أقسام موادّ المشتقات ومبادئها - دخول اسم الآلة واسم المفعول في محل النزاع 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4928


الأمر الثالث : أنّ مواد المشتقات ومبادءها تنقسم إلى أقسام :

منها : ما يكون من قبيل الأفعال الخارجية كالقيام والقعود والركوع والسجود والتكلم والمشي وما شاكل ذلك ، ويكون الانقضاء فيها برفع اليد عن تلك

ــ[271]ــ

الأفعال ولو آناً ما .

ومنها : ما يكون من قبيل الملكة والقوّة والاستعداد كما في المجتهد والمهندس والمفتاح والمكنسة وما شاكل ذلك ، والانقضاء فيها لا يكون إلاّ بزوال القوّة والملكة والاستعداد ، فما دامت قوّة الاستنباط موجودة في المجتهد أو استعداد الفتح موجوداً في المفتاح مثلاً فالتلبّس فعلي وغير زائل . نعم ، إذا زالت الملكة عن شخص مثلاً كان صدق عنوان المجتهد عليه حقيقة داخلاً في محل الكلام .

ومنها : ما يكون من قبيل الحرفة والصنعة كما في الخيّاط والبنّاء والبزّاز والحدّاد والنسّاج والتمّار ونحو ذلك ، ويكون التلبّس بها بأخذ تلك المبادئ حرفة أو صنعة له ، فالبنّاء مثلاً هو من اتّخذ البناء حرفة له ، والانقضاء في مثل ذلك إنّما يكون بترك هذه الحرفة ، فما دام لم يتركها ولم يعرض عنها فالتلبّس فعلي وإن لم يشتغل بالبناء فعلاً ، ففعلية التلبّس بتلك المبادئ تدور مدار اتخاذها شغلاً وكسباً ، وانتسابها إلى الذات ، سواء كان ذلك الانتساب انتساباً حقيقياً كما في الخياط والنسّاج وما شاكلهما ، أم كان انتساباً تبعياً كما في البقال والبزّاز والتامر واللابن والحدّاد وأمثالها، لأنّ موادها ومبادءها من أسماء الأعيان، ومن المعلوم أ نّها غير قابلة للانتساب إلى الذات حقيقة ، فلا محالة يكون انتسابها إليها بتبع اتخاذ الفعل المتعلق بها حرفة وشغلاً ، فمن اتّخذ بيع التمر شغلاً له صار التمر مربوطاً به تبعاً ، ومن اتّخذ بيع اللبن شغلاً صار اللبن مربوطاً به وهكذا .

ثمّ إنّ كون التلبّس بالمادة على نحو القوّة والاستعداد ، قد يكون من جهة أنّ المادة موضوعة لذلك كما في الاجتهاد ونحوه ، وقد يكون من جهة استفادة ذلك من الهيئة كما في المكنس والمفتاح ، فانّ المادة فيهما وهي الفتح والكنس ظاهرة في الفعلية ، لا في القابلية والاستعداد ، ولكن الهيئة فيهما موضوعة لافادة تلبس

ــ[272]ــ

الذات بها شأناً واستعداداً ، فالمفتاح والمكنس موضوعان لما من شأنه الفتح والكنس لا للمتلبس بالفتح أو الكنس فعلاً .

ومن هنا يصدق لفظ المفتاح حقيقة على كل ما فيه قابلية للفتح ولو لم يقع الفتح به خارجاً ، فما دامت القابلية موجودة فالتلبّس فعلي ، ويكون الانقضاء فيها بزوال القابلية عنه ولو بانكسار بعض أسنانه ، فبناءً على القول بكون المشتق موضوعاً للمعنى الجامع بين الذات المنقضية عنه المبدأ والمتلبسة به فعلاً ، يصدق عليه أ نّه مفتاح على نحو الحقيقة . وعلى القول بكونه موضوعاً للمتلبس به فعلاً لا يصدق عليه إلاّ مجازاً .
وممّا ذكرناه يستبين أنّ اختلاف المواد في المشتقات لا دخل له في محل البحث أصلاً ، فانّ النزاع إنّما هو في وضع الهيئات للمشتقات ، وأ نّها موضوعة للمعنى الجامع أو للحصّة الخاصة منه ، بلا نظر إلى وضع موادها ، وأ نّها ظاهرة في الفعلية أو في القابلية والملكة أو الحرفة والصنعة ، ففي جميع ذلك يجري النزاع ، غاية الأمر أنّ الانقضاء في كل مورد بحسبه . ومن هنا كان اختلاف المواد من هذه الناحية موجباً لاختلاف زمن التلبّس طولاً وقصراً كما عرفت .

وبذلك يظهر فساد ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) من خروج أسماء الآلة وأسماء المفعولين عن محل النزاع تبعاً لصاحب الفصول (قدس سره)(2) بتقريب أنّ الهيئة في أسماء الآلة كما عرفت قد وضعت للدلالة على القابلية والاستعداد ، وهذا الصدق حقيقي وإن لم يتلبس الذات بالمبدأ فعلاً . وأمّا أسماء المفعولين ، فلأنّ الهيئة فيها وضعت لأن تدل على وقوع المبدأ على الذات ، وهذا المعنى ممّا لا يعقل فيه الانقضاء ، لأنّ ما وقع على الذات كيف يعقل انقضاؤه

ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 123 ـ 124 .
(2) الفصول : 60 .

ــ[273]ــ

عنها ، ضرورة أنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، والمفروض أنّ الضرب قد وقع عليها ، فدائماً يصدق أ نّها ممّن وقع عليه الضرب ، إذن لا يفرق في صدق المشتق بين حال التلبس والانقضاء ، ففي كلا الحالين على نسق واحد بلا عناية في البين ، بل لا يتصور فيه الانقضاء كما مرّ.

وجه الظهور : أنّ الهيئة في الآلة إذا دلّت على قابلية الذات للاتصاف بالمادة شأناً ، فما دامت القابلية موجودة كان التلبّس فعلياً وإن لم تخرج المادة عن القابلية إلى الفعلية أصلاً ، فالمفتاح يصدق على ما من شأنه الفتح وإن لم يتلبس به أبداً ، وعليه فانقضاء التلبّس إنّما يكون بسقوطها عن القابلية ، كما لو انكسر بعض أسنانه مثلاً ، ومعه كان الصدق على نحو الحقيقة بناءً على الأعم ، وعلى نحو المجاز بناءً على الوضع لخصوص المتلبس .

فما أفاده (قدس سره) مبتن على الخلط بين شأنية الاتصاف بالمبدأ وفعليته به ، وتخيّل أنّ المعتبر في التلبّس إنّما هو التلبّس بالفعل بالمبدأ .

وأمّا أسماء المفعولين ، فلأن ما ذكره (قدس سره) في وجه خروجها عن محل النزاع عجيب ، والوجه في ذلك : هو أ نّه لو تمّ ما ذكره لجرى ذلك في أسماء الفاعلين أيضاً، فانّ الهيئة فيها موضوعة لأن تدل على صدور الفعل عن الفاعل ، ومن المعلوم أ نّه لا يتصور انقضاء الصدور عمّن صدر عنه الفعل خارجاً ، لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، والمبدأ الواحد كالضرب مثلاً لا يتفاوت حاله بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول ، غاية الأمر أنّ قيامه بأحدهما قيام صدوري وبالآخر قيام وقوعي .

وحل ذلك : أنّ أسماء المفعولين كأسماء الفاعلين وضعت للمفاهيم الكلية ، لما تقدّم منّا من أنّ الألفاظ وضعت بازاء المعاني التي هي قابلة للانطباق على ما في الخارج تارة ، وعلى ما في الذهن اُخرى ، لا بازاء الموجودات الخارجية ،

ــ[274]ــ

لأ نّها غير قابلة لأن تحضر في الأذهان ، ومن هنا قد يكون للموضوع له مطابق في الخارج وقد لا يكون له مطابق فيه ، فالمضروب مثلاً قد يكون موجـوداً وقد يكون معدوماً ، وهكذا الحال في سائر الألفاظ ، فالنزاع هنا في أنّ اسم الفاعل أو اسم المفعول موضوع لمعنى لا ينطبق إلاّ على خصوص المتلبس أو للأعم منه ومن المنقضي .

وعلى الجملة : لا نجد فرقاً بين اسم الفاعل والمفعول ، فكما أنّ النزاع يجري في هيئة اسم الفاعل وأ نّها وضعت لمفهوم كان مطابقه في الخارج فرداً واحداً وهو خصوص المتلبس بالمبدأ فعلاً، أو فردين أحدهما المتلبس والآخر المنقضي، فكذلك يجري في هيئة اسم المفعول وأ نّها وضعت لمعنى كان مطابقه في الخارج فرداً واحداً أو فردين ، مثلاً لو فرض أنّ زيداً كان عالماً بقيام عمرو ثمّ زال عنه العلم به ، فكما أنّ النزاع جار في صحّة إطلاق العالم على زيد وعدم صحّة إطلاقه إلاّ مجازاً ، فكذلك النزاع جار في صحّة إطلاق المعلوم على قيام عمرو وعدم صحّة إطلاقه عليه إلاّ على نحو المجاز ، ضرورة أ نّه لا فرق بين الهيئتين هنا أصلاً ، فانّ المبدأ في كلتيهما واحد ، والمفروض أنّ ذلك المبدأ قد زال ، وبزواله كان إطلاق العالم على زيد وإطلاق المعلوم على قيام عمرو من الإطلاق على المنقضي عنه المبدأ لا محالة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net