الاستدلال بالروايات على قاعدة الميسور 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4705


 وأمّا الروايات التي استدلّ بها على قاعدة الميسور فهي ثلاث روايات:

 الرواية الاُولى: ما رواه أبو هريرة المروية بطرق العامّـة، قال: «خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: أ يُّها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أكلّ عام يا رسول الله ؟ فسكت (صلّى الله عليه وآله) حتّى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لو قلت نعم لوجب، ولما

ــ[553]ــ

استطعتم، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): ذروني ما تركتكم، فانّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»(1). وزاد في الكفاية (2) قوله (صلّى الله عليه وآله) لكفرتم بعد قوله «لما استطعتم» ولم أجده حسب ما راجعت الكتب الحاوية لهذه الرواية (3). وعلى كل تقدير يقع الكلام تارةً في سند هذه الرواية، واُخرى في دلالتها، فيقع الكلام في مقامين:

 أمّا المقام الأوّل: فلا شبهة في أنّ الرواية من المراسيل الضعاف، ولا سيّما أنّ راويها أبو هريرة الذي حاله أظهر من أن يخفى. وقد تصدّى لاثبات كونه متعمداً في الكذب على الرسول (صلّى الله عليه وآله) سماحة السيّد شرف الدين العاملي(4)(قدس سره) ولا سيّما أ نّها غير موجودة في كتب متقدمي الأصحاب، وإنّما رواها المتأخرون نقلاً عن محكي كتاب عوالي اللآلي (5). والكتاب المذكور أيضاً ليس موثوقاً به وقد تصدّى للقدح عليه مَن ليس من عادته القدح في كتب الأخبار كصاحب الحدائق (6) (قدس سره).

 وأمّا دعوى انجبارها بعمل الأصحاب فمدفوعة أوّلاً: بعدم ثبوت استناد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار 22: 31.

(2) كفاية الاُصول: 371.

(3) هذه الزيادة رويت في بحار الأنوار 22: 31 ومجمع البيان 2: 250 في ذيل الآية 101 من سورة المائدة.

(4) في كتابه المسمّى بـ «أبو هريرة».

(5) عوالي اللآلي 4: 58 / ح 206.

(6) الحدائق الناضرة 1: 99.

ــ[554]ــ

الأصحاب إليها في مقام العمل، ومجرد موافقة فتوى الأصحاب لخبر ضعيف لا يوجب الانجبار ما لم يثبت استنادهم إليه، ولم يعلم من الأصحاب العمل بقاعدة الميسور إلاّ في الصلاة، وفيها دليل خاص دلّ على عدم جواز تركها بحال، فلم يعلم استنادهم إلى الرواية المذكورة. وثانياً: بأنّ مجرّد عمل الأصحاب لايوجب الانجبار بعد كون الخبر في نفسه ضعيفاً غير داخل في موضوع الحجّية على ما ذكرناه في محلّه (1).

 هذا، مضافاً إلى أ نّه في صحيح النسائي مروي بوجه آخر لا يدل على المقام أصلاً، وهو قوله (صلّى الله عليه وآله): «فإذا أمرتكم بشيء فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»(2) ومن المعلوم أنّ كلمة «ما» في هذه الرواية ظاهرة في كونها زمانية، فمفاد الرواية هو وجوب الاتيان بالمأموربه عند الاستطاعة والقدرة، وهذا المعنى أجنبي عن المقام. وتوهّم أنّ اختلاف الطريقين لايضر بالاستدلال بعد كون أحدهما منجبراً بالشهرة عند الأصحاب دون الآخر مدفوع بأنّ الرواية كما نقلت في كتب العامّة بوجهين كذلك نقلت في كتب الخاصّة أيضاً بوجهين، فانّ الموجود في باب صلاة العراة من البحار(3)«فائتوا به ما استطعتم» فلا وجه لدعوى انجبار أحد الطريقين، فالمنجبر على تقدير التسليم إنّما هو إحدى الروايتين إجمالاً، فلا يصحّ الاستدلال بخصوص إحداهما مع عدم ثبوت انجبارها.

 وأمّا المقام الثاني: فتوضيح الكلام فيه أنّ محتملات الرواية ثلاثة:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 235، 281.

(2) سنن النسائي 5: 110 و 111 / كتاب الحج ب 1 ح 1.

(3) بحار الأنوار 83: 214.

ــ[555]ــ

 الاحتمال الأوّل: أن تكون كلمة «ما» موصولة ومفعولاً لقوله «فائتوا» وكلمة «من» تبعيضية متعلقة بـ «ما استطعتم»، فيكون مفاد الرواية وجوب الاتيان بما هو المقدور من أجزاء المأمور به وشرائطه. والاستدلال بالرواية على المقام مبني على هذا المعنى، ولكنّه على تقدير تسليم ظهور الجملة فيه في نفسها لا يمكن الالتزام به، لعدم انطباقه على المورد أوّلاً، فانّ الذي يعلم بعدم قدرته على الطواف أو بعض الأعمال الاُخر من مناسك الحج، لا يجب عليه الاتيان بالبقية اتفاقاً، ولعدم مناسبته للسؤال الذي وقع هذا الكلام في جوابه ثانياً، فانّ السؤال إنّما هو عن وجوب الحج في كل سنة، ولا يناسبه الجواب بوجوب الاتيان بما هو مقدور من أجزاء المركب وشرائطه.

 الاحتمال الثاني: أن تكون كلمة «ما» موصولة وكلمة «من» بيانية، فيكون حاصل المعنى أ نّه إذا أمرتكم بطبيعة فائتوا ما استطعتم من أفرادها، ولا يبعد أن تكون كلمة «من» إذا كانت بيانية متحدة في المعنى معها إذا كانت تبعيضية، غاية الأمر أ نّه تختلف مصاديق التبعيض باختلاف الموارد، فانّ الفرد بعض الطبيعة كما أنّ الجزء بعض المركب، فكما أنّ كلمة «من» في قولنا: اشتريت من البستان نصفه مستعملة في التبعيض، كذلك في قولنا: لا أملك من البستان إلاّ واحداً، وعليه فكلمة «من» في كلا الاحتمالين مستعملة في التبعيض. وهذا المعنى الذي لا يتم معه الاستدلال بالرواية على المقام وإن كان وجيهاً في نفسه، إلاّ أ نّه أيضاً لا ينطبق على المورد، لعدم وجوب الاتيان بما هو مقدور من أفراد الحج في كل سنة بلا خلاف بين المسلمين إلاّ ما شذّ، بل هو خلاف ظاهر نفس الرواية، فانّها ظاهرة أو صريحة في عدم وجوبه في كل سنة، فلاحظ قوله (صلّى الله عليه وآله): «لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم»، فلا يمكن حمل الرواية على هذا المعنى أيضاً.

ــ[556]ــ

 الاحتمال الثالث: أن تكون كلمة «من» زائدة كما في قوله تعالى: (قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)(1) أو تكون للتعدية بمعنى الباء وكلمة «ما» مصدرية زمانية، فيكون حاصل المعنى أ نّه إذا أمرتكم بشيء فائتوا به حين استطاعتكم، فلا يستفاد من الرواية إلاّ اشتراط التكليف بالقدرة الساري في جميع التكاليف الشرعية. وهذا المعنى ممّا لا مناص من الالتزام به بعد عدم إمكان الالتزام بالاحتمالين الأوّلين، وعليه فلا مجال للاستدلال بالرواية على قاعدة الميسور.

 الرواية الثانية: هي المرسلة المحكية عن كتاب العوالي أيضاً عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أ نّه قال: «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (2) وتقريب الاستدلال بها أنّ لفظة كل المذكورة في الرواية مرّتين أمرها دائر بحسب مقام التصوّر بين صور أربع: الاُولى: أن يكون المراد بها في كلتا الفقرتين العموم الاستغراقي. الثانية: أن يكون المراد بها فيهما العموم المجموعي. الثالثة: أن يكون المراد بها في الفقرة الاُولى العموم الاستغراقي وفي الثانية العموم المجموعي. الرابعة: عكس الثالثة.

 أمّا الصورة الاُولى والثانية فلا يمكن الالتزام بهما، إذ لا يعقل الحكم بوجوب الاتيان بكل فرد فرد، مع تعذّر الاتيان بكل فرد فرد. وكذا الحكم بوجوب الاتيان بالمجموع مع تعذّر الاتيان بالمجموع. وكذا لايمكن الالتزام بالصورة الثالثة إذ لايعقل وجوب الاتيان بالمجموع مع تعذّر الاتيان بكل فرد فرد، فتعيّن الالتزام بالصورة الرابعة، فيكون المراد النهي عن ترك الجميع عند تعذّر المجموع، فيكون 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النور 24: 30.

(2) عوالي اللآلي 4: 58 / ح 207.

ــ[557]ــ

مفاد الرواية أ نّه إذا تعذّر الاتيان بالمجموع لا يجمع في الترك، بل يجب الاتيان بغير المتعذر، وهذا المعنى يشمل الكلّي الذي له أفراد متعددة تعذّر الجمع بينها، والكل الذي له أجزاء مختلفة الحقيقة قد تعذّر بعضها، لأنّ العام إذا لوحظ بنحو العموم المجموعي لايفترق الحال بين كون أجزائه متفقة الحقيقة أو مختلفة الحقيقة. وعليه فكلّما كان الواجب ذا أفراد أو ذا أجزاء وجب الاتيان بغير المتعذر من أفراده أو أجزائه.

 ولا يخفى أ نّه لا يفترق الحال في الاستدلال بهذه الرواية بين أن تكون «لا» في قوله (عليه السلام) «لا يترك» ناهية والجملة إنشائية، أو تكون نافية والجملة خبرية اُريد بها الانشاء والطلب، فانّه كثيراً ما يعبّر عن المطلوب بلفظ الخبر رغبة في وقوعه. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بهذه الرواية.

 واستشكل صاحب الكفاية (1) (قدس سره) على الاستدلال بها بأنّ ظهور النهي في التحريم يعارضه إطلاق الموصول الشامل للمستحبات أيضاً، وحيث إنّه لا مرجح لأحدهما على الآخر لا يستفاد منها إلاّ رجحان الاتيان بما هو المقدور دون وجوبه.

 وفيه أوّلاً: ما ذكرناه في مباحث الألفاظ (2) من أنّ الوجوب ليس داخلاً في مفهوم الأمر، ولا الحرمة داخلة في مفهوم النهي، فانّ مفهوم الأمر هو الطلب والوجوب إنّما هو بحكم العقل، فانّ العقل بعد صدور الطلب من المولى يحكم بلزوم إطاعة المولى، ويرى العبد مستحقاً للعقاب على ترك ما أمر المولى بفعله وهذا هو معنى الوجوب. وكذا الحرمة إنّما هي بحكم العقل بلزوم الاطاعة وكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 372.

(2) محاضرات في اُصول الفقه 1: 481 ـ 483.

ــ[558]ــ

العبد مستحقاً للعقاب على فعل ما نهى المولى عنه، فلم يستعمل الأمر في موارد الوجوب والاستحباب إلاّ في معنى واحد، إنّما التفاوت بينهما في ثبوت الترخيص في الترك من قبل المولى وعدمه. فعلى الأوّل لم يبق مجال لحكم العقل بلزوم الاتيان بالفعل، فكان الفعل راجحاً مع الترخيص في تركه، وهذا هو معنى الاستحباب. وعلى الثاني يحكم العقل بلزوم الاتيان بالفعل جريا على قانون العبودية، وهذا معنى الوجوب.

 وكذا الحال في النهي، فانّ المستعمل فيه في موارد الحرمة والكراهة شيء واحد إنّما التفاوت بينهما في ثبوت الترخيص من قبل المولى على الفعل وعدمه فعلى الأوّل كان الفعل مكروهاً، وعلى الثاني حراماً بحكم العقل.

 فتحصّل: أنّ شمول الموصول للمستحبات لا ينافي ظهور النهي في التحريم، لأنّ الترخيص بترك المقدور من أجزائها لا ينافي حكم العقل بلزوم الاتيان بالمقدور من أجزاء الواجب بعد عدم ثبوت الترخيص في تركها.

 وثانياً: أنّ رجحان الاتيان بغير المتعذر من أجزاء الواجب يستلزم وجوبه لعدم القول بالفصل، فانّ الأمر دائر بين كونه واجباً أو غير مشروع، فرجحانه مستلزم لوجوبه كما هو ظاهر.

 والتحقيق في الجواب ـ مضافاً إلى كون الرواية ضعيفة غير منجبرة على ما تقدّم بيانه (1) ـ أن يقال: إنّ أمر الرواية دائر بين حملها على تعذّر الاتيان بمجموع أجزاء المركب مع التمكن من بعضها، ليكون الوجوب المستفاد منها مولوياً، وبين حملها على تعذّر بعض أفراد الواجب مع التمكن من البعض الآخر، ليكون الوجوب إرشادياً إلى حكم العقل بعدم سقوط واجب بتعذّر غيره

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 553.

ــ[559]ــ

وحيث إنّه لا جامع بين الوجوب المولوي والارشادي لتكون الرواية شاملة لهما، ولا قرينة على تعيين أحدهما، فتكون الرواية مجملةً غير قابلة للاستدلال بها.

 هذا، وقد ذكرنا في الدورة السابقة إشكالاً آخر على الاستدلال بها: وهو أ نّه لو حملنا الرواية على تعذّر مجموع المركب مع التمكن من بعض أجزائه، لزم تقييدها بما إذا كان المتمكن منه معظم الأجزاء، إذ لو كان المتعذر هو معظم الأجزاء لا يجب الاتيان بالباقي بلا خلاف وإشكال، والتقييد خلاف الأصل، فالمتعيّن حملها على تعذّر بعض أفراد الواجب مع التمكن من بعض آخر لعدم لزوم التقييد فيه.

 ولكن الانصاف أنّ هذا الاشكال غير وارد عليه، بناءً على كون المراد من الموصول هو الجامع بين الكل والكلّي، كما هو مبنى الاستدلال، إذ المفروض دخول الكلّي الذي تعذّر بعض أفراده في الموصول، سواء كان المتعذر معظم الأفراد والمتمكن منه أقلّها أو بالعكس، فلا دوران بين التقييد وعدمه ليترجح الثاني على الأوّل. نعم، لو كان الاستدلال مبنياً على حمل الرواية على خصوص تعذّر المركب دون الجامع بينه وبين الكلّي كان للاشكال المذكور وجه.

 إن قلت: ظهور الأمر في المولوية يعيّن احتمال تعذّر بعض أجزاء المركب، فلم يبق إجمال في الرواية.

 قلت: هذا إنّما يصح فيما إذا علم متعلق الأمر وشكّ في كونه مولوياً أو إرشادياً. وأمّا إذا دار الأمر بين تعلّقه بما لا يصح تعلقه به إلاّ إرشادياً، وبين تعلّقه بما يكون تعلّقه به مولوياً، فلا ظهور للأمر في تعيين متعلقه، إذ ليس ظهور الأمر في المولوية ظهوراً وضعياً ليكون قرينة على تعيين المتعلق، بل هو ظهور مقامي ناشئ عن كون المتكلم في مقام الجعل والتشريع، فلا يصلح للقرينية على تعيين المتعلق.

ــ[560]ــ

 الرواية الثالثة: هي المرسلة المنقولة عن كتاب العوالي أيضاً عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أ نّه قال: «الميسور لايسقط بالمعسور»(1) وهي كسابقتها من حيث السند، فيجري فيها جميع ما ذكرناه في الرواية السابقة من المناقشات السندية ولا حاجة إلى الاعادة (2). وأمّا من حيث الدلالة فتحقيق الكلام فيها يتوقف على بيان المحتملات، وهي اُمور:

 الأوّل: أن تكون كلمة «لا» نهياً ابتداءً، وعليه فيجري جميع ما ذكرناه من إجمال الرواية وعدم ظهور النهي في كونه مولوياً أو إرشادياً، وعدم صحّة إرادة الجامع. وكذا يجري ما ذكره صاحب الكفاية من الاشكال، وهو أنّ شمول الميسور للمستحبات مانع عن التمسك بها على وجوب الباقي من أجزاء المأموربه. وقد عرفت جوابه أيضاً فلا حاجة إلى الاعادة (3).

 ولكن التحقيق عدم إمكان الالتزام بهذا الاحتمال، لأنّ النهي سواء كان مولوياً أو إرشادياً لا بدّ من أن يتعلّق بفعل المكلف، وما هو تحت قدرته واختياره وجوداً وعدماً، وسقوط الواجب عن ذمّة المكلف كثبوته بيد الشارع، وليس مقدوراً للمكلف، فلا معنى للنهي عنه ولو إرشادياً.

 الثاني: أن تكون الجملة خبرية قصد بها الانشاء، فالجملة وإن كانت خبرية ونافية بحسب الصورة اللفظية، إلاّ أ نّها إنشائية بحسب اللبّ والمعنى.

 وهذا الاحتمال أيضاً ساقط لعين ما ذكرناه في الاحتمال الأوّل، فانّه لا فرق بينهما إلاّ بحسب الصورة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عوالي اللآلي 4: 58 / ح 205 (باختلاف يسير).

(2) راجع ص 553.

(3) راجع ص 557 ـ 558.

 
 

ــ[561]ــ

 الثالث: أن تكون الجملة خبرية محضة اُريد بها الاخبار عن عدم سقوط الواجب والمستحب عند تعذّر بعض أجزاء المركب أو تعذّر بعض أفراد الطبيعة أو عدم سقوط وجوبه أو استحبابه، فانّ السقوط والثبوت كما يصحّ إسنادهما إلى الحكم، كذلك يصحّ إسنادهما إلى الواجب والمستحب أيضاً، فكما يقال سقط الوجوب عن ذمّة المكلف أو ثبت في ذمّته، كذلك يصح أن يقال سقط الواجب أو ثبت في ذمّته. وكيف كان، فالرواية على هذا الاحتمال تدل على بقاء الحكم أو متعلقه في ذمّة المكلف عند تعذّر بعض الأجزاء أو بعض الأفراد، بل نسب إلى الشيخ الكبير كاشف الغطاء (1) (قدس سره) دلالتها على وجوب المرتبة النازلة من الشيء إذا تعذّرت المرتبة العالية منه فيما إذا عدّت المرتبة النازلة ميسورة من المرتبة العالية بنظر العرف، فاذا تعذّر الايماء بالرأس والعين للسجود على ما هو المنصوص يجب الايماء باليد لقاعدة الميسور، باعتبار أنّ الايماء باليد مرتبة نازلة من الايماء بالنسبة إلى الايماء بالرأس والعين، هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بالرواية للمقام.

 ولكن التحقيق عدم تمامية الاستدلال المذكور، لأنّ السقوط فرع الثبوت، وعليه فالرواية مختصّة بتعذّر بعض أفراد الطبيعة باعتبار أنّ غير المتعذر منها كان وجوبه ثابتاً قبل طروء التعذر، فيصدق أ نّه لا يسقط بتعذّر غيره، بخلاف بعض أجزاء المركب، فانّه كان واجباً بوجوب ضمني قد سقط بتعذّر المركب من حيث المجموع، فلو ثبت وجوبه بعد ذلك، فهو وجوب استقلالي وهو حادث، فلا معنى للإخبار عن عدم سقوطه بتعذّر غيره. وكذلك الحال في المرتبة النازلة، فانّ وجوبها لو ثبت بعد تعذّر المرتبة العالية لكان وجوباً حادثاً جديداً لايصحّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كشف الغطاء: 241.

ــ[562]ــ

التعبير عنه بعدم السقوط، فارادة معنى عام من الرواية شامل لموارد تعذّر بعض الأفراد، وموارد تعذّر بعض الأجزاء، وموارد تعذّر المرتبة العالية، تحتاج إلى عناية لا يصار إليها إلاّ بالقرينة.

 فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام: عدم تمامية قاعدة الميسور، ووجوب الاتيان بالميسور من الأجزاء عند تعذّر بعضها. نعم، لا نضايق عن وجوب الاتيان بغير المتعذر من الأجزاء في بعض موارد مخصوصة لأجل أدلة خاصّة، كما في الصلاة، فانّها لا تسقط بحال بمقتضى الاجماع والروايات (1) على ما ذكر في محلّه.
 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم ما ينفع المقام في ص 310 فراجع.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net