بيع النّجس والمتنجِّس - التسبيب في أكل النّجس وشربه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7903


ــ[305]ــ

بيعها للاستعمال المحرّم وفي بعضها لا يجوز بيعه مطلقاً كالميتة والعذرات ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) إنّ مقتضى القاعدة جواز بيع النجاسات والمتنجسات وضعاً وتكليفاً على ما تقتضيه إطلاقات أدلّة البيع وصحته ولم يثبت تقييدها بغير النجس أو المتنجس . وأما الشهرة والاجماعات المنقولة ورواية تحف العقول المستدل بها على عدم جواز بيعهما بحسب الوضع أو التكليف ، فقد ذكرنا في محلِّه أنها ضعيفة ولا مسوّغ للاعتماد عليها لعدم حجية الشهرة ولا الاجماعات المنقولة ولا رواية التحف (2) . هذا كله بحسب القاعدة وأمّا بحسب الأخبار فلا بد من النظر إلى أن الأعيان النجسة أيّها ممنوع بيعها فنقول : دلّت جملة من الأخبار على أن الخمر قد ألغى الشارع ماليّتها ومنع عن بيعها وشرائها ، لا بما أنها نجسة بل لأجل مبغوضيتها وفسادها (3) بحيث لو أتلفها أحد لم يحكم بضمانه إلاّ إذا كانت الخمر لأهل الذمّة ، كما أنّ الأخبار وردت في النهي عن بيع الكلب بما له من الأقسام سوى الصيود ، وفي بعضها أنّ ثمنه سحت(4) ، وكذا ورد النهي عن بيع الخنزير والميتة في غير واحد من الأخبار (5) وهذه الموارد هي التي نلتزم بحرمة البيع فيها .

   وأمّا غيرها من الأعيـان النجسة فلم يثبت المنع عن بيعها حتى العـذرة ، لأنّ الأخبار الواردة في حرمة بيعها وأن ثمنها سحت ضعيفة السند ، على أنها معارضة بما دلّ على عدم البأس بثمن
العذرة (6) ، وعليه فلا وجه لما صنعه الماتن (قدس سره) حيث عطف العذرة على الميتة . وأما بيع النجاسات أو المتنجسات بقصد استعمالها في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد جواز بيع العذرة للانتفاع بها منفعة محلّلة ، نعم الكلب غير الصيود وكذا الخنزير والخمر والميتة لا يجوز بيعها بحال .

(2) مصباح الفقاهة 1 : 174 .

(3) الوسائل 17 : 224 / أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 3 ـ 7 .

(4) الوسائل 17 : 118 / أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 1 ـ 8 .

(5) الوسائل 17 : 93 / أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5 ، 8 ، 9 .

(6) الوسائل 17 : 175 / أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2 ، 3 .

ــ[306]ــ

الحرام فان اشترط استعمالها في الجهة المحرمة في ضمن المعاملة والبيع فلا إشكال في فساد الشرط لأنه على خلاف الكتاب والسنة ، وهل يبطل العقد أيضاً بذلك ؟ يبتني هذا على القول بافساد الشرط الفاسد وعدمه وقد قدّمنا الكلام في تلك المسألة في محلِّها (1) ولا نعيد .

   وأمّا إذا لم يشترط في ضمن عقد البيع ولكنّا علمنا من الخارج أن المشتري سوف يصرفه في الجهة المحرمة باختياره وإرادته فلا يبطل بذلك البيع ، حيث لا دليل عليه كما لا دليل على حرمته التكليفية وإن كان بيعها مقدمة لارتكاب المشـتري الحرام وذلك لأن البائع إنما باعه أمراً يمكن الانتفاع به في كلتا الجهتين أعني الجهة المحللة والمحرّمة ، والمشتري إنما صرفه في الجهة المحرمة بسوء اختياره وإرادته ، وهو نظير بيع السكين ممن نعلم أنه يجرح به أحداً أو يذبح به شاة غيره عدواناً أو يرتكب به أمراً محرماً آخر ما عدا قتل النفس المحترمة ومقدماته ولا إشكال في جوازه .

   هذا بل قد صرح أئمتنا (عليهم أفضل السلام) في جملة من رواياتهم بجواز بيع التمر ممن يعلم أنه يصنعه خمراً (2) ، وقد أسندوا ذلك إلى أنفسهم في بعضها (3) ، وبيّنا في محلِّه أنّ ايجاد المقدّمة المشتركة بين الجهة المحللة والمحرمة لو حرم في الشريعة المقدسة لحرمت جملة كثيرة من الاُمور التي نقطع بحليتها كاجارة الدار مثلاً ، فان لازم ذلك الالتزام بحرمتها مطلقاً للعلم العادي بأن المستأجر يرتكب أمراً محرّماً في الدار ولو بسبّ زوجته أو بكذبه أو بشربه الخمر إلى غير ذلك من المحرّمات مع وضوح جواز إجارة الدار ممن يشرب الخمر وغيره ، وكسوق السيارة أو السفينة ونحوهما للعلم الاجمالي بأنّ بعض ركّابها قصد الفعل الحرام من السعاية أو الظلم أو القمار أو غيرها من المحرمات ولا سيما في بعض البلاد كطهران وبغداد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقاهة 7 : 351 .

(2) الوسائل 17 : 230 / أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 5 .

(3) كما في رواية أبي كهمس وصحيحة رفاعة المرويتين في الوسائل 17 : 230 / أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6 ، 8 .

ــ[307]ــ

   [ 273 ] مسألة 32 : كما يحرم الأكل والشرب للشيء النجس كذا يحرم التسبيب لأكل الغير أو شربه (1) ، وكذا التسبّب لاستعماله ((1))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) التسبيب إلى أكل النجس أو شربه قد يكون مع علم المباشر وإرادته واختياره ، والتسبيب حينئذ مما لا إشكال في جوازه إلاّ من جهة كونه إعانة على الاثم والحرام . وفي حرمة الاعانة على الحرام وعدمها بحث طويل تعرضنا له في محله (2) . وهذه الصـورة خارجة عن محط كلام المـاتن (قدس سره) حيث إن ظاهره إرادة التسبيب الذي لا يتخلّل بينه وبين فعل المباشر إرادة واختيار ، كما إذا أضاف أحداً وقدّم له طعاماً متنجساً فأكل الضيف النجس لا بارادته واختياره لجهله بالحال . وعليه فيقع الكلام في التسبيب إلى أكل النجس أو شربه مع عدم صدور الفعل من المباشر بارادته وعدم تخلل الاختيار بين التسبيب والفعل الصادر من المباشر ، وهل هو حرام أو لا حرمة فيه ؟ ثم إنه إذا لم يسبب لأكل النجس أو شربه إلاّ أنه كان عالماً بنجاسة شيء وحرمته ورأى الغير قد عزم على أكله أو شربه جاهلاً بالحال فهل يجب عليه إعلامه ؟

   إذا كان الحكم الواقعي مما لا يترتّب عليه أثر بالاضافة إلى المباشر الجاهل وكان وجوده وعدمه على حد سواء ، فلا إشكال في عدم حرمة التسبيب حينئذ ولا في عدم وجوب الاعلام ، وهذا كما إذا قدّم لمن أراد الصلاة ثوباً متنجساً فلبسه وصلّى فيه وهو جاهل بنجاسته ، أو رأى أحداً يصلِّي في الثوب المتنجس جاهلاً بنجاسته فانه لا يجب عليه إعلام المصلِّي بنجاسة ثوبه ، ولا يحرم عليه أن يقدّم الثوب المتنجس إلى من يريد الصلاة فيه ، حيث لا يترتب على نجاسة ثوب المصلي وطهارته أثر إذا كان جاهلاً بالحال ، وصلاته في الثوب المتنجس حينئذ لا تنقص عن الصلاة في الثوب الطاهر بل هما على حد سواء ، وهو نظير ما إذا رأى في ثوب المصلي دماً أقل من الدرهم حيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا بأس به إذا كان الشرط أعمّ من الطهارة الواقعية والظاهرية ، كما في اشتراط الصلاة بطهارة الثوب والبدن .

(2) مصباح الفقاهة 1 : 230 .

ــ[308]ــ

لا ريب في عدم وجوب الاعلام به ، لأنه لا أثر لوجود الدم المذكور وعدمه حتى مع علم المصلِّي به فضلاً عن جهله ، وكذا لا إشكال في جواز التسبيب إلى الصلاة في مثله .

   وعلى الجملة أن جواز التسبيب وعدم وجوب الاعلام في هذه الصورة على القاعدة . مضافاً إلى الموثقة الواردة في من أعار رجلاً ثوباً فصلّى فيه وهو لا  يصلي فيه (1) حيث دلت على أن الثوب المستعار لا يجب الاعلام بنجاسته للمستعير . والوجه فيه أن صلاة الجاهل في الثوب المتنجس مما لا منقصة له بل هي كصلاته في الثوب الطاهر من غير نقص ، ومن هنا جاز للمعير أن يأتم بالمستعير في صلاته في الثوب المتنجس . ولا يبتني هذا على ما اشتهر من النزاع في أن المدار في الصحة على الصحّة الواقعية أو الصحّة عند الإمام ، لأن ذلك إنما يختص بما إذا كان للواقع أثر مترتّب عليه كما في الجنابة والحدث الأصغر ونحوهما .

   فالمتحصل إلى هنا أن الحكم الواقعي إذا كان ذكرياً ومشروطاً بالعلم والالتفات لا يجب فيه الاعلام للجاهل كما لا يحرم التسبيب في مثله ، ولعل هذا مما لا ينبغي الاشكال فيه . وإنما الكلام فيما إذا كان للحكم الواقعي أثر يترتب عليه في نفسه من حيث صحة العمل وبطلانه ومحبوبيته ومبغوضيته وإن كان المباشر معذوراً ظاهراً لجهله ، وهذا كشرب الخمر أو النجس أو أكل الميتة ونحوها فان شرب الخمر مثلاً مبغوض عند الله واقعاً وإن كان شاربها معذوراً لجهله ، فهل يحرم التسبيب في مثله ويجب فيه الاعلام ، فلا يجوز تقديم الخمر إلى الضيف ليشربها جاهلاً بأنها خمر أو لا يحرم التسبيب ولا يجب فيه الاعلام ، أو يفصّل بينهما بالحكم بحرمة التسبيب وعدم وجوب الاعلام ؟

   وجوه صحيحها الأخير وذلك لعدم قيام الدليل على وجوب الاعلام في أمثال المقام ، حيث لا تنطبق عليه كبرى وجوب النهي عن المنكر ـ  لجهل المباشر وعدم صدور الفعل منه منكراً  ـ ولا وجوب تبليغ الأحكام الشرعية وإرشاد الجاهلين لأنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في موثقة ابن بكير المروية في الوسائل 3 : 488 / أبواب النجاسات ب 47 ح 3 .

ــ[309]ــ

عالم بالحكم وإنما جهل مورده أو اعتقد طهارته ، ومعه لا يمكن الحكم بوجوب إعلامه بل يمكن الحكم بحرمته فيما إذا لزم منه إلقاء الجاهل في العسر والحرج أو كان موجباً لايذائه . وأما التسبيب إلى أكل النجس أو شربه فالتحقيق حرمته ، وذلك لأن المستفاد من إطلاقات أدلة المحرّمات الموجّهة إلى المكلفين حسب المتفاهم العرفي ، أن انتساب الأفعال المحرّمة إلى موجديها مبغوض مطلقاً سواء كانت النسبة مباشرية أم تسـبيبية مثلاً إذا نهى المولى عن الدخـول عليه بأن قال لا يدخل عليَّ أحد لغرض له في ذلك فيستفاد منه أن انتساب الدخول إليه وإيجاده مبغوض مطلقاً سواء صدر ذلك على وجه المباشرة أو على وجه التسبيب كما إذا أدخل عليه أحداً بتغريره ، فالانتساب التسبيبي كالمباشري مفوت للغرض والتفويت الحرام .

   هذا كلّه مضافاً إلى ما ورد من الأمر باعلام المشتري بنجاسة الزيوت المتنجسة حتى يستصبح بها ، ولا يستعملها فيما يشترط فيه الطهارة حيث قال : «بعه وبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» (1) فان الاستصباح بالزيت المتنجس ليس بواجب ولا راجح ، فالأمر به في الأخبار المشار إليها إرشاد إلى أنه لا بد وأن يصرف في الجهة المحللة لئلا ينتفع به في المنفعة المحرمة ، لأن للدهن النجس فائدتين : محللة ومحرمة ، فاذا لم يبيّن نجاسته للمشتري فمن الجائز أن يصرفه في الجهة المحرّمة أعني أكله وهو تسبيب من البائع إلى إصدار مبغوض الشارع من المشتري الجاهل بالحال ، فالأمر باعلام نجاسة الدهن للمشتري يدلّنا على حرمة التسبيب إلى الحرام .

   ودعوى اختصاص ذلك بالنجاسات ، فانّ الأخبار إنما دلّت على وجوب الاعلام بنجاسة الزيوت فلا يستفاد منها حرمة التسبيب إلى مطلق المبغوض الواقعي كما في التسبيب إلى أكل الميتة الطاهرة من الجري والمارماهي ونحوهما ، حيث إن أكلها محرّم من دون أن تكون نجسة ، مدفوعة بأنّ المستفاد من إطلاق حرمة الميتة وغيرها من المحرّمات ـ  حسب المتفاهم العرفي  ـ أنّ مطلق انتساب فعلها إلى المكلف مبغوض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ورد ذلك فيما رواه معاوية بن وهب وبمضمونه روايات اُخر مروية في الوسائل 17 : 98 / أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 4 وغيره .

ــ[310]ــ

حرام ، سواء أ كانت النسبة مباشرية أم تسبيبية كما عرفت ، وهذا لا يفرق فيه بين النجس والحرام . فتحصّل أن التسبيب إلى الفعل الحرام فيما إذا كان للواقع أثر مترتب عليه في نفسه حرام .

   وبهذا يندفع ما ربما يقال من أن وجود الأمر المحرم إذا كان مبغوضاً من الجميع فكما أنه يقتضي حرمة التسبيب إلى إيجاده كذلك يقتضي وجوب الاعلام به بل يقتضي وجوب الردع عنه ، لأن تركه يؤدي إلى إيجاد المباشر للأمر المبغوض الواقعي فهو مفوّت للغرض والتفويت حرام ، ومعه لا وجه للحكم بحرمة التسبيب دون الحكم بوجوب الاعلام . والوجه في الاندفاع : أ نّا لم نستند في الحكم بحرمة التسبيب إلى مبغوضية الفعل في نفسه حتى يورد عليه بتلك المناقشة ، وإنما استندنا فيه إلى ما يستفاد من إطلاق أدلّة المحرّمات حسب المتفاهم العرفي ، لما مرّ من أن العرف يستفيد منها مبغوضية انتساب العمل إلى فاعله بلا تفرقة في ذلك بين الانتساب التسبيبي والمباشري . وهذا مما لا يقتضي الحكم بوجوب الاعلام لأن العمل إذا صدر من موجده بالارادة والاختيار من دون استناده إلى تسبيب العالم بحرمته فلا انتساب له إلى العالم بوجه ، وقد مرّ أن المحرم هو الانتساب دون مطلق الوجود ، ومع انتفاء الانتساب المباشري والتسبيبي لا موجب لوجوب ردع الفاعل المباشر عن عمله .

   نعم ، قد نلتزم بوجوب الاعلام أيضاً وهو كما في الموارد الخطيرة التي علمنا من الشارع الاهتمام بها وعدم رضاه بتحقق العمل فيها بوجه أعني موارد النفوس والاعراض ، مثلاً إذا رأينا أحداً حمل بسيفه على مؤمن ليقتله بحسبان كفره وارتداده يجب علينا ردعه وإعلامه بالحال ، وإن كان العمل على تقدير صدوره من مباشره غير موجب لاستحقاق العقاب لمعذورية الفاعل حسب عقيدته ، إلاّ أن الشارع لا يرضى بقتل المؤمن بوجه . وكذا الحال إذا رأينا صبياً يقتل مسلماً وجب ردعه لما مرّ إلاّ أن وجوب الردع في أمثال ذلك من باب أنه بنفسه مصداق لحفظ النفس المحترمة لا  من جهة وجوب الاعلام بالحرام . وكذلك الحال فيما إذا عقد رجل على امرأة نعلم أنها اُخته من الرضاعة حيث يجب علينا ردعه ، وإن لم يكن العمل منه أو منهما صادراً على جهة التحريم لجهلهما واعتمادهما على أصالة عدم العلاقة المحرمة بينهما ، بل

ــ[311]ــ

فيما يشترط فيه الطهارة ، فلو باع أو أعار شيئاً نجساً قابلاً للتطهير يجب الاعلام بنجاسته ، وأما إذا لم يكن هو السبب في استعماله بأن رأى أن ما يأكله شخص أو يشربه أو يصلِّي فيه نجس ، فلا يجب إعلامه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net