تعارض الاستصحاب مع القرعة 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4477


ــ[412]ــ
 

الكلام في تعارض الاستصحاب مع القرعة

 والذي يستفاد من مجموع الروايات الواردة في القرعة ومواردها أ نّها جعلت في كل مورد لا يعلم حكمه الواقعي ولا الظاهري، وهذا المعنى هو المراد من لفظ المشكل في قولهم: «إنّ القرعة لكل أمر مشكل» وإن لم نعثر على رواية بهذا اللفظ، وهو المراد أيضاً من لفظ المشكل المذكور في متون الكتب الفقهية، فانّ المراد من قولهم: هو مشكل أو فيه إشكال، عدم العلم بالحكم الواقعي، وعدم الاطمئنان بالحكم الظاهري لجهة من الجهات، لا عدم العلم والاطمئنان بالحكم الواقعي فقط، إذ الاشكال بهذا المعنى موجود في جميع الأحكام الفقهية سوى القطعيات.

 وبالجملة: مورد القرعة نظراً إلى مورد الروايات الواردة فيها هو اشتباه الحكم الواقعي والظاهري، فالمراد من المجهول في قوله (عليه السلام) في رواية: «كل مجهول ففيه القرعة»(1) هو المجهول المطلق، أي المجهول من حيث الحكم الواقعي والظاهري.

وظهر بما ذكرناه أ نّه يقدم الاستصحاب على القرعة تقدم الوارد على المورود، إذ بالاستصحاب يحرز الحكم الظاهري، فلا يبقى للقرعة موضوع بعد كون موضوعه الجهل بالحكم الواقعي والظاهري على ما ذكرناه، بل يقدّم على القرعة أدنى أصل من الاُصول كأصالة الطهارة وأصالة الحل وغيرهما مما ليس له نظر إلى الواقع، بل يعيّن الوظيفة الفعلية في ظرف الشك في الواقع، إذ بعد تعيين الوظيفة الظاهرية تنتفي القرعة بانتفاء موضوعه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27: 259 ـ 260 / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 11.

ــ[413]ــ

 وظهر بما ذكرناه أيضاً أ نّه لا أساس لما هو المعروف في ألسنتهم: من أنّ أدلة القرعة قد تخصصت في موارد كثيرة، وكثرة التخصيص صارت موجبة لوهنها، فلا يمكن الأخذ بها إلاّ في موارد انجبر ضعفها بعمل الأصحاب فيها.

 وذلك لأنّ الموارد التي لم يعمل فيها بالقرعة إنّما هو لعدم اشتباه الحكم الظاهري فيها، لجريان قاعدة من القواعد الظاهرية، لا لأجل تخصيص أدلة القرعة، فلم تثبت كثرة التخصيص فيها الموجبة لوهنها.

 نعم، قد يعمل بالقرعة في بعض الموارد مع جريان القاعدة الظاهرية، للنص الخاص الوارد فيه، كما إذا اشتبه غنم موطوء في قطيع، فانّه ورد نص(1) دال على أ نّه ينصّف القطيع ويقرع ثمّ يجعل نصفين ويقرع وهكذا إلى أن يعيّن الموطوء، فيجتنب عنه دون الباقي، ولولا النص الخاص لكان مقتضى القاعدة هو الاحتياط والاجتناب عن الجميع.

 وتحصل مما ذكرناه: عدم جواز الرجوع إلى القرعة في الشبهات الحكمية أصلاً، إذ المرجع في جميع الشبهات الحكمية هي الاُصول العملية التي مفادها أحكام ظاهرية، فانّ الشبهة الحكمية إن كانت لها حالة سابقة، فالمرجع فيها هو الاستصحاب، وإلاّ فإن كان الشك في التكليف فيرجع إلى قاعدة البراءة، وإن كان الشك في المكلف به، فلا بدّ من الاحتياط. وأمّا التخيير في موارد دوران الأمر بين المحذورين فهو داخل في البراءة، إذ معنى التخيير البراءة عن الوجوب والحرمة على ما ذكرناه في محلّه(2).

 فالمورد الوحيد للقرعة هي الشبهات الموضوعية التي لايعلم حكمها الواقعي،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 24: 169 و 170 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 30 ح 1 و 4.

(2) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص 381 وما بعدها.

ــ[414]ــ

ولا تجري فيها قاعدة من القواعد الظاهرية، كما إذا تداعى رجلان في مال عند ثالث معترف بأ نّه ليس له ولم يكن له حالة سابقة، فانّه ليس مورداً لقاعدة اليد ولا الاستصحاب ولا غيرهما من القواعد، فلا بدّ من الرجوع إلى القرعة.

 بقي شيء: وهو أنّ المستفاد من أدلة القرعة اختصاصها بموارد اشتباه الواقع، بأن يكون له تعيّن واشتبه على المكلف، كما في المثال الذي ذكرناه، ويدل عليه قوله (عليه السلام): «ليس من قوم فوّضوا أمرهم إلى الله، ثمّ اقترعوا إلاّ خرج سهم المحق»(1) وقوله (عليه السلام) في ذيل رواية بعد قول الراوي: إنّ القرعة تخطئ وتصيب: «كل ما حكم الله به فليس بمخطئ»(2).

 فلا يرجع إلى القرعة في مورد لا تعيّن له في الواقع أيضاً، كما إذا طلّق أحد إحدى زوجاته بلا قصد التعيين، بأن يقول إحدى زوجاتي طالق، فعلى القول بصحة هذا الطلاق لا يمكن الرجوع إلى القرعة لتعيين المطلقة. هذا إذا لم يرد نص خاص، وإلاّ فلا مانع من الرجوع إلى القرعة وإن كان المورد مما ليس له تعيّن واقعي كما ورد النص ـ في رجل قال: أوّل مملوك أملكه فهو حر، فورث ثلاثة ـ أ نّه يقرع بينهم، فمن أصابه القرعة اعتق(3).

 هذا تمام الكلام في بحث الاستصحاب وما يلحق به، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الأطهار المعصومين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 27: 257 ـ 258 / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 4.

(2) الوسائل 27: 259 ـ 260 / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 11.

(3) الوسائل 27: 257 / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب 13 ح 2.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net