تفصيل النائيني في المقام - التوضؤ أو الاغتسال من آنية الذهب والفضة 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4231

ولكن للشيخ الاُستاذ (قدس سره) (1) في المقام كلام، وهو أ نّه (قدس سره) مع التزامه بفساد العبادة على القول بالامتناع وتقديم جانب الحرمة مطلقاً ذهب إلى صحة الوضوء أو الغسل هنا بهذا الماء في صورة الجهل بالحكم أو الموضوع عن قصور، ولعلّه (قدس سره) استند في ذلك إلى أحد أمرين:
الأوّل: دعوى أنّ الوضوء أو الغسل مشتمل على الملاك في هذا الحال، هذا
ـــــــــــــــــــــ
(1) العروة الوثقى (المحشّاة) 1: 404 ذيل المسألة 4.

 
 

ــ[501]ــ

من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ صدوره من المكلف في هذا الحال حسن على الفرض، ومعه لا مانع من التقرب به من ناحية اشتماله على الملاك.
وغير خفي أنّ هذه الدعوى خاطئة جداً حتّى عنده (قدس سره)، ضرورة أ نّه لا طريق لنا إلى إحراز أنّ الوضوء أو الغسل في هذا الحال مشتمل على الملاك، لما ذكرناه غير مرّة من أ نّه لا طريق لنا إلى معرفة ملاكات الأحكام مع قطع النظر عن ثبوتها، فإذن لا يمكن الحكم بصحته من هذه الناحية.
الثاني: دعوى الاجماع على الصحة في هذا الفرض كما ذكرها صاحب مفتاح الكرامة (قدس سره) (1).
ويردّها أوّلاً: أنّ الاجماع غير ثابت وإنّما هو إجماع منقول وهو ليس بحجة. وعلى تقدير ثبوته فهو إنّما يكون حجة إذا كان تعبدياً لا فيما إذا كان محتمل المدرك أو معلومه، ضرورة أ نّه في هذا الحال لا يكون كاشفاً عن قول المعصوم (عليه السلام) فلا يكون حجة والاجماع المدعى في المقام على تقدير تسليمه بما أ نّه محتمل المدرك لاحتمال أنّ من يقول بصحة الوضوء أو الغسل هنا إنّما يقول به من جهة توهم اشتماله على الملاك، أو من ناحية تخيل أنّ المؤثر في الحكم إنّما هو الجهات الواصلة دون الجهات الواقعية، فإذن لا بدّ من النظر في هذين الأمرين:
أمّا الأمر الأوّل: فقد عرفت أ نّه لا مجال له أصلاً، ضرورة أ نّه لا طريق لنا إلى إحراز أ نّه مشتمل على الملاك في هذا الحال كما مرّ آنفاً.
وأمّا الأمر الثاني: فقد نشأ من الخلط بين الجهات المؤثرة في الأحكام
ـــــــــــــــــــــ
(1) مفتاح الكرامة 1: 512.

ــ[502]ــ

الشرعية والجهات المؤثرة في الأحكام العقلية، فانّ المؤثر في الأحكام العقلية وهي الحسن والقبح إنّما هو الجهات الواصلة، ضرورة أنّ العقل لا يحكم بحسن شيء وقبح شيء آخر، إلاّ فيما إذا أحرز ما هو المؤثر فيهما، لما ذكرناه من أ نّه لا واقع موضوعي لهما ما عدا إدراك العقل اسـتحقاق الفاعل المدح على فعل واستحقاقه الذم على آخر، ومن الواضح جداً أنّ العقل لا يحكم بذلك إلاّ إذا أحرز انطباق عنوان العدل عليه في الأوّل، وانطباق عنوان الظلم في الثاني، حيث إنّ حكم العقل بقبح الظلم وحسن العدل ذاتي وغير قابل للانفكاك أبداً، ولا يحتاج إلى علّة خارجة عن مقام ذاتهما، ضرورة أنّ الذاتي غير قابل للتعليل بشيء، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الذاتي ذاتي باب البرهان، أو ذاتي باب الكلّيات كالجنس والفصل، وهذا واضح.
وأمّا حكمه بقبح غيرهما من الأفعال الاختيارية أو حسنها، فهو ليس بالذات بل من ناحية انطباق عنوان الظلم عليها أو العدل، مثلاً ضرب اليتيم إذا كان للتأديب انطبق عليه عنوان العدل، وإذا كان للايذاء انطبق عليه عنوان الظلم، ولذا يحكم بحسنه على الأوّل وقبحه على الثاني، وهذا واضح.
وأمّا المؤثر في الأحكام الشرعية فهو الجهات الواقعية لا الجهات الواصلة، ضرورة أنّ الأحكام الشرعية لو كانت تابعة لتلك الجهات، أي الجهات الواصلة، للزم التصويب وانقلاب الواقع، فانّ معنى ذلك هو تبعية الأحكام لعلم المكلف وهذا معنى التصويب، وقد تقدّم الكلام في ذلك من هذه الناحية بشكل واضح فلاحظ.
فالنتيجة: أ نّه لا يمكن الحكم بصحة الوضوء أو الغسل في هذا الحال، لا من ناحية الملاك، ولا من ناحية الاجماع، بل الصحيح هو ما ذكرناه من فساده في

ــ[503]ــ

هذا الحال أيضاً، بداهة أنّ الجهل بالحرمة أو بموضوعها لا يغيّر الواقع وإن كان عن قصور، ولا يوجب صيرورة الحرام واجباً، بل هو باق على حرمته، غاية الأمر أ نّه معذور في ارتكابه والتصرف فيه، ومن المعلوم أنّ الحرام لا يصلح أن يكون مقرّباً ومصداقاً للواجب، كما هو ظاهر.
وأمّا الثاني: وهو التوضؤ أو الاغتسال من آنية الذهب أو الفضة، فقد تقدّم الكلام فيه من ناحية صحة الوضوء أو الغسل منها أو فساده في بحث الضد (1)بصورة مفصّلة، ونتيجته هي أ نّه لا إشكال في فساد الوضوء أو الغسل منها إذا كان على نحو الارتماس، ضرورة أنّ نفس هذا التصرف محرّم، والمحرّم لا يصلح أن يكون مصداقاً للواجب، هذا بناءً على أن يكون مطلق التصرف فيها محرّماً. وأمّا إذا قلنا بأنّ المحرّم فيها إنّما هو خصوص الأكل والشرب لا مطلق استعمالها والتصرف فيها، فلا إشكال عندئذ في صحة الوضوء أو الغسل منها أصلاً.
وأمّا إذا كان على نحو الترتيب، بأن يغترف الماء منها غرفة غرفة ليتم وضوءه أو غسله، فبناءً على ما حققناه من إمكان الترتب من ناحية، وكفاية القدرة التدريجية على الواجبات المركبة من الأجزاء الطولية كالصلاة والوضوء والغسل وما شاكل ذلك من ناحية اُخرى، لا مانع من الحكم بصحته أصلاً، من دون فرق في ذلك بين صورة انحصار الماء فيها، وصورة عدم انحصاره، وتمكن المكلف من إفراغ الماء منها في إناء آخر بلا استلزامه التصرف فيها وعدم تمكنه منه، على ما تقدّم الكلام في جميع هذه النواحي بشكل واضح، فلا نعيد.
نعم، فرق بين الوضوء أو الغسل من الآنية كذلك، أي بأخذ الماء منها غرفة
ـــــــــــــــــــــ
(1) في المجلد الثاني من هذا الكتاب ص 495.

ــ[504]ــ

غرفة أو بأخذه في ظرف آخر، وبين الأكل والشرب على هذا النحو، أي بأن يأخذ الطعام أو الشراب من الآنية ويصب في المشقاب أو الفنجان، فيأكل فيه أو يشرب، حيث إنّ الأوّل ـ وهو الوضوء أو الغسل ـ ليس بمحرّم، والمحرّم إنّما هو أخذ الماء منها، الذي هو مقدّمة له، والثاني ـ وهو الأكل والشرب ـ محرّم، والوجه فيه: هو أنّ الملاك في حرمة الوضوء أو الغسل أو ما شابه ذلك منها كونه استعمالاً للآنية بنفسه، وفي الفرض المزبور بما أ نّه ليس استعمالاً لها كذلك، ضرورة أنّ ما كان اسـتعمالاً لها إنّما هو أخذ المـاء منها دونه، فلأجل ذلك لا يكون محرّماً ومصداقاً للتصرف فيها، وهذا بخلاف الملاك في حرمة الأكل والشرب منها فانّهما محرّمان، سواء أكان بلا واسطة أم مع واسطة، كما إذا صبّ الطعام من القدر في الصيني أو المشقاب فأكل فيه، فانّه وإن لم يصدق عليه أ نّه أكل في الآنية، إلاّ أنّ ذلك استعمال لها في الأكل وهذا المقدار كاف في حرمته، وكذا إذا صبّ الشاي من السماور في الفنجان، فانّه لا يجوز شربه، لصدق أنّ هذا استعمال للآنية في الشرب.
وعلى الجملة: فالمحرّم ليس خصوص الأكل والشرب في الآنية، بل المحرّم إنّما هو استعمالها في الأكل والشرب ولو كان استعمالها واقعاً في طريقهما كالأمثلة المزبورة، هذا مقتضى إطلاق الروايات الواردة في المقام، وأمّا التوضؤ أو الاغتسال فانّه إن كان في الآنية كما إذا كان على نحو الارتماس فمحرّم، وأمّا إذا كان بأخذ الماء منها في ظرف آخر أو غرفة غرفة فهو ليس بمحرّم، لعدم كونه عندئذ مصداقاً للتصرف فيها، وتمام الكلام في ذلك في محلّه.
ومن هنا تظهر نقطة الفرق بين الأكل والشرب من آنية الذهب أو الفضة والأكل والشرب من الاناء المغصوب، فانّهما على الأوّل كما عرفت محرّمان مطلقاً، أي سواء أكان بلا واسطة أم معها، وعلى الثاني فليسا بمحرّمين مطلقاً،

ــ[505]ــ

ولو كانا مع واسطة، وذلك لأ نّهما إنّما يكونان محرّمين فيما إذا صدق عليهما أ نّه تصرف فيه، فلو أخذ الطعام منه وصبّ في ظرف آخر وأكل فيه فلا يكون أكله فيه محرّماً، والوجه في ذلك: أنّ المستفاد من الروايات هو حرمة استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب ولو كان استعمالها في طريقهما، وهذا بخلاف الاناء المغصوب فانّ المحرّم فيه إنّما هو تصرفه، وعليه فإذا كان الأكل أو الشرب مصداقاً له فهو محرّم وإلاّ فلا، ومن المعلوم أ نّه إنّما يكون مصداقاً له فيما إذا كان فيه، وأمّا إذا كان في غيره، كما إذا أخذ الطعام منه وصبه في إناء آخر فأكل فيه فهذا ليس تصرّفاً فيه كما هو واضح.
وأمّا إذا توضأ المكلف أو اغتسل منها بحيث كان وضوءه أو غسله تصرفاً فيها، فهل يمكن القول بجواز اجتماع الأمر والنهي فيه، بناءً على القول بالجواز في المسألة أم لا؟ قولان.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net