تأجيل الدين الحال بأكثر منه - بيع العين المشتراة من بائعها 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4726


الكلام في عدم جواز تأجيل الدين الحال إلى مدّة

في مقابل مال

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بحسب المناسبة للمسألة المتقدّمة أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 221 .

ــ[271]ــ

الدين إذا كان حالا أو كان مؤجّلا وقد حلّ فلا يجوز تأجيله أو تمديد أجله في مقابل شيء ، وكذلك الحال فيما إذا كان الدين مؤجّلا إلاّ أنه أراد تمديد مدّته بازاء مال فإنه رباً محرّم .

وقد نقل عن ظاهر الحدائق(1) وصريح غيره الاجماع على حرمته ، بل أفاد أنه لا يحتاج في إثبات حرمته إلى دليل خاص لكفاية المطلقات الدالّة على حرمة الربا في المقام ، فإنّ العرف لا يرى فرقاً في الربا بين التراضي على الزيادة في الابتداء كما إذا أقرضه عشرة بإحدى عشر ، وبين التراضي عليها بعد القرض لأجل تمديد أجله ، فإنّ الزيادة المأخوذة في مقابل الامهال رباً محرّم فيكفي إطلاقات حرمته في المقام .

ومحل كلامه (قدّس سرّه) هو تأجيل الدين بحذاء مال أي الدين الذي لو أخذ في مقابله شيء زائد عليه من الابتداء يكون رباً إذا لم يؤخذ الزائد عليه في الابتداء ولكن الزيادة اُخذت في مقابل الامهال وتأجيله يكون ذلك رباً محرّماً ، وأمّا بيع ما في الذمّة بجنسه ومماثله فهو خارج عن محطّ كلامه .

وينبغي أيضاً أن يكون كذلك لأنه مناسب لبحث البيع دون المقام ، فإنّ ما في الذمّة إذا كان من غير النقود كما إذا كانت على ذمّته عشرة أمنان من الحنطة وقد أراد بيعها بجنسها إلى أجل ، فلا إشكال في بطلانه حتى فيما إذا لم يكن هناك زيادة في الثمن عن مقدار مثمنه فضلا عمّا إذا باعها بأكثر منه بحسب المقدار ، وذلك لأنّ للأجل قسطاً من الثمن فإذا باع عشرة أمنان من الحنطة نقداً بعشرة أمنان منها إلى مدّة فقد زاد في طرف المثمن ، لأنّ الحنطة المعجّلة تزيد قيمتها على المؤجّلة ، وإذا فرضنا أنه باعها بأكثر منها فقد حصلت الزيادة من جهتين من جهة الأجل ومن الزيادة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 19 : 134 .

ــ[272]ــ

الثمن .

وكذا الحال إذا كان ما في ذمّته من النقود كالدرهم والدرهمين فإنه إذا باعها بمثلها إلى أجل تقع المعاملة باطلة فضلا عمّا إذا باعها بأكثر منها ، والوجه فيه هو أنّ المعاملة حينئذ من بيع الصرف ويعتبر فيه التقابض في المجلس ولا يصح جعل أحدهما حالا والآخر مؤجّلا غير مقبوض ، نعم لا مانع من بيع ما في ذمّته في مقابل شيء آخر من غير جنسه ولو كان بأكثر منه بحسب القيمة أيضاً كما إذا باع عشرة أمنان من الحنطة بعشرة أذرع من الكرباس وكانت قيمة الكرباس أضعاف قيمة الحنطة ، وكيف كان فبيع ما في الذمّة خارج عن محطّ كلامه (قدّس سرّه) .

والحقّ ما أفاده (قدّس سرّه) من حرمة التأجيل في مقابل الزيادة ، وذلك من جهة دلالة الروايات الواردة بطرقنا وهي طائفتان :

إحداهما : ـ وهي مشتملة على صحيحة وموثّقة وغيرهما(1)ـ ما دلّت على جواز التنقيص في الدين كما إذا كان عليه دين مائة دينار إلى شهر وقال له الدائن انقدني في تسعين ديناراً بالفعل والباقي لك ، قال (عليه السلام) لا بأس به ، أو إذا قال له انقدني نصفه أمهلك في النصف الآخر شهراً زائداً ، وهو أيضاً ممّا لا بأس به كما نصّ به (عليه السلام) وقد علّل (عليه السلام) الجواز في كلا الموردين بأنه لم يزد على رأس ماله قال الله تعالى (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)(2)فيستفاد من تعليله (عليه السلام) عدم الجواز فيما إذا استلزمت المعاملة زيادة في رأس المال كما في المقام ، فإنّ رأس ماله قبل التأجيل كان هو العشرة وبعده صار إحدى عشر وهو محرّم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 448 / كتاب الصلح ب7 .

(2) البقرة 2 : 279 .

ــ[273]ــ

الطائفة الثانية : ما وردت(1) في تعليم طريق الفرار من الربا بأنّ من أراد التأجيل في دينه يشتري من الدائن مالا بأضعاف قيمته ويشترط في ضمنه التأجيل له في دينه ، فإنّ هذه المعاملة الثانية وصلة إلى التأجيل بعوض ولكنّه بطريق شرعي وقد اعترضت العامّة عليه بأنه بالأخرة توجب الزيادة على رأس المال لأنّ البيع الثاني وصلة إليها ، فأجاب (عليه السلام) في بعض الأخبار بأنه نعم الطريق يخلص من الحرام ويبدله إلى الحلال(2)، ولولا حرمة أخذ الزيادة في مقابل التأجيل لما كان لبيان هذه الطرق وجه بل كانوا يصرّحون بجواز أخذها في مقابل التأجيل .

وأمّا ما روي عن ابن عباس في مجمع البيان(3) من أنّ أهل الجاهلية كانوا يزيدون في الأجل بحذاء الزيادة ومنعهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) عن ذلك وتعجّبوا منه بأنه مثل البيع من الابتداء بالزيادة كما إذا باعه بخمسة وعشرين من الابتداء ، ولا فرق بينه وبين ما إذا باعه بعشرين إلى شهر ثمّ أخذ منه خمسة لامهاله إلى شهر آخر ، فردّهم الله تعالى بقوله : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)(4) فهو مناسب للتأييد لا للاستدلال لعدم حجّيته .

الكلام في جواز بيع العين الشخصية المشتراة

بثمن مؤجّل من بائعها ثانياً وعدمه

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(5) أنه إذا ابتاع عيناً شخصية بثمن إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 54 / أبواب أحكام العقود ب9 .

(2) الوسائل 18 : 178 / أبواب الصرف ب6 ح1 ، 2 .

(3) مجمع البيان 1 : 389 .

(4) البقرة 2 : 275 .

(5) المكاسب 6 : 225 .

ــ[274]ــ

أجل يجوز له بيعها من بائعها ثانياً قبل حلول الأجل وبعده بجنس الثمن وغيره أقلّ منه أو أكثر أو مساوياً ، وقد تعرّض (قدّس سرّه) تحت هذا العنوان لمسائل ثلاث :

الاُولى : جواز بيع العين الشخصية المشتراة بثمن إلى أجل من بائعها ثانياً بعد حلول الأجل بأنقص من ثمنه ، كان الثمن من جنس الثمن الأول أو من غير جنسه  ، والمشهور ذهبوا فيها إلى الجواز ، وخالفهم الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)(1)فذهب إلى حرمته ، وهذه المسألة مربوطة بمسألة النقد والنسيئة التي نحن فيها وبينهما علاقة كما لا يخفى .

الثانية : جواز بيع المكيل والموزون المبتاعين من بائعهما ثانياً ، كان الثمن من جنسهما أو من غير جنسهما قبل حلول الأجل وبعده وعدمه ، والموجود في كلام الشيخ (قدّس سرّه) وإن كان هو عنوان الطعام إلاّ أن المراد منه مطلق المكيل والموزون كما يظهر من دليله ، وهذه المسألة لا علاقة بينها وبين ما نحن فيه وهو مسألة النقد والنسيئة بل هي مربوطة بمسألة المكيل والموزون ، فإنّ البحث فيها من جهة عدم جواز ردّ المكيل والموزون عوضاً عن المبيع الذي هو أيضاً من المكيل والموزون وإن لم تكن المعاملة نسيئة .

الثالثة : ما إذا باع عيناً شخصية واشترط على المشتري بيعها منه ثانياً وأنها صحيحة أو فاسدة ، وهذه هي التي تقدّمت الاشارة إليها ووردت فيها طائفتان من الأخبار إحداهما تثبتها وثانيهما تنفيها .

أمّا المسألة الاُولى أعني ما إذا ابتاع عيناً شخصية بثمن مؤجّل ثم أراد أن يبيعها من بائعها الأول ثانياً بعد حلول الأجل بأنقص من ثمنه الأول ، فالمشهور فيها هو الجواز ، وخالفهم في ذلك الشيخ الطوسي فذهب إلى عدم الجواز .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النهاية : 388 ، التهذيب 7 : 33 ، الاستبصار 3 : 77 .

ــ[275]ــ

لا إشكال في أنّ مقتضى القاعدة والعمومات والاطلاقات هو الذي ذهب إليه المشهور لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(2) وغيرهما ، فإنّ بيعها من بائعها ثانياً من أحد أفراد العقود والمعاملات ، وليس فاقداً لشرط من شروط صحة البيع ولا واجداً لمانع من موانعها والناس مسلّطون على أموالهم ، وللمشتري أن يبيع ماله من كل شخص حتى من بائعه ، كما أنّ البائع متمكّن من أن يبيع ماله من كل أحد حتى من المشتري ، فما ذهب إليه المشهور هو الموافق للعمومات والاطلاقات ، هذا كلّه .

مضافاً إلى الروايات الخاصة الدالّة على صحّة المعاملة في المقام وهي ثلاث ثنتان منها صحيحتان وإحداها غير معلوم الصحة ولكنّها مؤيّدة للروايتين الأوّلتين  .

أمّا الصحيحتان فإحداهما صحيحة بشّار بن يسار وفيها « عن الرجل يبيع المتاع بنسأ فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه ، قال نعم لا بأس به »(3) وهذه الرواية ناصّة في أنّ المبيع ثانياً هو الذي وقع عليه البيع نسيئة أوّلا وغير صريحة في أنّ البيع الثاني كان بأقل من ثمنه الأول أو بأكثر منه ، كما أنها غير صريحة في أنه بعد حلول الأجل أو قبله ، إلاّ أنها مطلقة من هاتين الجهتين لأنها دلّت على جواز البيع المذكور مطلقاً كان بثمن أقل أو أكثر وكان بعد حلول الأجل أم قبله ، فهي باطلاقها يشمل المقام وهو بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجّل من بائعها ثانياً بعد حلول الأجل بأنقص من ثمنه الأول .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

(2) البقرة : 2 : 275 .

(3) الوسائل 18 : 41 / أبواب أحكام العقود ب5 ح3 .

ــ[276]ــ

وثانيتهما : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) وفيها «  رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه ، فقال له المطلوب أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي فرضي ، قال (عليه السلام) لا بأس بذلك »(1) وهذه الصحيحة صريحة في أنّ البيع الثاني بعد حلول الأجل لقوله « يتقاضاه » فإنّ استحقاق مطالبة الثمن إنما هو بعد حلول الأجل لا قبله واستفدنا منه أنه بعد الحلول وإلاّ فلا يجوز له المطالبة قبله ، إلاّ أنّها غير صريحة في أنّ المبيع الثاني عين المبيع الأول ولعلّه غنم اُخرى غير الغنم التي اشتراها من البائع الأول ، كما أنها غير صريحة في أنه باعه الغنم بأنقص من ثمنها أو بأكثر فيتمسّك من هذه الجهة باطلاقها ، فهاتان الصحيحتان دلّتا على جواز البيع في المقام باطلاقهما وإن لم يدلاّ عليه بنصّهما ، ولكن الاطلاق فيهما كاف في إثبات صحة المعاملة في المقام  .

ويؤيّدهما رواية علي بن جعفر عن كتابه وهي ثالث الروايات في المقام وفيها سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم اشتراه منه بخمسة دراهم ، قال (عليه السلام) لا بأس به(2) وهي صريحة في أنّ الثمن أنقص من الثمن الأول ، فعلى تقدير تمامية سند الكتاب المذكور لا بأس بالاستدلال بها في المقام ، وكيف كان فمقتضى العمومات وهذه الروايات الخاصّة صحة البيع في المقام.

وقد استدلّ الشيخ (قدّس سرّه) على مذهبه بروايتين إحداهما : رواية خالد بن الحجّاج وفيها قال « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل بعته طعاماً يتأخّر إلى أجل مسمّى فلمّا جاء الأجل أخذته بدراهمي ، فقال ليس عندي دراهم ولكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 40 / أبواب أحكام العقود ب5 ح1 .

(2) الوسائل 18 : 42 / أبواب أحكام العقود ب5 ح6 .

ــ[277]ــ

عندي طعام فاشتره منّي ، فقال (عليه السلام) لا تشتره منه فإنه لا خير فيه »(1)وادّعى (قدّس سرّه) أنّ مقتضاها حرمة بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجّل من بائعها ثانياً بأنقص من ثمنه بعد حلول الأجل .

ولكن الرواية أجنبية عن ذلك بالكلّية وذلك أمّا أوّلا : فلعدم صراحة الرواية في أنّ الطعام الثاني الذي أراد بيعه من البائع ثانياً هو عين الطعام الذي اشتراه منه أوّلا إلى أجل ولعلّه غيره فإنه نكرة في كلا الموردين وتكرار النكرة بعد النكرة يقتضي التعدّد والمغايرة على ما يقال ، كما إنّ تكرار المعرفة بعد المعرفة يقتضي العينية والاتّحاد كما ادّعوه في قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(2).

وثانياً : أنّ هذه الرواية ممّا لا يرضى به الشيخ (قدّس سرّه) أيضاً ، لأنّ مقتضاها وإطلاقها عدم جواز البيع ثانياً من البائع ولو بأكثر من ثمنه والشيخ يرى جوازه وإنما يمنع عن البيع بالنقيصة ، كما أن مقتضاها عدم جواز البيع ثانياً ولو بثمن مساو وهذا ممّا لا ينكره الشيخ (قدّس سرّه) أيضاً .

وثالثاً : أنّ الظاهر من مثل قوله (عليه السلام) « لا خير فيه » هو الكراهة لا عدم الجواز نظير قوله « لا ينبغي » .

ورابعاً : أنّ الرواية ضعيفة السند ظاهراً فلابدّ من المراجعة ، فمقتضى ذلك هو الحمل على الكراهة لا عدم الجواز .

وثانيتهما : رواية عبدالصمد(3) وهذه الرواية كسابقتها في الضعف ظاهراً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 311 / أبواب السلف ب13 ح3 .

(2) الشرح 94 : 5 .

(3) الوسائل 18 : 312 / أبواب السلف ب12 ح5 .

ــ[278]ــ

مضافاً إلى أنّها مجملة بحسب الدلالة ، وبيان ذلك : أنّ الرواية صريحة في أنّ البيع إنما هو بعد الأجل كما أنّها صريحة في أنّ المبيع أوّلا هو الذي يراد بيعه ثانياً ، فمن هاتين الجهتين توافق الرواية مذهب الشيخ (قدّس سرّه) وتطابقه ، فلو كانت ظاهرة أيضاً في أنّ البيع الثاني كان بثمن أقل من الثمن الأول لتمّت دلالتها على مسلك الشيخ وأوجبت الالتزام به ، فتكون هذه الرواية حينئذ مع الغضّ عن سندها موجبة لتخصيص العمومات وتقييد الاطلاقات الدالّة على جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجّل من بائعها ثانياً بثمن أقل من ثمنها الأول .

إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك وليست الرواية ظاهرة في أنّ الثمن كان أقل من ثمنه السابق بل هي من هذه الجهة مجملة . ولو أغمضنا عن إجمالها فهي تقتضي المنع حتى إذا كان الثمن أكثر ، والوجه في إجمالها من هذه الجهة هو أنّ السائل يسأل فيها الإمام (عليه السلام) عن أنّي أبيع الطعام من رجل إلى أجل فيجيئني وقد تغيّر الطعام من سعره فيقول ليس عندي دراهم ، قال خذ منه بسعر يومه ، فقال السائل إنه طعامي الذي اشتراه منّي ، فقال لا تأخذ منه حتى يبيعه ويعطيك ثمنك ، فقال السائل أرغم الله أنفي رخّص لي فرددت عليه فشدّد عليّ .

والتغيّر في سعر الطعام إمّا بالنقيصة وإمّا بالزيادة ولا ثالث في البين ، فإن كان المراد منه هو النقيصة كما يساعده قول السائل أرغم الله أنفي ، فالرواية لا بأس بدلالتها على مطلب الشيخ كما مرّ ، ولكن الظاهر من التغيّر هو التغيّر بالزيادة كما يساعده ردّ السائل في قوله إنه طعامي الذي اشتراه أي إنه هو الذي بعته بقيمة رخيصة فكيف أشتريه بالزيادة التي هي سعر يومه ، وأجابه (عليه السلام) إذن لا تشتره ودعه حتى يبيعه في السوق ويعطيك ثمنك .

ومنه يظهر أنّ الإمام (عليه السلام) ليس بصدد الحكم المولوي على كلا تقديري التغيّر بالنقيصة أو الزيادة ، وإنما هو (عليه السلام) في مقام بيان حلّ المسألة

ــ[279]ــ

التي هو فيها فيرشده إلى اشترائه منه بقيمة يومه لئلاّ يبقى قيمته في ذمّة المشتري ولمّا لم يرض به البائع بدعوى أنه الذي بعته بقيمة ناقصة فكيف أشتريه بالزيادة فأرشده إلى أمر آخر وهو إنّك لا تشتره حينئذ حتى يبيعه في السوق بتلك القيمة السوقية الزائدة ويؤدّي ثمنك ، فالرواية كما نقله في الحدائق(1) عن بعضهم ليست في مقام بيان الحكم المولوي بوجه ، فما ذكره البعض هو الصحيح .

نعم لا ينبغي الإشكال في أنّ السائل فهم من جوابه (عليه السلام) المنع المولوي عن شرائه ولو بالقيمة الزائدة ولذا قال « أرغم الله أنفي رخّص لي فرددت عليه بالسؤال ثانياً فشدّد عليّ » إلاّ أنّ الصحيح أنه لم يفهم مراد الإمام (عليه السلام) لأنّه كما بيّناه في مقام الاصلاح وبيان ما هو الطريقة العقلائية في مثله ، وعليه فلا دلالة في هذه الرواية أيضاً على مطلب الشيخ (قدّس سرّه) كي يخرج بها عمّا تقتضيه الاطلاقات والعمومات كما عرفت .

ثم إنّ هناك وجهاً ثالثاً لمطلب الشيخ (قدّس سرّه) وبه يكون الوجوه المستدلّ بها على مطلبه ثلاثة وملخّصه : أنّ الشيخ (قدّس سرّه) قاس المقام بباب السلم في المكيل والموزون وغيرهما حيث دلّت الروايات في باب السلم على عدم جواز بيع المبيع الذي اشتراه المشتري من بائعه الأول ، ففي رواية علي بن جعفر « سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم ؟ قال : إذا قوّمه دراهم فسد ، لأنّ الأصل الذي يشتري به دراهم فلا يصح دراهم بدراهم »(2) وقد دلّت على أنّ بيع التمر مثلا على المشتري بالدراهم غير جائز لأنه يرجع إلى بيع الدراهم بالدراهم بواسطة واحدة ، لأنّ البائع أوّلا باع التمر بالدراهم ثم باع المشتري ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 19 : 130 .

(2) الوسائل 18 : 308 / أبواب السلف ب11 ح12 .

ــ[280]ــ

التمر بالدراهم فكأنّهما بدّلا الدراهم بالدراهم ، والنقص والزيادة في بيع الدرهم بالدرهم محرّمان ، فإذا ثبت هذا الحكم في السلم فثبت عكسه في المقام لا محالة ، فإنّ المؤجّل في السلم هو المبيع وفي المقام هو الثمن ، فإذا آل بيع التمر بالدراهم من البائع بعد بيعه بها من المشتري إلى بيع الدرهم بالدرهم ففي المقام أيضاً إذا باع طعاماً بثمن مؤجّل ثم أراد تبديل الثمن بالطعام يؤول إلى بيع الطعام بالطعام بواسطة واحدة وفي مثله لا يجوز أخذ الزيادة فإنها يؤول إلى بيع عشرة أمنان من التمر في مقابل إحدى عشر منّاً منه وهو غير جائز ، أو في مقابل عشرة أمنان ودرهم ، هذا .

ويدفعه : أنّ هذا المعنى لو ثبت في السلم لاقتضى حرمة المعاملة مطلقاً سواء كان المبيع شخصياً أم كان كلّياً ، فإذا باعه عشرة أمنان من الحنطة على نحو الكلّي في الذمّة بدراهم ثمّ باع المشتري من البائع عشرة أمنان اُخر من الحنطة بالدراهم فهذا أيضاً يرجع إلى بيع الدراهم بالدراهم ، مع أنّ صحة البيع المذكور ممّا لا خلاف فيه هذا أوّلا .

وثانياً : أنّ الرواية المانعة عن ذلك في السلم في موردها معارضة برواية اُخرى(1) تدلّ على جواز البيع المذكور فراجع ، والشيخ أيضاً غير ملتزم بذلك فيما ذكرناه من بيع الكلّي في السلم .

وثالثاً : أنّ ذلك قياس محض . فالمتحصّل أنّ ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح ولا دليل على ما ذهب إليه الشيخ (قدّس سرّه) هذا تمام الكلام في المسألتين من المسائل الثلاث .

ويبقى الكلام في المسألة الثالثة المعبّر عنها في كلام شيخنا الأنصاري (قدّس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 308 / أبواب السلف ب11 ح11 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net