3 ـ ثبوت المفهوم جزئياً مع كون الحكم في الجزاء انحلالياً 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5029

الثالث: أنّ الحكم الثابت في الجزاء المعلّق على الشرط على نوعين:
أحدهما: أ نّه حكم غير انحلالي وذلك كوجوب الصلاة والحج وما شاكل ذلك حيث إنّه ثابت لطبيعي الفعل على نحو صرف الوجود، ومن المعلوم أ نّه لا ينحل بانحلال أفراده ومصاديقه. نعم، هو ينحل بانحلال أفراد موضوعه في الخارج ـ وهو المكلف ـ ففي مثل ذلك بطبيعة الحال يكون مفهوم القضية الشرطية هو انتفاء هذا الحكم بانتفاء شرطه.
وثانيهما: أ نّه حكم انحلالي كقوله «الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء»(1)فانّ الشيء نكرة وبما أ نّه وقع في سياق النفي فبطبيعة الحال يدل على العموم، وعليه فلا محالة ينحل الحكم المجعول في الجزاء المعلّق على الشرط المذكور في القضية بانحلال أفراده ومصاديقه في الخارج، هذا مما لا كلام فيه، وإنّما الكلام في مفهوم مثل هذه القضية وهل هو إيجاب جزئي أو كلي؟ فيه وجهان بل قولان.
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1: 158 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1 وغيره (مع اختلاف).

ــ[229]ــ

اختار شيخنا الاُستاذ (قدس سره) القول الثاني وقد أفاد في وجه ذلك ما هو نصه: ولكنّ التحقيق أن يقال: إنّ النظر في علم الميزان بما أ نّه مقصور على القواعد الكلية لتأسيس البراهين العقلية لا ينظر فيه إلى الظواهر، ومن ثمّ جعلت الموجبة الجزئية نقيضاً للسالبة الكلية، وهذا بخلاف علم الاُصول فانّ المهم فيه هو استنباط الحكم الشرعي من دليله ويكفي في ذلك إثبات ظهور الكلام في شيء وإن لم يساعده البرهان المنطقي، فلا منافاة بين كون نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية وظهور القضية التي علّق فيها السالبة الكلية على شيء في ثبوت الموجبة الكلية بانتفاء ذلك الشيء، فبين النظرين عموم وخصوص من وجه، وعلى ذلك فان كان المعلّق على الشرط بحسب ظاهر القضية الشرطية هو نفس عموم الحكم وشموله كما في العام المجموعي، فلا محالة كان المنتفي بانتفاء الشرط هو عموم الحكم أيضاً فلا يكون المفهوم حينئذ إلاّ موجبة جزئية. وأمّا إذا كان المعلّق على الشرط هو الحكم العام أعني به الحكم المنحل إلى أحكام عديدة بانحلال موضوعه إلى أفراده ومصاديقه، كان المعلّق في الحقيقة على وجود الشرط حينئذ هو كل واحد من تلك الأحكام المتعددة فيكون المنتفي عند انتفاء الشرط هو كل واحد من تلك الأحكام أيضاً.
وبالجملة: الحكم الثابت في الجزاء ولو فرض كونه استغراقياً ومنحلاً إلى أحكام متعددة إلاّ أنّ المعلّق على الشرط في القضية الشرطية تارةً يكون هو مجموع الأحكام، واُخرى كل واحد واحد منها، وعلى الأوّل فالمفهوم يكون جزئياً لا محالة، بخلاف الثاني فانّه فيه كلي كالمنطوق، هذا بحسب مقام الثبوت.
وأمّا بحسب مقام الاثبات: فان كان العموم المستفاد من التالي معنىً اسمياً مدلولاً عليه بكلمة كل وأشباهها، أمكن أن يكون المعلّق على الشرط هو

ــ[230]ــ

نفس العموم أو الحكم العام فلا بدّ في تعيين أحدهما من إقامة قرينة خارجية. وأمّا إذا كان معنىً حرفياً مستفاداً من مثل هيئة الجمع المعرّف باللام ونحوها وغير قابل لأن يكون ملحوظاً بنفسه ومعلّقاً على الشرط، أو كان مستفاداً من مثل وقوع النكرة في سياق النهي ولم يكن هو بنفسه مدلولاً عليه باللفظ، فلا محالة يكون المعلّق في القضية الشرطية حينئذ هو الحكم العام كما في الرواية المزبورة، إذ المعلّق على الكرية فيها إنّما هو عدم تنجس الماء بملاقاة كل واحد من النجاسات، لأ نّه مقتضى وقوع النكرة في سياق النفي، فتدل الرواية على عدم تنجس الكر من الماء بملاقاة البول أو الدم أو نحوهما، فيثبت بانتفاء الشرط ـ أعني به كرية الماء ـ تنجسه بملاقاة كل واحد منها، فلا معنى حينئذ للقول بأنّ المفهوم موجبة جزئية وأ نّه لا يثبت بالرواية إلاّ تنجس الماء القليل بملاقاة نجس مّا دون جميع النجاسات، هذا.
مع أ نّا لو قلنا بأنّ المفهوم فيما لو كان التالي سالبة كلية لا يكون إلاّ موجبة جزئية لما ترتب عليه أثر في خصوص المثال، لأ نّه إذا تنجس الماء القليل بنجس مّا ثبت تنجسه بكل نجس من أنواع النجاسات، إذ لا قائل بالفصل بينها، فلا تترتب ثمرة على البحث عن كون مفهوم الرواية موجبة كلية أو موجبة جزئية.
وأمّا توهم أنّ ما تدل عليه الرواية على القول بكون المفهوم موجبة جزئية إنّما هو تنجسه بملاقاة نجس مّا، غاية الأمر أ نّه يتعدى من ذلك إلى بقية النجاسات بعدم القول بالفصل، لكن عدم القول بالفصل مختص بالأعيان النجسة فلا يمكن إثبات تنجس الماء القليل بملاقاته المتنجس إلاّ على تقدير كون المفهوم موجبة كلية فهو مدفوع بأ نّه ليس المراد من الشيء المذكور في الرواية هو كل ما يصدق عليه أ نّه شيء، إذ لا معنى لاشتراط عدم انفعال الماء

ــ[231]ــ

عند ملاقاته الأجسام الطاهرة بكونه كراً، بل المراد به هو الشيء الذي يكون في نفسه موجباً لتنجس ملاقيه، وعليه فان ثبت من الخارج تنجيس المتنجس فذلك يكفي في الحكم بانفعال الماء القليل بملاقاته من دون احتياج في ذلك إلى التمسك بمفهوم الرواية، وإن لم يثبت ذلك فالمتنجس غير داخل في عموم المنطوق لتثبت بمفهومها نجاسة الماء القليل بملاقاته على تقدير كون المفهوم موجبة كلية(1).
نلخّص ما أفاده (قدس سره) في عدة نقاط:
الاُولى: أنّ بين النظر المنطقي والنظر الاُصولي عموماً من وجه حيث إنّ الأوّل يقوم على أساس البراهين العقلية ـ سواء أكانت مطابقة لظاهر الدليل أم لم تكن ـ والثاني يقوم على أساس الدليل في المسألة والحجة فيها، وهو قد يكون مطابقاً للبرهان العقلي وقد لا يكون.
الثانية: أنّ العام المعلّق على الشرط في ظاهر القضية الشرطية قد يكون عاماً مجموعياً وقد يكون استغراقياً، فعلى الأوّل يكون مفهومها قضية جزئية، وعلى الثاني قضية كلية.
الثالثة: أنّ العموم المستفاد من الجزاء في مقام الاثبات إن كان معنى اسمياً بأن يكون مدلولاً لكلمة «كل» أو ما شاكلها أمكن أن يكون المعلّق على الشرط هو العموم المجموعي، كما أمكن أن يكون هو العموم الاستغراقي. وإن كان معنىً حرفياً بأن يكون مستفاداً من هيئة الجمع المعرّف باللام أو نحوها أو مستفاداً من مثل وقوع النكرة في سياق النهي فلا محالة يكون المعلّق على الشرط هو العموم الاستغراقي، والرواية المزبورة من هذا القبيل حيث إنّ العموم
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 257 ـ 259.

ــ[232]ــ

فيها مستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي.
الرابعة: أ نّا إذا افترضنا أنّ مفهوم السالبة الكلية لا يكون إلاّ موجبةً جزئيةً إلاّ أ نّه لا ثمرة لذلك في المقام.
ولنأخذ بالنظر إلى هذه النقاط:
أمّا النقطة الاُولى: فهي وإن كانت تامةً بحسب الكبرى إلاّ أنّ الظاهر عدم تحقق الصغرى لها كما سوف يتضح ذلك في ضمن النقطة الآتية.
وما قيل من أنّ مفهوم السالبة الكلية في القضية الشرطية قد يكون قضية كلية وذلك كما إذا افترضنا أنّ المعلّق على الشرط هو الجامع بين المطلق والمقيد والاطلاق المستفاد من قرينة الحكمة يطرأ عليه، ففي مثل ذلك لا محالة يكون مفهومها قضية كلية، فانّ انتفاء الجامع لا يمكن إلاّ بانتفاء كلا فرديه المطلق والمقيد معاً، وعلى الجملة: فإن كان التعليق وارداً على المطلق والعموم فالمفهوم قضية جزئية حيث إنّه نفي العموم لا عموم النفي، وإن كان التعليق وارداً على الطبيعي الجامع والاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة يطرأ عليه فالمفهوم قضية كلية حيث إنّه نفي الجامع وهو لا يكون إلاّ بنفي جميع أفراده، ومن هنا يفترق الحال بين ما كان العموم مستفاداً من اللفظ وما كان مستفاداً من قرينة الحكمة، فعلى الأوّل التعليق وارد على العموم وعلى الثاني العموم وارد على التعليق.
لا يمكن المساعدة عليه، أمّا أوّلاً: فلأنّ المعلّق على الشرط إذا لم يكن هو المطلق والعموم بل كان الطبيعي الجامع فليست القضية في مرتبة التعليق حينئذ قضية سالبة كلية، لفرض أنّ الكلية المستفادة من قرينة الحكمة تطرأ عليه، فما أفاده المناطقة من أنّ نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية لا ينتقض بذلك.

ــ[233]ــ

وأمّا ثانياً: فلأنّ المتفاهم العرفي من تلك القضايا الشرطية التي يكون إطلاق الجزاء فيها مدلولاً لقرينة الحكمة هو أنّ التعليق فيها أيضاً وارد على المطلق، مثلاً المتفاهم عرفاً من مثل قوله (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(1) هو ورود التعليق على المطلق لا أ نّه في مرتبة سابقة عليه، والسر في ذلك هو أنّ المعلّق على الشرط في القضية بطبيعة الحال إنّما يكون هو مراد المتكلم ومقصوده حسب فهم العرف ولو كان بضميمة قرينة خارجية كقرينة الحكمة أو نحوها.
فالنتيجة: أنّ فرض ورود الاطلاق على المعلّق وإن كان ممكناً بحسب مقام الثبوت إلاّ أ نّه لا يمكن إثباته بدليل.
وأمّا النقطة الثانية: فهي مبنية على نقطة خاطئة وهي أن يكون الدال على كل حكم منحل بانحلال أفراد الطبيعة المحكوم عليها قضية مستقلة في مقام الاثبات والدلالة لتكون هناك قضايا متعددة بعدد أفرادها، ولكن الأمر ليس كذلك، ضرورة أنّ هذا الفرض خارج عن مورد كلامه فانّه فيما إذا كان الدال على جميع هذه الأحكام الثابتة لأفراد هذه الطبيعة قضية واحدة في مقام الاثبات والدلالة، والمفروض أنّ هذه القضية لا تدل على ثبوت حكم لكل فرد منها بعنوانه واستقلاله، بل هي تدل على ثبوت حكم الطبيعة السارية إلى أفرادها على تقدير تحقق شرطه، فاذن بطبيعة الحال يكون مفهومها انتفاء هذا الحكم الساري، ومن الطبيعي أنّ انتفاءه يتحقق بانتفائه عن بعض أفراده فيكون مساوقاً للقضية الجزئية.
وبكلمة اُخرى: أنّ انحلال الحكم وتعدده في القضية بحسب مقام الثبوت
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1: 158 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1 وغيره (مع اختلاف).

ــ[234]ــ

والواقع لا يجدي في كيفية استفادة المفهوم منها في مقام الاثبات والدلالة على الشكل الذي أفاده (قدس سره) وهو القضية الكلية، وذلك لأنّ مدلول القضية في مقام الاثبات والدلالة واحد حيث إنّ الشارع في مقام الابراز والجعل فقد أبرز حكماً واحداً، غاية الأمر أنّ ذلك الحكم الواحد يتعدد بتعدد أفراد متعلقه وينحل بانحلاله، بل ربّما ينحل إلى أحكام غير متناهية من ناحية عدم تناهي أفراد متعلقه، ولكن هذا الانحلال إنّما هو في مرحلة الفعلية لا في مرحلة الجعل والابراز.
وعلى ضوء ذلك فالقضية الشرطية في أمثال هذه المـوارد لا تدل إلاّ على انتفاء الحكم الساري عن الطبيعة كذلك عند انتفاء شرطه، حيث إنّ منطوقها ثبوت هذا الحكم لها كذلك، ومن الطبيعي أ نّه يتحقق بانتفائه عن بعض الأفراد ولا يتوقف تحققه على انتفائه عن جميع الأفراد، ضرورة أنّ النفي المتوجه إلى الحكم الساري المطلق بسريان أفراد متعلقه مساوق للموجبة الجزئية، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السريان والاطلاق مدلولاً وضعياً للفظ أو مدلولاً لقرينة الحكمة، فانّه على كلا التقـديرين يكون المعلّق على الشرط هو الاطلاق والسريان، وعليه فبطبيعة الحال تدل القضية على انتفائه بانتفاء الشرط، ومن المعلوم أنّ ذلك مساوق للقضية الجزئية.
ولنأخذ لتوضيح ذلك بعدة أمثلة:
الأوّل كقولنا: إذا لبس زيد لأمة حربه لم يخف أحداً، فانّه لا إشكال في أنّ المتفاهم العرفي منها هو تحـقق الخوف له في الجملة عند انتفاء الشرط وهو مساوق للموجبة الجزئية، بداهة أنّ مفهومها ليس تحقق الخوف له من كل أحد حتى من الجبناء.
الثاني كقولنا: إذا غضب الأمير لم يحترم أحداً، فانّه لا يدل على أ نّه يحترم

ــ[235]ــ

كل أحد عند انتفاء غضبه ولو كان عدواً له، بل يدل على ذلك في الجملة وهو مساوق للقضية الجزئية.
الثالث كقولنا: إذا جدّ زيد في درسه فلا يفوقه أحد، فانّ مفهومه عرفاً هو أ نّه إذا لم يجد في درسه فسوف يفوقه أحد، لا أنّ مفهومه هو أ نّه إذا لم يجد في درسه يفوقه كل أحد، وعليه فلا يكون مفهوم قولهم (عليه السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» إلاّ ثبوت النجاسة له في الجملة بملاقاة النجس عند انتفاء الكرية لا ثبوت النجاسة له بملاقاة كل نجس.
فالنتيجة: أنّ المتفاهم العرفي من الأمثلـة التي ذكرناها وما شاكلها من القضايا الشرطية هو أنّ مفهومها قضية جزئية لا قضية كلية (1) ولا فرق في
ـــــــــــــــــــــ
(1) وما قيل من أ نّه فرق بين الأمثلة المتقدمة وبين قولهم (عليهم السلام): «إذا بلغ الماء قدر» إلخ ببيان أنّ في تلك الأمثلة قد طرأ التعليق على المطلق دون قولهم (عليهم السلام) والسبب فيه هو أنّ ثبوت الاطلاق في تلك الأمثلة إنّما هو لقرينة عرفية خاصة وليس ثابتاً بمجرد مقدمات الحكمة حيث لا يحتمل عرفاً اختصاص كلمة أحد المذكورة فيها في طرف الجزاء بخصوص العادي من الناس بحيث لو أراد القائل بكلامه السابق: أنّ زيداً إذا لبس لأمة حربه لم يخف أحداً، الجبناء من الناس لما كان كلامه كلاماً عرفياً، وكذا لو أراد من قوله: إنّ زيداً إذا جدّ في درسه لم يسبقه أحد، خصوص الأغبياء منهم، أو أراد من أحداً في قوله: إذا غضب الأمير لم يحترم أحداً، خصوص الأهل والأقرباء منه، فاذا كان الاطلاق مدلولاً لقرينة خاصة عرفية كان التعليق وارداً عليه، وهذا بخلاف الاطلاق في قولهم (عليهم السلام): «إذا بلغ الماء» إلخ فانّه حيث يكون مدلولاً لقرينة الحكمة فهو وارد على التعليق دون العكس، وعليه فيكون مفهومه موجبة كلية، حيث إنّ المعلّق على الشرط على هذا هو الطبيعي الجامع فنفيه =

ــ[236]ــ

هذه الاستفادة العرفية بين أن يكون العموم في طرف الجزاء استغراقياً أو مجموعياً، فكما أنّ نفي العموم المجموعي يلائم مع قضية موجبة جزئية فكذلك نفي العموم الاستغراقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= لا يمكن إلاّ بنفي جميع أفراده.
وما قيل من الفرق مدفوع بأنّ حال قولهم (عليهم السلام) حال الأمثلة المذكورة فكما أنّ تخصيص الأحد فيها بطائفة خاصة مستهجن عرفاً فكذلك تخصيص الشيء فيه بخصوص المتنجس.
وإن شئت قلت: إنّ تقييد المطلق بطائفة خاصة منه وإن لم يكن مستهجناً عرفاً في نفسه، ولكن في المقام نلاحظ الاستهجان في تخصيص الشيء في قولهم (عليهم السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» بالمتنجس، وعلى هذا فلا محالة يكون المراد منه المطلق الشامل للمتنجس أيضاً، وعليه فبطبيعة الحال يكون مفهومه موجبةً جزئية.
وبكلمة اُخرى: أنّ المراد من الشيء في هذه الرواية لا يخلو من أحد اُمور ثلاثة: الأوّل: أن يكون المراد منه خصوص الأعيان النجسة. الثاني: أن يكون المراد منه خصوص الأعيان المتنجسة. الثالث: أن يكون الأعم منهما. فعلى الاحتمال الأوّل الرواية ساكتة عن حكم ملاقاة المتنجس منطوقاً ومفهوماً، وإنّما هي ناظرة إلى بيان حكم ملاقاة عين النجس كذلك، وعلى الاحتمال الثاني عكس ذلك تماماً. ولكن لا يمكن الأخذ بكلا الاحتمالين جزماً، أمّا الاحتمال الأوّل فبملاحظة أنّ التقييد بحاجة إلى قرينة تدل عليه وحيث إنّه لا قرينة في المقام على ذلك مع كون المولى في مقام البيان فقرينة الحكمة تعيّن الاطلاق. وأمّا الاحتمال الثاني فهو ساقط في نفسه، لوضوح أ نّه لا يمكن أن تكون الرواية متجهةً منطوقاً ومفهوماً إلى بيان حكم ملاقاة المتنجس خاصة، وقد تقدم أنّ الرواية على هذا تخرج عن الكلام العرفي. فاذن يتعيّن الاحتمال الثالث.

ــ[237]ــ

وأمّا النقطة الثالثة: فقد ظهر مما ذكرناه في ضمن البحوث السالفة خطؤها.
أمّا أوّلاً: فلما تقدم بشكل موسع في ضمن بحث الحروف أنّ ما اشتهر في الألسنة من أنّ المعنى الحرفي ملحوظ آلةً والمعنى الاسمي استقلالاً لا أصل له، وقد ذكرنا هناك أ نّه لا فرق بينهما في هذه النقطة أبداً.
وأمّا ثانياً: فعلى فرض تسـليم ذلك إلاّ أ نّه لا نتيجة له فيما نحن فيه، لما عرفت من عدم الفرق بين كون العموم في طرف الجزاء مجموعياً أو استغراقياً في كيفية استفادة المفهوم عرفاً من القضية الشرطية.
وأمّا النقطة الرابعة: فهي تامة بالاضافة إلى الأعيان النجسة وخاطئة بالاضافة إلى الأعيان المتنجسة، فلنا دعويان: الاُولى: أنّ الثمرة لا تظهر في الأعيان النجسة بين كون مفهوم قولهم (عليهم السلام): «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجّسه شيء» (1) موجبة كلية أو جزئية. الثانية: أ نّها تظهر في الأعيان المتنجسة بين الأمرين.
أمّا الدعوى الاُولى: فلأ نّه إذا ثبت انفعال الماء القليل بملاقاة عين النجس في الجملة ثبت انفعاله بملاقاة جميع أنواعها، لعدم القول بالفصل بينهما جزماً، وأنّ التفكيك بينها في ذلك خلاف المرتكز العرفي، ومن الطبيعي أنّ هذا الارتكاز قرينة عرفية على ذلك. فاذن لا تظهر ثمرة بين وجهة نظرنا في المقام ووجهة نظر شيخنا الاُستاذ (قدس سره).
وأمّا الدعوى الثانية: فلأ نّه بعدما ثبت من الخارج تنجيس المتنجس لما لاقاه في الجملة نحكم بانفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس بناءً على ضوء نظرية
ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1: 158 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1 وغيره (مع اختلاف).

ــ[238]ــ

شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من استفادة العموم في جانب المفهوم. وأمّا بناءً على ضوء نظريتنا من عدم استفادة العموم في جانب المفهوم وأ نّه موجبة جزئية فلا نحكم بانفعال الماء القليل بملاقاته، وذلك لأنّ القدر المتيقن من المفهوم عندئذ هو تنجسه بملاقاة عين النجس فلا يدل على أزيد من ذلك، والقول بعدم الفصل بين المتنجس والأعيان النجسة غير ثابت، والتفكيك بينهما بالحكم بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة الأوّل وانفعاله بملاقاة الثاني ليس على خلاف الارتكاز العرفي ليتمسك به.
ومن ضوء هذا البيان يظهر فساد ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1) في المقام من أ نّه إذا دلّ دليل خارجي على تنجيس المتنجس لما لاقاه كفى ذلك في الحكم بانفعـال الماء القليل بملاقاة المتنجس فلا حاجة حينئذ إلى التمسك بالمفهوم، وإن لم يدل دليل من الخارج على ذلك فالمتنجس غير داخل في المنطوق فيختص المنطوق بالأعيان النجسة، وعليه فلا يترتب على القول بكون المفهوم موجبةً كليةً الحكم بانفعال الماء القليل بملاقاته، وجه الظهور: هو أ نّه لو كان للدليل الخارجي إطلاق أو عموم فالأمر كما أفاده (قدس الله سرّه) حيث إنّ مقتضى إطلاقه هو تنجيس المتنجس لما لاقاه مطلقاً، أي سواء أكان ماءً أو كان غيره. وأمّا إذا افترضنا أ نّه لا يدل إلاّ على تنجيس المتنجس لما لاقاه في الجملة من دون أن يكون له إطلاق أو عموم، فعندئذ يدخل المتنجس في موضوع ما يكون قابلاً لتنجيس ملاقيه، فتدل الرواية بحسب المنطوق على عدم انفعال الكر بملاقاته.
وعلى هذا فلو قلنا بكون مفهوم الرواية موجبة كلية لدلت على انفعال الماء
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 259.

ــ[239]ــ

القليل بملاقاة المتنجس كما تدل على انفعاله بملاقاة الأعيان النجسة، وإلاّ فهي ساكتة عن حكم ملاقاته له فلا بدّ فيه من التماس دليل آخر، والقول بعدم الفصل بين أفراد ملاقي المتنجس غير ثابت ليتمسك به.
وإن شئت قلت: إنّ ما دلّ على تنجيس المتنجس لما لاقاه في الجملة من غير دلالته على تنجيس الماء القليل بملاقاته بالخصوص أو العموم لا يمكن التعدي عن مورده المتيقن إلى غيره من الموارد بعدم القول بالفصل، بدعوى أ نّه إذا ثبت تنجيس المتنجس لملاقيه في مورد ثبت في جميع الموارد من دون فرق بين أقسام ملاقيه في ذلك، كما أ نّه لم يثبت القول بعدم الفصل بين أنواع المتنجس وأفراده، والثابت إنّما هو القول بعدم الفصل بين أنواع النجس فحسب.
وعلى هذا الضوء تترتب ثمرة مهمة على هذا البحث ـ أي البحث عن كون مفهوم القضية الكلية كالرواية المتقدمة قضية كلية أو جزئية ـ حيث إنّه على الأوّل تدل الرواية على انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس دون الثاني.
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net