تنبيهات \ التنبيه الأوّل : اختلاف الاُصول الجارية في أطراف العلم الاجمالي 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4183

 

تنبيهات:

التنبيه الأوّل

 أنّ الأصل الجـاري في أحد طرفي العلم الاجمالي إمّا أن يكون من سنخ الأصل الجاري في الطرف الآخر، أو يكون مغايراً له. وعلى الأوّل إمّا أن يكون أحد الطرفين مختصاً بجريان أصل طولي فيه دون الآخر، أو لا يكون كذلك، فهذه هي أقسام ثلاثة:

 أمّا القسم الأوّل: وهو ما كان الأصل الجاري في طرف من سنخ الأصل الجاري في الطرف الآخر، مع اختصاص أحدهما بأصل طولي، كما إذا علم إجمالاً بوقوع نجاسة في الماء أو على الثوب فانّ الأصل الجاري في كل منهما مع قطع النظر عن العلم الاجمالي هو أصالة الطهارة. ولا إشكال في سقوطها وعدم جريانها في كل من الطرفين لما تقدّم، فلا يجوز التوضي بالماء ولا لبس الثوب في الصلاة، إلاّ أنّ العلم بالنجاسة لا أثر له في حرمة لبس الثوب، بل يجوز

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 405 ـ 406.

ــ[417]ــ

لبسه مع العلم التفصيلي بالنجاسة، فيبقى شرب الماء محتمل الحرمة والحلية، لاحتمال نجاسته، فهل تجري فيه أصالة الحل أو تسقط بالعلم الاجمالي كسقوط أصالة الطهارة؟ وجهان.

 ذهب المحقق النائيني (قدس سره)(1) إلى سقوطها للمعارضة بالأصل الجاري في الطرف الآخر وإن كان واحداً، فالتزم بعدم جواز شرب الماء في المثال لعدم المؤمّن من احتمال العقاب عليه.

 ولكنّ التحقيق جريانها وعدم معارضتها بأصالة الطهارة في الطرف الآخر، وذلك لما
عرفت (2) من أنّ العلم الاجمالي بالتكليف لا يوجب تنجّز الواقع إلاّ بعد تساقط الاُصول في أطرافه، فإذا كان الأصل الجاري في الطرفين من سنخ واحد كأصالة الطهارة في المثال المذكور، فلا مناص من القول بعدم شموله لكلا الطرفين لاستلزامه الترخيص في المعصية، ولا لأحدهما لأ نّه ترجيح بلا مرجّح. وأمّا الأصل الطولي المختص بأحد الطرفين، فلا مانع من شمول دليله للطرف المختص به، إذ لا يلزم منه ترجيح من غير مرجّح، لعدم شمول دليله للطرف الآخر في نفسه.

 وبعبارة اُخرى: أنّ دليل أصالة الطهارة ـ بعد العلم بعدم شموله لكلا الطرفين على ما تقدّم بيانه ـ نعلم بتخصيصه، فلا بدّ من رفع اليد عنه إمّا في كلا الطرفين أو في أحدهما، وحيث إنّ الثاني مستلزم للترجيح بلا مرجّح فتعيّن الأوّل. وأمّا دليل أصالة الحل، فهو بعمومه لا يشمل إلاّ أحد الطرفين من أوّل الأمر، فلا موجب لرفع اليد عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 3: 423، فوائد الاُصول 4: 48 و 49.

(2) في ص 404.

ــ[418]ــ

 وهذا أحد الموارد التي يرجع فيها إلى الأصل المحكوم بعد سقوط الأصل الحاكم، ونظير ذلك في الفروع الفقهية كثير منها: ما لو علم بنجاسة شيء في زمـان وطهـارته في زمان آخر وشكّ في المتقـدم منهما، فانّه بعد تساقط الاستصحابين بالمـعارضة يرجع إلى قاعدة الطهارة. ومنها: ما إذا علم حلية شيء في زمان وحرمته في زمان آخر وشكّ في المتقدم منهما، فانّه بعد تساقط الاستصحابين يرجع إلى أصالة الحل، إلى غير ذلك من الموارد التي يرجع فيها إلى الأصل المحكوم بعد سقوط الأصل الحاكم.

 أمّا القسم الثاني: وهو ما إذا كان الأصل الجاري في كل طرف من سنخ الأصل الجاري في الطرف الآخر مع عدم اختصاص أحدهما بأصل طولي، فلا ينبغي الشك في عدم جريان الأصل في شيء منهما، على ما تقدّم بيانه، وهذا القسم يتحقق في موردين: أحدهما: ما إذا لم يكن لشيء من الطرفين أصل طولي، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الثوبين فانّ الأصل الجاري في كل منهما مع قطع النظر عن العلم الاجمالي هي أصالة الطهارة فتسقط فيهما. ثانيهما: ما إذا كان الأصل الطولي مشتركاً فيه بين الطرفين، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الماءين، فانّ الأصل الجاري في كل منهما ابتداءً هي أصالة الطهارة، وبعد سقوطها تصل النوبة إلى أصالة الحل في الطرفين، والعلم الاجمالي كما يوجب تساقط الأصلين الحاكمين كذلك يوجب تساقط الأصلين المحكومين أيضاً بملاك واحد، وهو كون جريان الأصل في الطرفين مستلزماً للترخيص في المعصية، وفي أحدهما ترجيحاً بلا مرجح.

 وأمّا القسم الثالث: وهو ما إذا كان الأصل الجاري في أحد الطرفين مغايراً في السنخ للأصل الجاري في الطرف الآخر، فإن لم يكن أحد الطرفين مختصاً بأصل طولي، فلا إشكال في عدم جواز الرجوع إلى الأصل في كلا الطرفين،

ــ[419]ــ

ولا في أحدهما، للزوم الترخيص في المعصية أو الترجيح بلا مرجّح.

 وأمّا إن كان أحدهما مختصاً بأصل طولي، فهو يتصوّر بصورتين:

 الصورة الاُولى: ما إذا كان الأصل الطولي فيها موافقاً في المؤدى مع الأصل الجاري في مرتبة سابقة عليه.

 الصورة الثانية: ما كان الأصل الطولي فيها غير موافق للمؤدى مع الأصل الجاري في رتبة سابقة عليه.

 أمّا الصورة الاُولى: كما إذا علمنا بنجاسة أحد الماءين أو غصبية الآخر، فانّ الأصل الجاري في محتمل النجاسة هو أصالة الطهارة، وفي محتمل الغصبية هي أصالة الحل، وفي فرض سقوط أصالة الطهارة في محتمل النجاسة تصل النوبة إلى أصالة الحل، ففي مثل ذلك كان العلم الاجمالي منجّزاً للواقع، لأنّ الأصلين الجاريين في الطرفين وإن كانا مختلفين، إلاّ أنّ العلم الاجمالي بوجود الحرام في البين مانع عن الرجوع إلى الأصل، باعتبار أنّ الترخيص في كلا الطرفين ترخيص في مخالفة التكليف الواصل، وفي أحدهما ترجيح بلا مرجّح، بلا فرق في ذلك بين أن يكون الأصل من الاُصول الحاكمة أو الاُصول المحكومة.

 توضيح ذلك: أنّ الأصل الجاري في أحد الطرفين ـ وهو المائع المحتمل غصبيته ـ هو أصالة الحل، والأصل الجاري في الطرف الآخر ـ وهو المائع المحتمل نجاسته ـ هو أصالة الطهارة، ويترتب عليها جواز الشرب. والعلم الاجمالي بوجود الحرام يمنع من جريانهما لا لخصوصية فيهما، بل لأن جريانهما مستلزم للترخيص في المعصية، فكما أنّ أصالة الطهارة المترتب عليها جواز الشرب إذا انضمّت إلى أصالة الحل في الطرف الآخر لزم الترخيص في المعصـية، كذلك أصالة الحل إذا انضمّت إليها أصالة الحل في الطرف الآخر، فإذا علم حرمة أحد المائعين كان الترخيص في كليهما ترخيصاً في المعصية، وفي أحدهما ترجيحاً

ــ[420]ــ

بلا مرجّح، سواء كان الترخيص بلسان الحكم بالطهارة المترتب عليه الحلية أو بلسان الحكم بالحلية من أوّل الأمر.

 وبعبارة اُخرى: الأمر في المقام دائر بين سقوط أصالة الاباحة في محتمل الغصبية، وسقوط أصالة الطهارة وأصالة الاباحة في محتمل النجاسة، وبما أ نّه لا ترجيح في البين يسقط الجميع لا محالة. ومن هذا القبيل ما إذا علم إجمالاً ببولية أحد المائعين أو بتنجس الآخر بنجاسة عرضية، فانّ الأصل الجاري فيما يحتمل نجاسته بالعرض وإن كان هو الاستصحاب، والأصل الجاري في الطرف الآخر هو أصالة الطهارة، إلاّ أ نّه مع ذلك لا مجال لجريان أصالة الطهارة فيما يحتمل نجاسته العرضية بعد سقوط الاستصحاب فيه، لأنّ العلم بالنجس الموجود في البين مانع عن جعل الطهارة الظاهرية في الطرفين بأيّ لسان كان لاستلزامه المخالفة القطعية، وكذا في أحدهما للزوم الترجيح بلا مرجّح.

 وأمّا الصورة الثانية: وهي ما كان الأصل الطولي مخالفاً في المؤدى مع الأصل الجاري في مرتبة سابقة عليه، فيرجع إليه بعد تساقط الاُصول العرضية، بلا فرق بين أن تكون الاُصول العرضية متماثلة أو متخالفة.

 مثال الأوّل: ما إذا علم إجمالاً بزيادة ركوع في صلاة المغرب أو نقصانه في صلاة العشاء بعد الفراغ عنهما، فقاعدة الفراغ في كل من الصلاتين تسقط بالمعارضة، وبعد تساقطهما يرجع إلى استصحاب عدم الاتيان بالركوع المشكوك فيه من صلاة العشاء، فيحكم ببطلانها واستصحاب عدم الاتيان بالركوع الزائد في صلاة المغرب، ويحكم بصحّتها، ولا يلزم محذور المخالفة العملية القطـعية، نعم تلزم المخالفة الالتزامية باعتبار العلم بمخالفة أحد الاستصحابين للواقع، وقد عرفت غير مرّة أنّ الموافقة الالتزامية غير واجبة.

 مثال الثاني: ما إذا علم إجمالاً بنقصان ركعة من صلاة المغرب أو عدم

 
 

ــ[421]ــ

الاتيان بصلاة العصر، فانّ قاعدة الفراغ في صلاة المغرب وقاعدة الحيلولة في صلاة العصر تسقطان للمعارضة، ويرجع إلى استصحاب عدم الاتيان بالركعة المشكوك فيها في صلاة المغرب، فيحكم ببطلانها ووجوب إعادتها، وإلى أصالة البراءة من وجوب قضاء صلاة العصر لما ثبت في محلّه(1) من أنّ الفوت الذي هو الموضوع لوجوب القضاء لا يثبت بأصالة عدم الاتيان.

 وهذا التفصيل الذي ذكرناه من جواز الرجوع إلى الأصل الطولي في بعض الموارد، وعدم جواز الرجوع إليه في بعض الموارد الاُخر، تترتب عليه ثمرات مهمّة في بحث الخلل وفي بحث فروع العلم الاجمالي فانتبه.
 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 16: 78.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net