استعمال اللفظ في المعنى المجازي 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5666

 

الأمر الخامس

استعمال اللفظ في المعنى المجازي

اختلفوا في أنّ ملاك صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجـازي وما يناسـب الموضوع له ، هل هو بالطبع أو بالوضع ، أعني ترخيص الواضع في الاستعمال لوجود علقة من العلائق ؟ وجهان بل قولان :

فذهب المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) إلى الأوّل ، بدعوى أنّ ملاك صحّة ذلك الاستعمال قبول الطبع له وكونه حسناً عند العرف، فأيّ استعمال مجازي كان حسناً عندهم وقبله الطبع السليم فهو صحيح وإن فرض أنّ الواضع لم يأذن فيه ، بل وإن منع عنه ، وكل استعمال لم يقبله الطبع فهو غير صحيح وإن أذن الواضع فيه ، فاطلاق لفظ القمر على حسن الوجه واستعماله فيه صحيح وإن فرض أنّ الواضع لم يأذن فيه بل منع عنه ، هذا .

وذهب المشهور إلى الثاني ، وأنّ ملاك صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازي إذن الواضع وترخيصه ، سواء كان ممّا يقبله الطبع أم لا .

وعلى الجملة : فعلى القول الأوّل تدور صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازي وعدم صحّته مدار حسنه طبعاً وعرفاً وعدم حسنه كذلك ، سواء أكان هناك إذن نوعي من الواضع أيضاً أم لم يكن . وعلى القول الثاني تدور مدار الوضع

ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 13 .

ــ[103]ــ

النوعي وجوداً وعدماً ، كان حسناً عند الطبع والعرف أيضاً أم لم يكن .

التحقيق في المقام أن يقال : إنّ البحث عن ذلك يبتني على إثبات أمرين :

الأوّل : وجود الاستعمالات المجازية في الألفاظ المتداولة بين العرف .

الثاني : انحصار الواضع بشخص واحد أو جماعة وإلاّ فلا مجال لهذا البحث ، فانّا إذا التزمنا بأنّ كل مستعمل واضع حسب تعهّده ، فهو لم يتعهد إلاّ بارادة المعنى الموضوع له عند عدم القرينة على الخلاف ، وأمّا مع وجود القرينة فلا مانع من الاستعمال ، وحيث لم يثبت كلا الأمرين فلا موضوع لهذا البحث .

أمّا عدم ثبوت الأمر الأوّل ، فلإمكان أن نلتزم بما نسب إلى السكاكي من أنّ اللفظ يستعمل دائماً في المعنى الموضوع له ، غاية الأمر أنّ التطبيق قد يكون مبتنياً على التنزيل والادعاء ، بمعنى أنّ المستعمل ينزّل شيئاً منزلة المعنى الحقيقي ويعتبره هو فيستعمل اللفظ فيه فيكون الاستعمال حقيقياً ، ولا بعد فيما نسب إليه ، فان فيه المبالغة في الكلام الجارية على طبق مقتضى الحال ، وهذا بخلاف مسلك القوم ، فانّه لا مبالغة فيه ، إذ لا فرق حينئذ بين قولنا : زيد قمر ، وقولنا : زيد حسن الوجه ، أو بين قولنا : زيد أسد ، وقولنا : زيد شجاع ، مع أنّ مراجعة الوجدان تشهد على خلاف ذلك ، ووجود الفارق بين الكلامين .

ونظير ذلك ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من أن كلمة (لا) في مثل قوله (عليه السلام) «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد» إنّما استعمل في نفي الحقيقة لكنّه على نحو الادعاء والمبالغة، لا في نفي الصفة أو الكمال ، وإلاّ فلا دلالة في الجملة على المبالغة(1).

وقد ذكرنا في بعض مباحث الفقه أنّ المبالغة ليست من أفراد الكذب ولا

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 29 .

ــ[101]ــ

مانع منها فيما إذا اقتضتها الحال (1) .

وقد تلخص من ذلك : أنّ ما نسب إلى السكاكي من إنكار المجاز في الكلمة ، وأنّ جميع الاستعمالات بشتّى أنواعها وأشكالها استعمالات حقيقية ، أقرب إلى الحق .

وعلى ذلك لا يبقى مجال لهذا البحث ، فان موضـوعه الاستعمال المجازي ، والمفروض أ نّه لا مجاز في الكلمة حتى يقع البحث في أن صحّته متوقفة على الاذن أو على الطبع ، بل المجاز حينئذ إنّما هو في الاسناد والتطبيق ، وبعد التصرف في الاسناد وتنزيل المعنى المجازي بمنزلة المعنى الحقيقي واعتباره فرداً منه ادعاءً ، فالاستعمال استعمال في المعنى الحقيقي لا محالة .

وأمّا عدم ثبوت الأمر الثاني ، فلما حققناه سابقاً في مبحث الوضع (2) من أنّ الواضع لا ينحصر بشخص واحد أو جماعة ولا سيما على مسلكنا من أ نّه عبارة عن التعهد والالتزام النفساني ، فانّه على هذا كان كل مستعمل واضعاً حقيقة فلا يختص الواضع بشخص دون شخص ، وعليه فنقول : إنّ الواضع كما تعهد بذكر لفظ خاص عند إرادة تفهيم معنى خاص دون أن يأتي بأيّة قرينة ، كذلك قد تعهد بذكر ذلك اللفظ عند إرادة معنى آخر ، ولكن مع نصب قرينة تدل عليها ، غاية الأمر أنّ الوضع على الأوّل شـخصي وعلى الثاني نوعي ، وتسميته بذلك بملاحظة أنّ العلائق والقرائن غير منحصرة بواحدة .

وعلى الجملة : فالتعهد والالتزام كما هما موجودان بالقياس إلى تفهيم المعاني الحقيقية ، كذلك موجودان بالقياس إلى تفهيم المعاني المجازية ، فكل متكلم كما

ـــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقاهة 1 : 394 .
(2) في ص 39 وما بعدها .

ــ[105]ــ

تعهّد بأ نّه متى ما قصد تفهيم معنى خاص يتكلم بلفظ مخصوص مجرداً عن القرينة ، كذلك تعهد بأ نّه متى ما قصد تفهيم معنى مناسب للمعنى الموضوع له يتكلم بذلك اللفظ مصحوباً بالقرينة ليكون المجموع مبرزاً له .

وقد تلخص من ذلك : أنّ عدم انحصار الواضع بشخص أو جماعة لا يدع مجالاً وموضوعاً للبحث المذكور ، فانّه مبتن على أن يكون الواضع من أهل كل لغة شخصاً خاصاً أو جماعة معيّنين ، ليقال إنّ جواز استعمال اللفظ في المعنى المجازي هل هو منوط بإذنه أم لا ؟ وأمّا إذا لم يكن الواضع منحصراً بشخص أو جماعة وكان كل مستعمل واضعاً فلا مجال له أصلاً .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net