الكلام في الشرط المتأخر \ تعميم الاشكال للشرط المتقدم 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5913


ــ[125]ــ


الشرط المتأخِّر

ينقسم الشرط إلى الشرط المتأخر والمتقدم والمقارن .
وقد اُشكل على الشرط المتأخر بأنّ الشرط من أجزاء العلّة التامّة ، ومن البديهي أنّ العلة بكافة أجزائها تتقدّم على المعلول رتبة وتعاصره زمناً، فلا يعقل تأخّر جزء من أجزائها عنه ، ومعه كيف صار الشرط متأخراً عن المشروط .
وربّما يتوهم أنّ الشرط ليس هو ذات الوجود الخارجي ليستحيل تأخره عن المشروط ، بل الشرط إنّما هو وجوده المتأخر بوصف تأخره ، فالعلة لم تتأخر عن المعلول ، بل المتأخر بوصف تأخره يكون علة تامة .
ويردّه : أ نّه مجرد وهم فلا واقع موضوعي له أصلاً ، وذلك لأنّ لازم هذا هو أن يكون الشيء المعدوم بوصف أ نّه معدوم مؤثراً في وجود الشيء ، لفرض أنّ الشرط كما عرفت من أجزاء العلة التامة المؤثرة في الوجود ، ومع عدمه فالعلة التامة غير موجودة ، ومعه كيف يعقل وجود المعلول . وعلى الجملة : فالشيء المتأخر لا يعقل أن يكون مؤثراً في المتقدم لا بوصف كونه متأخراً ولا بوصف كونه معدوماً ، إذ على كلا التقديرين يلزم وجود المعلول قبل وجود علته وهو محال .
ثمّ إنّ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) لم يقتصر في الاشكال على الشرط المتأخر ، بل أورده على الشرط المتقدم أيضاً بدعوى أنّ الشرط بما أ نّه

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 92 .

ــ[126]ــ

من أجزاء العلة التامة فلا بدّ أن يكون مقارناً مع المشروط زمناً ، فكما لا يعقل أن يكون متأخراً عنه كذلك لا يعقل أن يكون متقدماً عليه إذا لم يبق إلى عصر وجوده أي وجود المشروط، ومن هنا قال (قدس سره): إنّه لا وجه لاختصاص الاشـكال بخصوص الشرط المتأخر كما اشـتهر في الألسنة ، بل يعمّ الشرط والمقتضي المتقدمين المتصرمين حين وجود الأثر كالعقد في الوصية والصرف والسلم ، بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه لتصرمها حين تأثره ، مع ضرورة اعتبار مقارنتها له زماناً .
ولنأخذ بالنقد عليه : وهو أنّ ما جاء به المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من تعميم الاشكال إلى الشرط المتقدم خاطئ جداً ، فان تقدّم الشرط على المشروط في التكوينيات غير عزيز فما ظنك في التشريعيات ، والسبب في ذلك : هو أنّ مردّ الشرط في طرف الفاعل إلى مصحح فاعليته ، كما أن مردّه في طرف القابل إلى متمم قابليته ، ومن الطبيعي أ نّه لا مانع من تقدّم مثله على المشروط زماناً .
وبكلمة اُخرى : أنّ شأن الشرط إنّما هو إعطاء استعداد التأثير للمقتضي في مقتضاه ، وليس شأنه التأثير الفعلي فيه حتّى لا يمكن تقدمه عليه زماناً . ومن البديهي أ نّه لا مانع من تقدّم ما هو معدّ ومقرّب للمعلول إلى حيث يمكن صدوره عن العلة زمناً عليه ، ولا تعتبر المقارنة في مثله . نعم ، الذي لا يمكن تقدمه على المعلول زماناً هو الجزء الأخير للعلة التامة ، وأمّا سائر أجزائها فلا مانع من ذلك أصلاً ، ونأخذ لتوضيح ذلك مثالين :
أحدهما : أنّ غليان الماء خارجاً يتوقف على إحراق النار وإيجاد الحرارة فيه على التدريج إلى أن تبلغ درجة خاصة فإذا وصلت إلى هذه الدرجة تحقق الغليان ، فالاحراق شرط له وهو متقدم عليه زماناً .

ــ[127]ــ

ثانيهما : أنّ القتل يتوقف على فري الأوداج ، ثمّ رفض العروق الدم الموجود فيها إلى الخارج ، ثمّ توقف القلب عن الحركة وبعده يتحقق القتل ، ففري الأوداج مع أ نّه شرط متقدم عليه . فالنتيجة أ نّه لا مانع من تقدّم سائر أجزاء العلة التامة على المعلول زماناً ، فان ما لا يمكن تقدمه عليه كذلك هو الجزء الأخير لها .
ومن هنا يظهر أنّ التعاصر إنّما هو بين العلة التامة ومعلولها لا بين كل جزء جزء منها وبينه ، فإذا جاز تقدّم الشرط على المشروط في التكوينيات جاز في التشرعيات أيضاً ، بداهة أ نّه لا مانع من اعتبار الشارع الفعل على ذمة المكلف مشروطاً بشيء متدرج الوجود خارجاً على نحو يكون ثبوته في ذمته معاصراً لجزئه الأخير بحيث يستحيل الانفكاك بينهما زماناً ، أو يعتبر الوضع كالملكية والزوجية وما شاكلهما كذلك ، يعني مشروطاً بشيء متدرج الوجود كالعقد ونحوه .
وعلى الجملة : فلا مانع من تقدّم الشرط على المشروط ، سواء أكان المشروط حكماً أو فعلاً ، وسواء أكان الحكم وضعياً أو تكليفياً . وأضف إلى ذلك : أنّ باب الأحكام الشرعية أجنبي عن باب العلة والمعلول بالكلية فلا صلة لأحدهما بالآخر أبداً كما سنشير إليه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net