خلافٌ في تحديد أ يّام المراتب المذكورة - دية الجنين الذمّي - دية الجنين المملوك 

الكتاب : مباني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الثاني : القصاص   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4353


ــ[496]ــ

   (مسألة 380) : في تحديد المراتب المذكورة خلاف ، والصحيح أ نّه أربعون يوماً نطفة ، وأربعون يوماً علقة ، وأربعون يوماً مضغة (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاملة إن كان ذكراً ، وإن كان اُنثى فخمسمائة دينار» كان نصّاً في أنّ الجنين قبل ولوج الروح لا يشترك في الحكم مع الجنين بعد ولوج الروح فيه ، فإنّ التفصيل بينهما قرينة قطعيّة على ذلك ، وأ نّه لا فرق في الأوّل بين الذكر والاُنثى .

   وأمّا قوله (عليه السلام) : «وإن قتلت امرأة وهي حبلى متمّ قلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أم اُنثى ولم يعلم أبعدها مات أم قبلها فديته نصفين : نصف دية الذكر ونصف دية الاُنثى» إلخ ، فهو من جهة فرض موت الجنين ظاهر في صورة ولوج الروح فيه ، على أنّ في جعل ديته نصف دية الذكر ونصف دية الاُنثى دلالة واضحة على ذلك ، باعتبار أنّ الدية المذكورة للذكر والاُنثى في المعتبرة هي دية من ولجت فيه الروح .

   وأمّا قوله : وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة ، إلخ ، غير ظاهر في التفصيل المذكور ، بل هو ظاهر فيما ذكرناه ، وذلك من جهة جعل ديته من حساب المائة مطلقاً ، بلا فرق بين كونه ذكراً أم اُنثى ، فلو كان بينهما فرق فلا بدّ من جعل دية جراح الجنين إذا كانت اُنثى من حساب الخمسين لا المائة .

   (1) على المشهور شهرة عظيمة .

   وخالف في المسألة ابن إدريس ، فذهب إلى أنّ الفصل بين المراتب المزبورة عشرون يوماً (1) .

   وفيه : أ نّه لا دليل عليه أصلاً ولم يرد ذلك في شيء من الروايات ، بل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السرائر 3 : 416 .

ــ[497]ــ

الصحيح ما هو المشهور ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :

   منها: معتبرة ابن فضّال عن الحسن بن الجهم ، قال: قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: «قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً ، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاّقين» الحديث(1).

   ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن يخلق النطفة ـ إلى أن قال : ـ فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم فتردّد فيه أربعين يوماً، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً» الحديث(2)، وقريب منها صحيحته الاُخرى(3).

   وأمّا صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال : سألته أن يدعو الله عزّ وجلّ لامرأة من أهلنا بها حمل «فقال أبو جعفر (عليه السلام) : الدعاء ما لم يمض أربعة أشهر» فقلت له : إنّما لها أقلّ من هذا ، فدعا لها ثمّ قال : «إنّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً ، وتكون علقة ثلاثين يوماً ، وتكون مضغة ثلاثين يوماً ، وتكون مخلّقة وغير مخلّقة ثلاثين يوماً ، فإذا تمّت الأربعة أشهر بعث الله إليها ملكين خلاّقين»(4) .

   فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله، نظراً إلى أنّها مخالفة لظاهر الكتاب، وهو قوله تعالى: (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِنْ مُضْغَة مُخَلَّقَة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 6 : 13 / 3 .

(2) الكافي 6 : 13 / 4 .

(3) الكافي 6 : 16 / 7 .

(4) الوسائل 7 : 142 /  أبواب الدعاء ب 64 ح 4 .

ــ[498]ــ

وهل الدية بين هذه المراتب بحسابها وتقسّم عليها ؟ قيل : كذلك ، وهو الأظهر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَغَيْرِ مُخَلَّقَة)(1) ، حيث إنّ الظاهر منه هو كون المخلّقة وغير المخلّقة صفتين للمضغة لا أ نّهما في مقابلها كما هو مدلول الصحيحة ، والمراد منهما تامّ الخلقة وغير تامّها .

   (1) وفاقاً لجماعة ، منهم : الشيخ في النهاية وابن إدريس في السرائر والعلاّمة في الإرشاد وابن حمزة في الوسيلة(2)، ولكنّ الشيخ والعلاّمة وابن حمزة لم يتعرّضوا لكيفيّة التقسيم وإنّما قالوا : الدية فيما بين هذه المراتب بحسابها .

   وأمّا ابن إدريس فقد تعرّض لذلك وقال في محكيّ السرائر : الجنين ما دام في البطن فأوّل ما يكون نطفة وفيها بعد وضعها في الرحم إلى عشرين يوماً عشرون ديناراً ، وبعد العشرين يوماً لكلّ يوم دينار إلى أربعين يوماً ، وهي دية العلقة ، فهذا معنى قولهم : وفيما بينهما بحساب ذلك .

   أقول :  يرد على ما ذكره ابن إدريس :

   أوّلاً : أنّ الحدّ الفاصل بين هذه المراتب أربعون يوماً لا عشرون كما عرفت .

   وثانياً : أ نّه لا دليل على ما ذكره من التقسيم ، فالصحيح في كيفيّة التقسيم هو ما تضمّنته صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت : فإن خرج في النطفة قطرة دم ؟ «قال : في القطرة عشر النطفة ، ففيها اثنان وعشرون ديناراً» قلت: قطرتان؟ «قال : أربعة وعشرون ديناراً» قلت : فثلاث «قال: ستّة وعشرون ديناراً» قلت: فأربع «قال: ثمانية وعشرون ديناراً» قلت :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحج 22 : 5 .

(2) النهاية : 778 ، السرائر 3 : 416 ، الإرشاد 2 : 234 ، الوسيلة : 456 .

ــ[499]ــ

فخمس «قال: ثلاثون ديناراً، وما زاد على النصف فعلى هذا الحساب حتّى تصير علقة فيكون فيها أربعون ديناراً» قلت : فإن خرجت النطفة متخضخضة بالدم؟ «قال: قد علقت ، إن كان دماً صافياً أربعون ديناراً ، وإن كان دماً أسوداً فذلك من الجوف فلا شيء عليه إلاّ التعزير ، لأ نّه ما كان من دم صاف فذلك الولد ، وما كان من دم أسود فهو من الجوف» قال: فقال أبو شبل: فإنّ العلقة إذا صارت فيها شبيه العروق واللحم ؟ «قال : اثنان وأربعون ديناراً العشر» قال : قلت : فإنّ عشر الأربعين: أربعة «قال : لا ، إنّما عشر المضغة ، إنّما ذهب عشرها ، فكلّما ازدادت زيد حتّى تبلغ الستّين» قلت : فإن رأت في المضغة مثل عقدة عظم يابس ؟ «قال : إنّ ذلك عظم أوّل ما يبتدئ ففيه أربعة دنانير ، فإن زاد فزاد أربعة دنانير حتّى تبلغ مائة» قلت: فإن كسي العظم لحماً؟ «قال: كذلك إلى مائة» قلت : فإن وكزها فسقط الصبي لا يدري أحيّاً كان أو ميّتاً ؟ «قال : هيهات يا أبا شبل ، إذا بلغ أربعة أشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية»(1) .

   وصحيحة صالح بن عقبة عن أبي شبل ، قال : حضرت يونس وأبو عبدالله (عليه السلام) يخبره بالديات، قال: قلت: فإنّ النطفة خرجت متحضحضة بالدم ، قال : فقال لي : «فقد علقت ، إن كان دماً صافياً ففيها أربعون ديناراً ، وإن كان دماً أسود فلا شيء عليه إلاّ التعزير ، لأ نّه ما كان من دم صاف فذلك للولد ، وما كان من دم أسود فذلك من الجوف» قال أبو شبل : فإنّ العلقة صار فيها شبه العرق من لحم «قال : اثنان وأربعون العشر (ديناراً) » قال : فقلت : فإنّ عشر أربعين : أربعة «قال : لا ، إنّما هو عشرة المضغة ، لأ نّه إنّما ذهب عشرها ، فكلّما زادت زيد حتّى تبلغ الستّين» قلت : فإن رأيت المضغة مثل العقدة عظماً يابساً ؟ «قال : فذاك عظم أوّل ما يبتدئ العظم فيبتدئ بخمسة أشهر ففيه أربعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الوسائل 29 : 315 /  أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 6 .

ــ[500]ــ

   (مسألة 381) : المشهور أنّ دية الجنين الذمّي عشر دية أبيه : ثمانون درهماً ، وفيه إشكال ، والأظهر أنّ ديته عشر دية اُمّه : أربعون درهماً (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دنانير ، فإن زاد فزد أربعة أربعة (حتّى تتمّ الثمانين) » قلت : فإذا وكزها فسقط الصبي ولا يدري أحيّاً كان أم لا ؟ «قال : هيهات يا أبا شبل ، إذا مضت خمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية»(1) ، ثمّ إنّ الكليني والشيخ في التهذيب رويا هذه الرواية بسند صحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبي شبل . ورواها الصدوق بسنده الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي شبل . والرواية على كلا التقديرين صحيحة ، فإنّ صالح بن عقبة ثقة على الأظهر .

   بقي هنا شيء :  وهو أنّ في نسخة التفسير الموجودة عندنا : «إذا بلغ أربعة أشهر فقد صارت فيه الحياة» ولكن من المعلوم أ نّه لا يمكن الأخذ بهذه الجملة ، لأ نّها مخالفة للآيات والروايات الدالّة على أنّ الحياة إنّما تنشأ في الجنين إذا بلغ خمسة أشهر ، أي بعد نشوء العظم وإكساء اللحم . وعليه ، فلا بدّ أن يكون ذلك من غلط النسخة كما لعلّه يظهر من كلام صاحب الوسائل ، وإلاّ فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله .

   (1) وجه الإشكال : هو أنّ المعروف والمشهور بين الأصحاب وإن كان ذلك ، بل في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه(2) ، وعن الخلاف الإجماع عليه(3) ، إلاّ أ نّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29: 315 / أبواب ديات الأعضاء ب19 ح6 ، الكافي 7: 346/ ذيل حديث 11 ، التهذيب 10 : 284 / 1105 ، الفقيه 4 : 108 / 366 .

(2) جواهر الكلام 43 : 361 .

(3) الخلاف 5 : 296 .

 
 

ــ[501]ــ

أمّا ديته في المراتب السابقة فبحساب ذلك (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا دليل عليه عدا ما قيل من أنّ المستفاد من النصوص والفتوى مساواة دية الذمّي لدية المسلم في مثل هذه الأحكام على حسب النسبة .

   وفيه: أنّ الأمر وإن كان كذلك إلاّ أنّ معتبرة السكوني قد دلّت على أنّ ديته عشر دية اُمّه، فإنّه روى عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) «أ نّه قضى في جنين اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة عشر دية اُمّه»(1) ، وتؤيّدها رواية مسمع عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثلها (2) .

   وعليه ، فإن تمّ إجماع في المسألة فهو ، ولكنّه غير تامّ كما يظهر من العلاّمة المجلسي (قدس سره) ، حيث إنّه قال : إنّ الأكثر لم يعملوا بروايتي مسمع والسكوني(3) . ومن الظاهر أنّ هذا التعبير يكشف عن عمل جماعة بهما ، بل يظهر من صاحب الوسائل (قدس سره) أ نّه أيضاً عمل بالروايتين ، حيث إنّه أخذ في العنوان : أنّ دية جنين الذمّيّة عشر ديتها .

   فالنتيجة :  أنّ الأظهر ما ذكرناه .

   ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الروايتين أ نّه لا فرق في دية جنين الذمّيّة بين ما ولجت فيه الروح وما لم تلج ، ولا مانع من الأخذ بهذا الإطلاق إن لم يكن إجماع على خلافه كما هو كذلك .

   (1) يأتي بيانه في مسألة إسقاط الجنين المملوك والمتكوّن من الزنا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 225 /  أبواب ديات النفس ب 18 ح 3 .

(2) الوسائل 29 : 225 /  أبواب ديات النفس ب 18 ح 1 .

(3) مرآة العقول 24 : 86 .

ــ[502]ــ

   (مسألة 382) : المشهور أنّ دية الجنين المملوك عشر قيمة اُمّه المملوكة ، وفيه إشكال ، والأقرب فيه الحكومة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وجه الإشكال : هو أنّ الحكم المذكور وإن كان مشهوراً شهرة عظيمة ، بل في الجواهر: عليه عامّة المتأخّرين(1)، وعن الخلاف والسرائر  الإجماع عليه(2)، إلاّ أ نّه لا دليل عليه إلاّ ما رواه السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «في جنين الأمة عشر ثمنها»(3) .

   ولكنّها ضعيفة ، فإنّ الشيخ رواها بإسناده إلى النوفلي وطريق الشيخ إليه ضعيف . وعليه ، فإن تمّ الإجماع فهو ، ولكنّه لا يتمّ ، فالمرجع فيه الحكومة .

   ثمّ إنّ الحكم المذكور على تقدير القول به يختصّ بالجنين المملوك ولا يعمّ الجنين الحرّ ، كما صرّح بذلك المحقّق والشهيد(4) وغيرهما .

   والوجه في ذلك : أ نّا إذا بنينا على سقوط الرواية كما هو الصحيح فما دلّ على أنّ دية الجنين الحرّ مائة دينار قبل ولوج الروح وألف دينار بعد ولوجها غير قاصر الشمول عن جنين حرٍّ اُمّه مملوكة . وأمّا لو قلنا باعتبارها ولو من جهة الشهرة فهي وإن كانت مطلقة من ناحية كون الجنين حرّاً أو مملوكاً إلاّ أ نّه لاشكّ في انصرافها إلى الجنين المملوك ، لأنّ تقدير الدية بالقيمة إنّما يكون في المملوك ، فإنّ الحرّ لا يقدّر بالقيمة ولا تختلف ديته باختلاف قيمة اُمّه زيادة ونقيصة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 43 : 362 .

(2) الخلاف 5 : 298 / 133 ، السرائر 3 : 419 .

(3) الوسائل 29: 323 / أبواب ديات الأعضاء ب21 ح2، التهذيب 10: 288/ 1121 .

(4) المختصر النافع : 313 ، اللمعة الدمشقية 10 : 293 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net