الخلاف في طهارة غُسالة ماء الحمّام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7798


   [ 212 ] مسألة 3 : الأقوى طهارة غسالة الحمّام (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشاهداً في منقار الجوارح من الطيور لأنّ الأصل حينئذ أن يكون نجساً ، وذلك لقوله (عليه السلام) في موثقة عمّار بعد السؤال عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب : «كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلاّ أن ترى في منقاره دماً ، فان رأيت في منقار دماً فلا توضأ منه ولا تشرب» (1) حيث دلّت على نجاسة الدم حينئذ مع الشك بحسب الغالب في أنه من القسم الطاهر أو النجس ، حيث يحتمل أن يكون من دم السمك أو المتخلف في الذبيحة كما يحتمل أن يكون من دم الميتة ، فانّ العلم بكونه من القسم النجس قليل الاتفاق ، ومع هذا كله حكم (عليه السلام) بنجاسته ، فالأصل في الدم المشاهد في منقار الجوارح هو النجاسة ، ولو من جهة جعل الشارع الغلبة أمارة على أن الدم من القسم النجس كما أوضحناه في مبحث نجاسة الدم .

   (1) يأتي الكلام في الرطوبة الخارجة بعد البول أو المني عند التكلم في الاستبراء ونبيّن هناك أن الشارع حكم فيها بوجوب الغسل أو الوضوء فيما إذا خرجت قبل الاستبراء بالبول أو الخرطات ولو من جهة تقديم الظاهر على الأصل ، إلاّ أن الأخبار الواردة في ذلك لم تدل على أن البلل المشتبه بعد البول وقبل الاستبراء بول أو أن الخارج بعد المني وقبل الاستبراء مني ، وإنما دلت على أن البلل المشتبه ناقض للوضوء أو الغسل ، ومن هنا قد يتوقف في الحكم بنجاسة البلل المشتبه لعدم دلالة الدليل على نجاسته . وتفصيل الكلام في دلالة الأخبار على نجاسة البلل المشتبه وعدمها يأتي في مسألة الاستبراء إن شاء الله .

   (2) وقع الخلاف في طهارة غسالة الحمّام ونجاستها ، فمنهم من قال بنجاستها ـ وإن كانت مشكوكة الطهارة في نفسها ـ وأنها ملحقة بالبللين المشتبهين ومستثناة عمّا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 230 / أبواب الأسآر ب 4 ح 2 .

ــ[150]ــ

حكمنا بطهارته مما يشك في نجاسته تقديماً للظاهر على الأصل ، وقال جمع بطهارتها وأن حال غسالة الحمّام حال بقية الاُمور التي يشك في طهارتها ونجاستها لقوله (عليه السلام) : «كلّ شيء نظيف ...» . وليعلم أن محل البحث والكلام إنما هو صورة الشك في طهارة الغسالة ونجاستها ، وأما مع العلم بحكمها ـ كما قد يتفق في الحمّامات المعمولة في البيوت ، حيث يحصل العلم في بعض الموارد بملاقاتها مع العين النجسة أو بعدم ملاقاتها ـ فهي خارجة عن محل البحث وهو ظاهر .

   وقد استدلّ للقول بنجاستها بجملة من الأخبار الواردة في المنع عن الاغتسال بماء الحمّام أو بغسالته(1) لأنه سواء اُريد من الاغتسال في تلك الروايات معناه المصطلح عليه الذي هو في مقابل الوضوء أم اُريد به معناه اللغوي أعني إزالة الوسخ لا وجه للنهي عنه إلاّ نجاستها . هذا ولا يخفى أن تلك الروايات لا دلالة لها على نجاسة الغسالة بوجه ، لأن النهي فيها معلّل بعلل غير مناسبة لنجاسة الغسالة ، ففي بعضها : «فانه يغتسل فيه من الزّنا ويغتسل فيه ولد الزّنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم» ، وفي آخر «إن فيها تجتمع غسالة اليهودي والنصارى والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم» وغيرهما من العلل ، ومن الظاهر أن بدن الجنب مطلقاً وكذا ولد الزنا والجنب من الحرام كلّها محكوم بطهارته . نعم ، وقع الكلام في نجاسة عرق الجنب من الحرام وقد مرّ أنّ الحق طهارته ، كما أنّ نجاسة اليهود والنصارى ليست متسالماً عليها في الشريعة المقدّسة ، وما هذا شأنه كيف يصلح أن يعلل به نجاسة غسالة الحمّام .

   على أنها قد عللت في بعض أخبارها بأن ولد الزنا لا يطهر إلى سبعة آباء ، وهذه قرينة قطعية على أنّ النهي عن الاغتسال في غسالة الحمّام غير مستند إلى نجاستها بالمعنى المصطلح عليه ، لعدم نجاسة ولد الزّنا في نفسه فضلاً عن أبنائه إلى سبعة أبطن والناصب لأهل البيت (عليهم السلام) وإن قلنا بنجاسته إلاّ أنه ليس بهذه الرواية لما عرفت ما فيها من القصور ، فانّ غير الناصب ممّن ذكر معه في الرواية إما نقطع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 218 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 1 ـ 5 .

ــ[151]ــ

بطهارته أو أن نجاسته وقعت محلاً للخلاف ، وإنما حكمنا بنجاسة الناصب لما ورد في موثقة ابن أبي يعفور من «أن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وأن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» (1) .

   وعلى الجملة أنّ هذه الأخبار مما لا إشعار فيه بنجاسة الغسالة فضلاً عن أن تدلّ عليها ، ومن هنا لا بد من حملها على استحباب التنزه عن الغسالة لتقذرها بالقذارة المعنوية لأنها مسّت اليهودي والنصارى والجنب وولد الزنا وغيرهم ممن لا تخلو من القذارة معنى ، هذا بل ورد النهي عن الاغتسال بما قد اغتسل فيه وإن كان المغتسل في غاية النظافة والورع ، حيث ورد : «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلاّ نفسه» (2) .

   ومما يدلنا على أن النهي عن الاغتسال في غسالة الحمّام تنزيهي صحيحة محمد بن مسلم ، قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره اغتسل من مائه ؟ قال : نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ، ولقد اغتسلت فيه وجئت فغسلت رجلي وما غسلتهما إلاّ بما لزق بهما من التراب» (3) وصحيحته الثانية قال : «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) جائياً من الحمّام وبينه وبين داره قذر فقال : لولا ما بيني وبين داري ما غسلت رجلي، ولا يجنب (ولا يخبث) ماء الحمّام»(4) وموثقة زرارة «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يخرج من الحمّام فيمضي كما هو ، لا يغسل رجليه حتى يصلِّي»(5) فانّ هذه الأخبار دلّتنا على طهارة غسالة الحمّام لأنه (عليه السلام) لم يغسل رجليه مع القطع باصابتهما الغسالة ، إما لأنه (عليه السلام) بنفسه قد اغتسل في الحمّام كما هو مقتضى الصحيحة الاُولى فاصابة الغسالة برجليه (عليه السلام) واضحة ، وإما لأن رجليه وقعتا على أرض الحمّام يقيناً كما أن الغسالة أصابت الأرض قطعاً فقد أصابتهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 220 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5 ، 2 .

(3) الوسائل 1 : 211 / أبواب الماء المضاف ب 9 ح 3 .

(4) الوسائل 1 : 149 / أبواب الماء المطلق ب 7 ح 3 وفي بعض النسخ (ما غسلت رجلي ولا نحيت (ولا تجنبت) ماء الحمّام) .

(5) الوسائل 1 : 211 / أبواب الماء المضاف 9 : 2 .

ــ[152]ــ

الغسالة بواسطة أرض الحمّام لا محالة، فلو كانت الغسالة متنجِّسة لغسل (عليه السلام) رجليه لتنجسهما مع أنه لم يغسلهما إلاّ لما لزقهما من التراب ، ولا بدّ معه من حمل الأخبار المانعة على التنزه والكراهة .

   هذا ثم لو سلمنا نجاسة الغسالة فانما نسلّمها في الحمّامات التي يدخلها اليهود والنصارى والناصب وغيرهم ممن سمِّي في الروايات كما كان هو الحال في الحمّامات الدارجة في عصرهم (عليهم السلام) ، فان الحماميين كانوا من أهل السنّة وكان يدخلها السلاطين والاُمراء واليهود والنصارى والناصب ، فهب أ نّا حكمنا بنجاسة الغسالة في مثلها إلاّ أن التعدي عن مورد الروايات إلى غيرها من الحمّامات التي نعلم بعدم دخول اليهود والنصارى والناصب فيها ـ كحمّاماتنا ـ أو نشك في دخولهم دونه خرط القتاد ، فكيف يمكن الحكم حينئذ بنجاسة الغسالة على وجه الاطلاق . فالانصاف أنّ غسالة الحمّام لا دليل على نجاستها .

   وهم ودفع : أمّا الوهم فهو أنّ من البعيد جدّاً بل ولا يحتمل عادة طهارة الغسالة في الحمّامات المتعارفة ، فان من يريد الاغتسال في الحمّام لم تجر العادة على أن يطهّر بدنه من الخبث خارجاً ثم يدخله لمجرّد الاغتسال ، بل إنما يدخله مع نجاسة بدنه فيكون الماء الملاقي لبدنه متنجساً وبه تكون الغسالة التي هي مجمع تلك المياه المتنجسة متنجسة ، لقلّتها أو لو كانت كثيرة أيضاً يحكم بنجاستها لما قدمناه من أن تتميم القليل كراً بالمتنجِّس غير كاف في الاعتصام ، وبئر الغسالة إنما تتمم كراً بالمـياه المتنجِّسة ومعه كيف صحّ للإمام (عليه السلام) أن يغتسل فيها أو لا يغسل رجليه إلاّ لأجل ما لزقهما من التراب .

   وأمّا الدفع فهو أن الحمّامات الموجودة في عصرهم إنما كانت عبارة عن عدّة حياض صغار ـ كما هي كذلك في حمّاماتنا اليوم ـ وكانت تتصل تلك الحياض بماء الخـزانة بشيء كانبوب ومزملة ولو من خشب وبها كانت المادة تتصل بالحياض وتوجب طهارتها ، كما أنها تطهِّر أرض الحمّام بجريانها عليه إلى أن يصـل إلى بئر الغسالة فتوجب طهارة البئر أيضاً ، لأنها ماء مطهّر عاصم فتطهر البئر بوصولها ، ومن

ــ[153]ــ

وإن ظنّ نجاستها (1) لكن الأحوط الاجتناب عنها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net