12 ـ استصحاب الاُمور الاعتقادية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4476


التنبيه الثاني عشر

 في جريان الاستصحاب في الاُمور الاعتقادية وعدمه، وقد ذكرنا أنّ جريان الاستصحاب منوط باليقين بالحدوث والشك في البقاء، وكون الأثر قابلاً للتعبد، فبعد تمامية هذه الاُمور يجري الاستصحاب، سواء كان المستصحب من الاُمور الخارجية، أم من الاُمور النفسانية.

 وتوهم اختصاصه بالاُمور الخارجية لكونه من الاُصول العملية، فلا يجري إلاّ في أفعال الجوارح المعبّر عنها بالأعمال، مدفوع بأنّ معنى كونه من الاُصول


ــ[254]ــ

العملية أ نّه ليس من الأدلة الاجتهادية التي هي كاشفة عن الواقع، فانّ الاُصول العملية وظائف عملية للجاهل بالواقع، وليست كاشفةً عنه، لا أ نّها مختصة بالاُمور الجوارحية، فلو كان التباني القلبي على شيء واجباً، وشككنا في بقائه من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية، لا مانع من جريان الاستصحاب.

 نعم، لا مجال لجريان الاستصحاب في الاُمور التي يجب فيها الاعتقاد والمعرفة كالنبوة مثلاً، لعدم كون الأثر حينئذ قابلاً للتعبد، فلا يترتب على الاستصحاب.

 ومما ذكرنا ظهر الجواب عن استدلال الكتابي لاثبات دينه بالاستصحاب، وتفصيل الكلام في المقام: أنّ استدلال الكتابي لا يخلو من وجهين: فامّا أن يكون استدلاله لمعذوريته في البقاء على اليهودية، وإمّا أن يكون لالزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهودية.

 فإن كان مراده الأوّل، فنقول له: أنت شاك في بقاء نبوّة نبيك أم لا؟

 فان اختار الثاني، فلا معنى للاستصحاب وهو ظاهر، وإن اختار الأوّل، فنقول له: لا بدّ لك من الفحص، فانّ النبوّة ليست بأقل من الفروع التي يتوقف جريان الاستصحاب فيها على الفحص، وبعد الفحص يصل إلى الحق ويزول الشك عنه، فان (فلِلّهِ الحُجَّة البَالِغَة)(1)، وقال سبحانه: (وَا لَّذِينَ جَاهَدَوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبلنا)(2) ومع فرض بقاء شكه لا فائدة في الاستصحاب، لكون النبوة من الاُمور التي تجب المعرفة بها، فليست قابلة للتعبد الاستصحابي، ومع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنعام 6: 149.

(2) العنكبوت 29: 69.

ــ[255]ــ

فرض كفاية الظن فيها، نقول: الاستصحاب لا يفيد الظن أوّلاً، ولا دليل على حجية الظن الحاصل منه ثانياً، هذا كله في استصحاب النبوة.

 وأمّا استصحاب بقاء أحكام الشريعة السابقة، فغير جار أيضاً إذ نقول له: إن كنت متيقناً على بقاء أحكام الشريعة السابقة، فلا معنى للاستصحاب وهو واضح، وإن كنت شاكاً فيه، فلا بدّ من الفحص كما تقدم، وعلى فرض الفحص وبقاء الشك، لا يجري الاستصحاب إلاّ فيما إذا ثبت حجية الاستصحاب في الشريعتين، لأ نّه إن كان الاستصحاب حجةً في الشريعة السابقة فقط، لا يمكن التمسك بالاستصحاب لبقاء أحكام الشريعة السابقة، إذ حجية الاستصحاب من جملة تلك الأحكام، فيلزم التمسك به لاثبات بقاء نفسه، وهو دور ظاهر. وإن كان الاستصحاب حجةً في الشريعة اللاحقة فقط، فصحة التمسك بالاستصحاب لاثبات بقاء أحكام الشريعة السابقة فرع حقية الشريعة اللاحقة، وبعد الالتزام بحقيته لم يبق مجال للاستصحاب، لليقين بارتفاع أحكام الشريعة السابقة حينئذ.

 وإن كان مراده الثاني ـ أي كان استدلاله لالزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهودية ـ فنقول له: جريان الاستصحاب متوقف على اليقين بالحدوث والشك في البقاء، وليس لنا يقين بنبوّة موسى إلاّ من طريق شريعتنا، فانّ التواتر لم يتحقق في جميع الطبقات من زمان موسى إلى زماننا هذا. والتوراة الموجودة عند اليهود ليس هو الكتاب المنزل من الله سبحانه على موسى، ومن راجعه يجد فيه ما يوجب العلم له بعدم كونه من عند الله من نسبة الزنا والفواحش إلى الأنبياء وغيرها مما يجده من راجعها.

 نعم، لنا علم بنبوة موسى لاخبار نبينا بنبوته، فتصديقه يوجب التصديق

ــ[256]ــ

بنبوته، وهذا الاعتراف من المسلمين لايضرّهم، ولايوجب جريان الاستصحاب في حقهم كما هو ظاهر، وهذا المعنى هو المحتمل من الحديث(1) المتضمن لجواب الرضا (عليه السلام) عن احتجاج الجاثليق بالاستصحاب، من أنا معترفون بنبوة كل موسى وعيسى أقر بنبوة نبينا (صلّى الله عليه وآله) وننكر نبوة كل من لم يقر بنبوة نبينا، فلا يرد على الجواب المذكور ما ذكره الشيخ(2) (قدس سره) من أنّ موسى بن عمران أو عيسى بن مريم ليس كلياً حتى يصح الجواب المذكور، بل جزئي حقيقي اعترف المسلمون بنبوته، فعليهم إثبات نسخها.

 والحاصل: أ نّه ليس لنا علم بنبوة موسى إلاّ باخبار نبينا (صلّى الله عليه وآله) وهو كما يخبر بها يخبر بارتفاعها، فلا مجال للاستصحاب. ومع فرض حصول اليقين من غير هذا الطريق ليس لنا شك في بقائها، بل نعلم بارتفاعها، فانّ المسلم لايكون مسلماً مع الشك في بقاء نبوة موسى أو عيسى، فلايمكن الكتابي إلزام المسلم باستصحاب النبوة، لعدم تمامية أركانه من اليقين والشك، هذا في استصحاب النبوة. وأمّا أحكام الشريعة السابقة، فللمسلم مجال لاجراء الاستصحاب فيها على المسلك المعروف، بخلاف ما سلكناه من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية، ولا سيما في أحكام الشريعة السابقة، وقد تقدم وجهه في التنبيه السابع(3)، فراجع.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاحتجاج 2: 404، بحار الأنوار 10: 301 ـ 302.

(2) فرائد الاُصول 2: 673.

(3) في ص 175 وما بعدها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net