المعنى الاصطلاحي للأمر - اعتبار العلو في معنى الأمر 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5054

 

المعنى الاصطلاحي للأمر

حكى المحقق صاحب الكفاية (1) (قدس سره) أنّ الأمر قد نقل عن معناه الأصلي إلى القول المخصوص ، وهو هيئة (افعل) .

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 62 .

ــ[348]ــ

ويرد عليه : أ نّه إن كان هذا مجرد اصطلاح ، فلا مشاحة فيه ، وإلاّ فلا وجه له أصلاً، وذلك لأنّ الظاهر أنّ الاشتقاق منه بحسب معناه الاصطلاحي ، وعليه فلو كان معناه الاصطلاحي القول المخصوص لم يمكن الاشتقاق منه لأ نّه جامد ، ومن الطبيعي أنّ مبدأ المشتقات لا بدّ أن يكون معنىً حدثياً قابلاً للتصريف والتغيير ، هذا من ناحية .

ومن ناحية اُخرى : أن يكون المبدأ خالياً عن جميع الخصوصيات ، ليقبل كل خصوصية ترد عليه .

ومن ثمة قلنا في بحث المشتق (1) إنّ المصدر لا يصلح أن يكون مبدأً له ، لعدم توفر الشرط الأسـاسي للمبدأ فيه ، وهو خلوّه عن جميع الأشكال والصور المعنوية واللفظية ، حتّى يقبل أيّة صورة ترد عليه ، نظير الهيولى في الأجسام ، حيث إنّها فاقدة لكل صورة افترضت ، ولذا تقبل كل صورة ترد عليها بشتّى أنواعها وأشكالها ، وبطبيعة الحال أ نّها لو لم تكن فاقدةً لها فلا تقبل صورة اُخرى ، لوضوح إباء كل صورة عن صورة اُخرى ، وكل فعلية عن فعلية ثانية .

فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين : هي أنّ القول المخصوص لا يصلح أن يكون مبدأً للمشتقات ، وأن يجعله شقة شقة ، لاستحالة تصريفه وورود هيئة اُخرى عليه ، فيكون نظير الجملة والمفرد والكلمة والكلام وما شاكل ذلك ممّا هو اسم لنفس اللفظ ، فانّها غير قابلة لأن تشتق منها المشتقات ، لعدم توفر الركيزتين الأساسيتين للمبدأ فيها : المعنى الحدثي ، الخلو من الخصوصيات .

نعم ، التلفظ بالقول المخصوص قابل لأن تشتق منه المشتقات وترد عليه الهيئات والصور ، وذلك لأنّ التلفظ إن لوحظ بنفسه مع عدم ملاحظة شيء

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 319 .

ــ[349]ــ

معه من الخصوصيات الخارجة عن حدود ذاته ، فهو مبدأ . وإن لوحظ قائماً بغيره فحسب فهو مصدر . وإن لوحظ زائداً على هذا وذاك وجوده وتحققه في الخارج قبل زمان التكلم فهو ماض ، وفي زمانه وما بعده فمضارع ، وهكذا . ولكن من المعلوم أ نّه لا صلة لذلك بما ذكرناه أصلاً .

ولكن لشيخنا المحقق (قدس سره) في هذا الموضوع كلام ، وهو أنّ الأمر بهذا المعنى أيضاً قابل للاشتقاق والتصريف ، وقد أفاد في وجه ذلك ما إليك نصّه :

وإن كان وجه الاشكال ما هو المعروف من عدم كونه معنىً حدثياً ، ففيه : أنّ لفظ «اضرب» صنف من أصناف طبيعة الكيف المسموع ، وهو من الأعراض القائمة بالمتلفظ به .

فقد يلاحظ نفسه من دون لحاظ قيامه وصدوره عن الغير ، فهو المبدأ الحقيقي الساري في جميع مراتب الاشتقاق .

وقد يلاحظ قيامه فقط ، فهو المعنى المصدري المشتمل على نسبة ناقصة .

وقد يلاحظ قيامه وصدوره في الزمان الماضي فهو المعنى الماضوي .

وقد يلاحظ صدوره في الحال أو الاستقبال ، فهو المعنى المضارعي وهكذا ، فليس هيئة (اضرب) كالأعيان الخارجية والاُمور غير القائمة بشيء حتّى لايمكن لحاظ قيامه فقط، أو في أحد الأزمنة . وعليه فالأمر موضوع لنفس الصيغة الدالة على الطلب مثلاً أو للصيغة القائمة بالشخص ، و «أَمَرَ» موضوع للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في المضي و «يأمر» موضوع للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في الحال أو الاستقبال (1) .

ـــــــــــــــــــــ
(1) نهاية الدراية 1 : 254 .

ــ[350]ــ

ولنأخذ بالنقد على ما أفاده (قدس سره) وحاصله : أنّ ما ذكره في إطاره وإن كان في غاية الصحّة والمتانة ، إلاّ أ نّه لا صلة له بما ذكرناه ، والسبب في ذلك : أنّ لكل لفظ حيثيتين موضوعيتين :

الاُولى : حيثية صدوره من اللافظ خارجاً وقيامه به كصدور غيره من الأفعال كذلك .

الثانية : حيثية تحققه ووجوده في الخارج .

فاللفظ من الحيثية الاُولى وإن كان قابلاً للتصريف والاشتقاق ، إلاّ أنّ لفظ الأمر لم يوضع بازاء القول المخصوص من هذه الحيثية ، وإلاّ لم يكن مجال لتوهم عدم إمكان الاشتقاق والصرف منه ، بل هو موضوع بازائه من الحيثية الثانية ، ومن الطبيعي أ نّه بهذه الحيثية غير قابل لذلك كما عرفت . فما أفاده (قدس سره) مبني على الخلط بين هاتين الحيثيتين .

الجهة الثانية : هل أنّ العلوّ معتبر في معنى الأمر أم لا ؟

الظاهر اعتباره ، إذ لا يصدق الأمر عرفاً على الطلب الصادر من غير العالي ، وإن كان بنحو الاستعلاء وإظهار العلوّ .

وعلى الجملة : فصدوره من العالي منشأ لانتزاع عنوان الأمر والبعث والتحريك والتكليف وما شاكل ذلك ، دون صدوره عن غيره ، بل ربّما يوجب توبيخه باستعماله الأمر .

ويدلّنا على ذلك : مضافاً إلى مطابقة هذا للوجدان ، صحّة سلب الأمر عن الطلب الصادر من غير العالي ، بل يستحق التوبيخ عليه بقوله : أتأمر الأمير مثلاً ، ومن المعلوم أنّ التوبيخ لا يكون على أمره بعد استعلائه ، وإنّما يكون على استعلائه واستعماله الأمر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net