الأمر الثاني : حصر الاُصول العملية ومواردها في أربعة 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 8245


 الأمر الثاني: أنّ الاُصول العملية التي هي المرجع عند الشك منحصرة في أربعة: وهي البراءة والاحتياط ـ وقد يسمّى بأصالة الاشتغال أو قاعدة الاشتغال ـ والاستصحاب والتخيير. وهذا الحصر استقرائي بلحاظ نفس الاُصول وعقلي بلحاظ الموارد.

 أمّا الأوّل: فلأ نّه يمكن بحسب التصور أن يجعل أصل آخر غير الاُصول الأربعة في بعض صور الشك، كما إذا قال المولى: إذا شككت بين الوجوب والاباحة فابن على الاستحباب. أو إذا دار الأمر بين الحرمة والاباحة فابن على الكراهة مثلاً، إلاّ أنّ الاستقراء أثبت انحصار الاُصول في الأربعة.

 وأمّا الثاني: فلأنّ الشك إمّا أن تعلم له حالة سابقة وقد اعتبرها الشارع أو لا، بأن لا تعلم له حالة سابقة أو علمت ولم يعتبرها الشارع، كما إذا كان الشك في بقاء شي ناشئاً من الشك في المقتضي، على القول بالتفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع في جريان الاستصحاب، وكذا على غيره من التفصيلات المذكورة في بحث الاستصحاب. والأوّل ـ أي الشك الذي علمت له حالة سابقة واعتبرها الشارع ـ مجرىً للاستصحاب، سواء كان الشك في التكليف أو في المكلف به، وأمكن الاحتياط أم لم يمكن. والثاني ـ أي الشك الذي لم يعتبر الشارع حالته السابقة، سواء كانت له حالة سابقة معلومة ولم يعتبرها الشارع أو لم تكن ـ فإن كان الشك في أصل التكليف كان مجرى للبراءة، وإن كان الشك في المكلف به مع العلم بأصل التكليف، فإن أمكن الاحتياط فهو مجرى لقاعدة الاشتغال، كما في موارد دوران الأمر بين القصر والتمام، وإن لم يمكن

ــ[289]ــ

الاحتياط كما في دوران الأمر بين المحذورين، فهو مورد لقاعدة التخيير، هذا كلّه في الحكم التكليفي. وكذا الحال عند الشك في الحكم الوضعي، فيجري فيه جميع ما ذكرناه في الحكم التكليفي بناءً على كون الحكم الوضعي أيضاً مجعولاً مستقلاً كما هو الصحيح ـ على ما سنتكلّم فيه في بحث الاستصحاب(1) إن شاء الله تعالى ـ وإن كان بعض أقسامه منتزعاً من التكليف كالشرطية والجزئية للمأمور به.

 وبالجملة: لا فرق بين الحكم التكليفي والوضعي من حيث تقسيم الشك فيه إلى الأقسام الأربعة، وجريان الأصل العملي فيه.

 ثمّ إنّ عدم ذكر أصالة الطهارة عند الشك في النجاسة في علم الاُصول إنّما هو لعدم وقوع الخلاف فيها فانّها من الاُصول الثابتة بلا خلاف فيها، ولذا لم يتعرّضوا للبحث عنها في علم الاُصول، لا لكونها خارجة من علم الاُصول وداخلة في علم الفقه على ما توهّم.

 وخلاصة القول: أنّ أصالة الطهارة عند الشك في النجاسة بمنزلة أصالة الحل عند الشك في الحرمة، فكما أنّ البحث عن الثانية داخل في علم الاُصول باعتبار ترتب تعيين الوظيفة الفعلية عليه، كذلك البحث عن الاُولى أيضاً داخل في علم الاُصول لعين المـلاك المذكور، غاية الأمر أنّ مفاد أصالة الحل هو الحكم التكليفي، ومفاد أصالة الطهارة هو الحكم الوضعي، ومجرّد ذلك لايوجب الفرق بينهما من حيث كون البحث عن إحداهما داخلاً وعن الاُخرى خارجاً عنه.

 وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) من أنّ الوجه لعدم التعرّض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الجزء الثالث من هذا الكتاب ص 92 وما بعدها.

ــ[290]ــ

لأصالة الطهارة في علم الاُصول عدم اطرادها في جميع أبواب الفقه، واختصاصها بباب الطهارة(1) فغير تام، لأنّ المـيزان في كون المسـألة اُصولية هو أن تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي، ولا يعتبر جريانها في جميع أبواب الفقه، وإلاّ لخرجت جملة من المباحث الاُصولية عن علم الاُصول، لعدم اطرادها في جميع أبواب الفقه، كالبحث عن دلالة النهي عن العبادة على الفساد فانّه غير جار في غير العبادات من سائر أبواب الفقه.

 وقد يتخيّل: أنّ الوجه في عدم ذكر أصالة الطهارة في علم الاُصول أنّ الطهارة والنجاسـة من الاُمور الواقعية، فدائماً يكون الشك فيهما من الشبهة المصـداقية، إذ بعد كونهما من الاُمـور الواقعية لا من الأحكام الشرعية كان الشك فيهما شكاً في الانطباق، فتكون الشبهة مصداقية. ومن الواضح أنّ البحث عن الشبهات الموضوعية لا يكون من المسائل الاُصولية، لأنّ المسألة الاُصولية ما تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الكلّي كما تقدّم مراراً.

 وفيه: أ نّه إن اُريد من كونهما من الاُمور الواقعية أ نّهما ناشئان من المصلحة والمفسدة الواقعيتين، وليستا من الأحكام الجزافية المجعولة بلا لحاظ مصلحة أو مفسدة، فالشك في نجاسة شيء وطهارته يرجع إلى الشك في المنشأ الذي هو من الاُمور الواقعية، فهذا وإن كان صحيحاً، إلاّ أ نّه لا يوجب كون الشك فيهما من الشبهة المصداقية، وإلاّ لزم كون الشك في جميع الأحكام الشرعية من الشبهة المصداقية، لأنّ جميع الأحكام ناشئ من المصالح والمفاسد النفس الأمرية الموجودة في متعلقاتها على ما هو المشهور أو في نفسها، والشك فيها يستلزم الشك في منشئها، فيلزم كون الشبهة مصداقية عند الشك في جميع الأحكام الشرعية، وهذا ممّا نقطع بفساده بالضرورة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 337.

ــ[291]ــ

 وإن اُريد أ نّهما ليستا من الأحكام بل من قبيل الخواص والآثار، كخواص الأدوية التي لا يعرفها إلاّ الأطباء، فالطهارة والنجاسة أيضاً من هذا القبيل، ولا يعرفهما إلاّ الشارع العالم بجميع الأشياء وخواصّها.

 ففيه أوّلاً: أ نّه خلاف ظواهر الأدلة، فانّ الظاهر منها أ نّهما حكمان مجعولان كسائر الأحكام الوضعية والتكليفية، وأنّ الشارع قد حكم بهما بما أ نّه شارع لا أ نّه أخبر بهما بما أ نّه من أهل الخبرة وأ نّه العارف بخواصّ الأشياء، ولعل هذا واضح.

 وثانياً: أ نّه لو سـلّمنا كونهما من قبيل الخواص والآثار وقد أخبر بهما الشارع، لا نسلّم كون الشك فيهما من الشبهة المصداقية، لأنّ الميزان في كون الشبهة مصداقية أن يكون المرجع فيها هو العرف لا الشارع، كما أنّ الأمر في الشبهة الحكمية بعكس ذلك، إذ المرجع الوحيد في الشبهة الحكمية هو الشارع ولا إشكال في أنّ المرجع عند الشك في نجاسة شيء وطهارته ـ كالعصير العنبي بعد الغـليان، وكعرق الجنب من الحرام، وعرق الإبل الجلاّل ونحوها ـ هو الشارع ليس إلاّ، فكونهما من قبيل الخواص والآثار لا يجعل الشك فيهما من الشبهة المصداقية بعد الاعتراف بأنّ بيانهما من وظائف الشارع ولا يعلمهما إلاّ هو.

 فتحصّل: أنّ البحث عن أصالة الطهارة من المسائل الاُصولية، والوجه في عدم التعرّض له في علم الاُصول هو ما ذكرناه من كونها من الاُمور المسلّمة التي لا نزاع فيها ولا خلاف.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net