كلام المحقق النائيني في المقام - التوضؤ أو الاغتسال من الاناء المغصوب 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4127

فقد ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) أنّ من يقول بجواز الاجتماع فيها يقول به في المقام ايضاً، وقد أفاد في تقريب ذلك أنّ الوضوء أو الغسل باعتبار نفسه الذي هو فرد من أفراد المقولة مأمور به، وباعتبار اضافته إلى الآنية التي يحرم التصرف فيها منهي عنه، هذا من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: أنّ استعمال الآنية ليس داخلاً في إحدى المقولات التسع العرضية، بل هو متمم لمقولة من المقولات كالأكل والشرب والتوضؤ وما شاكل ذلك.
فالنتيجة على ضوئهما: هي أ نّه لا مانع من القول بالجواز هنا باعتبار أنّ
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 148 ـ 149.

ــ[506]ــ

المأمور به بنفسه مقولة، والمنهي عنه ليس بمقولة على الفرض، بل هو من متمم المقولة، فيكون متعلق الأمر غير متعلق النهي.
وغير خفي أنّ هذا غريب منه (قدس سره) والوجه في ذلك: هو أ نّه ليس لاستعمال آنية الذهب أو الفضة واقع موضوعي في الخارج ما عدا تلك الأفعال الخاصة كالأكل والشرب والتوضؤ والاغتسال وما شاكل ذلك، ضرورة أ نّه عنوان انتزاعي منتزع من هذه الأفعال خارجاً، ولا واقع له ما عداها، وعليه فبما أ نّه في مفروض الكلام منتزع من نفس التوضؤ أو الاغتسال منها باعتبار أ نّه تصرف فيها كما إذا فرض أ نّه كان على نحو الارتماس، لا محالة يكون المنهي عنه عندئذ متحداً مع المأمور به في مورد الاجتماع، ومعه لا يمكن القول بالجواز.
وعلى الجملة: فاستعمال الآنية قد يكون بالأكل والشرب، وقد يكون بالتوضؤ والاغتسال وقد يكون بغيرهما، وليس الاستعمال إلاّ عنواناً انتزاعياً من هذه الأفعال، وبما أ نّه في المقام استعمالها بالتوضؤ أو الاغتسال على الفرض، فلا يعقل أن يكون مأموراً به، لاستحالة كون المنهي عنه مصداقاً للواجب.
ثمّ إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ استعمال الآنية ليس مقولة برأسها بل هو متمم المقولة، لا نعرف له معنىً محصّلاً أبداً، وذلك لأنّ مراده (قدس سره) من متمم المقولة كما فسّر به ما لايعرض على الجوهر في الخارج بلا واسطة، كالشدّة في البياض والسواد والسرعة في الحركة وما شابه ذلك، فانّها لا تعرض على الجوهر خارجاً بلاتوسط، بل تعرض أوّلاً وبالذات على الكم والكيف ونحوهما وبواسطتها تعرض عليه، والمفروض كما عرفت أنّ الاستعمال ـ أي استعمالها ـ عنوان انتزاعي منتزع من أمر موجود في الخارج، وليس له ما بازاء فيه أصلاً لينظر أنّه من المقولة أو متمم لها، وليس كالشدّة فانّها موجودة فيه.

ــ[507]ــ

أضف إلى ذلك: أنّ الشدّة والضعف في البياض والسواد والسرعة والبطء أيضاً في الحركة ليس من متممات المقولة بالمعنى الذي ذكره (قدس سره) بل هما عين المقولة، ضرورةً أنّ الشدّة ليست شيئاً زائداً على حقيقة البياض، ولا السرعة شيئاً زائداً على حقيقة الحركة، لتكون الشدّة عارضةً على البياض العارض على الجوهر والسرعة عارضة على الحركة العارضة على موضوعها، بداهة أنّ الشدّة والسرعة موجودتان بنفس وجود البياض والحركة في الخارج لا بوجود آخر، لتكونا عارضتين على وجودهما فيه أوّلاً وبالذات وبتوسّطه تعرضان على الجوهر.
وبكلمة اُخرى: أ نّه (قدس سره) قد جعل الملاك في كون شيء متمماً للمقولة دون نفسها هو ما يمتنع عروضه في الخارج على الجوهر بلا واسطة عرض من الأعراض، وقد مثّل لذلك بالشدّة والضعف والسرعة والبطء والابتداء والانتهاء، وقد عرفت أنّ الابتداء والانتهاء من الاُمور الانتزاعية التي لا واقع موضوعي لها في الخارج ما عدا منشأ انتزاعها، فانّ الابتداء منتزع من صدور السير من البصرة مثلاً، والانتهاء منتزع من انتهائه إلى الكوفة... وهكذا، ومن المعلوم أنّ الأمر الانتزاعي لا يعقل أن يكون متمماً للمقولة، بداهة أنّ متمم المقولة لا بدّ أن يكون موجوداً في الخارج، والأمر الانتزاعي لا يتعدى من اُفق النفس إلى الخارج، وإلاّ فكل عرض موجود فيه لا محالة يكون منشأ لانتزاع أمر، وعليه فيلزم أن يكون لكل عرض خارجاً متمم، وهذا باطل.
وأمّا الشدّة والضعف والسرعة والبطء فالمـفروض أ نّها ليست بموجـودة بوجود آخر غير وجود نفس البياض والحركة، ليكون وجودها عارضاً على وجودهما في الخارج أوّلاً وبتوسطه على وجود الجوهر، لوضوح أنّ كل مرتبة من وجود البياض والحركة مباين لمرتبة اُخرى منه، فلا يعقل أن تعرض مرتبة

ــ[508]ــ

منه على مرتبة اُخرى منه، كأن تعرض المرتبة الشديدة على المرتبة الضعيفة، أو فقل: إنّ البياض الموجود فيه لا يخلو من أن يكون شديداً أو ضعيفاً أو متوسطاً ولا رابع في البين، وكذا الحركة الموجودة فيه، فلو كانت الشدّة والضعف في الفرد الشديد والضعيف متممين لهما لكان التوسط في الفرد المتوسط أيضاً كذلك، ضرورة عدم الفرق بينهما من هذه الناحية أبداً، مع أ نّهم لا يقولون بذلك فيه.
فالنتيجة: أ نّه لا يرجع متمم المقولة إلى معنىً محصّل أصلاً، فانّ الشدة في الخارج عين الفرد الشديد، لا أ نّها متممة له، وكذا الضعف في الفرد الضعيف... وهكذا.
الثالث: وهو التوضؤ أو الاغتسال من الاناء المغصوب، قد ظهر الحال فيه مما ذكرناه في آنية الذهب والفضة، فانّ الكلام فيه من هذه الناحية، أي من ناحية الوضوء أو الغسل منه، بعينه هو الكلام فيها، بناءً على أن يكون مطلق التصرف فيها محرّماً، كما أنّ الكلام فيه بعينه هو الكلام فيها من ناحية جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه، وقد تقدّم أنّ الظاهر من كلامه (قدس سره) هو جواز الاجتماع في أمثال ذلك، ببيان أنّ المأمور به هو فرد من أفراد المقولة وهو التوضؤ أو الاغتسال الموجود في الخارج، فانّه عبارة عن إيصال الماء إلى البدن، والمنهي عنه وهو استعماله ليس داخلاً في إحدى المقولات التسع العرضية، بل هو متمم لمقولة من المقولات، فمن يقول بجواز اجتماع الأمر والنهي في المسألة يقول في المقام أيضاً.
ولكن قد عرفت أنّ هذا من غرائب كلامه (قدس سره)، وذلك لأنّ الوضوء أو الغسل منه إذا كان تصرّفاً فيه كما هو المفروض واستعمالاً له، فلا يعقل أن يكون مأموراً به، ضرورة استحالة كون المنهي عنه مصداقاً له، كما أ نّه لا وجه

ــ[509]ــ

لما أفاده (قدس سره) من صحة الوضوء أو الغسل منه في صورة الجهل عن قصور، وقد تقدّم الكلام من هذه الناحية في آنية الذهب والفضة بشكل واضح فلا نعيد.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net