أنواع التعارض بين أكثر من دليلين وتعيين موارد الانقلاب \ 1 ـ إذا ورد عام ومخصصان منفصلان 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5820


 التعارض بين أكثر من دليلين على أنواع:

 النوع الأوّل: ما إذا قام دليل عام ومخصصان منفصلان. وهذا النوع يتصور بصور ثلاث: لأنّ النسبة بين المخصصين إمّا أن تكون هي التباين، أو العموم من وجه، أو العموم المطلق. مثال الصورة الاُولى: قوله تعالى: (... وَحَرَّمَ الرِّبَا...)(1) بملاحظة ما يدل على أ نّه لا ربا بين الوالد والولد، وما يدل على أ نّه لا ربا بين الزوج وزوجته، وكذا بين السيد ومملوكه(2). ومثال الصورة الثانية: ما إذا قال المولى: أكرم العلماء ثمّ قال: لا تكرم العالم الفاسق، وقال أيضاً: لا تكرم العالم الشاعر. ومثال الصورة الثالثة: ما إذا قال المولى: أكرم العلماء ثمّ قال: لا تكرم العالم العاصي لله سبحانه، وقال أيضاً: لا تكرم العالم المرتكب للكبائر.

 أمّا الصورة الاُولى: فلا إشكال في وجوب تخصيص العام بكلا المخصصين فيها، بلا فرق بين القول بانقلاب النسبة والقول بعدمه، إذ لا يفترق الحال بين لحاظ العام مع كلا المخصصين في عرض واحد، وبين لحاظه مع أحدهما بعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2: 275.

(2) الوسائل 18: 135 ـ 136 / أبواب الربا ب 7.

ــ[468]ــ

لحاظه مع الآخر، لأن نسبة العام إلى كل من المخصصين هي العموم المطلق على كل تقدير، فيجب تخصيص العام بكلا المخصصين، والحكم بعدم حرمة الربا بين الوالد وولده، وبين الزوج وزوجته، وبين السيد ومملوكه.

 هذا فيما إذا لم يستلزم تخصيص العام بكليهما التخصيص المستهجن، أو بقاء العام بلا مورد. وأمّا إذا اسـتلزم ذلك كما إذا قام دليل على استحباب إكرام العلماء، وقام دليل على وجوب إكرام العالم العادل، وقام دليل آخر على حرمة إكرام العالم الفاسق، فانّه إن خصصنا دليل الاستحباب بكل من دليلي الوجوب والحرمة، يبقى دليل الاستحباب بلا مورد على القول بعدم الواسطة بين العدالة والفسق، بأن تكون العدالة عبارة عن ترك الكبائر، ويلزم حمله على الفرد النادر على القول بثبوت الواسطة بينهما، بأن تكون العدالة عبارة عن الملكة، فمن لم يرتكب الكبائر ولم تحصل له الملكة ـ كما قد يتفق للانسان في أوّل بلوغه ـ فهو لا يكون عادلاً ولا فاسقاً.

 فلا يمكن الالتزام بتخصيص العام بكل من المخصصين في مثل ذلك، بل يقع التعارض بين العام والمخصصين، للعلم بكذب أحد هذه الأدلة الثلاثة، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجحات السندية، ولا يخلو الأمر من صور ست:

 1 ـ أن يكون العام راجحاً على كلا الخاصين.

 2 ـ أن يكون مرجوحاً بالنسبة إلى كليهما.

 3 ـ أن يكون مساوياً لكليهما.

 4 ـ أن يكون راجحاً على أحدهما ومساوياً للآخر.

 5 ـ أن يكون مرجوحاً بالنسبة إلى أحدهما ومساوياً للآخر.

 6 ـ أن يكون راجحاً على أحدهما ومرجوحاً بالنسبة إلى الآخر.

ــ[469]ــ

 أمّا إن كان العام مرجوحاً بالنسبة إلى كلا الخاصين، فلا إشكال في طرحه والعمل بهما.

 وأمّا إن كان راجحاً على كليهما فالمعروف بينهم طرحهما لوقوع التعارض بين العام ومجموع الخاصين، وحيث إنّ العام أرجح من كليهما فيجب طرحهما والأخذ بالعام، ولكنّه غير صحيح، لعدم وقوع التعارض بين العام ومجموع الخاصين فقط، بل التعارض إنّما هو بين أحد هذه الثلاثة وبين الآخرين، لأنّ المعلوم إنّما هو كذب أحدها لا غير، فبعد الأخذ بالعام لرجحانه على كلا الخاصين، لا وجه لطرحهما معاً، لانحصار العلم بكذب أحدهما، فيقع التعارض العرضي بينهما.

 فان كان أحد الخاصين راجحاً على الآخر، يجب الأخذ بالراجح وطرح المرجوح.

 وإن كانا متساويين، يجب الأخذ بأحدهما تخييراً وطرح الآخر، فتكون النتيجة هو الأخذ بالعام وبأحد الخاصين تعييناً أو تخييراً، وطرح الخاص الآخر لا طرح كلا الخاصين.

 ولا يخفى أنّ ما ذكرناه ـ من التخيير في هذا الفرض وما سنذكره في الفروض الآتية ـ مبني على تمامية الأخبار الدالة على التخيير، وأمّا بناءً على عدم تماميتها كما سنذكره(1) إن شاء الله تعالى، فالمتعيّن طرح كلا المتعارضين والرجوع إلى الاُصول العملية.

 وأمّا إن كان العام راجحاً على أحد الخاصين ومساوياً للآخر، وجب الأخذ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 508 ـ 512.

ــ[470]ــ

بالعام والخاص المساوي، وطرح الخاص المرجوح، وظهر وجهه ما ذكرناه. وظهر الحكم أيضاً فيما إذا كان العام مرجوحاً بالنسبة إلى أحدهما ومساوياً للآخر، فانّه يجب الأخذ بالخاص الراجح، ويتخير بين الأخذ بالعام والأخذ بالخاص المساوي له.

 وأمّا إن كان العام راجحاً على أحدهما ومرجوحاً بالنسبة إلى الآخر، فالمكلف مخير بين الأخذ بالعام وطرح كلا الخاصين، وبين الأخذ بكلا الخاصين وطرح العام على ما ذكره صاحب الكفاية(1)  (قدس سره) لأنّ التعارض إنّما هو بين العام ومجموع الخاصين، وبعد كون أحد الخاصين راجحاً على العام والآخر مرجوحاً، تكون النتيجة بعد الكسر والانكسار تساوي العام مع مجموع الخاصين، فيكون المكلف مخيراً بين الأخذ بالعام وطرح كلا الخاصين، وبين الأخذ بكلا الخاصين وطرح العام، انتهى ملخّصاً.

 وظهر فساده مما ذكرناه آنفاً من عدم المعارضة بين العام ومجموع الخاصين، لعدم العلم الاجمالي بكذب العام أو مجموع الخاصين، بل العلم إنّما هو بكذب أحد هذه الثلاثة، فلا بدّ من الأخذ بالعام والخاص الراجح وطرح الخاص المرجوح.

 وظهر بما ذكرناه أيضاً حكم ما إذا كان العام مساوياً لكلا الخاصين، فانّه بعد العلم بكذب أحد الثلاثة وعدم الترجيح بينها، يتخير بين طرح العام والأخذ بكلا الخاصين، والأخذ بالعام مع أحد الخاصين وطرح الخاص الآخر.

 وظهر مما ذكرناه حكم التعارض بالعرض إذا كان بين أكثر من دليلين، كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ذكر (قدس سره) ذلك في حاشية الفرائد: 466.

ــ[471]ــ

إذا دل دليل على وجوب شيء، ودل دليل على حرمة شيء آخر، ودل دليل ثالث على استحباب شيء ثالث، وعلمنا من الخارج بكذب أحد هذه الأدلة الثلاثة، فتجري الصور السابقة بعينها ويعلم حكمها مما تقدم، فلا حاجة إلى الاعادة، ومجمل القول أ نّه يطرح أحد هذه الأدلة الثلاثة على التعيين أو التخيير، ويؤخذ بالآخرين، هذا كله حكم الصورة الاُولى.

 وأمّا الصورة الثانية: وهي ما إذا كانت النسبة بين الخاصين العموم من وجه، كما إذا قال المولى: أكرم العلماء ثمّ قال: لا تكرم العالم الفاسق، وقال أيضاً: لا تكرم العالم الشاعر، فالحكم في هذه الصورة هو ما ذكرناه في الصورة السابقة، من تخصيص العام بكلا المخصصين إذا لم يستلزم التخصيص المستهجن وبقاء العام بلا مورد، كما في المثال المذكور فانّه بعد إخراج العالم الفاسق والعالم الشاعر من عموم دليل وجوب إكرام العلماء، تبقى تحت العام أفراد كثيرة.

 وأمّا إذا استلزم أحد المحذورين المذكورين، فيقع التعارض لا محالة، فتتصور بالصور السابقة، ويعرف حكمها مما تقدم بلا حاجة إلى الاعادة.

 وربّما يتوهّم في المقام انقلاب النسبة، وعدم جواز تخصيص العام بكلا المخصصين ـ ولو لم يكن فيه محذور ـ فيما إذا تقدم أحد الخاصين زماناً على الآخر، كما إذا صدر العام من أمير المؤمنين (عليه السلام) وأحد الخاصين من الباقر (عليه السلام) والخاص الآخر من الصادق (عليه السلام) فانّه يخصص العام بالخاص الصادر من الباقر (عليه السلام) أوّلاً إذ به يكشف عدم تعلق الارادة الجدية من لفظ العام بالمقدار المشمول له، فلا يكون العام حجةً بالنسبة إليه، ثمّ تلاحظ النسبة بين العام والخاص الصادر من الصادق (عليه السلام) وهي العموم من وجه حينئذ، ففي المثال المذكور ـ بعد خروج العالم الفاسق من قوله: أكرم العلماء ـ يكون المراد منه العلماء العدول، والنسبة بينهم وبين العالم

ــ[472]ــ

الشاعر هي العموم من وجه، لاجتماعهما في العالم العادل الشاعر، وافتراقهما في العالم العادل غير الشاعر، والعالم الشاعر غير العادل. وهذا هو الفارق بين هذه الصورة والصورة الاُولى، فانّ النسبة بين العام وأحد الخاصين بعد تخصيص العام بالخاص الآخر هي النسبة بينهما قبله في الصورة الاُولى، فلا تنقلب النسبة أصلاً، بخلاف الصورة الثانية كما عرفت.

 وهذا التوهّم مدفوع بما ذكرناه سابقاً (1) من أنّ الأئمة (عليهم السلام) كلهم بمنزلة متكلم واحد، فانّهم يخبرون عن الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله) ولهذا يخصص العام الصادر من أحدهم بالخاص الصادر من الآخر منهم (عليهم السلام) فانّه لولا أنّ كلهم بمنزلة متكلم واحد لا وجه لتخصيص العام في كلام أحد بالخاص الصادر من شخص آخر، فاذن يكون الخاص الصادر من الصادق (عليه السلام) مقارناً مع العام الصادر من أمير المؤمنين (عليه السلام) بحسب مقام الثبوت، وإن كان متأخراً عنه بحسب مقام الاثبات. وكذا الخاص الصادر من الباقر (عليه السلام) فكما أنّ الخاص المقدّم زماناً يكشف عن عدم تعلق الارادة الجدية من لفظ العام بالمقدار المشمول له، كذلك الخاص المتأخر أيضاً يكشف عن عدم تعلق الارادة الجدية من لفظ العام بالمقدار الذي يكون مشمولاً له، وكلاهما في مرتبة واحدة.

 ويتضح ما ذكرناه بالمراجعة إلى الأوامر العرفية، فانّه لو صدر من المولى عام وخاصان في زمان واحد مع كون النسبة بين الخاصين عموماً من وجه، فأرسل الخاصين إلى العبد في زمان واحد بتوسط شخصين، فوصل أحدهما إلى العبد قبل وصـول الآخر، لا يكون وصول أحدهما قبل الآخر موجباً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 463.

ــ[473]ــ

لانقلاب النسبة بين العام والخاص المتأخر، مع صدورهما من المولى في رتبة واحدة، بل لا بدّ من تخصيص العام بكليهما، كما هو واضح.

 وأمّا الصورة الثالثة: وهي ما إذا كانت النسبة بين الخاصين العموم المطلق، فهل يجب تخصيص العام بالأخص أوّلاً ثمّ ملاحظة النسبة بين العام والخاص، فتنقلب النسبة من العموم المطلق إلى العموم من وجه، أو يخصص العام بكلا الخاصين؟

 الظاهر هو الثاني، إذ بعد فرض كون نسبة الخاصين إلى العام على حد سواء، لا وجه لتخصيص العام بأحدهما أوّلاً ثمّ ملاحظة النسبة بين العام والخاص الآخر. ولا منافاة بين الخاص والأخص حتى يتقيد الأوّل بالثاني.

 فاذا ورد في رواية أ نّه يجب إكرام العلماء، وفي رواية اُخرى أ نّه لا يجوز إكرام العالم العاصي، وفي رواية ثالثة أ نّه لا يجوز إكرام العالم المرتكب للكبائر، يخصص العام بكلا المخصصين، ويحكم بحرمة إكرام خصوص العالم المرتكب للكبائر، وحرمة إكرام العالم العاصي بقول مطلق. ولا منافاة بين حرمة إكرام خصوص العالم المرتكب للكبائر وحرمة إكرام مطلق العالم العاصي حتى يقيّد العالم العاصي بالمرتكب للكبائر، فان توهم المنافاة بينهما مبني على المفهوم، وقد ذكرنا في محلّه(1) عدم حجية مفهوم الوصف واللقب.

 وتوهم لغوية تخصيص العام بالأخص في عرض تخصيص العام بالخاص ـ فانّ تخصيص قوله يجب إكرام العلماء بقوله: لا يجوز إكرام العالم العاصي يغني عن تخصيصه بقوله: لا يجوز إكرام العالم المرتكب للكبائر ـ مدفوع بأ نّه يمكن أن يكون تخصيص العام بالأخص مع تخصيصه بالخاص لغرض من الأغراض،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ محاضرات في اُصول الفقه 4: 278 ـ 281.

ــ[474]ــ

كما إذا كان السؤال عن الأخص، أو كان محل الحاجة، أو لأجل الأهمية، أو لكونه الغالب، أو غير ذلك من الأغراض الموجبة لذكر الأخص فقط، وقد ورد في الروايات ما يدل على عدم جواز الصلاة خلف شارب الخمر(1)، وورد أيضاً ما يدل على عدم جواز الصلاة خلف الفاسق(2)، فقوله (عليه السلام): «لا تصلّ خلف الفاسق» لا يوجب لغوية قوله (عليه السلام): «لاتصل خلف شارب الخمر» ولا منافاة بينهما، غاية الأمر أ نّه يكون تخصيص شارب الخمر بالذكر في قـوله: «لا تصلّ خلف شارب الخمر» لغرض من الأغراض، فكذا في المقام. هذا كله فيما إذا كان كلا الخاصين منفصلاً عن العام.

 وأمّا إذا كان الأخص منهما متصلاً بالعام، كما إذا ورد في رواية أ نّه يجب إكرام العلماء إلاّ العالم المرتكب للكبائر، وفي رواية اُخرى أ نّه يحرم إكرام العالم العاصي، فتكون النسبة بين العام المخصص بالمتصل والخاص المنفصل العموم من وجه، فان اتصال الأخص بالعام كاشف عن عدم تعلق الارادة الاستعمالية بالنسبة إلى ما يشمله الأخص، فلا ينعقد للعام ظهور بالنسبة إليه من أوّل الأمر، فتكون النسبة بين العام والخاص المنفصل العموم من وجه، لاجتماعهما في العالم العاصي غير المرتكب للكبائر، وافتراقهما في العالم العادل والعالم المرتكب للكبائر، فتقع المعارضة بينهما في مادة الاجتماع، ويعامل معهما معاملة المتعارضين، وهذا هو الفارق بين المخصص المتصل والمخصص المنفصل.

 بقي شيء: وهو أ نّه بعد ما عرفت أنّ الحكم فيما إذا كان كلا الخاصين منفصلاً عن العام عدم انقلاب النسبة وتخصيص العام بكليهما، وفيما إذا كان أخص الخاصين متصلاً بالعام هو انقلاب النسبة، لو فرض وجود عام لم يتصل به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)، (2) راجع الوسائل 8: 313 / أبواب صلاة الجماعة ب 11.

ــ[475]ــ

مخصص أصلاً وعام آخر اتصل به أخص الخاصين، كما إذا ورد في رواية أ نّه يجب إكرام العلماء، وفي رواية اُخرى أ نّه يجب إكرام العلماء إلاّ العالم المرتكب للكبائر، وفي ثالثة أ نّه يحرم إكرام العالم العاصي، فهل يعامل معاملة المخصص المنفصل وتخصيص العام بكلا المخصصين باعتبار انفصالهما عن العام الأوّل، أو يعامل معاملة المخصص المتصل باعتبار اتصال أخص الخاصين بالعام الثاني، فيخصص العام الأوّل بالمخصص المتصل بالعام الثاني، ثمّ تلاحظ النسبة بينه وبين المخصص المنفصل، وهي العموم من وجه، فتقع المعارضة بينهما في مادة الاجتماع، فيعامل معهما معاملة المتعارضين؟

 اختار المحقق النائيني (قدس سره)(1) الثاني، لوجهين:

 الوجه الأوّل: أنّ العام الأوّل قد تخصص بالمخصص المتصل بالعام الثاني يقيناً، لعدم المعارضة بين الخاصين بالنسبة إلى المقدار المشمول للأخص منهما، فيكون مفاد العام الأوّل عين مفاد العام الثاني المتصل به أخص الخاصين، ومن الظاهر أنّ النسبة بينه وبين الخاص الآخر المنفصل العموم من وجه.

 الوجه الثاني: أنّ الخاص المنفصل بنفسه مبتلىً بالمعارض وهو العام الثاني المتصل به أصل الخاصين، فلا يكون صالحاً لتخصيص العام الأوّل، انتهى ملخص كلامه (قدس سره).

 أقول: أمّا الوجه الأوّل، فقد ظهر ما فيه مما تقدم من أ نّه لا وجه لتخصيص العام بأحد المخصصين أوّلاً ثمّ ملاحظة النسبة بينه وبين الخاص الآخر على ما تقدم. وأمّا الوجه الثاني فهو وإن كان صحيحاً، إلاّ أ نّه لا ينتج التعارض بين العام الأوّل والخاص المنفصل، فانّه بعد ابتلاء الخاص المنفصل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 4: 303 ـ 304، فوائد الاُصول 4: 744 ـ 745.

ــ[476]ــ

بالمعارض، لا بدّ من معالجة التعارض بينهما ثمّ ملاحظة العام الأوّل، فان قلنا بالتساقط، فلا مانع من الرجوع إلى العام، وإن قلنا بالرجوع إلى المرجحات وإلى التخيير مع فقدها، فان أخذنا بالعام المتصل به أخص الخاصين للترجيح أو التخيير، يطرح الخاص المنفصل، فيبقى العام الأوّل بلا معارض أيضاً. وإن أخذنا بالخاص المنفصل للترجيح أو التخيير، يخصص به العام الأوّل، لكونه أخص مطلقاً بالنسبة إليه، فلا يكون بين العام الأوّل والمخصص المنفصل تعارض على كل حال.

 ثمّ إنّه لا بأس بالاشارة إلى الجمع بين الأدلة الواردة في ضمان العارية، فنقول: الأخبار الواردة في ذلك الباب على طوائف:

 منها: ما يدل على نفي الضمان في العارية بقول مطلق(1).

 ومنها: ما يدل على نفي الضمان مع عدم الاشتراط، وإثباته معه(2).

 ومنها: ما يدل على نفي الضمان في غير عارية الدراهم، وإثباته فيها (3).

 ومنها: ما يدل على نفي الضمان في غير عارية الدنانير وإثباته فيها (4).

 ومنها: ما يدل على نفي الضمان في غير عارية الذهب والفضة وإثباته في عاريتهما (5).

 أمّا ما يدل على ثبوت الضمان مع الاشتراط، فنسبته مع سائر المخصصات العموم من وجه، إذ ربّما يكون الاشتراط في غير عارية الدرهم والدينار، وربّما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19: 92 / كتاب العارية ب 1 ح 3 وغيره.

(2) الوسائل 19: 91 / كتاب العارية ب 1 ح 1.

(3)، (4)، (5) الوسائل 19: 96 و 97 / كتاب العارية ب 3 [ والأحاديث الواردة في الباب مصرِّحة بضمان المذكورات إشترط أو لم يشترط ].

ــ[477]ــ

يكون الاشتراط في عاريتهما، وربّما تكون عارية الدرهم أو الدينار بلا اشتراط. وكذا الحال بالنسبة إلى ما يدل على الضمان في عارية الذهب والفضة، فانّ النسبة بينه وبين ما يدل على الضمان مع الاشتراط أيضاً العموم من وجه، فمقتضى القاعدة هو تخصيص العام بجميع هذه المخصصات، لما ذكرناه سابقاً (1): من أ نّه إذا كانت النسبة بين المخصصات العموم من وجه، يخصص العام بجميعها.

 وأمّا ما يدل على نفي الضمان في غير عارية الدرهم وإثباته فيها، وما يدل على نفي الضمان في غير عارية الدينار وإثباته فيها، فهما بمنزلة رواية واحدة دالة على نفي الضمان في غير عارية الدرهم والدينار وإثباته في عاريتهما، إذ الأوّل منهما يدل على نفي الضمان في عارية الدنانير بالاطلاق، وعلى إثباته في عارية الدرهم بالتصريح، والثاني منهما يدل على نفي الضمان في عارية الدرهم بالاطلاق، وعلى إثباتـه في عارية الدينار بالتصريح، وبين إطلاق السلب في كل منهما والايجاب في الآخر جمع عرفي بتقييد إطلاق السلب في كل منهما بالايجاب في الآخر، فيجمع بينهما على النحو المزبور. ويصير حاصل مضمونهما نفي الضمان في غير عارية الدرهم والدينار وإثباته في عاريتهما، وتقع المعارضة بينهما وبين ما يدل على نفي الضمان في غير عارية الذهب والفضة وإثباته في عاريتهما، أي العقد السلبي من الروايتين معارض بالايجاب فيما يدل على نفي الضمان في غير عارية الذهب والفضة وإثباته في عاريتهما، والنسبة بينهما هي العموم من وجه، لاختصاص العقد السلبي منهما بنفي الضمان في مثل عارية الكتب، واختصاص الايجاب في هذه الرواية باثبات الضمان في عارية الدرهم والدينار، ويجتمعان في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 471.

ــ[478]ــ

عارية الذهب والفضة غير المسكوكين كالحلي، ومقتضى القاعدة تساقطهما فيه والرجوع إلى العام الفوق الذي يدل على نفي الضمان بقول مطلق، إلاّ أنّ في المقام خصوصية تقتضي تقديم الايجاب في هذه الرواية على السلب فيهما.

 بيان ذلك: أ نّه سيجيء ـ عند التكلم عن المرجحات(1) ـ أ نّه إذا كان تقييد أحد المتعارضين بالعموم من وجه في مادة الاجتماع مستلزماً لاستهجانه دون العكس، تقدم الآخر حذراً من الاستهجان، والمقام كذلك فانّ حمل ما يدل على ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة على خصوص الدرهم والدينار حمل للمطلق على الفرد النادر، فانّ استعارة الدرهم والدينار نادر جداً لو لم يكن منتفياً رأساً، لأن استيفاء المنفعة المقصودة منهما غالباً لا يمكن إلاّ بالتصرف في عينهما، والمعتبر في العارية إمكان الانتفاع مع بقاء العين كما هو الحال في الوقف، ومن ثمّ ذهب بعض إلى عدم صحة وقفهما، وهذا بخلاف مثل الحلي فانّ عاريته أمر متعارف، فاذن يؤخذ بايجاب ما يدل على ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة، ويخصص به العام الفوق وهو ما يدل على عدم الضمان بقول مطلق، ويحكم بالضمان في مطلق الذهب والفضة.
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ لم نعثر عليه ].




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net