الكلام في صحة الصلاة في مورد الاجتماع على الامتناع وعدم ثبوت ترجيح 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4418

الثالث: أ نّه إذا لم يثبت ترجيح لتقديم جانب الحرمة على الوجوب أو بالعكس، فهل يمكن الحكم بصحة الصلاة في مورد الاجتماع على هذا القول، أعني القول بالامتناع أم لا ؟
فقد ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) أ نّه لا مانع من الحكم
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 178.

ــ[122]ــ

بالصحة ـ أي صحة الصلاة ـ من ناحية جريان أصالة البراءة عن حرمتها، ومعه لا مانع من الحكم بالصحة أصلاً، ضرورة أنّ المانع عنه إنّما هو الحرمة الفعلية، وبعد ارتفاع تلك الحرمة بأصالة البراءة فهي قابلة للتقرب بها، ومعه لا محالة تقع صحيحة، ولا يتوقف جريان البراءة عنها على جريانها في موارد الشك في الأجزاء والشرائط، بل ولو قلنا بعدم جريانها في تلك الموارد تجري في المقام، والوجه في ذلك: هو أنّ المورد ليس داخلاً في كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، لفرض أ نّه ليس هنا شك في مانعية شيء عن المأمور به واعتبار عدمه فيه، بل الشك هنا في أنّ هذه الحركات الصلاتية التي هي مصداق للغصب وتصرف في مال الغير هل هي محرّمة فعلاً أو لا، فالشك إنّما هو في حرمة هذه الحركات فحسب، ومعه لا مانع من جريان البراءة عنها وإن قلنا بالاشتغال في تلك المسألة.
نعم، المانعية في المقام عقلية، ضرورة أنّ مانعية الحرمة عن الصلاة ليست مانعية شرعية ليكون عدم حرمتها قيداً لها، بل مانعيتها من ناحية أنّ صحتها لا تجتمع مع الحرمة، لاستحالة اجتماع المبغوضية والمحبوبية في الخارج، وعلى هذا فالحرمة مانعة عن التقرب بها عقلاً لا شرعاً، فإذن لا يرجع الشك فيها إلى الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين، ليكون داخلاً في كبرى تلك المسألة ويدور جريان البراءة هنا مدار جريانها فيها، بل تجري هنا ولو لم نقل بجريانها هناك، لأنّ الشك هنا شك بدوي.
نعم، لو قلنا بأنّ المفسدة الواقعية الغالبة هي المؤثرة في المبغوضية ولو لم تكن محرزة، فأصالة البراءة عندئذ لا تجري، بل لا مناص من الالتزام بقاعدة الاشتغال ولو قلنا بجريان البراءة في الشك في الأجزاء والشرائط في تلك المسألة، والوجه فيه واضح، وهو أ نّه مع احتمال غلبة المفسدة في الواقع كما هو

ــ[123]ــ

المفروض لا يمكن قصد القربة كما هو واضح، هذا حاصل ما أفاده (قدس سره) مع توضيح منّا.
ونحلّل ما أفاده (قدس سره) إلى عدة نقاط:
1 ـ جريان أصالة البراءة عن الحرمة.
2 ـ أ نّه يكفي في الحكم بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مجرد رفع هذه الحرمة بأصالة البراءة، ولا يحتاج إلى أزيد من ذلك.
3 ـ أنّ المقام غير داخل في كبرى مسألة الأقل والأكثر.
4 ـ أ نّه لو بنينا على أنّ المؤثر في المبغوضية الفعلية هو المفسدة الواقعية وإن لم تكن محرزة فلا يمكن الحكم بالصحة وقتئذ، لعدم إمكان التقرب بما يحتمل كونه مبغوضاً للمولى.
أمّا النقطة الاُولى: فلا إشكال فيها، لوضوح أنّ البراءة تجري ولا مانع من جريانها أبداً كما هو ظاهر.
وأمّا النقطة الثانية: فلا يمكن تصديقها بوجه، وذلك لأ نّه لا يكفي في الحكم بالصحة مجرد رفع الحرمة بأصالة البراءة، بل لا بدّ من إحراز المقتضي له أيضاً، وهو في المقام إطلاق دليل المأمور به بالاضافة إلى هذا الفرد، والمفروض أ نّه قد سقط بالمعارضة، وعليه فلا مقتضي للصحة، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ أصالة البراءة عن الحرمة لاتثبت إطلاق دليل المأمور به واقعاً وحقيقة ليتمسك به لاثبات صحة هذا الفرد وانطباق الطبيعة المأمور بها عليه، وهو الصلاة في الدار المغصوبة في مفروض الكلام ليقيّد به إطلاق دليل النهي بغير ذلك الفرد، والمفروض أنّ أصالة البراءة لا ترفع إلاّ الحرمة ظاهراً

ــ[124]ــ

لا واقعاً لتثبت لوازمها العقلية أو العادية. وقد ذكرنا في محلّه(1) أ نّه لا دليل على حجـية الأصل المثبـت. فإذن أصـالة البراءة عن الحرمة في المـقام لا تثبت الاطلاق، أي إطلاق دليل المأمور به ليشـمل المورد إلاّ على القـول بالأصل المثبت.
نعم، لو قامت أمارة معتبرة كخبر الثقة أو نحوه على ارتفاعها لكانت مثبتة للاطلاق لا محالة، لما ذكرناه في موضعه(2) من أنّ مثبتات الأمارات الحاكية عن الواقع كاخبار الثقة أو ما شاكلها حجة، إلاّ أنّ وجود مثل هذه الأمارة في محل الكلام مفروض العدم.
وأمّا النقطة الثالثة: فالمقام وإن لم يدخل في كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين من نقطة النظر في كون الشك في حرمة المجمع وعدم حرمته كما عرفت، إلاّ أ نّه داخل في كبرى تلك المسألة من نقطة نظر آخر، وهي أنّ أصل وجوب الصلاة مثلاً على الفرض معلوم لنا، والشك إنّما هو في تقييدها بغير هذا المكان، وعليه فلا محالة يدور الأمر بين أن يكون الواجب هو المطلق أو المقيد، فإذن بناءً على ما حـققناه هناك من جريان البراءة عن التقـييد الزائد تجري البراءة في المقام أيضاً، فانّ التقييد بما أ نّه كلفة زائدة دون الاطلاق فهو مدفوع بحديث الرفع أو نحوه، وبذلك يثبت الاطلاق الظاهري للمأمور به، إذ المفروض أنّ وجوب بقية أجزائه وشرائطه معلوم لنا والشك إنّما هو في تقييده بأمر زائد، فاذا رفعنا هذا التقييد بأصالة البراءة يثبت الاطلاق الظاهري بضم الأصل إلى أدلة الأجزاء والشرائط المعلومتين وهو كاف للحكم بالصحة ظاهراً، لفرض
ـــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3: 181 وما بعدها.
(2) مصباح الاُصول 3: 186.

ــ[125]ــ

انطباق المأمور به عندئذ على الفرد المأتي به في الخارج ولا نعني بالصحـة إلاّ ذلك. وعليه فنحكم بصحة الصلاة في مورد الاجتماع ظاهراً لانطباق الطبيعة المأمور بها عليها في الظاهر بعد رفع تقييدها بغير هذا المكان بأصالة البراءة، لفرض أ نّها بعد رفع ذلك التقييد صارت مصداقاً لها في حكم الشارع، وهذا المقدار كاف للحكم بالصحة، وتمام الكلام في محلّه.
وأمّا النقطة الرابعة: وهي أنّ المؤثر في المبغوضـية لو كان هو المفسـدة الواقعية الغالبة فلا مجـال للبراءة، فيردّها: عدم العلم بوجود مفسدة في هذا الحال فضلاً عن كونها غالبة على المصلحة للشك في أصل وجودها وأنّ المجمع في هذا الحال مشتمل على مفسدة أم لا، والوجه في ذلك ما ذكرناه (1) من أنّ مسألة الاجتماع على القول بالامتناع داخلة في كبرى باب التعارض لا باب التزاحم، لفرض أ نّه لا علم لنا بوجود مفسدة في المجمع، فانّ الطريق إلى إحراز اشـتماله على المفسـدة إنّما هو حرمتـه، والمفروض أ نّها مشكوك فيها وهي مرفوعة بأصالة البراءة، ومع ارتفاعها كيف يمكن لنا العلم بوجود مفسدة فيه.
ولو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ المجمع مشـتمل على كلا الملاكين كما هو مختاره (قدس سره) في باب الاجتماع، إلاّ أنّ كون المفسدة غالبة على المصلحة غير معلومة، ومع عدم العلم بالغلبة كانت الحرمة والمبغوضية مجهولة لا محالة فلا مانع من الرجوع إلى البراءة.
وقد تحصّل من مجموع ما ذكرناه: أ نّه لا مانع من الحكم بصحة الصلاة أو نحوها في مورد الاجتماع ظاهراً على القول بالامتناع فيما إذا فرض أ نّه لم يكن ترجيح لأحد الجانبين على الآخر.
ـــــــــــــــــــــ
(1) في المجلد الثالث من هذا الكتاب ص 373.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net