الواجب التعبدي والتوصلي \ إطلاق الواجب التوصلي على معنيين 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 9875


[ الواجب التعبّدي والتوصّلي ]

الجهة الرابعة : يقع الكلام في الواجب التوصلي والتعبدي ، وقبل بيانهما نقدّم مقدّمةً ، وهي أنّ الواجب التوصلي يطلق على معنيين :

الأوّل : ما لا يعتبر فيه قصد القربة ، وذلك كغسل الميت وكفنه ودفنه وما شاكل ذلك ، حيث إنّها واجبات في الشريعة الاسلامية ولا يعتبر في صحّتها قصد القربة والاتيان بها مضافاً إلى الله (سبحانه وتعالى) فلو أتى بها بدون ذلك

ــ[492]ــ

سقطت عن ذمّته .

نعم ، استحقاق الثواب عليها يرتكز على الاتيان بها بقصد القربة وبدونه لايستحق وإن حصل الإجزاء. ولا ينافي ذلك اعتبار اُمور اُخر في صحّتها ، مثلاً يعتبر في صحّة غسله أن يكون الغاسل بالغاً ، وأن يكون مماثلاً ولو كان غيره بطل إلاّ في موارد خاصّة ، وأن يكون الماء مباحاً ، وأن تكون الأغسال الثلاثة مترتبة وغير ذلك .

وفي مقابله ما يعتبر فيه قصد القربة وهو المعبّر عنه بالواجب التعبدي ، فلو أتى به بدون ذلك لم يسقط عنه وكان كمن لم يأت به أصلاً .

الثاني : ما لا تعتبر فيه المباشرة من المكلف بل يسقط عن ذمّته بفعل الغير ، سواء أكان بالتبرع أم بالاستنابة، بل ربّما لايعتبر في سقوطه الالتفات والاختيار، بل ولا إتيانه في ضمن فرد سائغ ، فلو تحقق من دون التفات وبغير اختيار ، أو في ضمن فرد محرّم كفى .

وإن شئت قلت : إنّ الواجب التوصلي مرّةً يطلق ويراد به ما لا تعتبر فيه المباشرة من المكلف . ومرّةً اُخرى يطلق ويراد به ما لا يعتبر فيه الالتفات والاختيار . ومرّةً ثالثة يطلق ويراد به ما لا يعتبر فيه أن يكون في ضمن فرد سائغ .

ويقـابل القسم الأوّل ما تعتبر فيه المباشرة . والقسم الثاني ما يعتبر فيه الالتفات والاختيار . والقسم الثالث ما يعتبر فيه أن يكون في ضمن فرد سائغ فلو أتى به في ضمن فرد محرّم لم يسقط .

ثمّ إنّ القسم الأوّل من الواجب التوصلي بالمعنى الثاني قد يجتمع مع الواجب التعبدي بالمعنى الأوّل ـ وهو ما يعتبر فيه قصد القربة ـ في عدّة موارد :

منها : الزكاة فانّها رغم كونها واجبةً تعبّديةً يعتبر فيها قصد القربة والامتثال ،

ــ[493]ــ

تسقط عن ذمّة المكلف بفعل الغير سواء أكان بالاستنابة أم كان بالتبرع إذا كان مع الاذن، وأمّا لو كان بدونه فالسقوط لايخلو عن إشكال، وإن نسب إلى جماعة .

ومنها : الصلوات الواجبة على وليّ الميت ، فانّها تسقط عن ذمّته باتيان غيره ، كان بالاستنابة أم كان بالتبرّع رغم كونها واجبات تعبّدية .

ومنها : صلاة الميت فانّها تسقط عن ذمّة المكلف بفعل الصبي المميّز نائباً كان أم متبرعاً ، كما ذهب إليه جماعة منهم السيِّد (قدس سره) في العروة(1) وقرّره على ذلك أصحاب الحواشي .

ومنها : الحج فانّه واجب على المستطيع ولم يسقط بعجزه عن القيام بأعماله إمّا من ناحية ابتلائه بمرض لايُرجى زواله ، وإمّا من ناحية كهولته وشيخوخته ، ولكن مع ذلك يسقط عنه بقيام غيره به رغم كونه واجباً تعبدياً . ومنها غير ذلك .

فالنتيجة : هي أ نّه لا ملازمة بين كون الواجب تعبدياً وعدم سقوطه بفعل الغير ، فان هذه الواجبات بأجمعها واجبات تعبدية فمع ذلك تسقط بفعل الغير .

ومن هنا يظهر أنّ النسبة بين هذا القسم من الواجب التوصلي وبين الواجب التعبدي بالمعنى الأوّل عموم وخصوص من وجه ، حيث ينفرد الأوّل عن الثاني بمثل تطهير الثياب من الخبث وما شاكله ، فانّه يسقط عن المكلف بقيام غيره به ، ولا يعتبر فيه قصد القربة . وينفرد الثاني عن الأوّل بمثل الصلوات اليومية وصيام شهر رمضان وما شاكلهما ، فانّها واجبات تعبدية لا تسقط عن المكلف بقيام غيره بها . ويلتقيان في الموارد المتقدمة .

كما أنّ النسبة بينه وبين الواجب التوصلي بالمعنى الأوّل عموم وخصوص

ـــــــــــــــــــــ
(1) العروة الوثقى 1 : 255 المسألة 5 [ 849 ] ولاحظ أيضاً ص288 المسألة 2 [ 943 ].

ــ[494]ــ

من وجه ، حيث يمتاز الأوّل عن الثاني بمثل وجوب ردّ السلام ، فانّه واجب توصلي لا يعتبر فيه قصد القربة ، ولكن يعتبر فيه قيد المباشرة من نفس المسلَّم عليه ، ولا يسقط بقيام غيره به .

ومن هذا القبيل وجوب تحنيط الميت ، حيث قد ذكرنا في بحث الفقه (1) أ نّه لا يسقط عن البالغ بقيام الصبي المميز به .

ويمتاز الثاني عن الأوّل بالموارد المتقدمة ، حيث إنّها واجبات تعبدية يعتبر فيها قصد القربة، ومع ذلك تسقط بفعل الغير، ويلتقيان في موارد كثيرة كوجوب إزالة النجاسة وما شاكلها ، فانّها واجبة توصلية بالمعنى الأوّل والثاني فلا يعتبر فيها قصد القربة ، وتسقط بقـيام الغير بها كالصبي ونحوه ، كما تسقط فيما إذا تحققت بغير التفات واختيار ، بل ولو في ضمن فرد محرّم .

وأمّا النسبة بين الواجب التعبدي بالمعنى الأوّل والواجب التعبدي بالمعنى الثاني أيضاً عموم من وجه ، حيث يفترق الأوّل عن الثاني بالواجبات التعبدية التي لا يعتبر فيها قيد المباشرة من نفس المكلف كالأمثلة التي تقدّمت ، فانّها واجبات تعبدية بالمعنى الأوّل دون المعنى الثاني . ويفترق الثاني عن الأوّل بمثل وجوب ردّ السلام ونحوه ، فانّه واجب تعبدي بالمعنى الثاني حيث يعتبر فيه قيد المباشرة دون المعنى الأوّل حيث لا يعتبر فيه قصد القربة ، ويلتقيان في كثير من الموارد كالصلوات اليومية ونحوها .
ـــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة الوثقى 9 : 165 المسألة [ 924 ] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net