تنبيهات في المقام \ 1 ـ كون المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4970

 

بقي أُمور

الأوّل: أنّ المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم المعلّق على الشرط عند انتفائه، وأمّا انتفاء شخصه فهو إنّما يكون بانتفاء موضوعه ولو بلحاظ انتفاء بعض قيوده وحالاته، ومن الطبيعي أ نّه عقلي ولا صلة له بدلالة اللفظ أبداً،

ــ[224]ــ

مثلاً انتفاء شخص وجوب الاكرام المنشأ في قولنا: إن جاءك زيد فأكرمه بانتفاء المجيء الذي هو من حالات الموضوع وقيوده عقلي ولا صلة له بدلالة القضية الشرطية على المفهوم أصلاً، ضرورة استحالة بقاء المعلّق بدون المعلّق عليه، ومن هنا لو لم نقل بدلالتها على المفهوم أيضاً انتفى هذا الوجوب الخاص بانتفاء ما علّق عليه وهو المجيء في المثال.
فالذي يصلح أن يكون محلاً للنزاع ومورداً للكلام بين الأصحاب إنّما هو دلالة القضية الشرطية على انتفاء فرد آخر من هذا الحكم عن الموضوع المذكور فيها عند انتفاء الشرط وعدم ثبوته، ومن الطبيعي أنّ الحكم لو ثبت له في هذه الحالة ـ أي حالة انتفاء الشرط ـ لا محالة كان حكماً آخر غير الحكم الثابت له عند ثبوت الشرط، غاية الأمر أ نّه من سنخه، ومن المعلوم أنّ ثبوت هذا الحكم له في تلك الحالة وعدم ثبوته كلاهما أمر ممكن بحسب مقام الثبوت، والكاشف عن عدم ثبوته وانتفائه في مقام الاثبات إنّما هو دلالة القضية الشرطية على المفهوم.
فالنتيجة في نهاية المطاف: هي أنّ المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم المعلّق على الشرط، لا انتفاء شخص هذا الحكم، فانّه كما عرفت أمر عقلي وضروري عند انتفاء المعلّق عليه وليس قابلاً للنزاع.
وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر أ نّه ليس انتفاء الحكم في باب الوصايا والأقارير والأوقاف وما شاكلها عن غير مواردها من باب الدلالة على المفهوم كما توهم، بل نسب إلى الشهيد (قدس سره) في تمهيد القواعد(1) أ نّه نفى الاشكال عن دلالة هذه القضايا على المفهوم بدعوى أ نّها تدل على انتفاء
ـــــــــــــــــــــ
(1) تمهيد القواعد: 110، القاعدة «25».

ــ[225]ــ

الوصية عن غير موردها، وانتفاء الوقف عن غير الموقوف عليه، وانتفاء الاقرار عن غير موضوعه، ووجه الظهور ما عرفت من أنّ انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي لايرتبط بدلالة اللفظ أبداً، والموارد المذكورة من هذا القبيل، لوضوح أنّ الواقف إذا أوقف شيئاً على عنوان خاص كعنوان أولاده الذكور مثلاً أو على عنوان عام كعنوان أهل العلم أو السادة أو ما شاكل ذلك فبطبيعة الحال ينتفي الوقف بانتفاء هذا العنوان، كما أ نّه منتف عن غيره من العناوين، وكلاهما غير منوط بدلالة اللفظ. أمّا الأوّل فلما عرفت من أنّ انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي فلا صلة له باللفظ أبداً. وأمّا الثاني فلعدم المقتضي حيث إنّه جعل وقفاً على العنوان المزبور فحسب، فانتفاؤه عن غيره ليس من ناحية دلالة اللفظ، بل هو من ناحية عدم المقتضي لثبوته، وكذلك الحال في غيره من الموارد.
فالنتيجة: أنّ المفهوم عبارة عن انتفـاء سنخ الحـكم المعلّق على الشرط بانتفائه، ونقصد بسنخ الحكم الحكم الكلي المنشأ في الجزاء فانّه بما هو حكم ينتفي عن الموضوع مطلقاً بانتفاء شرطه، لا خصوص الفرد الثابت منه، فيمتاز المفهوم من هذه الناحية عن مطلق انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.
وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر: أنّ الحكم المستفاد من الجزاء المعلّق على الشرط إذا كان مفهوماً اسمياً بأن يكون مدلولاً لكلمة وجب أو يجب أو ما شاكل ذلك، فلا إشكال في دلالة القضية الشرطية عندئذ على المفهوم، نظراً إلى أ نّه حكم كلي. وأمّا إذا كان مفهوماً حرفياً ومستفاداً من الهيئة فقد يشكل في دلالة القضية على المفهوم حينئذ، نظراً إلى أنّ مفاد الهيئة معنى حرفي والمعنى الحرفي جزئي، وقد عرفت أنّ انتفاء الحكم الجزئي بانتفاء شرطه عقلي ولا صلة له بدلالة القضية على المفهوم أصلاً، فانّ معنى دلالتها هو انتفاء سنخ

ــ[226]ــ

الحكم بانتفاء شرطه.
ومن هنا فصّل شيخنا العلاّمة الأنصاري (قدس سره)(1) بين ما كان الحكم في الجزاء مستفاداً من المادة كقوله (عليه السلام): «إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور» وما كان مستفاداً من الهيئة كقولنا: إن جاءك زيد فأكرمه، حيث إنّه (قدس سره) التزم بدلالة القضية الشرطية على المفهوم في الأوّل دون الثاني بملاك أنّ الحكم في الأوّل كلي وفي الثاني جزئي.
وقد اُجيب عن هذا الاشكال بوجوه عديدة، ولكن بما أنّ تلك الوجوه بأجمعها مبنية على أساس وجهة نظر المشهور في باب الانشاء فلا يجدينا شيء منها، لما تقدم من فساد هذه النظرية، فعليه لسنا بحاجة إلى بيان تلك الوجوه والمناقشة فيها.
وأمّا على ضوء نظريتنا في باب الانشاء فلا مجال لهذا الاشكال أبداً، وذلك لما ذكرناه غير مرة من أ نّه لا واقع موضوعي للوجوب والثبوت ما عدا اعتبار المولى الفعل على ذمة المكلف وإبرازه في الخارج بمبرز مّا، ومن الطبيعي أ نّه لا يفرق في المبرز بين القول والفعل، كما أ نّه لا يفرق في القول بين الهيئة والمادة، ضرورة أنّ العبرة إنّما هي بالاعتبار النفساني، ومن المعلوم أ نّه لا يختلف باختلاف المبرز والكاشف، كيف حيث إنّه لا شأن له ما عدا ذلك، وعلى هذا فالمولى مرّةً يعتبر الفعل على ذمة المكلف على نحو الاطلاق ومرّةً اُخرى يعتبره على تقدير خاص دون آخر كاعتبار الصلاة والطهارة على ذمة المكلف على تقدير زوال الشمس لا مطلقاً، واعتبار الحج على تقدير الاستطاعة، وهكذا.
فاذا كان الاعتبار قابلاً للاطلاق والتقييد فالقضية الشرطية بمنطوقها تدل
ـــــــــــــــــــــ
(1) [ لاحظ مطارح الأنظار: 173 فانّه صرّح بعدم التفصيل ].

ــ[227]ــ

على التعليق، أي تعليق الاعتبار على الشرط، وبمفهومها تدل على انتفاء هذا الاعتبار عند انتفاء الشرط والمعلّق عليه، ومن الواضح أ نّه لا فرق في دلالة القضية عليه بين أن يكون المبرز عن ذلك الاعتبار النفساني هيئةً كقولنا: إن جاءك زيد فأكرمه، أو قولنا: إن استطعت فحج، أو مادةً كقوله (عليه السلام): «إذا زالت الشمس وجب الطهور والصلاة»(1) أو ما شاكل ذلك.
والسبب فيه: هو أ نّه لا واقع موضوعي لهذا الاشكال بناءً على ضوء نظريتنا، لوضوح أنّ الاعتبار المزبور كما عرفت قابل للاطلاق والتقييد، فاذا افترضنا أنّ المولى اعتبره مقيداً بشيء ومعلّقاً عليه من دون اقتضائه ذلك بنفسه فبطبيعة الحال ينتفي بانتفائه، والمبرز عن ذلك في مقام الاثبات إنّما هو القضية الشرطية على نحو الالتزام باللزوم البيّن بالمعنى الأخص. أو فقل: إنّ الملازمة بين ثبوت هذا الاعتبار عند ثبوت هذا الشيء وانتفائه عند انتفائه موجودة في مقام الثبوت، فالقضية الشرطية التي تدل على الأوّل بالمطابقة فلا محالة تدل على الثاني بالالتزام، ولا نقصد بالمفهوم إلاّ ذلك، ومن المعلوم أ نّه لا فرق فيه بين أن يكون الجزاء مستفاداً من المادة أو الهيئة.
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1: 372 / أبواب الوضوء ب 4 ح 1 (مع اختلاف يسير).




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net