دلالة الجملة الشرطية على المفهوم إطلاقاً - التمسك باطلاق الشرط لاثبات المفهوم 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6952


وأمّا الركيزة الرابعة: وهي دلالة القضية على كون الشرط علةً منحصرةً للجزاء فهي واضحة الفساد، لما عرفت من أ نّها لا تدل على أنّ ترتب الجزاء على الشرط من ترتب المعلول على العلة فضلاً عن دلالتها على أنّ هذا الترتب من الترتب على العلة المنحصرة.
فالنتيجة لحدّ الآن: هي أ نّه لا دلالة للقضية الشرطية على المفهوم أصلاً، وإنّما تدل على الثبوت عند الثبوت فحسب.
قد يقال كما قيل: إنّ القضية الشرطية وإن لم تدل على المفهوم وضعاً إلاّ أ نّها تدل عليه إطلاقاً، بيان ذلك: هو أنّ المتكلم فيها إذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينةً على الخلاف فمقتضى إطلاقها هو أنّ الشرط علة منحصرة للجزاء، وأنّ ترتبه عليه من الترتب على العلة المنحصرة، ضرورة أ نّه لو كانت هناك علة اُخرى سابقة عليه وجوداً لكان الجزاء مستنداً إليها لا محالة، كما أ نّه لو كانت هناك علة اُخرى في عرضها لكان مستنداً إليهما معاً، وبما أنّ المتكلم أسند وجود الجزاء إلى وجود الشرط فمقتضى إطلاق هذا الاسناد هو أ نّه ليس له علة اُخرى سابقة أو مقارنة، ونستكشف من هذا الاطلاق الاطلاق في مقام الثبوت والواقع وأنّ العلة منحصرة فيه فليس له علة اُخرى غيره.
ولكن هذا القول خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له، والسبب في ذلك: هو أنّ غاية ما تدل القضية الشرطية عليه هو ثبوت الملازمة بين التالي والمقدّم فحسب، وأمّا ترتب التالي على المقدّم فانّه ليس مدلولاً لها، وإنّما هو قضية تفريعه عليه في ظاهر القضية وتعليقه، ومن هنا قلنا إنّ القضية مع هذا التفريع لا تدل إلاّ على مطلق ترتب الجزاء على الشرط. وأمّا الترتب الخاص وهو ترتب المعلول على العلة فلا يستفاد منها إلاّ بقرينة خاصة فضلاً عن كون هذا

ــ[205]ــ

الترتب من ترتب المعلول على العلة المنحصرة.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة: وهي أنّ القضية الشرطية لا تدل على المفهوم لا بالوضع ولا بالاطلاق.
ومن هنا أخذ شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1) طريقاً ثالثاً لاثبات المفهوم لها وهو التمسك باطلاق الشرط، بيان ذلك: أنّ القضية الشرطية على نوعين:
أحدهما: ما يكون الشرط فيه في حدّ ذاته مما يتوقف عليه الجزاء عقلاً وتكويناً.
وثانيهما: ما لا يكون الشرط فيه كذلك، بل يكون توقف الجزاء عليه بجعل جاعل ولا يكون عقلياً وتكوينياً.
أمّا النوع الأوّل: فبما أنّ ترتب الجزاء على الشرط في القضية قهري وتكويني فبطبيعة الحال لا يكون لمثل هذه القضية الشرطية مفهوم، لأ نّها مسوقة لبيان تحقق الموضوع فيكون حالها حال اللقب فلا يكون فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً، وهذا كقولنا: إن رزقت ولداً فاختنه، وإن جاء الأمير فخذ ركابه وما شاكل ذلك، فانّ القضية الشرطية في أمثال هذه الموارد تكون مسوقةً لبيان تحقق الحكم عند تحقق موضوعه، فيكون حال الشرط المذكور فيها حال اللقب فلا تدل على المفهوم أصلاً، بداهة أنّ التعليق في أمثال هذه القضايا لو دلّ على المفهوم لدلّ كل قضية عليه ولو كانت حملية، وذلك لما ذكرناه في بحث الواجب المشروط من أنّ كل قضية حملية تنحل إلى قضية شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له، مع أنّ دلالتها عليه ممنوعة جزماً.
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 251.

ــ[206]ــ

وأمّا النوع الثاني: وهو ما لا يتوقف الجزاء فيه على الشرط عقلاً وتكويناً فقد ذكر (قدس سره) أ نّه يدل على المفهوم وأفاد في وجه ذلك: أنّ الحكم الثابت في الجزاء لايخلو من أن يكون مطلقاً بالاضافة إلى وجود الشرط المذكور في القضية الشرطية أو يكون مقيّداً به ولا ثالث لهما، وبما أ نّه رتّب في ظاهر القضية الشرطية على وجود الشرط فبطبيعة الحال يمتنع الاطلاق ويكون مقيداً بوجود الشرط لا محالة، وعلى هذا فان كان المتكلم في مقام البيان وقد أتى بقيد واحد ولم يقيده بشيء آخر ـ سواء أكان التقييد بذكر عِدل له في الكلام أم كان بمثل العطف بالواو لتكون نتيجته تركب قيد الحكم من أمرين كما في مثل قولنا: إن جاءك زيد وأكرمك فأكرمه ـ استكشف من ذلك انحصار القيد بخصوص ما ذكر في القضية الشرطية.
وعلى الجملة: فالقضية الشرطية وإن كانت بحسب الوضع لا تدل على تقييد الجزاء بوجود الشرط المذكور فيها فحسب، وذلك لما عرفت من صحة استعمالها في موارد القضية المسوقة لبيان الحكم عند تحقق موضوعه، إلاّ أنّ ظاهرها فيما إذا كان التعليق على ما لا يتوقف عليه متعلق الحكم في الجزاء عقلاً هو ذلك، فاذا كان المتكلم في مقام البيان فكما أنّ إطلاق الشرط وعدم تقييده بشيء بمثل العطف بالواو مثلاً يدل على عدم كون الشرط مركباً من المذكور في القضية وغيره، فكذلك إطلاق الشرط وعدم تقييده بشيء بمثل العطف بأو يدل على انحصار الشرط بما هو مذكور في القضية وليس له شرط آخر وإلاّ لكان عليه ذكره. وهذا نظير استفادة الوجوب التعييني من إطلاق الصيغة، فكما أنّ قضية إطلاقها عدم سقوط الواجب باتيان ما يحتمل كونه عدلاً له فيثبت بذلك كون الوجوب تعيينياً، فكذلك قضية إطلاق الشرط في المقام فانّها انحصار قيد الحكم به وأ نّه لا بدل له في سببية الحكم وترتبه عليه.

ــ[207]ــ

ومن ضوء هذا البيان يظهر: أنّ ما أورده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) على هذا التقريب خاطئ جداً وحاصل ما أورده: هو أنّ قياس المقام بالوجوب التعييني قياس مع الفارق، وذلك لأنّ الوجوب التعييني سنخ خاص من الوجوب مغاير للوجوب التخييري فهما متباينان سنخاً، وعلى هذا فلا بدّ للمولى إذا كان في مقام البيان من التنبيه على أحدهما بخصوصه والاشارة إليه خاصة، وبما أنّ بيان الوجوب التخييري يحتاج إلى ذكر خصوصية في الكلام، أعني بها العدل كما في مثل قولنا: أعتق رقبةً مؤمنةً، أو صم شهرين متتابعين، أو أطعم ستين مسكيناً، فاذا لم يذكر كان مقتضى الاطلاق كون الوجوب تعيينياً وأ نّه غير متعلق إلاّ بما هو مذكور في الكلام، وهذا بخلاف المقام فانّ ترتب المعلول على علته المنحصرة ليس مغايراً في السنخ لترتبه على غير المنحصرة، بل هو في كليهما على نحو واحد. فاذن لا مجال للتمسك بالاطلاق لاثبات انحصار العلة بما هو مذكور في القضية.
وجه الظهور: هو أنّ الاطلاق المتمسك به في المقام ليس هو إطلاق الجزاء وإثبـات أنّ ترتبه على الشرط إنّما هو على نحـو ترتب المعلول على علتـه المنحصرة ليرد عليه ما ذكر، بل هو إطلاق الشرط بعدم ذكر عدل له في القضية، وذلك لما عرفت من أنّ ترتب الجزاء على الشرط وإن لم يكن مدلولاً للقضية الشرطية وضعاً إلاّ أ نّه يستفاد منها بحسب المتفاهم العرفي سياقاً، وذلك يستلزم تقييد الجزاء بوجود الشرط في غير القضايا الشرطية المسوقة لبيان تحقق الحكم بتحقق موضوعه كما تقدم، وبما أنّ التقييد بشيء واحد يغاير التقييد بأحد الشيئين على البدل سنخاً، يلزم على المولى بيان الخصوصية إذا كان في مقام البيان، وحيث إنّه لم يبيّن العدل مع أ نّه يحتاج إلى البيان، تعيّن كون الشرط واحداً وأنّ القيد منحصر به.

ــ[208]ــ

ولنأخذ بالمناقشة على ما أفاده (قدس سره).
أمّا أوّلاً: فلأنّ ما ذكره (قدس سره) من الملاك لدلالة القضية الشرطية على المفهوم لو تمّ فلا يختص الملاك بها، بل يعمّ غيرها أيضاً كالقضايا الوصفية ونحوها، والسبب في ذلك: هو أنّ التمسك بالاطلاق المزبور لا يثبت مفهوم الشرط في مقابل مفهوم القيد، فلو أثبت المفهوم فهو إنّما يثبته بعنوان مفهوم القيد ببيان أنّ الحكم الثابت لشيء مقيد بقيد كقولنا: أكرم العالم العادل مثلاً، فالقيد لا يخلو من أن يكون مطلقاً في الكلام ولم يذكر المتكلم عدلاً له كالمثال المزبور، أو ذكر عدلاً له كقولنا: أكرم العالم العادل أو الهاشمي، فالقضية على الأوّل تدل على أنّ الحكم الثابت للعالم مقيد بقيد واحد وهو العدالة، وعلى الثاني تدل على أ نّه مقيد بأحد القيدين: وهما العدالة والهاشمية، وبما أنّ التقييد بأحدهما على البدل يحتاج إلى بيان زائد في الكلام كالعطف بأو أو نحوه، كان مقتضى إطلاق القيد وعدم ذكر عدل له انحصاره به، أي بما هو مذكور في القضية، وإلاّ لكان على المولى البيان، ومن الطبيعي أ نّه لا فرق في ذلك بين كون القضية شرطية أو وصفية أو ما شاكلها، والسر في هذا هو أنّ ملاك دلالة القضية على المفهوم إنّما هو إطلاق القيد المذكور فيها، ومن الواضح جداً أ نّه لا يفرق في ذلك بين كونه معنوناً بعنوان الشرط أو الوصف أو نحو ذلك.
وبكلمة اُخرى: أنّ الحكم المذكور في القضية قد يكون مقيداً بقيود عديدة مذكورة فيها، وقد يكون مقيداً بأحد قيدين أو قيود على سبيل البدل، وقد يكون مقيداً بقيد واحد، فما ذكره (قدس سره) من البيان لاثبات المفهوم للقضية الشرطية إنّما هو لازم تقييده بقيد واحد، حيث إنّ مقتضى إطلاقه هو انحصاره به، وهذا الملاك لا يختص بها، بل يعم غيرها من القضايا أيضاً.
فالنتيجة: أنّ ما أفاده (قدس سره) لو تمّ فهو لا يثبت مفهوم الشرط في

ــ[209]ــ

مقابل مفهوم القيد.
وأمّا ثانياً: فلأنّ مقتضى إطلاق القيد في الكلام وعدم ذكر عِدل له وإن كان وحدته تعييناً في مقابل تعدده أو كونه واحداً لا بعينه، إلاّ أ نّه لا يدل على انحصار الحكم به، بل غاية ما يدل عليه هو أنّ الحكم في القضية غير ثابت لطبيعي المقيد على الاطلاق، وإنّما هو ثابت لحصة خاصة منه، ولكنّه لا يدل على أ نّه ينتفي بانتفاء تلك الحصة، فانّه لازم انحصار الحكم به لا لازم إطلاقه وعدم ذكر عدل له، فانّ لازمه عدم ثبوت الحكم للطبيعي على الاطلاق ولا يدل على انتفائه عن حصة اُخرى غير هذه الحصة.
وعلى الجملة: فملاك دلالة القضية على المفهوم إنّما هو انحصار الحكم بالقيد المذكور فيها وأ نّه علته المنحصرة لا إطلاقه، حيث إنّ لازمه ما ذكرناه لا المفهوم بالمعنى الذي هو محل الكلام، وهو الانتفاء عند الانتفاء مثلاً.
فالنتيجة: أنّ ما أفاده (قدس سره) من البيان لا يكون ملاك دلالة القضية الشرطية على المفهوم.
وأمّا ثالثاً: فلما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) هنا وحاصله: هو أنّ المتكلم بالقضية الشرطية ليس في مقام البيان من هذه الناحية، أي من ناحية انحصار الشرط بما هو مذكور فيها، بل الظاهر أ نّه في مقام بيان مؤثرية الشرط على نحو الاقتضاء بمعنى عدم قصوره في حد ذاته عن التأثير، وليس هو في مقام بيان مؤثريته الفعلية وانحصارها بما هو مذكور في القضية بلحاظ عدم ذكر عدل له حتى يتمسك باطلاقه لاثبات انحصار المؤثر الفعلي فيه.
نعم، لو كانت القضية في مقام البيان من هذه الناحية لدلت على المفهوم لا محالة، إلاّ أنّ هذه النكتة التي توجب دلالتها على المفهوم لا تختص بها، بل

ــ[210]ــ

تعم القضية الوصفية أيضاً، حيث إنّها لو كانت في مقام البيان من هذه الناحية، أي من ناحية انحصار القيد المؤثر بما هو مذكور فيها وعدم وجود غيره، لدلت بطبيعة الحال على المفهوم، وقد تقدم منّا أنّ هذا المفهوم ليس من مفهوم الشرط الذي هو محل الكلام في مقابل مفهوم القيد بل هو هو بعينه، هذا من ناحية.
ومن ناحية اُخرى: أنّ كون المتكلم فيها في مقام البيان حتى من هذه الناحية نادر جداً، فلا يمكن أن يكون هذا هو مراد القائلين بالمفهوم فيها، حيث إنّه رغم كونه نادراً وغير مناسب أن يكون مراداً لهم فيحتاج إثباته إلى قرينة خاصة، ومن المعلوم أنّ مثله خارج عن مورد كلامهم وإن لم يكن نادراً، فانّ كلامهم في دلالة القضية الشرطية على المفهوم وضعاً أو إطلاقاً، وأمّا دلالتها عليه بواسطة القرينة الخاصة فلا نزاع فيها أبداً.
وبكلمة اُخرى: أنّ المتكلم في القضية الشرطية إنّما هو في مقام بيان ترتب مفاد الجزاء على الشرط، وليس في مقام بيان انحصار العلة والمؤثر بما هو مذكور فيها بملاحظة عدم ذكر عدل له في الكلام، ومن هنا قلنا إنّ القضية الشرطية لا تدل إلاّ على مطلق ترتب الجزاء على الشرط، فلا تدل على أ نّه على نحو ترتب المعلول على علته فضلاً عن الترتب على علته المنحصرة.
وعلى ضوء ذلك فالناحية التي يكون المتكلم فيها في مقام البيان فالتمسك بالاطلاق فيها لا يجدي لاثبات كون ترتب الجزاء على الشرط بنحو ترتب المعلول على علته المنحصرة، والناحية التي يجدي التمسك بالاطلاق فيها فالمتكلم لا يكون في مقام البيان من هذه الناحية.
وقد تحصّل من ذلك: أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من الطريقة لاثبات المفهوم للقضية الشرطية خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلاً.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net