إشكال المحقق النائيني على هذا التفصيل - تفصيل المحقق النائيني في المخصص اللبي 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4765

وقد أورد على ذلك شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وإليك بيانه: وهذا الكلام ـ جواز التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبياً غير لفظي ـ لا يسعنا تصديقه على إطلاقه، فانّ المخصص إذا كان حكماً عقلياً ضرورياً بأن كان صارفاً لظهور الكلام وموجباً لعدم انعقاد الظهور إلاّ في الخاص من أوّل الأمر، فحكمه حكم القرينة المتصلة اللفظية فكما لا يمكن التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية معها كذلك لا يجوز التمسك بالعموم معه، وأمّا إذا كان حكماً عقلياً أو إجماعاً بحيث لم يكن صالحاً لصرف ظهور العام من أوّل الأمر، فحكمه حكم المخصص المنفصل اللفظي، إذ كما أنّ المخصص اللفظي بعد تقدمه على عموم العام يكشف عن تقيد المراد الواقعي وعدم كون موضوع الحكم الواقعي مطلقاً فلا يمكن التمسك به عند عدم إحراز تمام موضوعه لأجل الشك في وجود القيد، كذلك المخصص اللبي يكشف عن التقيد المزبور فلا يمكن التمسك بالعموم عند عدم إحراز تمام موضوعه، فانّ الاعتبار في عدم اعتبار

ــ[352]ــ

جواز التمسك بالعموم إنّما هو بالمنكشف، أعني به تقيد موضوع الحكم لباً، لا بخصوصية الكاشف من كونه لفظياً أو عقلياً (1).
وبعد ذلك نقول: أمّا الخط الأوّل فهو في غاية الصحة والمتانة.
وأمّا الخط الثاني: فيرد عليه ما أورده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) لكن فيما إذا كان تطبيق الكبرى على الصغرى وإحرازها موكولاً بنظر المكلف، سواء أكانت القضية حقيقيةً أم كانت خارجيةً، لا مطلقاً حتى فيما إذا لم يكن موكولاً بنظره، فلنا دعويان: الاُولى عدم تمامية هذا الخط فيما إذا كان أمر التطبيق منوطاً بنظر المكلف. الثانية تماميته فيما إذا لم يكن كذلك.
أمّا الدعوى الاُولى(2): فإن كانت القضية المتكفلة لاثبات حكم العام من قبيل القضايا الحقيقية التي يكون تطبيق موضوع الحكم فيها على أفراده في الواقع موكولاً بنظر المكلف وإحرازه، فبطبيعة الحال يكون إحراز عدم وجود ملاك الحكم في فرد مّا كاشفاً عن أنّ فيه خصوصية قد قيد موضوع العام بعدمها، وتلك الخصوصية قد تكون واضحةً بحسب المفهوم عرفاً والشك إنّما هو في وجودها في فرد مّا من أفراد العام، وقد تكون مجملةً بحسب المفهوم كذلك، يعني يدور أمرها بين أمرين أو الأكثر، وهذا تارةً من دوران الأمر بين الأقل والأكثر، واُخرى من المتباينين، أو العموم من وجه، فالأقسام ثلاثة:
أمّا القسم الأوّل: فلا يجوز فيه التمسك بالعام لاثبات الحكم له، لفرض أنّ الشك فيه في وجود موضوعه وتحققه في الخارج ومعه لا محالة يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ومن الطبيعي أ نّه لا فرق فيه بين أن يكون
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 342.
(2) [ تأتي الدعوى الثانية في ص 354 ].

ــ[353]ــ

المخصص لفظياً أو لبياً.
وأمّا القسم الثاني: فلا مانع من التمسك به بالاضافة إلى المقدار الزائد عن المتيقن، حيث إنّ مرجعه إلى الشك في التخصيص الزائد، والمرجع فيه لا محالة هو عموم العام.
وأمّا القسم الثالث: فلا يمكن التمسك به لاجماله، نظراً إلى أ نّنا نعلم إجمالاً بتقييد موضوع العام بقيد مردد بين أمرين متباينين أو اُمور كذلك، ومن الطبيعي أنّ هذا العلم الاجمالي مانع من التمسك به في المقام، حيث إنّ شمول العام لكليهما معاً لا يمكن، وشموله لأحدهما المعيّن دون الآخر ترجيح من دون مرجّح، وأحدهما لا بعينه ليس فرداً ثالثاً، ولتوضيح ذلك نأخذ بمثال وهو ما إذا ورد دليل يدل على وجوب إكرام كل عالم الشامل للعادل والفاسق وللنحوي وغيره، ثمّ علم من الخارج أنّ ملاك وجوب الاكرام غير موجود في زيد العالم مثلاً، وهذا تارةً من ناحية العلم بكون اتصافه بالفسق مانعاً عن تحقق ملاك وجوب الاكرام فيه، واُخرى من ناحية العلم بكون المانع من تحقق الملاك فيه واحدة من صفتي الفسق والنحوية الموجودتين فيه، فعلى الأوّل لا محالة يستلزم ذلك العلم بتقييد موضوع وجوب الاكرام بعدم كونه فاسقاً، وعليه فبطبيعة الحال لا يجوز التمسك بالعموم لاثبات وجوب الاكرام للعالم الذي شك في فسقه، وعلى الثاني يستلزم العلم بتقييد الموضوع بعدم اتصافه بأحد الوصفين على نحو الاجمال، ولازم ذلك إجمال العام وعدم جواز التمسك به لاثبات وجوب الاكرام للعالم الفاسق أو للنحوي.
نعم، إذا علم أنّ المانع من تحقق الملاك هو صفة الفسق ولكنّها بحسب المفهوم مجمل ويدور أمره بين فاعل الكبيرة فقط أو الأعم منه وفاعل الصغيرة، أو احتمل أنّ المانع من تحقق الملاك هو اجتماع الوصفين معاً لا كل

ــ[354]ــ

واحد منهما، أو مع إضافة وصف آخر إليهما، اقتصر في جميع هذه الفروض في تخصيص العام على القدر المتيقن ويتمسك في غيره بأصالة العموم، كما كان هو الحال بعينه فيما دار أمر المخصص اللفظي بين الأقل والأكثر.
فالنتيجة في نهاية الشوط: هو أ نّه لا فرق بين المخصص اللفظي واللبي في شيء من الأحكام المزبورة فيما إذا كانت القضية المتكفلة لاثبات حكم العام من القضايا الحقيقية التي يكون تطبيق الموضوع على أفراده في الخارج بنظر نفس المكلف.
وأمّا إذا كانت القضية من قبيل القضايا الخارجية، فإن كان المخصص لفظياً لم يجز التمسك بالعام في موارد الشبهات المصداقية، حيث إنّ المخصص اللفظي يكون قرينةً على أنّ المولى أوكل إحراز موضوع حكمه في الخارج إلى نفس المكلف، وبما أنّ موضوعه صار مقيداً بقيد بمقتضى التخصيص فبطبيعة الحال إذا شك في تحقق قيده في الخارج لم يمكن التمسك بالعموم، لفرض عدم كونه ناظراً إلى وجوده فيه أو عدم وجوده كما سبق. وأمّا إذا كان المخصص لبياً فإن علم من الخارج أنّ المولى أوكل إحراز موضوع العام إلى نفس المكلف فحاله حال المخصص اللفظي، كما إذا ورد في دليل: أعط لكل طالب علم في النجف الأشرف كذا وكذا ديناراً، وعلم من الخارج أنّ مراد المولى هو المعيل دون المجرد، ولازم ذلك بطبيعة الحال هو العلم بتقيد موضوع العام بعدم كونه مجرداً، فعندئذ إذا شك في طالب علم أ نّه معيل أو مجرد لم يمكن التمسك بعمومه، لعدم إحراز أ نّه من مصاديق العام.
وإن لم يعلم من الخارج ذلك صحّ التمسك بالعموم في موارد الشبهة المصداقية، والسبب فيه: أنّ ظهور كلام المولى في العموم كاشف عن أ نّه بنفسه أحرز انطباق موضوع حكمه على جميع الأفراد ولم يكل ذلك إلى المكلف، ومن

ــ[355]ــ

المعلوم أنّ هذا الظهور حجة على المكلف في الموارد المشكوك فيها، فاذا أمر المولى خادمه باكرام جميع جيرانه، فانّ ظهور كلامه في العموم كاشف عن أ نّه لاحظ جميع أفراد موضوع حكمه وأحرز وجود الملاك في الجميع، ومن الطبيعي أنّ هذا الظهور حجة عليه ولا يجوز له التعدي عن مقتضاه إلاّ إذا علم خلافه، كما إذا علم بأنّ زيداً مثلاً الذي يسكن في جواره عدوّه وأ نّه لا ملاك لوجوب الاكرام فيه جزماً، وسكوت المولى عن بيانه لعلّه لأجل مصلحة فيه أو مفسدة في البيان أو غفل عنه أو كان جاهلاً بعدم وجود الملاك فيه، وكيف ما كان فالمكلف متى ما علم بعدم وجود الملاك فيه فهو معذور في ترك إكرامه، لأنّ قطعه هذا عذر له، وهذا بخلاف ما إذا شك في فرد أ نّه عدوّه أو لا فلا عذر له في ترك إكرامه، حيث إنّه لا أثر لهذا الشك في مقابل الظهور، نظراً إلى أ نّه حجة فلا يجوز له رفع اليد عنه من دون قيام دليل وحجة أقوى بخلافه.
وأمّا الخط الثالث: فهو صحـيح فيما إذا لم يكن إحراز الموضـوع موكولاً إلى نظر المكلف كما هو الحال في مثل قوله (عليه السلام): «لعن الله بني اُميّة قاطبة» (1) فانّ هذه القضية بما أ نّها قضية خارجية صادرة من الإمـام (عليه السلام) من دون قرينة تدل على إيكال إحراز الموضوع فيها في الخارج إلى نظر المكلف، فبطبيعة الحال تدل على أنّ المتكلم لاحظ الموضوع بتمام أفراده وأحرز أ نّه لا مؤمن بينهم، وعليه فلا مانع من التمسك بعمومه لاثبات جواز لعن الفرد المشكوك في إيمانه. أو فقل: إنّا إذا علمنا من الخارج أنّ فيهم مؤمناً فهو خارج عن عمومه فلا يجوز لعنه جزماً، وأمّا إذا شك في فرد أ نّه مؤمن أو ليس بمؤمن فلا مانع من التمسك بعمومه لاثبات جواز لعنه، ويستكشف منه بدليل الانّ أ نّه
ـــــــــــــــــــــ
(1) كامل الزيارات: 176.

ــ[356]ــ

ليس بمؤمن.
فالنتيجة: أنّ القضية إن كانت خارجيةً فإن كان المخصص لفظياً أو كان لبياً وقامت قرينة على أنّ إحراز الموضوع في الخارج موكول إلى نظر المكلف، لم يجز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية. وأمّا إذا كان المخصص لبياً ولم تقم قرينة على ذلك فالقضية في نفسها ظاهرة في أنّ أمر التطبيق بيد المولى، وأ نّه لاحظ جميع الأفراد الخارجية وجعل الحكم عليها، مثلاً لو قال المولى لعبده: بع جميع ما عندي من الكتب، فانّه يدل بمقتضى الفهم العرفي على أنّ المولى قد أحرز وجود ملاك البيع في كل واحد واحد من كتبه، ومن المعلوم أنّ هذا الظهور حجة إلاّ فيما حصل له القطع بالخلاف، فحينئذ يرفع اليد عن هذا الظهور ويعمل على طبق قطعه لأنّ حجيته ذاتية وهو معذور في العمل به وإن كان مخالفاً للواقع، وأمّا في موارد الشك في وجود الملاك فالظهور حجة فيها، ولو خالف ولم يعمل به استحق المؤاخذة واللوم، إذ لا أثر لشكه بعد ما كان أمر التطبيق وإحراز الملاك بيد المولى.
ومن ضوء هذا البيان يظهر نقد التفصيل الذي اختاره شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1) وحاصل ما اختاره أنّ المخصص اللبي بحسب مقام الاثبات على أنحاء ثلاثة:
أحدها: ما يوجب تقييد موضوع حكم العام وتضييقه نظير تقييد الرجل في قوله (عليه السلام): «فانظروا إلى رجل قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا» إلخ بكونه عادلاً، لقيام الاجماع على ذلك، فحال هذا القسم حال المخصص اللفظي في عدم جواز التمسك بالعموم معه في الأفراد المشكوك فيها،
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 343 ـ 347.

ــ[357]ــ

ولا فرق في ذلك بين كون المخصص اللبي من قبيل القرينة المتصلة كما إذا كان حكماً عقلياً ضرورياً، أو من قبيل القرينة المنفصلة كما إذا كان حكماً عقلياً نظرياً أو إجماعاً، فانّه على كلا التقديرين لا يمكن التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية.
وثانيها: ما يكون كاشفاً عن ملاك الحكم وعلته من دون أن يوجب ذلك تقييد موضوع الحكم به، حيث إنّه لا يصلح تقييد موضوع الحكم بما هو ملاكه، فإن كان المخصص اللبي من هذا القبيل فلا إشكال في جواز التمسك بالعموم عندئذ في الشبهات المصداقية، وكشف هذا العموم بطريق الانّ عن وجود الملاك في تمام الأفراد، فاذا شك في وجود الملاك في فرد كان عموم الحكم كاشفاً عن وجود الملاك فيه ورافعاً للشك من هذه الناحية، كما أ نّه إذا علم بعدم الملاك في فرد كان ذلك الفرد خارجاً عن العام من باب التخصيص، فيكون سكوت المولى عن حكم ذلك الفرد إمّا لأجل مصلحة مقتضية له أو مفسدة في بيانه كما في المولى الحقيقي، أو لجهله بعدم الملاك فيه كما ربّما يتفق ذلك في الموالي العرفية.
فالنتيجة: أنّ المخصص اللبي على هذا سواء أكان حكماً ضرورياً أم نظرياً أم إجماعاً لا يوجب تقييد موضوع الحكم في طرف العام، حيث إنّ ملاك الحكم كما عرفت لا يصلح أن يكون قيداً لموضوعه، والسبب في ذلك: هو أنّ إحراز اشتمال الأفراد على الملاك إنّما هو وظيفة نفس المولى، فبعموم الحكم يستكشف أ نّه أحرز وجود الملاك في تمام الأفراد فيتمسك به في الموارد المشكوكة.
وثالثها: ما لا يكشف عن شيء من الأمرين المزبورين، يعني لا يعلم أ نّه يكشف عن تقييد موضوع حكم العام أو عن ملاكه فيدور أمره بينهما، فاذا كان حال المخصص اللبي كذلك فهل يمكن التمسك بالعموم حينئذ في موارد

ــ[358]ــ

الشك، فقد فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان المخصص اللبي حكماً عقلياً ضرورياً بحيث يمكن للمولى الاتكال عليه في مقام البيان، وما إذا كان حكماً عقلياً نظرياً أو إجماعاً، فعلى الأوّل لا يجوز التمسك بالعموم في موارد الشبهة المصداقية، حيث إنّ المقام يكون من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية فيسقط ظهوره في العموم لا محالة، فانّ هذا المخصص اللبي إن كان كاشفاً عن الملاك لم يكن مانعاً عن انعقاد ظهوره في العموم، وإن كان كاشفاً عن تقييد موضوع العام كان مانعاً عنه، وبما أ نّه مردد بين الأمرين فلا محالة يكون مانعاً عن انعقاد الظهور، وعلى الثاني فلا مانع من التمسك بالعموم حيث إنّ ظهور الكلام في العموم قد انعقد فلا مانع من التمسك به في الشبهات المصداقية، والسبب في ذلك هو أنّ أمر المخصص بما أ نّه يدور بين الأمرين المزبورين فبطبيعة الحال لا علم لنا بتقييد الموضوع به في الواقع، بل هو مجرد الاحتمال، ومن الطبيعي أنّ ظهور كلام المولى في العموم كاشف عن عدم تقييده به وهو حجة، ولا يمكن رفع اليد عنه بمجرد الاحتمال.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net