الجهة الاُولى : بيان سند الروايات ومتنها 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4286


ــ[600]ــ
 

[ قاعدة لا ضرر ]

خـتام:

 نتعرّض فيه لبيان قاعدة لا ضرر، تبعاً لشيخنا الأنصاري(1) وصاحب الكفاية(قدس سره)(2) وتحقيق الكلام في هذه القاعدة يستدعي البحث في جهات:

 الجهة الاُولى: في بيان سند الروايات الواردة فيها ومتنها.

 أمّا السند: فلا ينبغي التأمّل في صحّته، لكونها من الروايات المستفيضة المشتهرة بين الفريقين حتّى ادّعى فخر المحققين في باب الرهن من الايضاح تواترها(3)، والسند في بعض الطرق صحيح أو موثق، فلو لم يكن متواتراً مقطوع الصدور فلا أقل من الاطمئنان بصدورها عن المعصوم (عليه السلام) فلا مجال للاشكال في سندها.

 وأمّا المتن: فقد نقلها الخاصّة على ثلاثة وجوه:

 الأوّل: ما اقتصر فيه على هاتين الجملتين «لا ضرر ولا ضرار» بلا زيادة شيء كما في حديث ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قضيّة سمرة بن جندب(4)، وكما في حديث عقبة بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قضاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين أهل البادية «أ نّه لا يمنع فضل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 533.

(2) كفاية الاُصول: 380.

(3) إيضاح الفوائد 2: 48.

(4) الوسائل 25: 428 / كتاب إحياء الموات ب 12 ح 3.

 
 

ــ[601]ــ

ماء ليمنع به فضل كلاء» (1). وما رواه عقبة بن خالد أيضاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال (عليه السلام): «قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال (صلّى الله عليه وآله): لا ضرر ولا ضرار» (2) وكذا رواها القاضي نعمان المصري في كتاب دعائم الاسلام (3).

 الثاني: ما زيد فيه على الجملتين كلمة «على مؤمن» كما في حديث ابن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قضيّة سمرة بن جندب (4).

 الثالث: ما زيد فيه على الجملتين كلمة «في الاسلام»، كما في رواية الفقيه في باب ميراث أهل المـلل (5)، وقد حكيت بهذه الزيادة عن تذكرة العلاّمة (قدس سره) مرسلة (6)، وكذلك عن كتاب مجمع البحرين (7) هذا كلّه من طرق الخاصّة. وأمّا العامّة فرووها بطرق متعددة كلّها بلا زيادة(8)، إلاّ رواية ابن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25: 420 / كتاب إحياء الموات ب 7 ح 2.

(2) الوسائل 25: 399 / كتاب الشفعة ب 5 ح 1.

(3) رواه في الدعائم بلفظ «لا ضرر ولا إضرار» ورواه عنه في المستدرك بلفظ «لا ضرر ولا ضرار». دعائم الاسلام 2: 499/ ح 1781 و504/ ح 1805، مستدرك الوسائل 17: 118 / كتاب إحياء الموات ب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل 25: 429 / كتاب إحياء الموات ب 12 ح 4.

(5) الفقيه 4: 243 / ح 777 وفيه: لا ضرر ولا إضرار، الوسائل 26: 14 / أبواب موانع الارث ب 1 ح 10.

(6) تذكرة الفقهاء 1: 522 / خيار الغبن.

(7) مجمع البحرين 3: 373 مادّة ضرر.

(8) سنن ابن ماجه 2: 784 / ح 2340 و 2341، سنن الدارقطني 4: 227 / ح 83 ـ 85، مسند أحمد 6: 446 و 447 / ح 22272.

ــ[602]ــ

الأثير في النهاية، ففيها زيادة لفظ «في الاسلام» (1).

 ثمّ اعلم أ نّه لا معارضة بين الروايات من جهة الزيادة والنقيصة، لصدور هاتين الجملتين عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في موارد متعددة فيحتمل صدورها بوجوه مختلفة، نعم قد اختلفت الروايات في قصّة سمرة بن جندب مع كونها قصّة واحدة، فلا محالة تكون الروايات الواردة في خصوص هذه القصّة متعارضة، فقد رويت تارةً بلا ذكر الجملتين كما في رواية الفقيه عن الصيقل الحذّاء(2)، واُخرى مع ذكرهما بلا زيادة شيء آخر، كما في رواية ابن بكير المتقدمة عن زرارة(3) وثالثةً بزيادة كلمة«على مؤمن» كما في رواية ابن مسكان المتقدمة عن زرارة(4) والترجيح لرواية ابن مسكان المشتملة على الزيادة، لأنّ احتمال الغفلة في الزيادة أبعد من احتمالها في النقيصة، فيؤخذ بالزيادة.

 فتلخّص ممّا ذكرناه: أنّ هاتين الجملتين قد وصلت إلينا بالحجّة بلا زيادة، ومع زيادة «على مؤمن» كما في رواية ابن مسكان، ومع زيادة «في الاسلام» كما في رواية الفقيه، والقول بأنّ رواية الفقيه مرسلة لم يعلم انجبارها، لاحتمال أن يكون عمل الأصحاب بغيرها من الروايات، فلم تثبت كلمة «في الاسلام» مدفوع بأنّ الارسال إنّما يكون فيما إذا كان التعبير بلفظ روي ونحوه. وأمّا إذا
كان بلفظ قال النبي (صلّى الله عليه وآله) مثلاً كما فيما نحن فيه، فالظاهر كون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النهاية لابن أثير 3: 81 مادّة ضرر.

(2) الفقيه 3: 77 / ح208، الوسائل 25: 427 / كتاب إحياء الموات ب12 ح1 [ ومن الظاهر أنّ الصيقل الحذاء من سهو القلم فانّ الصحيح الحسن الصيقل عن أبي عبيدة الحذّاء ].

(3) في ص 600 الهامش (4).

(4) في ص 601 الهامش (4).

ــ[603]ــ

الرواية ثابتة عند الراوي، وإلاّ فلا يجوز له الاخبار البتي بقوله: قال. فتعبير الصدوق (قدس سره) في الفقيه بقوله: قال النبي (صلّى الله عليه وآله) يدل على أ نّه ثبت عنده صدور هذا القول منه (صلّى الله عليه وآله) بطريق صحيح، وإلاّ لم يعبّر بمثل هذا التعبير، فيعامل مع هذا النحو من المراسيل معاملة المسانيد.

 هذا ما ذكرناه في الدورة السابقة، لكنّ الانصاف عدم حجّية مثل هذه المرسلة أيضاً، لأنّ غاية ما يدل عليه هذا النحو من التعبير صحّة الخبر عند الصدوق. وأمّا صحّته عندنا فلم تثبت، لاختلاف المباني في حجّية الخبر، فانّ بعضهم قائل بحجّية خصوص خبر العادل مع ما في معنى العدالة من الاختلاف، حتّى قال بعضهم العدالة هي شهادة أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع عدم ظهور الفسق. وبعضهم قائل بحجّية خبر الثقة، كما هو التحقيق. وبعضهم لا يرى جواز العمل إلاّ بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة العلمية، فمع وجود هذا الاختلاف في حجّية الخبر كيف يكون اعتماد أحد على خبر مستلزماً لحجّيته عند غيره.

 وبالجملة: كون الخبر حجّةً عند الصدوق (قدس سره) لا يثبت حجّيته عندنا، ولذا لا يمكن الاعتماد على جميع الروايات الموجودة في الفقيه، بل لا بدّ من النظر في حال الرواة لتحصيل الاطمئنان بوثاقتهم، مع أنّ الصدوق (قدس سره) ذكر في أوّل كتاب الفقيه: إنِّي لا أذكر في هذا الكتاب إلاّ ما هو حجّة عندي وكذا ذكر الكليني (قدس سره) في كتاب الكافي مثل ما ذكره الصدوق (قدس سره) في الفقيه، ومن الواضح أ نّه لا يمكننا العمل بجميع ما في الكافي، بل لا بدّ من الفحص وتحصيل الاطمئنان بوثاقة الراوي.

 فتحصّل: أنّ زيادة لفظ «في الاسلام» لم تثبت لنا بطريق معتبر. نعم،

ــ[604]ــ

الزيادة المذكورة موجودة في رواية ابن الأثير في النهاية (1)، ولكنّه من العامّة، فلا يصحّ الاعتماد عليها كما هو واضح.

 ثمّ إنّ ذكر الجملتين في إحدى روايتي عقبة بن خالد (2) منضماً إلى قضائه (صلّى الله عليه وآله) بالشفعة، وفي الاُخرى منضماً إلى نهيه (صلّى الله عليه وآله) أهل البادية عن منع فضل الماء، وإن أمكن في مقام الثبوت أن يكون من باب الجمع في المروي، بأن كان ذكرهما منضماً إلى الحكم بالشفعة وإلى النهي عن منع فضل المـاء في كلام النبي (صلّى الله عليه وآله) وأن يكون من باب الجمع في الرواية، بأن كانت الجملتان في كلامه (صلّى الله عليه وآله) في مورد، وحكمه بالشفعة في مورد آخر، ونهيه عن منع فضل الماء في مورد ثالث، وجمعها الراوي عند النقل كما هو دأبهم في نقل الروايات، وكثيراً ما يتّفق في نقل الفتاوى أيضاً، إلاّ أنّ الظاهر هو الثاني، فانّ مقام الاثبات لا يساعد الأوّل، والشاهد عليه في الرواية الاُولى أمران:

 الأوّل: أنّ بين موارد ثبوت حقّ الشفعة وتضرر الشريك بالبيع عموماً من وجه، فربّما يتضرر الشريك ولا يكون له حقّ الشفعة، كما إذا كان الشركاء أكثر من اثنين، وقد يثبت حقّ الشفعة بلا ترتب ضرر على أحد الشريكين ببيع الآخر، كما إذا كان الشريك البائع مؤذياً وكان المشتري ورعاً بارّاً محسناً إلى شريكه، وربّما يجتمعان كما هو واضح، فإذن لا يصح إدراج الحكم بثبوت حقّ الشفعة تحت كبرى قاعدة لا ضرر.

 الثاني: أنّ مفاد لا ضرر ـ على ما سيجيء بيانه (3) ـ إنّما هو نفي الحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النهاية لابن أثير 3: 81 مادّة ضرر.

(2) تقدّمتا في ص 601 الهامش (1) و (2).

(3) في ص 611 و 615.

ــ[605]ــ

الضرري أو نفي الموضوع الضرري، بأن يكون المراد نفي الحكم بلسـان نفي الموضوع على اختلاف بين الشيخ وصاحب الكفاية (قدس سرهما) والضرر في مورد ثبوت حقّ الشفعة إنّما يأتي من قبل بيع الشريك حصّته، فلو كان ذلك مورداً لقاعدة لا ضرر لزم الحكم ببطلان البيع، ولو كان الضرر ناشئاً من لزوم البيع لزم الحكم بثبوت الخيار، بأن يردّ المبيع إلى البائع. وأمّا جعل حقّ الشفعة لجبران الضرر وتداركه، بأن ينقل المبيع إلى ملكه فليس مستفاداً من أدلة نفي الضرر، فانّها لا تدل على جعل حكم يتدارك به الضرر، غايتها نفي الحكم الضرري على ما سيجيء بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.

 وأمّا الرواية الثانية: فالشاهد فيها أيضاً أمران: الأوّل: أنّ الضرر لا ينطبق على منع المالك فضل ماله عن الغير، إذ من الواضح أنّ منع المالك غيره عن الانتفاع بماله لا يعدّ ضرراً على الغير، غايته عدم الانتفاع به. وسيجيء (1) أنّ عدم الانتفاع لا يعدّ ضرراً. الثاني: أنّ النهي في هذا المورد تنزيهي قطعاً، لعدم حرمة منع فضل المال عن الغير بالضرورة، فلا يندرج تحت كبرى قاعدة لا ضرر بجميع معانيها.
ـــــــــــــــ

(1) في الجهة الثانية.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net