اعتبار سماع الدعوى كونها على نحو الجزم - صور في ما لو ادّعى شخص مالاً على آخر 

الكتاب : مبـاني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الأول : القضاء   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4575


ــ[16]ــ

   (مسألة 10) : إذا ادّعى شخص مالاً على آخر، فالآخر لا يخلو من أن يعترف له، أو ينكر عليه، أو يسكت ، بمعنى : أ نّه لا يعترف ولا ينكر ، فهنا صور ثلاث :

   الاُولى : اعتراف المدّعى عليه ، فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به (1) .

   الثانية : إنكار المدّعى عليه ، فيطالب المدّعي بالبيّنة (2) ، فإن أقامها حكم على طبقها وإلاّ حلف المنكر ، فإن حلف سقطت الدعوى ، ولا يحلّ للمدّعي

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومنها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن قصّار دفعت إليه ثوباً فزعم أ نّه سرق من بين متاعه «قال : فعليه أن يقيم البيّنة أ نّه سرق من بين متاعه» الحديث (1) .

   ومنها : صحيحة جعفر بن عثمان ، قال : حمل أبي متاعاً إلى الشام مع جمّال ، فذكر أنّ حملاً منه ضاع، فذكرت ذلك لأبي عبدالله (عليه السلام) «فقال: اتتّهمه؟» قلت: لا «قال: فلا تضمنه»(2) .

   (1) وذلك لاستقرار السيرة العقلائيّة على نفوذ إقرار المقرّ على نفسه ، وقد أمضى الشارع هذه السيرة ، كما يستفاد ذلك من عدّة روايات في أبواب الإقرار والعتق والوصيّة والقضاء والحدود وثبوت النسب وغيرها .

   (2) وذلك لعدّة روايات :

   منها : صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن القسامة ؟ «فقال: الحقوق كلّها، البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 142 /  أبواب أحكام الإجارة ب 29 ح 5 .

(2) الوسائل 19 : 150 /  أبواب أحكام الإجارة ب 30 ح 6 .

ــ[17]ــ

ـ  بعد حكم الحاكم  ـ التقاصّ من مال الحالف (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلاّ في الدم خاصّة» (1) .

   (1) وذلك لجملة من الروايات :

   منها : معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه ، فحلف أن لا حقّ له قبله ، ذهبت اليمين بحقّ المدّعي ، فلا دعوى له» قلت له : وإن كانت عليه بيّنة عادلة ؟ «قال : نعم ، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له ، وكانت اليمين قد أبطلت كلّ ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه» (2) .

   ومنها : صحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل وقع لي عنده مال ، فكابرني عليه وحلف ، ثمّ وقع له عندي مال ، آخذه لمكان مالي الذي أخذه وأجحده وأحلف عليه كما صنع ؟ «قال : إن خانك فلا تخنه ، ولا تدخل فيما عبته عليه» (3) .

   وهذه الصحيحة وإن كانت تعارضها معتبرة أبي بكر ، قال : قلت له : رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها ، أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي ؟ قال : «فقال : نعم» الحديث (4) .

   إلاّ أنّ المعتبرة الاُولى تقتضي حمل صحيحة سليمان بن خالد على مورد الاستحلاف والرضى بحلف المنكر ، وحمل معتبرة أبي بكر على مورد عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 233 /  أبواب كيفية الحكم ب 3 ح 2 .

(2) الوسائل 27 : 244 /  أبواب كيفية الحكم ب 9 ح 1 .

(3) الوسائل 17 : 274 /  أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 7 .

(4) الوسائل 17 : 273 /  أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 4 .

ــ[18]ــ

   نعم ، لو كذّب الحالف نفسه جاز للمدّعي مطالبته بالمال ، فإن امتنع حلّت له المقاصّة من أمواله (1) .

   الثالثة : سكوت المدّعى عليه ، فيطالب المدّعي بالبيّنة ، فإن لم يقمها ألزم الحاكم المدّعى عليه بالحلف إذا رضي به المدّعي وطلبه (2) ، فإن حلف فهو ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاستحلاف وصدور الحلف من المنكر عفواً ، وبذلك يرتفع التعارض بينهما .

   (1) وذلك فإنّ الإقرار يبطل اليمين بلا خلاف ظاهر ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه .

   وما دلّ من الأخبار على أنّ اليمين تذهب بحقّ المدّعي منصرف عن صورة تكذيب الحالف نفسه جزماً ، فيكون الإقرار حجّة على المقرّ .

   ويدلّ على ذلك صريحاً ما رواه الصدوق بإسناده عن مسمع أبي سيّار ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه ، وحلف لي عليه ، ثمّ إنّه جاءني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي أودعته إيّاه ، فقال : هذا مالك فخذه ، وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها ، فهي لك مع مالك ، واجعلني في حلّ ، فأخذت منه المال وأبيت أن آخذ الربح منه ، ورفعت المال الذي كنت استودعته وأبيت أخذه حتى أستطلع رأيك ، فما ترى ؟ «فقال : خذ نصف الربح ، وأعطه النصف ، وحلّله ، فإنّ هذا رجل تائب ، والله يحبّ التوّابين» (1) . والرواية صحيحة وإن كان في طريقها القاسم بن محمّد ، فإنّه ثقة على الأظهر .

   (2) فإنّ الحلف وظيفة المدّعى عليه ، ولا يكون القضاء إلاّ بالبيّنة أو الحلف .

   نعم ، إذا لم يرض المدّعي بحلف المدّعى عليه وأراد تأجيل الدعوى لغرض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 23 : 286 /  كتاب الأيمان ب 48 ح 3 ، الفقيه 3 : 194 / 882 .

ــ[19]ــ

وإلاّ فيردّ الحاكم الحلف على المدّعي (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما فله ذلك ، وليس للحاكم حينئذ إحلاف المدّعى عليه ، بل تبقى الدعوى مؤجّلة ، ولعلّ المدّعي يتمكّن بعد ذلك من إقامة البيّنة ، أو أ نّه يتمكّن من إقناع المدّعى عليه بأن يقرّ له ، أو نحو ذلك .

   (1) ذهب جماعة إلى أنّ الحاكم يلزم المدّعى عليه حينئذ بالحلف أو ردّه ، وإلاّ اعتبره ناكلاً وحكم عليه .

   ونسب إلى المشهور أنّ الحاكم يردّ الحلـف على المدّعى ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلام بعضهم .

   واستدلّ على القول الأوّل بصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الأخرس كيف يحلف إذا ادّعي عليه دين وأنكر ولم تكن للمدّعي بيّنة ؟ «فقال : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اُتي بأخرس ـ  إلى أن قال : ـ ثمّ كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) : والله الذي لا إله إلاّ هو ـ  إلى أن قال : ـ ثمّ غسله ، وأمر الأخرس أن يشربه ، فامتنع ، فألزمه الدين» (1) .

   وبصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل يدّعى عليه الحقّ ولا بيّنة للمدّعي ؟ «قال : يستحلف أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ ، فإن لم يفعل فلا حقّ له» (2) .

   فإنّ مقتضى هاتين الصحيحتين أنّ دعوى المدّعي تثبت بامتناع المدّعى عليه عن الحلف والردّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 302 /  أبواب كيفية الحكم ب 33 ح 1 .

(2) الوسائل 27 : 241 /  أبواب كيفية الحكم ب 7 ح 2 .

ــ[20]ــ

   وأمّا إذا ادّعى المدّعى عليه الجهل بالحال ، فإن لم يكذّبه المدّعي فليس له إحلافه (1) ، وإلاّ أحلفه على عدم العلم .
ـــــــــــــــــــــــ

   ولكنّ الظاهر لزوم الردّ إلى المدّعي من قبل الحاكم ، فإنّ الصحيحة الاُولى قضيّة في واقعة ، فلعلّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أحلف المدّعي . وأمّا الصحيحة الثانية فإنّ دلالتها على عدم لزوم الردّ إنّما هي بالإطـلاق ، وهي معارضة بإطلاق صحيحة هشام عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : تردّ اليمين على المدّعي» (1) .

   فإنّها تقتضي لزوم ردّ اليمين على المدّعي ولو لم يكن الرادّ هو المدّعى عليه . ومع المعارضة فالمرجع هو ما دلّ من الروايات على أنّ القضاء إنّما يكون بالأيمان والبيّنات ، على أنّ الأصل يقتضي عدم جواز الحكم بمجرّد النكول .

   (1) فإنّه لايمكن إحلافه على الواقع، لأ نّه يدّعي الجهل به ، ولا يمكن إحلافه على عدم العلم إن صدّقه المدّعي وهو واضح ، وكذلك إن لم يصدّقه ولم يكذّبه ، فإنّه لايجوز الإحلاف حينئذ أيضاً ، لعدم كون المدّعي جازماً ، وقد مرّ اعتبار الجزم في سماع الدعوى (2) . وأمّا إذا كذّبه وادّعى علم المدّعى عليه بالحال فله إحلافه .
ــــــــــــــ

(1) الوسائل 27 : 241 /  أبواب كيفية الحكم ب 7 ح 3 .

(2) في ص 15 مسألة 9 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net