المقام الأوّل : مادّة الأمر \ معنى مادة الأمر 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6895

 

ــ[341]ــ

بحث الأوامر

الكلام فيها يقع في مقامين :

الأوّل : في مادة الأمر (أ م ر) .

الثاني : في هيئة (افعل) وما شاكلها من الهيئات، كهيئة فعل الماضي والمضارع، ونحوهما .

أمّا الأوّل : فالكلام فيه من جهات :

الاُولى : ذكر جماعة أنّ مادة الأمر موضـوعة لعدّة معان : الطلب ، الشيء ، الحادثة ، الشأن، الغرض، الفعل، وغير ذلك ، وقد أنهاها بعضهم إلى خمسة عشر معنى .

واختار صاحب الفصول (قدس سره) أ نّها موضوعة لمعنيين من هذه المعاني ، أي الطلب والشأن (1) .

وذكر صاحب الكفاية (قدس سره) أنّ عدّ بعض هذه المعاني من معاني الأمر من اشتباه المصداق بالمفهوم ، فانّ الأمر لم يستعمل في نفس هذه المعاني ، وإنّما استعمل في معناه ، ولكنّه قد يكون مصداقاً لها . ثمّ قال : ولا يبعد دعوى كونه حقيقةً في الطلب في الجملة والشيء (2) .

ـــــــــــــــــــــ
(1) الفصول الغروية : 62 .
(2) كفاية الاُصول : 61 .

ــ[342]ــ

وذهب شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1) إلى أنّ لفظ الأمر موضوع لمعنىً واحد، وهو الواقعة التي لها أهمّية في الجملة ، وجميع ما ذكر من المعاني يرجع إلى هذا المعنى الواحد حتّى الطلب المنشأ بإحدى الصيغ الموضوعة له ، وهذا المعنى قد ينطبق على الحادثة ، وقد ينطبق على الشأن ، وقد ينطبق على الغرض ، وهكذا .

نعم ، لا بدّ أن يكون المستعمل فيه من قبيل الأفعال والصفات ، فلا يطلق على الجوامد . بل يمكن أن يقال : إنّ الأمر بمعنى الطلب أيضاً من مصاديق هذا المعنى الواحد ، فانّه أيضاً من الاُمور التي لها أهمّية ، فلا يكون للفظ الأمر إلاّ معنىً واحد يندرج الكل فيه ، وتصوّر الجامع القريب بين الجميع وإن كان صعباً إلاّ أ نّا نرى وجداناً أنّ استعمال الأمر في جميع الموارد بمعنى واحد ، وعليه فالقول بالاشتراك اللفظي بعيد .
وما أفاده (قدس سره) يحتوي على نقطتين :

الاُولى : أنّ لفظ الأمر موضوع لمعنىً واحد يندرج فيه جميع المعاني المزبورة حتّى الطلب المنشأ بالصيغة .

الثانية : أنّ الأهمّية في الجملة مأخوذة في معناه .

ولنأخذ بالنقد على كلتا النقطتين :

أمّا الاُولى : فلأنّ الجامع الذاتي بين الطلب وغيره من المعاني المذكورة غير معقول، والسبب في ذلك: أنّ معنى الطلب معنىً حدثي قابل للتصريف والاشتقاق ، دون غيره من المعاني فانّها من الجوامد وهي غير قابلة لذلك ، ومن الواضح أنّ الجامع الذاتي بين المعنى الحدثي والمعنى الجامد غير متصور .

وبكلمة اُخرى : أنّ الجامع بينهما لايخلو من أن يكون معنىً حدثياً أو جامداً،

ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 133 .

ــ[343]ــ

ولا ثالث لهما ، وعلى كلا التقديرين لا يكون الجامع المزبور جامعاً ذاتياً ، إذ على الأوّل لا ينطبق على الجوامد . وعلى الثاني لا ينطبق على المعنى الحدثي ، وهذا معنى عدم تصوّر جامع ذاتي بينهما .

وممّا يشهد على ذلك : اختلافهما ـ أي الأمر بمعنى الطلب والأمر بمعنى غيره ـ في الجمع ، فانّ الأوّل يجمع على أوامر ، والثاني على اُمور ، وهذا شاهد صدق على اختلافهما في المعنى ، ولهذا لا يصح استعمال أحدهما في موضع الآخر ، فلا يقال : بقي أوامر ، أو ينبغي التنبيه على أوامر ، وهكذا ... فالنتيجة بطلان هذه النقطة .

وأمّا الثانية : فلأ نّه لا دليل على أخذ الأهمّية في معنى الأمر بحيث يكون استعماله فيما لا أهمّية له مجازاً ، وذلك لوضوح أنّ استعماله فيه كاستعماله فيما له أهمّية في الجملة من دون فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً .

وإن شئت قلت : إنّ الأهمّية لو كانت مأخوذةً في معناه لكانت متبادرة منه عرفاً عند إطلاقه وعدم نصب قرينة على الخلاف ، مع أ نّها غير متبادرة منه كذلك ، ومن هنا صحّ توصيفه بما لا أهمّية له ، وبطبيعة الحال أ نّها لو كانت داخلة في معناه لكان هذا تناقضاً ظاهراً .

فالنتيجة : أنّ نظريّة المحقق النائيني (قدس سره) في موضوع بحثنا نظريّة خاطئة ولا واقع موضوعي لها .

ويمكن أن نقول : إنّ مادة الأمر موضوعة لغةً لمعنيين على سبيل الاشتراك اللفظي .

أحدهما : الطلب في إطار خاص ، وهو الطلب المتعلق بفعل الغير ، لا الطلب المطلق الجامع بين ما يتعلق بفعل غيره وما يتعلق بفعل نفسه ، كطالب العلم ،

ــ[344]ــ

وطالب الضالة ، وطالب الحق ، وما شاكل ذلك ، والسبب فيه : أنّ مادة الأمر ـ بما لها من معنى ـ لا تصدق على الحصّة الثانية وهي المتعلقة بفعل نفس الانسان ، وهذا قرينة قاطعة على أ نّها لم توضع للجامع بينهما . ومن هنا يظهر أنّ النسبة بين الأمر والطلب عموم مطلق .
وثانيهما : الشيء الخاص ، وهو الذي يتقوّم بالشخص من الفعل أو الصفة أو نحوهما في مقابل الجواهر وبعض أقسام الأعراض ، وهي بهذا المعنى قد تنطبق على الحادثة ، وقد تنطبق على الشأن ، وقد تنطبق على الغرض وهكذا .

الدليل على ما ذكرناه أمران :

أحدهما : أنّ لفظ الأمر بمعناه الأوّل قابل للتصريف والاشتقاق ، فتشتق منه الهيئات والأوزان المختلفة ، كهيئة الماضي ، والمضارع ، والفاعل ، والمفعول ، وما شاكلها ، وهذا بخلاف الأمر بمعناه الثاني حيث إنّه جامد فلا يكون قابلاً لذلك .

وثانيهما : أنّ الأمر بمعناه الأوّل يجمع على أوامر ، وبمعـناه الثاني يجمع على اُمور ، ومن الطبيعي أنّ اختلافهما في ذلك شاهد صدق على اختلافهما في المعنى .

وعلى ضوء هذا قد اتّضح فساد كلا القولين السابقين : الاشتراك اللفظي ، الاشتراك المعنوي .

أمّا الأوّل : فقد عرفت أنّ جميع المعاني المشار إليها آنفاً ليست من معاني الأمر على سبيل الاشتراك اللفظي ، كيف فان استعماله فيها غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم ، فضلاً عن كونه موضوعاً بازائها ، ومن هنا لا يكون المتبادر منه عند الاطلاق وعدم نصب قرينة على إرادة الخلاف إلاّ أحد المعـنيين السابقين لا غير .

وأمّا الثاني ، فلعدم تصور جامع ماهوي بينها ليكون موضوعاً له .

ــ[345]ــ

فالنتيجة : أ نّه موضوع بازاء المعنيين الماضيين على نحو الاشتراك اللفظي : الحصّة الخاصّة من الطلب ، الحصّة الخاصّة من مفهوم الشيء ، وهي ما يتقوم بالشخص في قبال الجواهر وبعض أقسام الأعراض ، ولأجل ذلك لا يصح أن يقال : رأيت أمراً عجيباً إذا رأى فرساً عجيباً ، أو إنساناً كذلك ، ولكن يصح أن يقال : رأيت شيئاً عجيباً إذا رأى فرساً أو إنساناً كذلك . والسبب في هذا ظاهر ، وهو أنّ الشيء بمفهومه العام ينطبق على الأفعال والأعيان والصفات بشتى ألوانها وأشكالها ، ولذلك قالوا إنّه عرض عام لجميع الأشياء .

وعلى أثر هذا البيان يظهر نقد ما أفاده شيخنا المحقق (قدس سره) من أنّ الأمر وضع لمعنىً جامع وحداني على نحو الاشتراك المعنوي ، وهو الجامع بين ما يصح أن يتعلق الطلب به تكويناً وما يتعلق الطلب به تشريعاً ، مع عدم ملاحظة شيء من الخصوصيتين في المعنى الموضوع له ، والأصل فيه أن يجمع على أوامر (1) .

وجه الظهور : ما عرفت من أ نّه لا جامع ذاتي بين المعنى الحدثي والمعنى الجامد ليكون الأمر موضوعاً بازائه ، وأمّا الجامع الانتزاعي فهو وإن كان أمراً ممكناً وقابلاً للتصوير ، إلاّ أ نّه لم يوضع بازائه يقيناً . على أ نّه خلاف مفروض كلامه (قدس سره) .

وأمّا الوضع العام والموضوع له الخاص ، يردّه ـ مضافاً إلى ذلك ـ ما حققناه في مبحث الصحيح والأعم (2) من أنّ نتيجة الوضع العام والموضوع له الخاص كنتيجة الاشـتراك اللفظي فلاحـظ ، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى : أنّ اختلاف لفظ الأمر في الجمع قرينة قطعية على اختلافه في المعنى ، ضرورة أنّ

ـــــــــــــــــــــ
(1) نهاية الدراية 1 : 249 ـ 252 .
(2) في ص 170 .

ــ[346]ــ

معناه لو كان واحداً لن يعقل اختلافه في الجمع ، هذا على ما بيّناه في الدورات السابقة .

ولكن الصحيح في المقام أن يقال : إنّ مادة الأمر لم توضع للدلالة على حصّة خاصّة من الطلب ، وهي الحصّة المتعلقة بفعل الغـير، بل وضعت للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، والسبب في ذلك : ما حققناه في بحث الانشاء (1) من أ نّه عبارة عن اعتبار الأمر النفساني وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكله ، هذا من ناحية .

ومن ناحية اُخرى : ما ذكرناه في بحث الوضع من أ نّه عبارة عن التعهد والالتزام النفساني .

فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين : هي وضع مادة الأمر أو ما شـاكلها بطبيعة الحال لما ذكرناه ، أي للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني ، لا للطلب والتصدّي ، ولا للبعث والتحريك . نعم ، إنّها كصيغتها مصداق للطلب والتصدّي ، والبعث والتحريك ، لا أ نّها معناها .

وبكلمة اُخرى : أ نّنا إذا حلّلنا الأمر المتعلق بشيء تحليلاً موضوعياً فلا نعقل فيه سوى شيئين :

أحدهما : اعتبار المولى ذلك الشيء في ذمّة المكلف من جهة اشتماله على مصلحة داعية إلى ذلك .

وثانيهما : إبراز ذلك الأمر الاعتباري في الخارج بمبرز كمادة الأمر أو نحوها ، فالمادة أو ما شاكلها وضعت للدلالة على إبراز ذلك الأمر الاعتباري النفساني ، لا للطلب ولا للبعث والتحريك .

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 97 .

ــ[347]ــ

نعم ، قد عرفت أنّ المادة أو ما شاكلها مصداق للطلب والبعث ، ونحو تصد إلى الفعل ، فانّ الطلب والبعث قد يكونان خارجيين ، وقد يكونان اعتباريين ، فمادة الأمر أو ما شابهها مصداق للطلب والبعث الاعتباري لا الخارجي، لوضوح أ نّها تصد في اعتبار المولى إلى إيجاد المادة في الخارج وبعث نحوه ، لا تكويناً وخارجاً ، كما هو ظاهر .

ونتيجة ما ذكرناه أمران :

الأوّل : أنّ مادة الأمر أو ما شاكلها موضوعة للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج ، وهو اعتبار المولى الفعل على ذمّة المكلف ، ولا تدل على أمر آخر ما عدا ذلك .

الثاني : أ نّها مصداق للطلب والبعث لا أ نّهما معناها .

إلى هنا قد تبيّن أنّ القول بالاشتراك اللفظي بين جميع المعاني المتقدمة باطل لا واقع موضوعي له ، وكذلك القول بالاشتراك المعنوي ، فالصحيح هو القول بالاشتراك اللفظي بين المعنيين المتقدمين .

ثمّ لا يخفى أ نّه لا ثمرة عملية لذلك البحث أصلاً ، والسبب فيه : أنّ الثمرة هنا ترتكز على ما إذا لم يكن المراد الاستعمالي من الأوامر الواردة في الكتاب والسنّة معلوماً ، وحيث إنّ المراد الاستعمالي منها معلوم ، فإذن لا أثر له .
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net