التنبيه الحادي عشر : جريان الاُصول الطولية في أطراف العلم الاجمالي 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4258


ــ[467]ــ
 

التنبيه الحادي عشر

  قد عرفت أنّ تنجيز العلم الاجمالي فيما إذا كانت الاُصول الجارية في أطرافه عرضية، بمعنى كون جميعها في مرتبة واحدة، كما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الماءين مثلاً وقد تقدّم (1) تفصيل الكلام في مثل ذلك. وأمّا إذا كانت الاُصول طولية، بأن يكون الأصل الجاري في بعض الأطراف في مرتبة لاحقة عن الأصل الجاري في الطرف الآخر، كما لو علم بوقوع نجاسة في الماء أو التراب مع انحصار الطهور بهما، فانّه لو جرت أصالة الطهارة في الماء لا تصل النوبة إلى جريانها في التراب، إذ لا أثر له، لعدم جواز التيمم مع وجود الماء الطاهر، فهل يكون مثل هذا العلم منجّزاً وتتساقط الاُصول في أطرافه، أو يجري الأصل في الماء لتقدّم رتبته على الأصل الجاري في التراب، ولا يكون الأصل الجاري في التراب معارضاً للأصل الجاري في الماء، لعدم كونه في رتبته، فتجري أصالة الطهارة في الماء بلا معـارض؟ وعلى تقدير التساقط فهل يحكم بكون المكلف فاقداً للطهورين، أو بوجوب الجمع بين الوضوء والتيمم عليه تحصيلاً للطهارة اليقينية؟ وجوه.

  والتحقيق أن يقال: إنّ التراب المحتمل نجاسته تارةً لا يكون لطهارته أثر شرعي في عرض الأثر الشرعي لطهارة الماء، وكان الأثر الشرعي لطهارته جواز التيمم فقط الذي ليس في مرتبة طهارة الماء، كما إذا كان التراب مال الغير ولم يأذن في السجدة عليه، أو كان المكلف غير مكلف بالسجدة وكان تكليفه الايماء مثلاً. واُخرى يكون لطهارته أثر آخر غير جواز التيمم، وكان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في أوائل هذا البحث فراجع ص 404 وما بعدها.

ــ[468]ــ

ذلك الأثر في عرض الأثر الشرعي لطهارة الماء، كجواز السجدة عليه.

  أمّا الصورة الاُولى: فلا ينبغي الاشكال في جريان أصالة الطهارة في الماء بلا معارض، لعدم جريانها في التراب لعدم ترتب أثر عليه. وقد ذكرنا (1) أنّ تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على كونه متعلقاً بالتكليف الفعلي على كل تقدير، وهو مفقود في المقام، إذ النجاسة على تقدير وقوعها في التراب لا يترتب عليها عدم جواز التيمم، بل عدم جوازه حينئذ إنّما هو من جهة التمكّن من الماء الطاهر لا من جهة نجاسة التراب. وإن شئت قلت: إنّ النجاسة المعلومة بالاجمال لا يترتب عليها عدم جواز التيمم أصلاً، لأ نّها إن كانت واقعة في الماء فهي مقتضية لجواز التيمم لا لعدم جوازه، وإن كانت واقعة في التراب فعدم جواز التيمم مستند إلى وجود الماء الطاهر لا إلى نجاسة التراب، وعليه فلا تجري أصالة الطهارة في التراب، وتجري في الماء بلا معارض. وبجريانها يرتفع موضوع جواز التيمم وهو عدم التمكن من الماء الطاهر.

  أمّا الصورة الثانية: فجريان أصالة الطهارة في الماء المترتب عليه جواز الوضوء به يعارض بجريانها في التراب المترتب عليه جواز السجدة عليه، وبعد التساقط يكون العلم الاجمالي منجّزاً، وحينئذ لا وجه لادراج المكلف في فاقد الطهورين بل يجب عليه الجمع بين الوضوء والتيمم تحصيلاً للطهارة اليقينية. وما يتصوّر كونه مانعاً عنهما أمران: أحدهما: حرمة التوضي بالماء المتنجس لكونه تشريعاً، وكذلك التيمم بالتراب المتنجس. ثانيهما: احتمال نجاسة بدنه بملاقاة الماء المحتمل كونه نجساً. أمّا الأوّل: فمدفوع بأنّ المكلف يحتاط ويأتي بهما رجاءً فلا تشريع هناك. وأمّا الثاني: فمدفوع بأنّ مجرد الاحتمال ممّا لا بأس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في التنبيه السابق.

ــ[469]ــ

به بعد كونه مورداً لأصالة الطهارة. وسيجيء (1) أنّ الحكم في ملاقي الشبهة المحصورة هو الطهارة.

  فتحصّل: أنّ المتعيّن هو الجمع بين الوضوء والتيمم تحصيلاً للطهارة اليقينية. وبعبارة اُخرى: هناك علمان إجماليان أحدهما العلم الاجمالي بنجاسة الماء أو التراب، والثاني العلم الاجمالي بوجوب الوضوء أو التيمم. ومقتضى العلم الأوّل ليس حرمة الوضوء والتيمم ذاتاً، بل عدم الاجتزاء بكل واحد منهما في مقام الامتثال. ومقتضى العلم الثاني هو الجمع بينهما تحصيلاً لليقين بالطهارة، ولا منافاة بينهما. نعم، يجب تقديم التيمم على الوضوء، لأ نّه مع تقديم الوضوء على التيمم يعلم تفصيلاً بفساد التيمم إمّا من جهة نجاسة التراب على تقدير كون الماء طاهراً، وإمّا من جهة نجاسة محل التيمم على تقدير كون الماء نجساً، بناءً على ما هو المعروف المشهور من اشتراط طهارة المحل في التيمم، وإن لم نجد دليلاً عليه إلى الآن.

  هذا كلّه فيما إذا لم يكن للمعلوم بالاجمال أثر تكليفي، كما في العلم الاجمالي بنجاسة الماء أو التراب، فانّ المترتب على المعلوم بالاجمال هو الحكم الوضعي فقط، وهو عدم صحّة الوضوء أو التيمم. وأمّا إذا كان المترتب على المعلوم بالاجمال حكماً تكليفياً أيضاً، كما إذا علمنا إجمالاً بغصبية الماء أو التراب، فانّ الأثر المترتب على هذا المعلوم بالاجمال ليس الوضع فقط وهو عدم صحّة الوضوء والتيمم، بل له أثر تكليفي أيضاً وهو حرمة التصرّف والاستعمال، فحينئذ يكون المقام من موارد دوران الأمر بين المحذورين، لأ نّا نعلم بحرمة التصرّف في أحدهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في التنبيه اللاّحق.

ــ[470]ــ

وبوجوب استعمال أحدهما، ولا يمكن تحصيل الموافقة القطعية إلاّ مع المخالفة القطعية، إذ في صورة الجمع بين الوضوء والتيمم نقطع بالموافقة من ناحية الوجوب ونقطع بالمخالفـة من ناحية الحرمة. وفي صورة تركهما معاً نقطع بالموافقـة من جهة الحرمة، ونقطع بالمخالفة من جهة الوجوب، فيسقط حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية لاقترانها بالمخالفة القطعية، فلا مناص من الاجتزاء بالموافقة الاحتمالية والاكتفاء بأحدهما، فانّه ليس فيه إلاّ احتمال المخالفة ولا بأس به بعد عدم إمكان الزائد منه. ولا ترجيح للوضوء على التيمم، لأنّ الأصل الجاري في التراب ليس هنا متأخراً عن الأصل الجاري في الماء، لعدم انحصار أثر غصبية التراب في عدم جواز التيمم به. بل يترتب عليها عدم جواز التصرّف فيه مطلقاً كما تقدّم. وليس المقام من باب التزاحم فانّه تابع لوجود الملاكين في الطرفين، بخلاف المقام كما لا يخفى.

  وممّا ذكرناه ظهر حكم صورة ثالثة، وهي العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما أو غصبية الآخر، كما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة الماء أو غصبية التراب، فيجري الكلام السابق من تساقط الاُصول وتنجيز العلم الاجمالي، ودوران الأمر بين المحذورين والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية، إلاّ أ نّه يجب الوضوء في الفرض المذكور، ولا يجوز التيمم بحكم العقل، إذ في الوضوء احتمال الموافقة مع عدم احتمال الحرمة وعدم احتمال العقاب أصلاً، بخلاف التيمم، فانّ فيه احتمال الموافقة مع احتمال الحرمة من جهة احتمال الغصبية، فتعيّن الوضوء بحكم العقل. ولو انعكس الأمر انعكس الحكم، أي لو علمنا إجمالاً بأنّ الماء غصب أو التراب نجس، تعيّن عليه التيمم بحكم العقل لعين ما ذكرناه.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net