انقسام القيد إلى المقوّم وإلى كونه حالة - الشك في كون القيد مقوّماً أو حالة 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4169


 وأمّا إذا كان الشك في الحكم الكلي من غير ناحية النسخ، ففيه تفصيل، إذ الشك في بقاء الحكم من غير ناحية النسخ لا يعقل إلاّ مع حدوث تغير في الموضوع، وهذا التغير الذي أوجب الشك في الحكم على ثلاثة أقسام:

 الأوّل: أن يكون القيد الذي تغير بانقلاب الوجود إلى العدم أو العكس مقوّماً للموضوع بنظر العرف، بحيث لو ثبت الحكم مع عروض التغير كان حكماً جديداً لموضوع آخر لابقاء الحكم للموضوع الأوّل، كما في جواز التقليد فان موضوعه العالم، فلو زال عنه العلم وصار جاهلاً يكون موضوعاً آخر، إذ العلم مقوّم لموضوع جواز التقليد في نظر العرف، والعالم والجاهل موضوعان لا موضـوع واحد تغيرت حالة من حالاته، ففي مثل ذلك لا مجال لجريان الاسـتصحاب لعدم صدق النقض على عدم ترتيب أثر اليقـين السـابق حين الشك، فلا يكون مشمولاً لأدلة الاستصحاب.

 وظهر بما ذكرناه فساد الاستدلال على نجاسة أولاد الكفار بالاستصحاب، لكونهم نجسين حال كونهم منياً أو دماً، ولم يدل دليل على طهارتهم بعد ذلك كما دل على طهارة ولد المسلم، وذلك لتعدد الموضوع وعدم اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوك فيها فولد الكافر ـ على تقدير نجاسته ـ موضوع آخر للنجس غير المني والدم، كما هو ظاهر.


ــ[278]ــ

 الثاني: أن يكون القيد من الحالات وغير دخيل في قوام الموضوع في نظر العرف، كما إذا قال المـولى: أكرم هذا القائم، فشك في وجوب إكرامه بعد الجلوس، فانّ العرف يرى القيام والقعود من الحالات، بحيث لو ثبت وجوب الاكرام حال جلوسـه كان بقاءً للحكم الأوّل لا حـدوث حكم جديد. ولا إشكال في جريان الاستصحاب في هذا القسم، كما هو ظاهر. هذا كله مع قطع النظر عما ذكرناه من معارضته باستصحاب عدم الجعل على ما تقدم بيانه(1).

 الثالث: أن يشـك في أنّ القـيد مقوّم للموضـوع أو من الحـالات كالماء المتنجس بالتغير، فبعد زوال التغير يشك في بقاء النجاسة، لعدم العلم بأنّ التغير مقوّم لموضوع الحكم بالنجاسة، أو من قبيل الحالات. وبعبارة اُخرى الشك في أنّ التغير هل هو علة لثبوت النجاسة للماء، فلا يكون بقاؤها منوطاً ببقائه، أو قيد للموضوع لتكون النجاسة دائرة مداره وجوداً وعدماً.

 وربما يكون الشك في بقاء الحكم في هذا القسم من جهة الشبهة المفهومية، فانّها أيضاً من الشبهات الحكمية، كما إذا شككنا في أنّ الغروب الذي هو الغاية لوقت صلاة الظهرين هل هو عبارة عن استتار القرص، أو عن ذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس.

 ولا يجري الاستصحاب في هذا القسم كما في القسم الأوّل، إذ مع الشك في كون القيد الزائل مقوّماً للموضوع لم يحرز اتحاد القضيتين، فلم يحرز صدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عن الحكم السابق، فيكون التمسك بأدلة الاستصحاب من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بلا فرق بين الشبهة المفهومية وغيرها من الشبهات الحكمية. وكما لا يجري الاستصحاب الحكمي في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 42 وما بعدها.

ــ[279]ــ

الشبهة المفهومية ـ لما ذكرناه من عدم إحراز اتحاد القضيتين ـ لا يجري الاستصحاب الموضوعي أيضاً، لعدم الشك في شيء راجع إلى الموضوع حتى يكون مورداً للاستصحاب، فان استتار القرص متحقق يقيناً، وذهاب الحمرة لم يتحقق كذلك. وأمّا استصحاب الموضوع بوصف الموضوعية، فهو عبارة اُخرى عن استصحاب الحكم، إذ بقاء الموضوع بوصف الموضوعية ليس إلاّ عبارة اُخرى عن بقاء الحكم.

 ولا يخفى أنّ الشك في بقاء نجاسة المتنجسات بعد استحالتها داخل في هذا القسم، فلو تنجست خشبة مثلاً، ثمّ احترقت فصارت رماداً فشك في بقاء نجاستها لم يمكن التمسك باستصحابها، إذ المتصيد من أبواب الفقه أن كل جسم لاقى نجساً فهو نجس، ولا ندري أنّ الموضوع لهذا الحكم هل هو الجسم بما هو جسم ـ لتكون النجاسـة باقيةً ببقاء الجسمية ـ أو الموضوع له هي الصورة النوعية الخشبية، وأنّ أخذ الجسم في قولهم: كل جسم لاقى... إنّما هو للاشارة إلى عموم الحكم وعدم اختصاصه بنوع دون نوع آخر.

 وأمّا النجاسات العينية فهي من القسم الأوّل، فانّ النجاسات العينية اُمور مخصوصة كالكلب مثلاً، فاذا وقع في مملحة وصار ملحاً، لايصدق عليه الكلب، بل هو نوع من الملح، ولذا حكم المحقق الثاني (قدس سره) ـ على ما حكاه الشيخ(1) (قدس سره) عنه ـ بارتفاع النجاسة بالاستحالة في باب النجاسات دون المتنجسات.

 وتحصّل مما ذكرناه: أ نّه يعتبر في جريان الاستصحاب العلم بكون القيد غير مقوّم للموضوع كما في القسم الثاني، ليحرز اتحاد القضية المتيقنة والقضية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 694.

ــ[280]ــ

المشكوك فيها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net