وضع المركبات \ الوضع الشخصي والنوعي 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7086


وضع المركّبات

وقبل البدء فيه ينبغي التنبيه على مقدمة وهي : أنّ محل الكلام هنا في وضع المركب بما هو مركب أعني وضعه بمجموع أجزائه من الهيئة والمادة، مثلاً في قولنا : زيد شاعر قد وضعت كلمة زيد لمعنى خاص ، وكلمة شاعر لمعنى آخر ، والهيئة القائمة بهما لمعنى ثالث ، فكل ذلك لا إشكال ولا كلام فيه ، وإنّما الكلام والإشكال في وضع مجموع المركب من هذه المواد على حده ، وأمّا وضع هيئة الجملة فلا كلام في وضعها لقصد الحكاية والإخبار عن الواقع أو مع إفادة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= المتكلم في مقام التفهيم ، وهي موجودة حتّى فيما إذا علم المخاطب كذب المتكلم في كلامه إذا لم ينصب قرينة متصلة على أ نّه ليس في مقام التفهيم.
ومن هنا يظهر أنّ ما ذكره (قدس سره) من الايراد مبني على الخلط بين الارادة التفهيمية والارادة الجدية ، فانّ الثانية يحتاج إثباتها في الواقع ومقام الثبوت إلى مقدمة اُخرى وهي التمسك بأصالة الظهور أو الحقيقة دون الاُولى .
وعلى الجملة : فاللفظ بمقتضى قانون الوضع والتعهد يدل على إرادة المتكلم تفهيم معناه سواء كانت هذه الارادة متصادقة مع الارادة الجدية في مقام الثبوت والواقع أم كانت على خلافها .

ــ[124]ــ

خصوصية اُخرى أيضاً ، أو لابراز أمر نفساني غير قصد الحكاية .

فعلى ضوء هذه المقدّمة قد ظهر أنّ الصحيح هو أ نّه لا وضع للمركب بما هو مركب بيان ذلك : هو أنّ كل جملة ناقصة كانت أو تامّة لها أوضاع متعددة باعتبار وضع كل جزء جزء منه أقلّها ثلاثة حسب ما يدعو إليه الحاجة ، مثلاً جملة زيد انسان لها أوضاع ثلاثة : 1 ـ وضع زيد . 2 ـ وضع انسان. 3 ـ وضع الهيئة القائمة بهما. ولجملة الانسان متعجب أوضاع أربعة : 1 ـ وضع الانسان . 2 ـ وضع متعجب مادة . 3 ـ وضعه هيئة . 4 ـ وضع الهيئة القائمة بالجملة .

ولجملة زيد ضارب عمر أوضاع ستّة : 1 ـ وضع زيد. 2 ـ وضع ضارب مادة. 3 ـ وضعه هيئة. 4 ـ وضع الهيئة القائمة بجملة زيد ضارب . 5 ـ وضع عمرو . 6 ـ وضع الهيئة القائمة بالمجموع . وهكذا إلى أن ربّما يبلغ الوضع إلى عشرة أو أزيد على اختلاف الأغراض الموجبة لاختلاف المركبات زيادة ونقيصة، فانّ الغرض قد يتعلق بالمركب من شيئين ، وقد يتعلق بالمركب من أشياء ثلاثة ، وقد يتعلق بالمركب من أشياء أربعة ، وهكذا .

ومن الواضح أنّ هذه الأوضـاع وافية لافادة الأغراض والمقاصد المتعلقة بالمركبات ، سواء كان الغرض قصد الحكاية عن الواقع ، أو إبراز أمر نفساني غير قصد الحكاية ، ولا يبقى أيّ غرض لا تكون تلك الأوضاع وافية لافادته ، لنحتاج إلى وضع المركب بما هو على حدة لافادة ذلك الغرض ، مثلاً هيئة ضرب زيد تدل على قصد الحكاية عن حدوث تلبس زيد بالمبدأ في الخارج ، كما أنّ جملة ما أكرم القـوم إلاّ زيداً تدل على حصر الاكرام بزيد زائداً على دلالتها على قصد الاخبار عن تلبس القوم بذلك . وهيئة إنّ زيداً عادل تدل على التأكيد وهيئة ضرب موسى عيسى تدل على أنّ موسى فاعل ، لعدم دال آخر هنا غير تلك الهيئة ، وهكذا .

وعلى الجملة: فالمتكلم متى ما أراد تفهيم خصوصية من الخصوصيات وإبرازها

ــ[125]ــ

في الخارج يتمكن من ذلك بهيئة من الهيئات ، وعليه فلسنا بحاجة إلى وضع المركب بما هو ، بل هو لغو وعبث .

وممّا يدلنا على ذلك ـ أي على عدم وجود وضع مستقل للمركبات بما هي ـ مضافاً إلى لغويته، أ نّه يستلزم إفادة المعنى الواحد مرّتين والانتقال إليه بانتقالين ، وذلك لفرض تعدد الوضع الذي يقتضي تعدد الإفادة والانتقـال ، وهذا كما إذا تكلم الانسان بلفظ الدار مرّة ، وبكلمات الحائط والغرفة والساحة اُخرى ، فانّه لا ريب حينئذ في أنّ الانتقال إلى المعنى يكون مرّتين غايته أ نّهما طوليان .

وأمّا في مقامنا فلو التزمنا بتعدد الوضع للزمنا الالتزام بعرضية الانتقالين ، وذلك لأنّ المركبات بما هي لو كان لها وضع فلا محالة كان وضعها لافادة ما يستفاد من مجموع الهيئة والمادة في الجملة ، لعدم معنى آخر على الفرض ، وعليه فلزمنا الالتزام بعرضية الانتقالين لتحقق كل من الدالين في عرض تحقق الآخر ، وهذا مخالف للوجـدان كما هو واضح . ومن هنا لم نجد قائلاً به وإن كان ابن مالك (1) قد نسب القول به إلى بعض ، ولكن من المحتمل قوياً أن يكون النزاع لفظياً بأن يكون مراد القائل بالوضع وضع هيئة المركب لا هو بنفسه .

ومن هنا يظهر أنّ ما ذكره أهل الأدب من تقسيم المجاز إلى المجاز في المفرد وإلى المجاز في المركب (2) غير صحيح ، وذلك لأنّ الاستعمال المجازي فرع وجود الموضوع له ، فاذا فرض عدم الموضوع له للشي فلا يعقل المجاز فيه ، وقد عرفت أنّ المركب بما هو لم يوضع لشيء ومعه كيف يتصور المجاز فيه .

نعم ، يجوز تشبيه المركب بالمركب كما في قوله تبارك وتعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ

ـــــــــــــــــــــ
(1) لم نعثر عليه في مظانه .
(2) مفتاح العلوم : 362 .

ــ[126]ــ

ا لَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً )(1) وكذا يجوز الكناية في المركب كما في قولهم : أراك تقدّم رجلاً وتؤخر اُخرى ، فهو كناية عن التردد الحاصل في النفس الموجب لذلك .


الوضع الشخصي والنوعي

قسّموا الوضع إلى نوعي كوضع الهيئات وإلى شخصي كوضع المواد .

ولا يخفى أنّ المراد بالوضع الشخصي ليس وضع شخص اللفظ الصادر من المتكلم ، فان شخصه قد انقضى وانعدم فلا يمكن إعادته ، وما يصدر منه ثانياً هو مثله لا عينه ، بل المراد منه وضع اللفظ بوحدته الطبيعية وشخصيته الذاتية في قبال وضع اللفظ بجامعه العنواني ووحدته الاعتبارية ، هذا .

وقد يشكل على ذلك : بأنّ ملاك شخصية الوضع في المواد إن كان وحدة كل واحدة منها طبيعة وذاتاً وامتيـازها عن مادة اُخرى بذاتها ، فهو بعينه موجودة في الهيئات ، فان كل هيئة بنفسها وبشخصها ممتازة عن هيئة اُخرى ، مثلاً هيئة فاعل ممتازة بذاتها عن سائر الهيئات فلها وحدة طبيعية وشخصية ذاتية ، وإن كان ملاك نوعية الوضع في الهيئات عدم اختصاص الهيئة بمادة دون مادة فهو موجود بعينه في المواد ، بداهة عدم اختصاص المادة بهيئة دون هيئة اُخرى ، مثلاً مادة (ض ر ب) كما هي موجودة في (ضرب) كذلك موجودة في زنة (ضارب) و (مضروب) ونحو ذلك من الأوزان ، فلا فرق بين الهيئة والمادة ليكون وضع الاُولى نوعياً والثانية شخصياً .

وقد أجاب عنه شيخنا المحقق (قدس سره) بوجهين ، وإليك قوله :

1 ـ والتحقيق أنّ جوهر الكلمة ومادتها ، أعني الحروف الأصلية المترتبة

ـــــــــــــــــــــ
(1) البقرة 2 : 17 .

ــ[127]ــ

الممتازة عن غيرها ذاتاً أو ترتيباً ، أمر قابل للحاظ الواضع بنفسـه فيلاحظ بوحدته الطبيعية وتوضع لمعنى ، بخلاف هيئة الكلمة ، فانّ الزنة لمكان اندماجها في المادة لا يعقل أن تلاحظ بنفسها لاندماجها غاية الاندماج في المادة ، فلا استقلال لها في الوجود اللحاظي كما في الوجود الخارجي كالمعنى الحرفي ، فلا يمكن تجريدها ولو في الذهن عن المواد ، فلذا لا جامع ذاتي لها كحقائق النسب ، فلامحالة يجب الوضع لأشخاصها بجامع عنواني كقولهم : كل ما كان على زنة فاعل ، وهو معنى نوعية الوضع ، أي الوضع لها بجامع عنواني لا بشخصيتها الذاتية .
2 ـ أو المراد أنّ المادة حيث يمكن لحاظها فقط فالوضع شخصي ، والهيئة حيث لا يمكن لحاظها فقط إلاّ في ضمن مادة فالوضع لها يوجب اقتصاره عليها فيجب أن يقال : هيئة فاعل وما يشبهها ، وهذا معنى نوعية الوضع ، أي لا لهيئة شخصية واحدة بوحدة طبيعية بل لها ولما يشبهها فتدبر (1) ، انتهى .

وما أفاده (قدس سره) من الجواب في غاية المتانة وحاصله : أنّ كل مادة يمكن للواضع أن يلاحظها بشخصها وبوحدتها الطبيعية ، مثلاً لفظ الانسان أو مادة (ض ر ب) يمكن أن يلاحظه بشخصه وبوحدته ويوضع لمعنى ، فالوضع لا محالة يوجب الاقتصار على تلك المادة أو ذلك اللفظ فلا ينحل إلى أوضاع عديدة، فيكون نظير الوضع الخاص والموضوع له الخاص ، وهذا بخلاف الهيئة ، فانّها حيث لا يمكن أن تلاحظ بشخصها ووحدتها الذاتية بدون مادة ما ، يجب أن توضع بجامع عنواني ، ومن هنا ينحل إلى أوضاع متعددة فيثبت لكل هيئة وضع خاص مستقل نظير وضع العام والموضوع له الخاص ، وهذا معنى كون الوضع فيها نوعياً ، أي أنّ الملحوظ حال الوضع جامع عنواني ، ولكن الموضوع

ـــــــــــــــــــــ
(1) نهاية الدراية 1 : 77 .

ــ[128]ــ

معنون هذا العنوان لا نفسه .

والنتيجة : أنّ الوضع ينحل إلى أوضاع عديدة بتعدد أفراد تلك الهيئة الانتزاعية ، وهذا معنى أنّ الوضع نوعي . وهذا بخلاف المواد ، فان شخص كل مادة موضوع بازاء معنى ما ، فلأجل ذلك كان الوضع فيها شخصياً .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net