الكلام في اعتبار ورود الماء على المتنجِّس دون العكس 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6433


ــ[15]ــ

والورود أي ورود الماء على المتنجِّس دون العكس على الأحوط ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أنها لم توجد في جوامع الأخبار ، فالصحيح أن مفهوم الغسل أمر مطرد في جميع أقسام المياه فلا يفرق في اعتبار العصر فيه بين القليل وغيره من المياه المعتصمة .

   (1) اختلفت كلماتهم في الحكاية عما سلكه المشهور في المسألة ، فقد ينسب إليهم القول بالاشتراط وقد ينسب إليهم القول بعدمه . وعن بعضهم أن الأكثر لم يتعرضوا لهذا الاشتراط ، فلو كان معتبراً لكان موجوداً في كلماتهم .

   وكيف كان المتبع هو الدليل وقد استدلّوا على اعتبار ورود الماء على المتنجِّس في التطهير بالماء القليل بوجوه :

   منها : التمسّك بالاستصحاب ، لأنه يقتضي بقاء المتنجِّس على نجاسته حتى يقطع بزوالها .

   ومنها : أن الغالب في إزالة القذارات العرفية ورود الماء على القذر ، وحيث إن الشارع في إزالة القذارات الشرعية لم يتخط عن الطريقة المألوفة لدى العرف فلا مناص من حمل الأخبار الواردة في الغسل على الطريقة العرفية ، وغلبة الورود فيها مانعة عن شمول إطلاقات مطهّرية الغسل لما إذا كانت النجاسة واردة على الماء ، فندرة العكس توجب انصراف المطلق إلى الفرد الغالب .

   ومنها : الروايات الآمرة بصب الماء على الجسد عند تطهيره (2) حيث إن مقتضى الجمود على ظواهرها يقتضي الحكم باشتراط الورود ، لأن الظاهر من الصب إنما هو إرادة ورود الماء على الجسد .

   ومنها : غير ذلك من الوجوه .

   ولا يمكن المساعدة على شيء من ذلك أما الوجه الأوّل ، فلأن الأصل محكوم باطلاق ما دلّ على مطهرية الغسل ، وإلاّ فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على تقذر المتقذر وعدم جواز شربه أو غيره مما يشترط فيه الطهارة ، وعلى كلا التقديرين لا يبقى مجال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وإن كان الأظهر عدم اعتباره في غير الغسلة المتعقبة بطهارة المحل .

(2) الوسائل 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 .

ــ[16]ــ

للتمسك بالاستصحاب . مع أن الشبهة حكمية .

   وأمّا الثاني من الوجوه فلأن مقتضى إطلاق ما دلّ على مطهرية الغسل بالماء عدم الفرق بين ورود الماء على المتنجِّس وعكسه . ودعوى أن الدليل منصرف إلى صورة الورود تندفع بأن الغلبة لا تقتضي الانصراف . على أن الأغلبية غير مسلمة ، لأن الغسل بايراد المتنجِّس المتقذر على الماء ـ  كما في إدخال اليد المتقذرة على الماء القليل  ـ أيضاً متعارف كثير ، وغاية الأمر أن الغسل بايراد الماء عليه أكثر وهذا لا يوجب الانصراف بوجه .

   وأمّا الوجه الثالث وهو العمدة من الوجوه المستدل بها في المقام ، فلأنه يرد عليه أن الأمر بالصب في الأخبار لم يظهر كونه بعناية اعتبار ورود الماء على النجس ، بل الظاهر أن الصب في قبال الغسل ، وإنما أمر به تسهيلاً للمكلفين فلم يوجب عليهم الغسل ـ كما أوجبه عند تنجس ثيابهم ـ فكأن الصب غسل ومحقق لمفهومه في الجسد ولا سيما أن مواضع الجسد مما يصعب إيراده على الماء القليل كما إذا تنجس بطن الانسان مثلاً. ويدل على ما ذكرناه حسنة الحسين بن أبي العلاء المتقدِّمة(1) حيث أمر فيها الإمام (عليه السلام) بصب الماء على الجسد مرّتين فيما إذا أصابه البول معللاً بقوله : «فانما هو ماء» ودلالتها على أن ايجاب الصب ـ دون الغسل ـ بعناية التسهيل مما لا يقبل المناقشة ، فان الجسد غير الثوب ونحوه مما يرسب فيه البول ، وبما أنه أيضاً ماء فيزول عنه بالصب من غير حاجة إلى الغسل .

   هذا وقد يبدو من بعضهم أن بعض المطلقات كالصريح في عدم اعتبار الورود ، وهذا كما في صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول ؟ قال : اغسله في المِركَن مرّتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» (2) لأن الغسل في المِركَن ـ بقرينة التقابل ـ كالغسل في الجاري لا محالة ، فكما أن الغسل فيه إنما هو بايراد النجس على الماء ـ لوضوح أنه لو انعكس بأخذ الماء وصبه على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 12 .

(2) الوسائل 3 : 397 / أبواب النجاسات ب 2 ح 1 .

ــ[17]ــ

النجس لخرج عن الغسل بالماء الجاري ـ فكذلك الغسل في المِركَن لا بدّ أن يراد به إيراد النجس على الماء ، فإذن الصحيحة كالصريح في عدم اعتبار الورود .

   ولكن الصحيح عدم الفرق بين هذه الرواية وغيرها من المطلقات فانّها ليست بصريحة في الدلالة على المدعى ، فان دعوى الصراحة إنما تتم فيما إذا كانت الرواية هكذا : إغسله في الماء القليل مرّتين ، بأن يبدل المركن بالماء القليل ويكون ظرف الغسل هو الماء فتتم دعوى الصراحة حينئذ بالتقريب المتقدم ، إلاّ أن الأمر ليس كذلك ، وظرف الغسل في الصحيحة هو المركن والغسل في المركن على نحوين : فانّه قد يتحقّق بايراد النجس على الماء وقد يتحقق بطرح المتنجِّس في المركن أولاً ثم صبّ الماء عليه ، فدلالة الصحيحة على كفاية مورودية الماء القليل بالاطلاق دون الصراحة .

   والصحيح أن يفصّل في المسألة بين الغسلة المطهّرة والغسلة غير المطهرة ، بيان ذلك : أن القاعدة المرتكزة في أذهان المتشرعة التي دلت عليها جملة كثيرة من الأخبار أعني انفعال الماء القليل بملاقاة النجس ، تقتضي الحكم بنجاسة الماء عند إيراد المتنجِّس عليه لأنه قليل ، ومع الحكم بنجاسته لا يتيسر التطهير به . وأما إذا عكسنا الأمر وأوردنا الماء على النجس فمقتضى القاعدة المتقدِّمة وإن كان هو الحكم بنجاسة الماء كسابقه إلاّ أن الاجماع والضرورة يقضيان بتخصيصها ، إما بالالتزام بعدم نجاسة الغسالة مطلقاً كما هو المخـتار في الغسلة المتعقبة بطهـارة المحل ، وإما بالالتزام بعدم نجاستها ما دامت في المحل ويحكم بنجاستها بالانفصال ، وإما بالالتزام بطهارتها بعد خروج المقدار المتعارف منها عن الثوب ، فانّه لولا ذلك لم يمكن التطهير بالماء القليل أصلاً وهو خلاف الضرورة والاجماع القطعي بين المسلمين . ومن هنا فصّل السيد المرتضى (قدس سره) في انفعال الماء القليل بين الوارد والمورود (1) نظراً إلى أن الحكم بانفعال الماء عند وروده على النجس يؤدي إلى سد باب التطهير بالقليل وينحصر بايراده على الكر أو إيراده عليه وهو أمر عسر . فإذن لا مناص من اشتراط الورود في التطهير بالماء القليل ، هذا كله في الغسلة المتعقبة بالطهارة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الناصريات : 179 السطر 12 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net