تعارض الاستصحابين - جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي - تعارض الاستصحاب مع قاعدة الفراغ والتجاوز 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4697


 المرحلة الثالثة: في تعارض الاستصحابين، وقبل التعرض لحكم تعارض الاستصحابين لا بدّ من التنبيه على أمر قد تقدم ذكره في بحث الترتب(1) وهو: أنّ تنافي الحكمين تارةً يكون في مقام الجعل، وهو على قسمين: أحدهما أن يكون التنافي بينهما ذاتياً بحيث يلزم من جعلهما اجتماع النقيضين أو الضدين، كما إذا دار الأمر بين وجوب شيء وعدم وجوبه، أو بين وجوب شيء وحرمته. ثانيهما: أن يكون التنافي بينهما عرضياً، كما في دوران الأمر بين وجوب الظهر والجمعة، إذ لا منافاة بين وجوب الظهر ووجوب الجمعة ذاتاً بحيث يلزم من اجتماعهما محذور اجتماع النقيضين أو الضدين، إلاّ أ نّه بعد العلم الاجمالي بعدم جعل أحدهما، يكون جعل أحدهما منافياً لجعل الآخر، ولذا يسمى بالتنافي العرضي. والحكم في كليهما الرجوع إلى المرجحات السندية، وسيأتي الكلام فيها في مبحث التعادل والترجيح(2) إن شاء الله تعالى.

 واُخرى يكون التنافي بين الحكمين في مقام الامتثال لعدم قدرة المكلف على امتثالهما، والحكم فيه وجوب الأخذ بالأهم، أو بما لا بدل له، أو ما اُخذت فيه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 3: 1 وما بعدها.

(2) في ص 495 وما بعدها.

ــ[302]ــ

القدرة العقلية، وترك ما اُخذت فيه القدرة الشرعية على ما يأتي أيضاً في مبحث التعادل
والترجيح(1) إن شاء الله تعالى.

 إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ التنافي بين الاستصحابين أيضاً قد يكون بحسب مقام الجعل وقد يكون بحسب مقام الامتثال، فإن كان التنافي بينهما في مقام الامتثال لعجز المكلف عن العمل بكليهما، كما إذا شك في بقاء نجاسة المسجد وارتفاعها بالمطر مثلاً مع الشك في إتيان الصلاة وهو في الوقت، فالحكم فيه ما تقدم من الأخذ بالأهم وبغيره من الاُمور المذكورة.

 وقد يتوهّم عدم جواز الأخذ بالأهم وبغيره من الاُمور المذكورة في المقام، إذ الاستصحاب شيء واحد، ونسبة قوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» إلى جميع أفراده على حد سواء، بلا فرق بين كون المورد أهم أو غيره، وبين كونه مما لا بدل له أو مما له بدل، وبين كون المأخوذ فيه القدرة العقلية أو الشرعية.

 لكنّه مدفوع بأنّ الاستصحاب وإن كان شيئاً واحداً، إلاّ أنّ العبرة في الرجوع إلى الاُمور المذكورة بما تعلق به اليقين والشك، لا بنفس الاستصحاب، فكما أ نّه إذا اُحرز وجوب الصلاة ووجوب الازالة بالوجدان يجب الأخذ بالأهم منهما، فكذا إذا اُحرزا بالاستصحاب.

 ولا يخفى أنّ هذا النوع من التنافي بين الاستصحابين خارج عن محل الكلام، وإنّما ذكر لتمامية الأقسام، إذ الكلام في تعارض الاستصحابين، وهذا التنافي خارج عن باب التعارض وداخل في باب التزاحم، وملخص الفرق بينهما: أنّ التعارض عبارة عن تنافي الحكمين في مقام الجعل بحسب مقام الثبوت، فيكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 430 وما بعدها.

ــ[303]ــ

بين دليلـيهما التكاذب في مقام الاثبات، كما إذا دل دليل على وجوب شيء والآخر على عدم وجوبه أو على حرمته، أمّا التزاحم فهو عبارة عن تنافي الحكمين بحسب مقام الفعلية دون مقام الجعل، فلا يكون بين دليليهما التكاذب، ولكن فعلية أحدهما مانعة عن فعلية الآخر، لانتفاء موضوعه، فان وجوب الازالة عن المسجد يوجب عجز المكلف عن الاتيان بالصلاة، فينتفي وجوب الصلاة فعلاً بانتفاء موضوعه ـ وهو القدرة ـ إذ القدرة مأخوذة في موضوع جميع التكاليف، وفعلية كل حكم بفعلية موضوعه.

 وإن كان التنافي بين الاستصحابين بحسب مقام الجعل لا بحسب مقام الامتـثال، فقد يكون الشك في أحدهما مسبباً عن الشك في الآخر، وقد لا يكون كذلك، فإن كان الشك في أحدهما مسبباً عن الشك في الآخر يجري الاستصحاب في السبب فقط دون المسبب. وليس المراد من السبب في المقام هو السبب التكويني، إذ مجرد كون الشيء مسبباً عن الآخر لا يوجب عدم اجتماعه مع السبب في الحكم، فانّه لا منافاة بين كونه مسبباً عنه تكويناً وبين كونه معه من حيث الحكم في عرض واحد، بل المراد هو السبب الشرعي المعبّر عنه بالموضوع، فإن كان المستصحب في أحد الاستصحابين موضوعاً للمستصحب في الاستصحاب الآخر، فجريان الاستصحاب في الموضوع يغني عن جريانه في الحكم، إذ بعد ثبوت الموضوع بالتعبد الشرعي يكون ثبوت الحكم من آثاره، فلا حاجة إلى جريان الاستصحاب فيه.

 والسر في ذلك: أنّ الأحكام مجعولة بنحو القضايا الحقيقية، فاذا ثبت الموضوع بالوجدان أو بالأمارة أو بالأصل يترتب عليه الحكم لا محالة. فاذا ثبت كون شيء خمراً وهو الصغرى، فتنضم إليه الكبرى المجعولة بنحو القضايا الحقيقية، وهي قولنا: الخمر حرام، فتترتب النتيجة لا محالة، غاية الأمر أنّ

ــ[304]ــ

ثبوت الصغرى تارةً يكون بالوجدان واُخرى بالتعبد، فاذا غسلنا ثوباً متنجساً بماء مستصحب الطهارة مثلاً، يحكم بطهارة الثوب لأنّ الموضوع للحكم بطهارته غسله بماء طاهر، وقد ثبتت طهارة الماء بالتعبد، والغسل به بالوجدان، فيترتب عليه الحكم بطهارة الثوب في مرحلة الظاهر، وإن احتملت نجاسته في الواقع، وهذا الذي ذكرناه ـ من الحكم بالطهارة في الظاهر ـ هو مراد صاحب الكفاية من قوله: إنّ من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به(1) إذ ليس مراده حصول الطهارة الواقعية للثوب المتنجس المغسول بماء مستصحب الطهارة كما هو ظاهر.

 وربّما يتوهّم أ نّه من هذا القبيل ما إذا شك في جواز الصلاة في جلد حيوان للشك في كونه مأكول اللحم، فانّ الشك في جواز الصلاة في جلده مسبب عن الشك في حلية لحمه، وجوازها فيه أثر من آثار حلية لحمه، فاذا اُحرزت حليته بأصالة الحل يترتب عليها الحكم بجواز الصلاة في جلده أو غير الجلد من أجزائه.

 لكنّه فاسد، لأنّ أصالة الحل إنّما تفيد الترخيص الفعلي بمعنى عدم العقاب عليه على تقدير حرمته واقعاً، وجواز الصلاة ليس مترتباً على الحلية الفعلية، بل على حلية لحم الحيوان بطبعه، فانّه إذا اضطر إنسان إلى أكل لحم الأسد مثلاً يحل له أكله، ومع ذلك لا تجوز الصلاة في جلده يقيـناً. وإذا كان لحم الغنم حراماً على أحد فعلاً لكونه مضراً له، لا تكون هذه الحرمة موجبةً لعدم جواز الصلاة في جلده. نعم، لو كان حيوان مما حلّ لحمه بطبعه، وشك في بقاء حليته للشك في عروض ما يوجب حرمته كالجلل ووطء الانسان، فيجري فيه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 431.

ــ[305]ــ

استصحاب عدم عروض ما يوجب حرمته ويحكم ببقاء حليته الأصلية، ويترتب عليه جواز الصلاة في جلده أيضاً.

 وأمّا إن لم يكن الشك في مورد أحد الاستصحابين مسبباً عن الشك في مورد الآخر، بل كان التنافي بينهما للعلم الاجمالي بعدم مطابقة أحدهما للواقع، فكون أحدهما مطابقاً للواقع يوجب مخالفة الآخر للواقع، فهو على قسمين:

 أحدهما: ما تلزم من إجراء الاستصحاب في الطرفين المخالفة العملية القطعية، كما إذا علمنا بطهارة إناءين ثمّ علمنا بطروء النجاسة على أحدهما إجمالاً، فان إجراء استصحاب الطهارة في كلا الاناءين موجب للمخالفة العملية القطعية، ففي مثل ذلك يسقط كلا الاستصحابين عن الحجية ولا يمكن التمسك بواحد منهما، لعين ما ذكرناه من الوجه في عدم جريان البراءة في أطراف العلم الاجمالي(1)، فان إجراء الاستصحاب في كلا الطرفين موجب للمخالفة القطعية والترخيص في المعصية وهو قبيح. وجريانه في أحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح، وفي أحدهما المخيّر يحتاج إلى دليل، وإن كان المحذور العقلي منتفياً.

 ثانيهما: ما لا تلزم فيه من إجراء الاستصحاب في الطرفين مخالفة عملية وتلزم المخالفة الالتزامية فقط، وهو العلم بمخالفة أحد الاستصحابين للواقع، كما إذا علمنا بنجاسة إناءين تفصيلاً ثمّ علمنا بطهارة أحدهما إجمالاً، فانّه لا تلزم من إجراء استصحاب النجاسة في كليهما والاجتناب عنهما مخالفة عملية، ففي مثل ذلك ذهب الشيخ(2) (قدس سره) إلى عدم جريان الاستصحاب فيهما،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب ص 403 وما بعدها.

(2) فرائد الاُصول 2: 744 ـ 745.

ــ[306]ــ

وتبعه المحقق النائيني(1) (قدس سره) واختار صاحب الكفاية(2) (قدس سره) جريان الاستصحاب فيهما، لوجود المقتضي وهو شمول أدلة الاستصحاب، وعدم المانع وهو لزوم المخالفة العملية.

 ولا تظهر ثمرة بين القولين في نفس الاناءين، لوجوب الاجتناب عنهما على كلا القولين. أمّا على مختار الشيخ (قدس سره) فللعلم الاجمالي بالنجاسة. وأمّا على مختار صاحب الكفاية (قدس سره) فلاستصحابها. وإنّما تظهر الثمرة بينهما في الملاقي لأحد الاناءين، إذ يحكم بنجاسته على مسلك صاحب الكفاية، فانّه بعد الحكم بنجاسته بالتعبد يحكم بنجاسة الملاقي أيضاً، بخلاف مسلك الشيخ (قدس سره) فانّ الملاقي لبعض أطراف العلم الاجمالي لايكون محكوماً بالنجاسة على ما تقدم ذكره(3). ولأجل هذه الثمرة لا بدّ من تحقيق المقام والتكلم في جريان الاستصحاب وعدمه، فنقول:

 استدل الشيخ (قدس سره) لعدم جـريان الاستصحاب باجمال دليل الاستصحاب بالنسبة إلى المقام، بتقريب أنّ مقتضى إطلاق الشك في قوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» هو شموله للشك المقرون بالعلم الاجمالي وجريان الاستصحاب في الطرفين، ومقتضى إطلاق اليقين في قوله (عليه السلام): «ولكن تنقضه بيقين آخر» هو شموله للعلم الاجمالي وعدم جريان الاستصحاب في أحدهما، ولايمكن الأخذ بكلا الاطلاقين، لأن مقتضى الاطلاق الأوّل هو الايجاب الكلي وجريان الاستصحاب في الطرفين، ومقتضى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 4: 269 ـ 270، فوائد الاُصول 4: 693.

(2) كفاية الاُصول: 432.

(3) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص 471 وما بعدها.

ــ[307]ــ

الاطلاق الثاني هو السلب الجزئي وعدم جريانه في أحدهما، ولا خفاء في مناقضة السلب الجزئي مع الايجاب الكلي، ولا قرينة على تعيين الأخذ بأحدهما، فالدليل يكون مجملاً من هذه الجهة، فلا يمكن التمسك به لجريان الاستصحاب في المقام.

 وفيه أوّلاً: أنّ الظاهر كون المراد من اليقين في قوله (عليه السلام): «ولكن تنقضه بيقين آخر» هو خصوص اليقين التفصيلي لا الأعم منه ومن الاجمالي، إذ المراد نقضه بيقين آخر متعلق بما تعلق به اليقين الأوّل، وإلاّ لا يكون ناقضاً له، فحاصل المراد هكذا: كنت على يقين من طهارة ثوبك، فلا تنقضه بالشك في نجاسة الثوب، بل انقضه باليقين بنجاسته، فلا يشمل اليقين الاجمالي لعدم تعلقه بما تعلق به اليقين الأوّل، بل تعلق بعنوان أحدهما، فلا مانع من التمسك باطلاق الشك في قوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» وجريان الاسصتحاب في الطرفين.

 وثانياً: أ نّه ليس هذا الذيل وهو قوله (عليه السلام): «ولكن تنقضه بيقين آخر» موجوداً في جميع أدلة الاستصحاب، واجمال الدليل الموجود فيه هذا الذيل لا يمنع من التمسك بدليل آخر ليس فيه هذا الذيل الموجب للاجمال، فانّ إجمال الدليل عبارة عن عدم الدلالة لا الدلالة على العدم.

 وهذا الذي ذكره الشيخ (قدس سره) راجع إلى المانع الاثباتي من جريان الاستصحاب في المقام، وقد عرفت جوابه.

 وذكر المحقق النائيني(1) (قدس سره) مانعاً ثبوتياً عن جريانه بمعنى عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لمزيد الاطلاع راجع أجود التقريرات 3: 89 و 414.

ــ[308]ــ

إمكان التعبد بالاستصحاب في الطرفين مع العلم الوجداني بمخالفة أحدهما للواقع، بيانه: أنّ الأصل لو كان من الاُصول غير المحرزة ـ أي الاُصول التي ليست ناظرةً إلى الواقع، بل مفادها تعيين الوظيفة الفعلية في ظرف الشك كأصالة الاحتياط ـ فلا مانع من جريانه في أطراف العلم الاجمالي، فانّ العلم الاجمالي بحلية النظر إلى إحدى الامرأتين لكونها من المحارم لا يمنع من جريان أصالة الاحتياط في الطرفين، إذ معنى الاحتياط هو ترك الحلال مقدمة لترك الحرام، فلا تنافي بين العلم الاجمالي وأصالة الاحتياط، بخلاف ما إذا كان الأصل من الاُصول المحرزة الناظرة إلى الواقع كالاستصحاب، فان جريانه في الطرفين مع العلم بمخالفة أحدهما للواقع غير معقول، فانّ التعبد بالبناء العملي على نجاسة كلا الاناءين لا يجتمع مع العلم بطهارة أحدهما، فاطلاق دليل الاستصحاب وإن كان ظاهراً في الشمول للشك المقرون بالعلم الاجمالي، فلا قصور في مقام الاثبات، إلاّ أ نّه لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور لأجل المحذور الثبوتي.

 ويمكن الجواب عنه نقضاً وحلاً. أمّا النقض فهو أ نّه إذا كان أحد جنباً وأتى بالصلاة، فشك بعد الفراغ عنها في أ نّه اغتسل قبل الصلاة أم لا، فيحكم بصحة الصلاة المأتي بها بمقتضى قاعدة الفراغ، وبوجوب الغسل عليه للصلوات الآتية وسائر الواجبات المشروطة بالطهارة من الحدث الأكبر بمقتضى استصحاب بقاء الحدث مع العلم الاجمالي بمخالفة أحد الأصلين للواقع، مع أنّ قاعدة الفراغ أيضاً من الاُصول المحرزة لو لم تكن من الأمارات.

 وأمّا الحل، فهو أ نّه إن اُريد جريان الاستصحاب في الطرفين بنحو الكلي المجموعي بأن يتعبد بنجاسة مجموع الاناءين من حيث المجموع، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب في الطرفين بهذا المعنى، إذ موضوع الاستصحاب هو

ــ[309]ــ

الشك وليس لنا شك في نجاسة المجموع من حيث المجموع، بل لنا علم بعدم نجاسة المجموع من حيث المجموع، إذ المفروض العلم الاجمالي بطهارة أحدهما، فبعد العلم بعدم نجاسة المجموع من حيث المجموع كيف يمكن جريان استصحاب النجاسة في المجموع من حيث المجموع، بل لا مجال لجريان الاُصول غير المحرزة أيضاً في أطراف العلم الاجمالي بهذا المعنى المجموعي، لما ذكرناه من انتفاء الشك باعتبار لحاظ المجموع من حيث المجموع، ليكون مورداً لأصل من الاُصول المحرزة أو غير المحرزة.

 وإن اُريد جريان الاستصحاب في الطرفين بنحو الكلي الاستغراقي، بأن يتعبد بالاستصحاب في كل واحد من الطرفين مع قطع النظر عن الآخر، فلا محذور فيه أصلاً، لوجود الشك في كل واحد من الطرفين مع قطع النظر عن الآخر. والعلم الاجمالي بطهارة أحدهما لا يمنع عن جريان استصحاب النجاسة في خصوص كل منهما، غاية الأمر أنّ العلم المذكور هو السبب لعروض الشك في كل واحد من الطرفين، ولولا العلم الاجمالي لكانت نجاسة كل منهما محرزة بالعلم التفصيلي.

 فتحصّل مما ذكرناه: أ نّه لا مانع من جريان الاستصحاب في المقام لا إثباتاً ـ على ما ذكره الشيخ (قدس سره) ـ ولا ثبوتاً ـ على ما ذكره المحقق النائيني(قدس سره) ـ ومن العجب أ نّهما (قدس سرهما) قد التزما (1) بجريان الاستصحاب في المتلازمين مع العلم الاجمالي بمخالفة أحد الاستصحابين للواقع، كما إذا توضأ أحد غفلةً بمائع مردد بين الماء والبول، فالتزما بكونه محدثاً وبطهارة بدنه، للاستصحاب فيهما مع العلم بمخالفة أحد الاستصحابين للواقع، للملازمة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 746، أجود التقريرات 4: 271.

ــ[310]ــ

الواقعية بين بقاء الحدث ونجاسة البدن، وبين طهارة البدن ورفع الحدث. ولم يظهر وجه للفرق بين المقام وبين المثال المذكور فيما ذكراه (قدس سرهما) من المانع الثبوتي أو الاثباتي.

 وإن شئت قلت: في المقام أيضاً تلازم بين نجاسة أحد الاناءين وطهارة الآخر، غاية الأمر أنّ التلازم في المقام عرضي للعلم الاجمالي بطهارة أحدهما، والتلازم في المثال ذاتي بين بقاء الحدث ونجاسة البدن، وهذا لا يوجب التفكيك بينهما فيما هو ملاك جريان الاستصحاب.

 نعم، لا يمكن جريان الاستصحاب في المتلازمين فيما إذا دل دليل من الخارج على عدم جـواز التفكيك بينهما في الحكم مطلقاً لا في الحكم الواقعي ولا في الحكم الظاهري، كما في الماء المتمم كراً، فاذا لم نستفد من الأدلة طهارته ولا نجاسته ووصلت النوبة إلى الأصل، يكون مقتضى الاستصحاب في المتمم ـ بالفتح ـ هو النجاسة، وفي المتمم ـ بالكسر ـ هو الطهارة، مع العلم بمخالفة أحد الاستصحابين للواقع، ولايمكن الأخذ بكلا الاستصحابين لا للعلم الاجمالي المذكور، بل للاجماع على عدم جواز التفكيك بين أجزاء ماء واحد في الحكم بنجاسة بعض وطهارة بعض، فيسقط الاستصحابان عن مقام الحجية، إذ الأخذ بهما مخالف للاجماع، وبأحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح، وبأحدهما المخيّر يحتاج إلى دليل، فلا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر كأصالة الطهارة.

 فالذي تحصّل مما ذكرناه: أ نّه لا مانع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي إلاّ المخالفة العملية القطعية، أو الدليل الخارجي الدال على عدم جواز التفكيك كما مثلناه.

 وأمّا الأمارات فلا يمكن الأخذ بها في أطراف العلم الاجمالي ولو لم تلزم منه

ــ[311]ــ

المخالفة العملية، كما إذا قامت بينة على نجاسة هذا الاناء بخصوصه، وقامت بينة اُخرى على نجاسة ذاك الاناء مع العلم الاجمالي بطهارة أحدهما، وذلك لحجية الأمارات بالنسبة إلى اللوازم، فتدل الأمارة الدالة على نجاسة هذا الاناء على طهارة الاناء الآخر بالملازمة، وكذا الأمارة الاُخرى، فيقع التعارض بينهما باعتبار الدلالة المطابقيـة في أحدهما، والالتزاميـة في الآخر، فيعامل معهما معاملة المتعارضين.
 المرحلة الرابعة: في تعارض الاستصحاب مع بعض قواعد اُخر مجعولة في الشبهات الموضوعية كأصالة الصحة وقاعدتي الفراغ والتجاوز والقرعة وقاعدة اليد.

ــ[312]ــ




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net