ما هو المتنازع فيه في المشتق - نتائج الأبحاث السابقة 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4194


ما هو المتنازع فيه في المشتق ؟

إنّ كلامنا في مسألة المشتق، والغرض من البحث عنها إنّما هو معرفة مفهومه ومعناه سعةً وضيقاً، كما هو الحال في سائر المباحث اللفظية ، بمعنى أ نّه موضوع لمفهوم وسيع منطبق على المتلبس والمنقضي معاً ، أو لمفهوم ضيق لا ينطبق إلاّ على المتلبس فقط .

وأمّا تطبيق هذا المفهوم على موارده وإسناده إليها هل هو بنحو الحقيقة أو المجاز، فهو خارج عن محل الكلام، فانّ الإسناد إن كان إلى ما هو له فهو حقيقة ، وإن كان إلى غير ما هو له فهو مجاز . ولا يلزم مجاز في الكلمة في موارد الادعاء والإسناد المجازي ، فانّ الكلمة فيها استعملت في معناها الحقيقي ، والتصرف إنّما هو في الاسناد والتطبيق .

مثلاً لو قال : زيد أسد ، فلفظ الأسد استعمل في معناه الموضوع له وهو الحيوان المفترس ، فيكون حقيقة ، ولكن في تطبيقه على زيد لوحظ نحو من التوسعة والعناية ، فيكون التطبيق مجازاً .

وأوضح من ذلك : موارد الخطأ ، فإذا قيل : هذا زيد ثمّ بان أ نّه عمرو ، فلفظ زيد ليس بمجاز ، لأ نّه استعمل فيما وضع له ، والخطأ إنّما هو في التطبيق ، وهو

ــ[338]ــ

لا يضر باستعماله فيه . أو قيل : هذا أسد ثمّ بان أ نّه حيوان آخر . أو إذا رأى أحد شبحاً من بعيد ، وتخيل أ نّه إنسان فقال : هذا انسان ثمّ ظهر أ نّه ليس بانسان وهكذا ...

فاللفظ في أمثال هذه الموارد استعمل في معناه الموضوع له ، والتوسع إنّما هو في التطبيق والإسناد إمّا ادعاءً وتنزيلاً ، أو خطأً وجهلاً . وكذا المشتقات فان كلمة الجاري في مثل قولنا : النهر جار ، أو الميزاب جار ، قد استعملت في معناها الموضوع له وهو المتلبس بالجريان ، والمجاز إنّما هو في إسناد الجري إلى النهر أو الميزاب ، لا في الكلمة ، وهذا من دون فرق بين أن يكون مفهوم المشتق مركباً أو بسيطاً ، كما هو واضح .

ومن هنا يظهر ما في كلام الفصول(1) من أ نّه يعتبر في صدق المشتق واستعماله فيما وضع له حقيقةً أن يكون الاسناد والتطبيق أيضاً حقيقياً ، فاستعمال المشتق في مثل قـولنا : الميزاب جار ، ليس اسـتعمالاً في معـناه الحقيقي ، فانّ التلبّس والاسناد فيه ليس بحقيقي ، وذلك لأنّ ما ذكره (قدس سره) مبني على الخلط بين المجاز في الكلمة ، والمجاز في الاسناد ، بتخيل أنّ الثاني يستلزم الأوّل ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، فانّ كلمتي سائل وجار في مثل قولنا : الميزاب جار ، أو النهر سائل ، استعملتا في معناهما الموضوع له ، وهو المتلبس بالمبدأ فعلاً ، غاية الأمر تطبيق هذا المعنى على النهر أو الميزاب إنّما هو بنحو من التوسعة والعناية ، وهذا معنى مجاز في الاسـناد دون الكلمة . فما أفاده (قدس سره) من اعتبار الاسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة في غير محلّه .

يتلخص البحث حول الموضوعات المتقدمة في عدّة اُمور :

ـــــــــــــــــــــ
(1) الفصول الغروية : 62 .

ــ[339]ــ

الأوّل : أنّ محل البحث في مفاهيم المشتقات هو بساطتها وتركيبها بحسب الواقع والتحليل العقلي ، لا بحسب الإدراك واللحاظ كما يظهر من الكفاية على ما مرّ .

الثاني : أنّ الذات المأخوذة فيها مبهمة من جميع الجهات والخصوصيات ما عدا قيام المبدأ بها، ولذا تصدق على الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد .

الثالث : أنّ جميع الوجوه التي أقاموها على بطلان القول بالتركيب باطلة فلا يمكن الاعتماد على شيء منها .

الرابع : أنّ القول بوضع المشتق للمعنى المركب من مفهوم الذات والمبدأ دون البسيط هو الصحيح ، لدلالة الوجدان والبرهان عليه كما سبق .
الخامس : أنّ ما ذكره الفلاسفة وغيرهم من أنّ الفرق بين المشتق ومبدئه هو لحاظ الأوّل لا بشرط ولحاظ الثاني بشرط لا غير صحيح ، لوجوه قد تقدّمت . نعم ، ما ذكروه من الفرق بين المادة والجنس والصورة والفصل ـ وهو اعتبار أحدهما لا بشرط والآخر بشرط لا ـ صحيح .

السادس : أ نّه لا دليل على اعتبار التغاير بين المبدأ والذات مفهوماً ، فضلاً عن اعتبار التغاير خارجاً وحقيقةً كما في الوجود والموجود والبياض والأبيض وهكذا ... نعم ، المتبادر من المشتقات الدائرة في الألسنة هو تغاير المبدأ والذات مفهوماً وخارجاً، ولذا قلنا إنّ إطلاق المشتق عليه تعالى ليس على نحو الإطلاق المتعارف بل هو على نحو آخر وهو كون المبدأ عين الذات ، وإن كان هذا المعنى خارجاً عن الفهم العرفي .

السابع : أنّ المراد من التلبس والقيام واجدية الذات للمبدأ ، لا قيام العرض بموضوعه كما عرفت .

ــ[340]ــ

الثامن : لا يعتبر في استعمال المشتق فيما وضع له حقيقةً أن يكون الإسناد والتلبّس أيضاً حقيقياً كما عن الفصول .

وإلى هنا قد تمّ الجزء الأوّل (1) من كتابنا (محاضرات في اُصول الفقه) وسيتلوه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى ، وبعونه وتوفيقه .

الحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً .
ـــــــــــــــــــــ
(1) [ حسب التجزئة السابقة ] .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net