لا يُعتبر في البيِّنة ذكر مستند الشّهادة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6294


ــ[165]ــ

   [ 218 ] مسألة 4 :  لا يعتبر في البيِّنة ((1)) ذكر مستند الشهادة (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) والصحيح التفصيل بين ما إذا لم يكن بين الشاهدين ـ أي البيِّنة ـ والمشهود عنده خلاف في شيء من النجاسات والمتنجسات اجتهاداً أو تقليداً  فلا يعتبر ذكر مستند الشهادة ، وبين ما إذا كان بينهما خلاف في شيء منهما ـ كما إذا رأى الشاهد نجاسة الخمر أو نجاسة العصير أو منجسية المتنجس دون المشهود عنده ـ فيعتبر ذكر المستند حينئذ ، وتوضيح ذلك :

   أنّ الشاهد ـ أعني البيِّنة ـ إذا أخبر عن نجاسة شيء وذكر مستندها أيضاً ولكنّا علمنا بخطأه وعدم صحة مستندها ، كما إذا أخبر عن نجاسة الماء لأجل إخباره عن أنه لاقى الدم ، وقد علمنا بعدم ملاقاته له وأن ما لاقى الماء كان طاهراً ، فلا إشكال في سقوطه عن الاعتبار وعدم حجية شهادته ، فانّ إخباره عن السبب بالمطابقة وإن دلّ على نجاسة الماء بالالتزام إلاّ أنه لا اعتبار بالدلالة الالتزامية بعد سقوط الدلالة المطابقية عن الاعتبار للعلم بخطأه ، فالنجاسة الناشئة من ملاقاة الدم منتفية يقيناً والنجاسة المسببة عن شيء آخر لم تحك عنها الشهادة بالمطابقة ولا بالالتزام . وإلى هذا أشار الماتن بقوله : نعم لو ذكرا مستندها وعلم عدم صحّته لم يحكم بالنجاسة .

   وأمّا إذا أخبر بنجاسة شيء ولم يذكر مستندها فهو منحل واقعاً إلى أمرين وإن كان الشاهد غير ملتفت إليهما : أحدهما : الإخبار عن الكبرى المجعولة في الشريعة المقدّسة على نحو القضايا الحقيقية وهي نجاسة البول أو المني أو غيرهما من الأعيان النجسة ومنجسيته لما يلاقيه خارجاً . وثانيهما : الإخبار عن أن تلك الكبرى المجعولة قد انطبقت على موردها ومصداقها وأن صغراها تحققت في الخارج بمعنى أن البول أو المني مثلاً لاقى الماء أو الثوب خارجاً .

   أمّا أوّلهما : فلا اعتبار للبينة في مثله ، فان الحكاية والإخبار عن الأحكام المجعولة في الشريعة المقدّسة وظيفة الرواة حيث ينقلونها حتى يأخذ عنهم الفقيه ، أو وظيفة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إلاّ إذا كان بين البينة ومن قامت عنده خلاف في سبب النجاسة .

ــ[166]ــ

المفتي والفقيه حيث يفتي بوجوب شيء أو حرمته حتى يتبعه مقلِّدوه ، وأمّا البيِّنة فليس لها أن تخبر عن الأحكام الكلية بوجه .

   وأمّا ثانيهما : فهو وإن كان إخباراً عن الموضوع الخارجي أعني ملاقاة النجس للماء مثلاً ، فلا مناص من أن تتبع فيه البينة وإن كان مدلولاً التزامياً لها ، إلاّ أن البينة إنما تحكي عن ملاقاة الماء للنجس بالالتزام فيما إذا لم يكن بين الشاهد والمشهود عنده خلاف في الأسباب المؤثرة في التنجيس ، كما إذا كان أحدهما مقلداً للآخر أو كانا مقلدين لثالث أو مجتهدين متطابقين في الرأي والنظر وقد بنيا على نجاسة الخمر أو العصير أو على منجسية المتنجس وهكذا ، ولعلّ توافقهما في ذلك هو الأغلب ، لأنّ استقلال الشاهد ـ البيِّنة ـ بما لا يراه المشهود عنده مؤثراً في التنجيس قليل الاتفاق .

   وكيف كان ، فإذا لم يكن بينهما خلاف في ذلك فاخبار الشاهد عن نجاسـة شيء إخبار التزامي عن ملاقاته النجس أو المتنجس ، لأنه لا معنى للمعلول من غير علة وهو إذا لم يعلم بسبب النجاسة على تفصـيله فلا أقل من أنه عالم به على الاجمال لعلمه بأنه لاقى بولاً  أو عصيراً  أو غيرهما من النجاسات والمتنجسات، وبما أنه إخبار عن الموضوع الخارجي فلا محالة تتبع فيه البينة ، لأن الإخبار الالتزامي كالإخبار المطابقي حجّة ومانع عن جريان الأصل العملي وهو ظاهر .

   وأمّا إذا كان بينهما خلاف في ذلك كما إذا رأى الشاهد ـ البينة ـ نجاسة الخمر أو العصير أو منجسية المتنجس دون المشهود عنده ، وقد أخبره بنجاسة الماء من غير ذكر مستندها واحتملنا استناده في ذلك إلى ما لا يراه المشهود عنده نجساً ، فلا يكون إخباره هذا إخباراً عن ملاقاة الماء مع النجس بالالتزام . نعم ، يدل بالدلالة الالتزامية على تحقّق طبيعي الملاقاة وجامعها المردد بين المؤثر بنظر المشهود عنده وغير المؤثر وظاهر أن الأثر لم يترتب على طبيعيها وإنما هو مترتب على بعض أفراده ، ولم يخبر الشاهد عن تحقق الملاقاة المؤثرة لا بالمطابقة ـ وهو ظاهر ـ ولا بالالتزام .

   وبالجملة أن الالفاظ إنما وضعت للدلالة على ما أراد المتكلِّم تفهيمه ، ولا دلالة في كلام الشاهد على أنه قصد تفهـيم حصول الملاقاة المؤثرة بنظر المشـهود عنـده أو

ــ[167]ــ

غيرها ، فنحن بعد في شك في ملاقاة الماء للبول أو غيره من المنجسات فأي مانع معه من الرجوع إلى استصحاب عدم حصول الملاقاة المؤثرة كملاقاته البول أو المني أو غيرهما ، وهذا الاسـتصحاب جار من غير معارض ، فانّ استصحاب عدم حصـول الملاقاة غير المؤثرة مما لا أثر له ، وحيث لم تقم البينة على حصول الملاقاة المؤثرة فلا مانع من الرجوع إلى الأصل . نعم ، لو كانت للبينة دلالة على حصولها ولو بالالتزام ـ  كما إذا لم يكن بينهما خلاف في الأسباب المؤثرة في التنجيس  ـ لكانت حاكمة على الاستصحاب المذكور لا محالة لأنها حينئذ تزيل الشك عن حصول الملاقاة المؤثرة بالتعبد . فما ذهب إليه العلاّمة (قدس سره) من أن الشاهد لا يعتنى بشهادته إذا شهد بالنجاسة ولم يذكر السبب لجواز اعتماده على ما لا يعتمد عليه المشهود عنده(1) هو الصحيح .

   ودعوى اسـتقرار سيرة العقلاء على قبول شهادته وعدم فحصهم وسؤالهم عن مستندها ، عهدتها على مدّعيها لأنه لم تثبت عندنا سيرة على ذلك ، وقد عرفت أن إخباره عن الحكم المجعول في الشريعة المقدّسة ـ  أعني نجاسة ملاقي الماء على نحو القضية الحقيقية  ـ غير معتبر ، وإخبارها عن حصول الملاقاة في الخارج وإن كان معتبراً إلاّ أن ما يثبت به إنما هو حصول طبيعي الملاقاة لا الملاقاة المؤثرة بنظر المشهود عنده ، والمدار في ثبوت النجاسة بالبينة إنما هو على إخبارها عن سبب تام السببية عنده لا ما هو سبب عند الشاهد ، إذ لا يترتّب عليه أثر عند المشهود عنده ، ومن هنا ذكر الماتن في المسألة الآتية أن الشاهد إذا أخبر بما لا سببية له في نجاسـة الملاقي عنده إلاّ أنه سبب مؤثر فيها بنظر المشـهود عنده تثبت به نجاسـة الملاقي لا  محالة .

   فتحصّل أنّ البيِّنة إذا أخبرت عن النجاسـة ولم يذكر مستندها فلا يعتمد على شهادتها عند اختلافهما في الأسباب . هذا كلّه في هذه المسألة ، ومما ذكرناه في المقام يظهر الحال في المسائل الآتية فليلاحظ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 1 : 93 .

ــ[168]ــ

نعم لو ذكرا مستندها ، وعلم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net