينزح منها ثلاث دلاء»(2) وظاهرها وإن كان يقتضي نجاسة الوزغة إلاّ أنها أيضاً معارضة بصحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة المشتملة على طهارة الوزغ والعظاية والحيّة إذا وقعت في الماء ولم تَمُت ، ومع المعارضة لا يعتمد عليها في شيء .

   وأما العقرب ففي موثقة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن الخنفساء تقع في الماء أيتوضأ به ؟ قال : نعم ، لا بأس به ، قلت : فالعقـرب ؟ قال : أرقه»(3) وفي ذيل موثقة سماعة : «وإن كان عقرباً فأرق الماء وتوضأ من ماء غيره» (4) وظاهرهما نجاسة العقرب كما ترى ، وفي مقابلهما رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّاً هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ به ؟ قال : يسكب منه ثلاث مرات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ فانّه لا ينتفع بما يقع فيه»(5) إلاّ أنها ضعيفة فلا يمكن أن يعارض بها الموثقة ومن هنا يشكل الحكم بطهارة العقرب . والذي يسهل الخطب أن الموثقة قاصرة الدلالة على نجاسته ، لأنها إنما اشتملت على الأمر باراقة الماء الذي وقع فيه العقرب ولا دلالة له على نجاسته ، ولعلّه من جهة ما فيه من السم فقد أمر باراقة الماء دفعاً لاحتمال تسممه . هذا ويبعّد القول بنجاسة العقرب أن ميتته لا توجب نجاسة الماء لأنه مما لا نفس له ، والماء إنما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 241 / أبواب الأسآر ب 9 ح 8  ، قرب الإسناد : 150 ح 542 .

(2) الوسائل 1 : 187 / أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2 .

(3) ، (4) الوسائل 1 : 240 / أبواب الأسآر ب 9 ح 5 ، 6 .

(5) الوسائل 1 : 240 / أبواب الأسآر ب 9 ح 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net