الأمر الثاني - الأمر الثالث 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4946


 الأمر الثاني: أ نّه هل المراد من المكلف المذكور في كلام شيخنا الأعظم الأنصاري (قدس سره) (1) هو خصوص المجتهد أو الأعم منه ومن المقلد ؟

 مقتضى الاطلاق الثاني، وهو الصحيح، لعدم اختصاص الأقسام وما يذكر لها من الأحكام بالمجتهد. وتوضيح المقام يقتضي التكلم في مقامات ثلاثة:

 1 ـ في بيان حكم المجتهد بالنسبة إلى تكليف نفسه.

 2 ـ في بيان حكم المقلد بالنسبة إلى تكليفه.

 3 ـ في بيان حكم المجتهد بالنسبة إلى تكليف مقلديه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 47.

ــ[5]ــ

 أمّا المقام الأوّل: فلا إشكال في أنّ المجتهد إذا التفت إلى حكم شرعي متعلق بنفسه، فامّا أن يحصل له القطع أو يقوم عنده طريق معتبر، أو لا هذا ولا ذاك. فعلى الأوّل يعمل بقطعـه، وعلى الثاني يعمل بما قام عنـده من الطريق وعلى الثالث يرجع إلى الاُصول العملية على ما سيجيء من التفصيل في مجاريها إن شاء الله تعالى، بلا فرق في جميع ذلك بين الحكم الواقعي والظاهري.

 وأمّا المقام الثاني: فالظاهر أنّ المقلد كالمجتهد في الأحـكام المذكورة، فان حصل له القطع بحكم من الأحكام عمل به بلا حاجة إلى الرجوع إلى المجتهد، وإن لم يحصل له القطع، فان قام عنده طريق معتبر وليس إلاّ فتوى المجتهد عمل به، وإن فقده أيضاً وبقي شاكاً في الحكم رجع إلى الاُصول العملية على نحو يأتي عند التكلم في المقام الثالث.

 هذا كلّه في الحكم الواقعي، وكذا الحال في الحكم الظاهري، فإن حصل له القطع به ـ كما إذا قطع بفتوى المجتهد في مورد ـ عمل به، وإلاّ فإن قام عنده طريق معتبر ـ كما إذا أخبر عدلان بأنّ فتوى المجتهد كذا ـ أخذ به، وإلاّ رجع إلى الأصل العملي، فإن كان متيقناً بفتوى المجتهد سابقاً وشك في تبدلها يسـتصحب بقاءها، وإن أفتى أحد المجتهدين بالوجوب والآخر بالحرمة، دار الأمر بين المحذورين فيتخير، وإن أفتى أحدهما بوجوب القصر مثلاً والآخر بوجوب التمـام وجب عليه الاحتـياط، إلاّ أن يثبت قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط على العامي على ما ادّعاه شيخنا الأنصاري (قدس سره)(1) إذن فيتخير.

 والحاصل: أ نّه لا فرق بين المجتهد والمقلّد إلاّ في خصـوصية الطرق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ لم نعثر عليه ].

ــ[6]ــ

والأمارات، فانّ طرق المجتهد إلى الأحكام هي الكتاب والسنّة، وطريق المقلد هو فتوى المجتهد فقط، وكما أنّ ظواهر الكتاب والسنّة حجّة للمجتهد، كذلك ظاهر كلام المجتهد حجّة للمقلد، فلا وجه لاختصاص المقسم بالمجتهد.

 وأمّا المقام الثالث: فتوضيح الكلام فيه: أنّ المجتهد إذا التفت إلى حكم متعلق بمقلديه دون نفسـه ـ سواء كان الحكم بجميع مراتبه مختصاً بغيره كالأحكام المختصة بالنساء، أو بفعليته كأحكام الحج مع عدم كونه مستطيعاً، وأحكام الزكاة مع عدم كونه مالكاً للنصاب، ففي جميع ذلك ـ إن حصل له القطع بالحكم أو قام عنده طريق معتبر عليه أفتى به بلا إشكال فيه، وإلاّ فله الرجوع إلى الاُصول العملية والإفتاء بمؤداها.

 وقد يستشكل في الرجوع إلى الاُصول: بأنّ جريان الأصل موضوعه المكلف الشاك، والمقلد الذي يتوجه إليه التكليف ليس له شك في الحكم، لكونه غير ملتفت إليه، فكيف يفتي المجتهد في حقّه بمؤدى الأصل، والمجتهد وإن كان شاكاً إلاّ أنّ التكليف غير متوجه إليه على الفرض، فمن توجّه إليه التكليف غير شاك في الحكم، ومن شكّ فيه لم يتوجه إليه التكليف، فلا موضوع للرجوع إلى الأصل العملي.

 وأجاب عنه شيخنا الأنصاري (قدس سره): بأنّ المجتهد نائب عن المقلد في إجراء الأصل، فيكون الشك من المجتهد بمنزلة الشك من المقلد (1).

 وفيه: أ نّه لا دليل على هذه النيابة، وأدلة الاُصول العملية لا عموم لها للشك النيابي.

 والتحقيق في الجواب أن يقال: إن كان الحكم ممّا يلتفت إليه المقلد أيضاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 545.

ــ[7]ــ

فيشك فيه كما شكّ فيه المجتهد، كما إذا شكّ في طهارة الماء القليل المتنجس المتمم كراً ونجاسـته، فللمجتهد أن يجري الاستصحاب بلحاظ يقين المقلد وشـكّه، فانّه كان متيقناً بنجاسة الماء قبل التتميم وشكّ في بقائها بعده، فيجري الاستصحاب في حقّه ويفتي بمؤداه، وله أن يجري الاستصحاب بلحاظ يقين نفسه وشكّه، فانّه متيقن بالحكم في حق مقلده شاك في بقائه، فيجري الاستصحاب ويفتي بمؤداه، ويرجع المقلد إليه من باب رجوع الجاهل إلى العالم، إذ لا اختصاص لوجوب رجوع الجاهل إلى العالم بما إذا كان علم العالم مستنداً إلى العلم الوجداني أو الأمارة.

 وإن كان الحكم ممّا لا يلتفت إليه المقلّد، كما إذا لم يكن فعلياً في حقّه ومورداً لابتلائه إلى الآن، فلا بدّ للمجتهد أن يجري الاستصحاب بلحاظ يقينه وشكّه، لكونه متيقناً بالحكم في حق مقلده شاكاً في بقائه على ما تقدّم، وكذا الحال فيما إذا كان الشك مورداً للاحتياط، كما في موارد العلم الاجمالي بالتكليف فيفتي بوجوب الاحتياط بمقتضى علمه الاجمالي، وكذا عند دوران الأمر بين المحذورين يفتي بالتخيير، ويرجع المقلد إليه في جميع ذلك من باب رجوع الجاهل إلى العالم، لما تقدّم من عدم اختصاص هذا الحكم بما إذا كان علم العالم مستنداً إلى العلم الوجداني أو الأمارة القائمة على الحكم الواقعي.

 وقد يستشكل أيضاً: بأ نّه لا يجوز الرجوع إلى الأصل العملي إلاّ بعد الفحص عن الدليل على ما هو مذكور في محلّه (1) والمقلد عاجز عن الفحص فكيف يفتي له بوجوب العمل بمؤدى الأصل، مثلاً البراءة العقلية مبتنية على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وليس في حق المجتهد احتمال العقاب ليرجع إليها، والمقلّد عاجز عن الفحص وإحراز عدم البيان حتّى تنطبق القاعدة عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 566 وما بعدها / شرائط جريان الاُصول.

ــ[8]ــ

 والجواب: أنّ المجتهد يفحص ويبيّن له الصغرى وأنّ المقام ممّا لم تقم فيه حجّة على التكليف، ويرجع المقلد إليه من باب الرجوع إلى أهل الخبرة في تشخيص الصغرى، فيستقل عقله بما استقلّ به عقل المجتهد من قبح العقاب بلا بيان، فتكون الكبرى وجدانية للمقلد بعد تشخيص الصغرى بالرجوع إلى المجتهد، ولو فرض أنّ المقلد لم يكن أهلاً لادراك حكم العقل بذلك فيرجع إلى المجتهد في تشخيص الكبرى أيضاً، فكما بيّن له أنّ المقام ممّا لم تقم فيه حجّة على التكليف، يبيّن له أنّ العقاب بلا حجّة وبيان قبيح بحكم العقل.

 وبالجملة: في جميع موارد عجز المقلّد عن تشخيص مجرى الأصل العملي، لا نقول بأنّ المجتهد نائب عن المقلد حتّى نطالب بدليل النيابة، بل نقول: إنّ المجتهد ينقّح مجرى الأصل بحسب وظيفته، فانّ وظيفة المجتهد هي وظيفة الإمام (عليه السلام)، وهي بيان الأحكام المجعولة في الشريعة المقدّسة بنحو القضايا الحقيقية، غاية الأمر أنّ علم الإمام (عليه السلام) بالحكم ينتهي إلى الوحي، وعلم المجتهد حاصل من ظواهر الكتاب والسنّة، والمقلد يرجع إليه من باب رجوع الجاهل إلى العالم في تشخيص الصغرى وتعيين مجرى الأصل فقط، أو في تطبيق الكبرى أيضاً.

 فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام: أ نّه لا وجه للالتزام باختصاص المقسم بالمجتهد بل يعم المقلد أيضاً.

 الأمر الثالث: ذكر شيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) أنّ المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي، فامّا أن يحصل له القطع به أو الظن أو الشك. وبحسب هذا التقسيم جعل كتابه مشتملاً على مقاصد ثلاثة:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 47.

ــ[9]ــ

 1 ـ في القطع. 2 ـ في الظن. 3 ـ في الشك. ومحط كلامه في التقسيم هو الحكم الواقعي.

 وعدل عنه صاحب الكـفاية (قدس سره) (1) وملخّص ما ذكره في وجه العدول اُمور ثلاثة:

 الأوّل: أ نّه لا بدّ من أن يكون المراد من الحكم هو الأعم من الواقعي والظاهري، لعدم اختصاص أحكام القطع بما إذا كان متعلقاً بالحكم الواقعي.

 وعليه فلا بدّ من أن يجعل التقسيم ثنائياً، بأن يقال إنّ المكلف إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري، فامّا أن يحصل له القطع به أو لا، وعلى الثاني لابدّ من انتهائه إلى ما استقلّ به العقل من اتباع الظن لو حصل له وتمّت مقدّمات الانسداد على تقرير الحكومة، وإن لم يحصل له الظن أو حصل ولكن لم تتم مقدّمات الانسداد على تقرير الحكومة، فعليه الرجوع إلى الاُصول العملية العقلية: من البراءة والاشتغال والتخيير على اختلاف الموارد.

 الثاني: أ نّه لا بدّ من تخصيص الحكم بالفعلي، لاختصاص أحكام القطع بما إذا تعلّق بالحكم الفعلي، لعدم ترتب أثر على الحكم الانشائي ما لم يبلغ مرتبة الفعلية.

 الثالث: أ نّه لا بدّ من تبديل الظن بالطريق المعتبر، لئلاّ تتداخل الأقسام فيما يذكر لها من الأحكام، فانّ الظن غير المعتبر محكوم بحكم الشك، وقد جعل في تقسيم الشـيخ (قدس سره) قسيماً له. والأمارة المعتبرة ربّما لا تفيد الظن الشخصي، ولا يعتبر في حجّيتها الظن الشخصي، فهي قسيم الشك، وجعلت في تقسيم الشيخ (قدس سره) داخلةً فيه. هذا هو وجه العدول عن تقسيم الشيخ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 257.

ــ[10]ــ

(قدس سره) على ما يستفاد من كلامه (قدس سره).

 أقول: الأنسب بمباحث الاُصول ما صنعه الشيخ (قدس سره) لأنّ الغرض من علم الاُصول هو تحصيل المؤمّن من تبعة التكاليف المتوجهة إلى العبد من قبل المولى، والمؤمّن الأوّل هو القطع، فينبغي البحث عنه ولو استطراداً في باب، والمؤمّن الثاني الأمارة المعتبرة، فلا بدّ من البحث عنها في باب آخر. والمؤمّن الثالث هو الرجوع إلى الاُصول العملية الشرعية المجعولة عند الشك والعجز عن تحصيل الأوّلين، أو الاُصول العملية العقلية عند العجز عن جميع ما تقدّم. فلا مناص من البحث عنها في باب ثالث كما هو المتعارف بينهم. وعليه جرى صاحب الكفاية (قدس سره) نفسه. فالتقسيم ناظر إلى هذه الأبحاث الثلاثة وإشارة إجمالية إليها.

 فالأنسب هو تثليث الأقسام كما صنعه الشيخ (قدس سره). وجعل التقسيم ثنائياً، وبيان أحكام الأقسام في الأبواب الثلاثة ـ كما في الكفاية ـ لا يخلو من غرابة، فانّ المناسب للتقسيم الثنائي المذكور في الكفاية هو البحث عن القطع بالحكم الأعم من الواقعي والظاهري في باب، والبحث عن الظن الانسدادي على الحكومة والاُصول العملية العقلية في باب ثان. إذن لا يبقى مورد للبحث عن حجّية الأمارات والبحث عن الاُصول العملية الشرعية.

 هذا، مضافاً إلى أنّ جعل التقسيم ثنائياً غير مناسب في نفسـه، إذ الحكم الظاهري مورده عدم العلم بالحكم الواقعي، فهو بطبعه في طول الحكم الواقعي، سواء كان مستفاداً من الأمارة المعتبرة أو من الأصل العملي الشرعي، فلو جعل التقسيم ثنائياً يجمع بين العلم بالحكم الواقعي وعدم العلم به في مقام التقسيم، ويصير ما في طول الحكم الواقعي طبعاً في عرضه وضعاً.

 وأمّا ما أفاده صاحب الكفاية (قدس سره) من عدم اختصاص أحكام

ــ[11]ــ

القطع بما إذا كان متعلقاً بالأحكام الواقعية، فهو وإن كان صحيحاً، إلاّ أ نّه لا يوجب جعل التقسيم ثنائياً، لأنّ جميع الأبحاث المذكورة في الأبواب الثلاثة غير مختص بالحكم الواقعي، بل الحكم الظاهري أيضاً قد يتعلق به القطع كما إذا علمنا بحجية خبر قائم على حكم من الأحكام، وقد يتعلق به الظن المعتبر كما إذا دلّ على حجّية الخبر ظاهر الكتاب مثلاً، وقد يتعلق به الشك كما إذا شككنا في بقاء حجّية الخبر، فيجري الاستصحاب. نعم، لا بدّ من أن ينتهي الأمر بالأخرة إلى القطع، وإلاّ لدار أو تسلسل.

 وأمّا ما أفاده صاحب الكفاية (قدس سره) ـ من أ نّه لا بدّ من أن يكون المراد من الحكم هو خصوص الفعلي دون الانشائي، لعدم ترتب أثر على القطع بالحكم الانشائي ـ فهو خلط بين الانشاء لا بداعي البعث والزجر، والانشاء بداعي البعث والزجر، فانّ الانشاء لا بداعي البعث والزجر وإن لم يترتب عليه أثر ـ كما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) ـ إلاّ أ نّه ليس من مراتب الحكم أصلاً، فانّ الانشاء بداعي التهديد كما في قوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)(1) أو بداعي التهكّم أو غير ذلك لا يطلق عليه الحـكم، إذ الانشاء بداعي التهديد ليس إلاّ التهديد، فالانشاء بهذا المعنى خارج عن موضوع البحث، لعدم صدق الحكم عليه.

 وأمّا الانشاء بداعي البعث والزجر فيطلق عليه الحكم وإن لم يبلغ مرتبة الفعلية لعدم تحـقق موضوعه في الخـارج، فانّ فعلية الحكم إنّما هي بفعلية موضوعه، ولا نلتزم بعدم ترتب أثر على الحكم الانشائي بهذا المعنى، بل له أثر مهم وهو جواز الافتاء به، فانّ المجتهد إذا علم بصدور الحكم من المولى وإنشائه في مقام التشريع له الافتاء به وإن لم يبلغ مرتبة الفعلية، فيفتي بوجوب الحج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فصّلت 41: 40.

ــ[12]ــ

على المستطيع وإن لم يكن المستطيع موجوداً، وبوجوب قطع يد السارق وإن لم تتحقق السرقة في الخارج، ويفتي بوجوب الصوم في شهر رمضان وإن لم يحل الشهر بعد، وهكذا.

 وبالجملة: وظيفة المجتهد هي وظيفة الإمام (عليه السلام) وهي بيان الأحكام المجعولة في الشريعة المقدّسة على الموضوع المقدّر وجوده بنحو القضيّة الحقيقية، غاية الأمر أنّ علم الإمام (عليه السلام) بالأحـكام ينتهي إلى الوحي، وعلم المجتهد بها حاصل من ظواهر الكتاب والسنّة، كما تقدّم.

 وإن شئت قلت: إنّ الآثار العقلية للقطع بالحكم ـ من لزوم متابعة القطع، والتنجيز مع المطابقة والتعذير مع المخالفة ـ مختصّة بما إذا كان القطع متعلقاً بالحكم الفعلي. وأمّا جواز الافتاء مع القطع بالحكم فغير مختص بالحكم الفعلي، بل يترتب على الأحكام الانشائية أيضاً كما عرفت. فلا وجه للالتزام بأنّ المراد من الحكم هو خصوص الفعلي، بل الصحيح هو الأعم منه ومن الانشائي كما يقتضيه إطلاق كلام الشيخ (قدس سره).

 وأمّا ما أفاده صاحب الكفاية (قدس سره) من تداخل الأقسام في تقسيم الشيخ (قدس سره) فيمكن الجواب عنه بوجهين:

 الوجه الأوّل: أنّ المراد من الظن هو الأمارة المعـتبرة، والمراد من الشك عدم قيام الحجة المعتبرة على الحكم على ما صرّح به الشيخ (قدس سره) في أوّل بحث البراءة (1) فلا تداخل أصلاً.

 الوجه الثاني: أنّ التقسيم المذكور في كلام الشيخ (قدس سره) إنّما هو في رتبة سابقة على الحكم، باعتبار أنّ المكلف الملتفت إلى حكم شرعي إمّا أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 1: 354.

ــ[13]ــ

يحصل له القطع، وهو حجّة بنفسه بلا جعل جاعل، وإمّا أن يحصل له الشك، وهو غير قابل للحجية، إذ ليس فيه كاشفية أصلاً، ولا معنى لجعل الحيرة حجةً كما هو واضح، وإمّا أن يحصل له الظن وهو متوسط بينهما، فانّ الحجية ليست ذاتية له كالقطع، ولا يمتنع جعله حجةً كالشك، فان قام دليل على اعتباره يلحق بالقطع ويكون قطعاً تعبّدياً تنزيلياً، وإلاّ فيلحق بالشك ويجري في مورده الأصل العملي، فالتقسيم المذكور في كلام الشيخ (قدس سره) إنّما هو في رتبة سابقة على الحكم، باعتبار أنّ المكلف الملتفت لا يخلو من هذه الأحوال ليتميز الموضوع في الأبحاث الثلاثة الآتية.

 وبعد البحث والتحقيق يظهر: أنّ الظن يلحق بالقطع تارةً وبالشك اُخرى، فأين التداخل في الأحكام ؟ ونظير المقام ما إذا قيل: الانسان إمّا مسلم وإمّا مشرك وإمّا أهل الكتاب. أمّا المسلم فلا إشكال في عدم جواز الحرب معه، وأمّا المشرك فلا إشكال في جواز الحرب معه، وأمّا أهل الكتاب فيلحق بالمسلم تارةً كما إذا وفوا بالمعاهدة التي بينهم وبين المسلمين من إعطاء الجزية وغيرها، ويلحق بالمشرك اُخرى كما إذا خالفوا المعاهدة، فهل في هذا التقسيم قبل بيان الحكم تداخل ؟ والمقام من هذا القبيل بعينه.
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net