وجوب إزالة النّجاسة عن المساجد - حُرمة تنجيس المساجد خلالاُ لبعض 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6528


   [ 243 ] مسألة 2: تجب إزالة النجاسة عن المساجد: داخلها وسقفها وسطحها(2)

ـــــــــــــــــــــــ

   (2) لا إشـكال في وجوب إزالة النجاسـة عن المسـاجد وحرمة تنجيسـها لارتكازهما في أذهان المتشرعة ، حيث إن المساجد بيوت الله المعدّة لعبادته فلا  تجتمع مع النجاسة ، لمكان أهميتها وعظمتها وللاجماع القطعي المنعقد في المسألة . ولا ينافي ذلك ما عن صاحب المدارك (قدس سره) من الميل إلى جواز تنجيسـها (1) وذلك لشذوذه وإن وافقه صاحب الحدائق (2) (قدس سره) لأن موافقته لا تخرج المخالفة عن الشذوذ ولا يضر في الحكم لقطعيته . ومن العجيب ما عن صاحب الحـدائق (قدس سره) حيث إنه استشهد على جواز تنجيس المساجد بموثقة (3) عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الدمّل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة ، قال : يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة» (4) بدعوى أن إطلاقها يشمل ما إذا كانت الصلاة في المسجد فتدل على جواز تنجيس أرض المسجد وحائطه . ويدفعه : أن الرواية إنما سيقت لبيان أن مسح المنفجر من الدمل بمثل الحائط أو الأرض ليس من الفعل الكثير القاطع للصلاة ، ولا نظر لها إلى جواز تنجيس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع المدارك 2 : 305 ، 4 : 399 .

(2) الحدائق 5 : 294 .

(3) كذا عبّر عنها في الحدائق [ 5 : 294 ] وغيره ولم يظهر لنا وجهه .

(4) الوسائل 3 : 435 / أبواب النجاسات ب 22 ح 8 .

ــ[252]ــ

المسجد أو غيره من الأمكنة بوجه ، فهل ترى صحة الاستدلال باطلاقها على جواز تنجيس الحائط إذا كان مِلكاً لغير المصلي ؟ ولا وجه له إلاّ أن الرواية غير ناظرة إلى تلك .

   وكيف كان ، إنّ حرمة تنجيس المساجد ووجوب إزالة النجاسة عنها حكمان قطعيّان وأمران ارتكازيّان في أذهان المتشرِّعة . على أنه يمكن أن يستدل على وجوب الإزالة بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن الدابة تبول فتصيب بولها المسجد أو حائطه أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : إذا جف فلا بأس» (1) حيث دلّت على أن وجوب إزالة النجاسة عن المسجد كان مرتكزاً ومفروغاً عنه عند السائل ، وإنما تردد في وقتها حيث سأله عن أنها على الفور أو يجوز تأخيرها إلى بعد الصلاة وقد قرّره الإمام (عليه السلام) على هذا الارتكاز ولم يردع عن اعتقاده الوجوب . وأما سؤاله عن بول الدابة فيحتمل أن يكون مستنداً إلى احتماله نجاسة بول الدواب أو إلى اعتقادها كما دلّ عليها بعض الأخبار الواردة بطريقنا (2) وحملناه على التقيّة لموافقته العامّة حيث ذهب جملة منهم إلى نجاسة بول الدواب(3) ، ومن هنا يظهر أنّ عدم حكمه (عليه السلام) بطهارته مستند إلى التقية وعدم إظهاره المخالفة مع المخالفين . وأما تفصيله (عليه السلام) بين صورتي جفاف البول ورطوبته فلعله من جهة استقذاره مع الرطوبة وإذا يبس فلا يبقى مجال لاستقذاره .

   وعلى الجملة أنّ الرواية لا إشكال في سندها حيث إن صاحب الوسائل (قدس سره) رواها بطريقين فبطريق عبدالله بن الحسن تارة وهو الذي ضعّفناه في بعض أبحاثنا ، وعن كتاب علي بن جعفر اُخرى وطريقه إلى كتابه صحيح ، كما أن دلالتها واضحة . نعم ، يمكن المناقشة فيها ـ  أي في دلالتها  ـ بأنّ الاستدلال بالرواية على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 411 / أبواب النجاسات ب 9 ح 18 .

(2) الوسائل 3 : 406 / أبواب النجاسات ب 8 ح 7 وب 9 ح 1 ، 5 ، 8 ، 9 ، 11 .

(3) بداية المجتهد 1 : 80 ، المجموع 2 : 549 ، المبسوط للسرخسي 1 : 53 ـ 54 المحلي 1 : 168 ، بدايع الصنائع 1 : 61 ، حلية العلماء 1 : 306 روضة الطالبين 1 : 125 . كما تقدّم نقل أقوالهم في شرح العروة 2 : 57 .

ــ[253]ــ

وجوب إزالة النجاسة عن المسجد وحرمة تنجيسه إنما يصح فيما إذا كان لها ظهور عرفي في ارتكازهما ومفروغيتهما عند السائل وأن الوجه في سؤاله عن غسل بول الدابة إنما هو احتماله أو اعتقاده نجاسته ، وأما إذا لم يكن لها ظهور عرفي في انحصار وجه السؤال في ذلك وكان الاستدلال بها مبتنياً على الحدس والتخمين بأن احتملنا أن يكون لسؤاله وجه آخر فلا يمكننا الاعتماد عليها أبداً ، لأ نّا كما نحتمل أن يكون الوجه في سؤاله أحد الأمرين المتقدِّمين كذلك نحتمل أن يكون سؤاله راجعاً إلى حكم ترجيح أحد الأمرين المستحبين على الآخر ، حيث إن ظاهر الصحيحة سعة الوقت للصلاة وتمكّن المكلّف من إتيانها قبل خروج وقتها مع تقديم تطهير المسجد على الصلاة ، ومن الظاهر أن المبادرة إلى الواجب الموسّع مستحبة كما أن تنظيف المسجد عن القذارة والوساخة أمر مرغوب فيه في الشريعة المقدسة ، ومن هنا تصدى للسؤال عن أنّ المستحبين أيّهما أولى بالتقديم على غيره ؟ لا أنه احتمل نجاسة أبوال الدواب أو كان معتقداً بها ، لبعد ذلك في حق علي بن جعفر ونظرائه لجلالة شأنه وكثرة رواياته فلعلّه كان عالماً بطهارة بول الدواب كما دلت عليها جملة من الأخبار على ما أسلفناه في محلِّه وإنما سأل أخاه عن تقديم أحد المستحبين على الآخر ، فبذلك تصبح الصحيحة غير مبينة فلا يعتمد عليها في مقام الاستدلال .

   ومما يؤيد ذلك أن بول الدواب لو كان محكوماً بالنجاسة عند السائل لم يكن يرتضي بتفصيله (عليه السلام) بين صورتي جفافه وعدمه ، وكان من حقه أن يعترض على الإمام ، لوضوح أن النجس واجب الازالة عن المساجد جف أم لم يجف ، وهذا بخلاف ما إذا كان معتقداً بطهارته ، لأنّ تفصيله (عليه السلام) بين الصورتين حينئذ وحكمه بتقديم إزالة البول على الصلاة مع الرطوبة مستند إلى استقذاره واشتماله على الرائحة الكريهة ، ولذلك كانت إزالته أولى من المبادرة إلى الصلاة ، كما أن حكمه (عليه السلام) بتقديم الصلاة على الإزالة عند الجفاف مستند إلى انقطاع رائحته وعدم استقذاره ، ولذا كانت المبادرة إلى الصلاة أولى من المبادرة إلى إزالته فلا مورد للاعتراض حينئذ . فالمتحصل أن الصحيحة مجملة ولا دلالة لها على المدعى .

ــ[254]ــ

   نعم ، يمكن الاستشهاد على ذلك بجملة من الأخبار المستفيضة الواردة في جواز اتخاذ  الكنيف مسجداً بعد تنظيفه وطمه بالتراب معللاً في بعضها بأنّ التراب يطهره(1) لدلالتها على أن الأرض المتنجسة لا يجوز اتخاذها مسجداً إذا لم ينظف ولم تطم بالتراب ، فمقتضى تلك الأخبار أن المسجدية والنجاسة أمران متنافيان ولا يجتمعان فتجب إزالتها عنه كما يحرم تنجيسه .
ـــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 209 / أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 1 ، 4 ، 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net