جريان الاستصحاب في غير الالزاميات - جريان الاستصحاب في الوضعيات 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5342


 ثمّ إنّه لا يخفى أنّ ما ذكرناه من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية مختص بالأحكام الالزامية من الوجوب والحرمة، وأمّا غير الالزامي فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه، ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الإباحة، لما ذكرنا سابقاً (1) من أنّ الإباحة لا تحتاج إلى الجعل، فانّ الأشياء كلّها على الاباحة ما لم يجعل الوجوب والحرمة، لقوله (عليه السلام): «اسْكُتُوا عَمّا سَكَتَ اللهُ عَنْهُ»(2) وقوله (عليه السلام): «كلّ ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»(3) وقوله (عليه السلام): «إنّما هلك الناس لكثرة سؤالهم»(4) فالمستفاد من هذه الروايات أنّ الأشياء على الاباحة ما لم يرد أمر أو نهي من قبل الشارع، فانّ الشريعة شرعت للبعث إلى شيء والنهي عن الآخر لا لبيان المباحات، فلا مجال لاستصحاب عدم جعل الاباحة، لكون الاباحة متيقنة فالشك في بقائها، فيجري استصحاب بقاء الاباحة بلا معارض، بل يكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 49.

(2)، (3) ذكرنا مصدر الروايتين في ص 49.

(4) بحار الأنوار 22: 31.

ــ[56]ــ

استصحاب عدم جعل الحرمة موافقاً له.

 وظهر بما ذكرنا أ نّه لا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الوضعية كالطهارة من الخبث والحدث، كما إذا شككنا في انفعال الماء العالي بملاقاة النجاسة السافلة، فنجري استصحاب الطهارة ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الطهارة، لأنّ الطهارة نظير الاباحة لا تحتاج إلى الجعل، بل الأشياء كلّها على الطهارة ما لم تعتبر النجاسة فيها من قبل الشارع، بل الطهارة بحقيقتها العرفية كون الشيء باقياً بطبيعته الأوّلية، والنجاسـة والقذارة شيء زائد، بل استصحاب عدم جعل النجاسة معاضد لاستصحاب بقاء الطهارة. وكذا لا مانع من جريان استصحاب الطهارة من الحدث، كما إذا شككنا في بقائها بعد خروج المذي، ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الطهارة، لأنّ النقض هو المحتاج إلى الجعل. وأمّا الطهارة المجعولة فهي الوضوء ـ أي الغسلتان والمسحتان ـ وقد أتينا بها، فهي باقيـة بحالها ما لم يصـدر منّا ما جعله الشارع ناقضاً لها، بل استصحاب عدم جعل المذي ناقضاً موافق لاستصحاب بقاء الطهارة.

 وبعبارة اُخرى: إنّما الشك في أنّ الصلاة مشروطة بخصوص الطهارة الثانية ـ أي الحاصلة بعد خروج المذي ـ أو مشروطة بالأعم منها ومن الطهارة الاُولى ـ أي الحاصلة قبل خروج المذي ـ والأصل عدم اشتراطها بخصوص الطهارة الثانية. نعم، إذا شككنا في بقاء النجاسة المتيقنة كمسألة تتميم الماء القليل النجس كراً، لا مجال لجريان استصحاب بقاء النجاسـة للمعارضة باستصحاب عدم جعل النجاسة بعد التتميم.

 فتحصّل: أنّ المختار في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية هو التفصيل على ما ذكرنا، لا الانكار المطلق كما عليه الأخباريون والفاضل النراقي، ولا الاثبات المطلق كما عليه جماعة من العلماء.

ــ[57]ــ

 ثمّ إنّه بقي هنا شيء طفيف نتعرض له تبعاً للمحقق النائيني(1) وهو أ نّه ذكر بعضهم إشكالاً على الاستدلال بالصحيحة المذكورة وغيرها من الصحاح، وهو أنّ المراد من اليقين في قوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» هو الجنس المراد منه العموم، وبعد دخول «لا» عليه يكون المراد سلب العموم لا عموم السلب، فيكون المعنى لا تنقض جميع أفراد اليقين بالشك، فتكون دالّة على حجية الاستصحاب على نحو الايجاب الجزئي لا مطلقاً.
ـــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 4: 35، فوائد الاُصول 4: 338.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net