البحث في إمكان أخذ بقية الدواعي في الواجب - الوجوه المستدل بها على اقتضاء الأصل اللفظي التعبّدية 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4291


اعتبار بقية الدواعي

وقع النزاع بين الأعلام في إمكان اعتبار جملة من الدواعي للعمل في العبادة جزءاً وشرطاً ، كقصد المحبوبية ، أو قصد المصلحة ، أو إتيان العبادة بداعي أنّ الله تعالى أهل للعبادة ، وغير ذلك . وعلى تقدير إمكان الاعتبار فهل يمكن التمسّك بالإطلاق لو تجرّد خطاب المولى عن كل قرينة ؟

ذهب صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) إلى أنّ هذه الدواعي وإن أمكن تعلّق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 74 .

ــ[248]ــ

الأمر بها ، وجعلها جزءاً من المأمور به ، إلاّ أنّنا نعلم قطعاً بعدم اعتبارها في العبادة وذلك فإنّ المكلّف لو صلّى بداعي الأمر دون أن يلتفت إلى أحد هذه الدواعي المذكورة ، فلا إشكال في سقوط التكليف عنه ، والحكم بفراغ ذمّته . ولو كان شيء من هذه الدواعي دخيلا في المأمور به لما سقط التكليف عنه .

وغير خفي أنّ غاية ما جاء به (قدّس سرّه) هو القطع بعدم اعتبار قصد المحبوبية أو المصلحة في العبادة بشخصه ، وهو لا يلازم القطع بعدم اعتبار الجامع القربي بين هذه الدواعي في العبادة . فلعلّ صحّة الصلاة المأتي بها بداعي أمرها إنّما هي من جهة تحقّق الجامع القربي المعتبر في العبادة ، فغاية ما يترتّب على الحكم بصحّة الصلاة المأتي بها بداعي الأمر هو الجزم بعدم اعتبار خصوص قصد المحبوبية ونحوه من الدواعي القربية في المأمور به ، وأمّا الجزم بعدم اعتبار الجامع القربي فلا .

إن قلت : إذا صحّ الإتيان بالصلاة بداعي أمرها ، كشف ذلك عن تعلّق الأمر بذاتها ، ليصحّ التقرّب بها بإيجادها بداعي أمرها ، ومع ذلك كيف يمكن احتمال أخذ الجامع القربي ـ أعم من قصد الأمر وغيره ـ في متعلّق الأمر .

قلت : جواز الإتيان بالصلاة بداعي أمرها لا يقتضي تعلّق الأمر النفسي بذات الصلاة من دون تقيّدها بقصد القربة ، بل من الممكن تعلّقه بالمركّب منها ومنه ومع ذلك يصحّ الإتيان بذات الصلاة بداعي أمرها ، وذلك لما عرفت(1) من أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب ينحل إلى أجزائه لا محالة ، فلو أتى بالصلاة ـ مثلا ـ بداعي أمرها الضمني فقد تحقّق المركّب خارجاً وصحّ العمل ، هذا .

وقد ذهب شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) إلى عدم إمكان التقييد بهذه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص240 وما بعدها .

(2) أجود التقريرات 1 : 163 وما بعدها .

ــ[249]ــ

الدواعي في العبادة ، بتقريب : أنّ الإرادة التشريعية نظير الإرادة التكوينية ، وحيث يستحيل تعلّق الإرادة التكوينية بهذه الدواعي فكذلك الإرادة التشريعية .

والوجه في ذلك : أنّ حقيقة الداعي هو ما تنبعث الإرادة منه في نفس المكلّف للقيام بالعمل ، وبهذا تكون الإرادة متأخّرة عن الداعي ، لأنّها معلولة له ، وهو بمنزلة العلّة لها ، ومن شأن كل علّة أن تتقدّم على معلولها ، ومع التسليم بهذا الأمر لا يمكن تعلّق الإرادة بالداعي ، فإنّه من تقدّم الشيء على نفسه ، وهو باطل . وإذا فرض عدم إمكان تعلّق الإرادة التكوينية بالداعي ، فكذلك لا يمكن تعلّق الإرادة التشريعية به ، لأنّها مثلها . والنتيجة : أنّ الأمر لا يتعلّق بالعبادة مع داعي المحبوبية وغيرها .

والجواب عن ذلك أولا : أنّه لو كان ما ذكره ـ من عدم صحّة التحريك نحو داع من الدواعي ـ صحيحاً ، وكونه أمراً غير معقول تكويناً وتشريعاً ، فكيف تصحّحون ذلك بالأمر الثاني ، أي متمّم الجعل ؟

وبعبارة اُخرى : أنّ ما ذكره (قدّس سرّه) لا يتلائم مع تصحيحه الآتي في اعتبار الدواعي في المتعلّق في الاحتياج إلى أمرين : أحدهما : متعلّق بذات العمل ثانيهما : متعلّق باتيان العمل بداعي أمره ، لأنّ الوجه المذكور في تقريب الاستحالة لا يفرق فيه بين أخذ الدواعي المذكورة في متعلّق الطلب الأول ، أو الثاني .

وثانياً : أنّ ما أفاده (قدّس سرّه) إنّما يستدعي استحالة تعلّق خصوص الإرادة الناشئة من أحد الدواعي القربية بذلك الداعي ، فإنّ الإرادة الناشئة عن داع يستحيل تعلّقها بذلك الداعي ، لتأخّرها عنه ، فكيف تتقدّم عليه . وأمّا تعلّق إرادة اُخرى بذلك الداعي غير الإرادة الناشئة منه فلا استحالة فيه ، وحيث إنّ الواجب مركّب من العمل الخارجي وأحد الدواعي القربية ، فالإرادة المتعلّقة بالعمل الخارجي ناشئة عن أحد الدواعي ، ولكن ذلك الداعي الذي هو فعل ينبعث عن

ــ[250]ــ

إرادة اُخرى ، وعليه فلا مانع من تعلّق الأمر بالمركّب من الفعل الخارجي والداعي النفساني .

وقد ظهر ممّا ذكرناه : أنّ أخذ بقية الدواعي القربية في متعلّق الأمر لا مانع منه  ، وكذا أخذ الجامع بينها وبين قصد الأمر ، ولو قلنا باستحالة أخذ قصد الأمر بخصوصه في متعلّق الأمر .

فإن قلت : لو سلّمنا استحالة أخذ قصد الأمر في المتعلّق ، فلا معنى لأخذ الجامع بينه وبين غيره من الدواعي القربية فيه ، بل لابدّ وأن يؤخذ الجامع بين غيره بخصوصه ، وقد عرفت أنّه غير مأخوذ في المتعلّق قطعاً ، وذلك لصحّة الإتيان بالعمل العبادي بقصد أمره دون أن يقصد غيره من الدواعي القربية .

قلت : إنّ الإطلاق ليس بمعنى الجمع بين القيود ، بل معناه رفض القيود ولحاظ عدم مدخلية شيء منها في المأمور به ، بحيث لو أمكن على فرض محال إتيان الطبيعي متميّزاً عن جميع الخصوصيات الوجودية كان كافياً في مقام الامتثال  .

وعليه فلا مانع من أخذ الجامع القربي في العبادات ، لأنّه إنّما يستحيل فيما إذا كان معناه لحاظ قصد أمر في المتعلّق والأمر به بهذه الخصوصية ، ولحاظ قصد المحبوبية والأمر به بخصوصه ، لأنّه يستلزم تقدّم الشيء على نفسه ، وغيره من المحاذير المتقدّمة ، وهذا بخلاف ما إذا كان أخذ الجامع بمعنى لحاظ عدم دخل شيء من خصوصية قصد الأمر وغيره في المتعلّق ، وعدم الأمر بخصوصه ، فإنّه لا محذور فيه ، فإنّ المحذور إنّما كان في أخذ قصد الأمر في متعلّقه ، لا في عدم أخذه فيه .

ثمّ إنّه على تقدير التنزّل والالتزام بأنّه لا يمكن التقييد لا بخصوص قصد الأمر ، ولا بالجامع بينه وبين بقية الدواعي ، يمكن للمولى التوصّل إلى غرضه في الواجبات العبادية بتقييد المأمور به بلازم قصد الأمر .

ــ[251]ــ

بيان ذلك : أنّ كل فعل اختياري لابدّ وأن يكون صادراً عن داع من الدواعي التي تبعث المكلّف نحو العمل ، والدواعي إمّا نفسانية وإمّا إلهية ، ولا ثالث لهما . فلو منع المولى من إتيان الفعل بداع نفساني ، فلا محالة أنّه يتحقّق الفعل بالداعي الإلهي . مثلا لو أمر المولى بوجوب الدفن مقيّداً بعدم إتيانه بداع من الدواعي النفسانية ، فقد أخذ في متعلّق حكمه أمراً عدمياً ملازماً لإتيان الفعل مضافاً به إلى المولى ، وبهذه الوسيلة يتوصّل إلى غرضه .

إلاّ أنّه يستفاد من بعض كلمات شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) الإشكال على ذلك أيضاً ، وحاصله : أنّه لو فرض محالا انفكاك العمل العبادي عن الدواعي النفسية والإلهية ، وقد أتى العبد بالفعل بلا داع نفساني ، ولكنّه لم يأت به بداع إلهي أيضاً ـ لفرض انفكاكهما بفرض مستحيل ـ فهل العمل متّصف بالصحّة ، ومسقط للوجوب ؟ فإن قيل : بالصحّة وسقوط الغرض لزم إنكار البديهي ، والالتزام بخلاف ما تقتضيه الضرورة ، فإنّ المسقط للغرض في المقام هو العمل المأتي به بداع قربي
والمفروض عدم إتيانه بذلك . وإن قيل بالفساد ، قلنا : لا وجه للحكم بفساده بعد مطابقته للمأمور به ، فإنّ الواجب هو العمل بلا داع نفساني ، والمفروض أنّه أتى به كذلك ، فما وجه عدم صحّته ؟

وغير خفي أنّ غرض المولى من اعتبار العنوان الملازم في العبادة إنّما هو التوصّل إلى مقصوده خارجاً ، فلو فرضنا أنّ عدم إتيان العبادة بالداعي النفساني يلازم الإتيان بالداعي الإلهي خارجاً ، لعدم الانفكاك بينهما ، فلا مانع من اعتباره في متعلّق الأمر توصّلا إلى غرضه ، أمّا الانفكاك محالا فليس له الأثر أصلا ، إنّما الأثر على الخارج كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 166 .

ــ[252]ــ

ثمّ على تقدير التنزّل والقول بأنّه لا يمكن التقييد بخصوص داعي الأمر ، ولا بالجامع بينه وبين بقية الدواعي ، ولا بما يكون ملازماً للداعي القربي ، يمكن للمولى التوصّل إلى غرضه بالإخبار عن ذلك بجملة خبرية بعد طلبه الأول ، بأن يقول مثلا  : إنّ غرضي لا يحصل من ذلك الأمر المتعلّق بالصلاة ـ مثلا ـ إلاّ إذا أتى بها بداعي الأمر ، وقد حالت الموانع دون أخذ هذا المعنى في المتعلّق ، فلو أطلق كلامه ولم يأت بالجملة الخبرية أمكن الأخذ بالأمر الأول ، والإتيان بالعمل بلا داعي الأمر فيه .

أمّا شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) فقد اختار طريقة توصل إلى اعتبار داعي الأمر في العبادة ، سليمة من المحاذير المتقدّمة ، وتلك الطريقة هي الأمر ثانياً باتيان العبادة بداعي أمرها الأول ، ويسمّى الأمر الثاني بمتمّم الجعل ، ونتيجته نتيجة التقييد .

وببيان أوضح : أنّ اعتبار داعي الأمر قيداً في متعلّق الأمر الأول غير ممكن على مسلكه (قدّس سرّه) ولا يسقط غرض المولى بمجرد إتيان متعلّق الأمر الأول بدون داعي الأمر ، فلابدّ وأن يأمر ثانياً باتيان العبادة بداعي الأمر الأول ، فيكون في المقام أمران : أحدهما : متعلّق بذات العبادة ، وثانيهما : متعلّق باتيان العبادة بداعي الأمر الأول ، ولا محذور في ذلك أصلا . فلو اقتصر المولى على بيان الأمر الأول ، من دون تعرّضه للأمر الثاني في ظرف يستطيع من بيانه ، أمكن إثبات التوصّلية بذلك .

وقد أشكل صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(2) على هذه الطريقة بما حاصله :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 173 .

(2) كفاية الاُصول : 74 .

ــ[253]ــ

أنّ التكليف إن سقط بالإتيان بالمأمور به بالأمر الأول فلا يبقى مجال للأمر الثاني لانتفاء موضوعه . وإن لم يسقط بالإتيان حينئذ ، فالأمر الأول بنفسه يستدعي الإتيان بداعي الأمر ، لحكم العقل بلزوم تحصيل غرض المولى ، فلا حاجة إلى الأمر الثاني .

والجواب عمّا أشكله في الكفاية : أنّا نلتزم بعدم سقوط الأمر الأول إذا أتى به من دون قصد القربة مع وجود الأمر الثاني ، وبسقوطه مع عدمه ، فلا يكون الأمر الثاني لغواً .

بيان ذلك : أنّه إن أتى به المولى كشف عن أخصية الغرض ، وأنّه لا يحصل الغرض إلاّ بإتيانه بداعي القربة ، ويعبّر عنه بنتيجة التقييد ، وإن لم يأت به يستكشف من ذلك وفاء المأمور به بالأمر الأول بالغرض ، فيسقط ولو كان غير مقرون بقصد القربة . ويعبّر عنه بنتيجة الإطلاق .

وممّا ذكرنا ظهر أنّه لو قلنا بمقالة شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) من استحالة تقييد المأمور به بقصد الأمر ، وأنّه إذا استحال التقييد استحال الإطلاق ، فلا بأس بما أفاده من إمكان التوصّل إلى الغرض بالأمر الثاني . وقد ذكرنا أيضاً أنّه يمكن التوصّل إلى الغرض بجملة خبرية .

وعليه فالتمسّك بالإطلاق ممكن في ناحية المأمور به على عدم التعبّدية بأحد الوجوه المتقدّمة .

تنبيه : ذهب بعضهم إلى أنّ الأصل اللفظي عند الشكّ في تعبّدية واجب وتوصّليته يقتضي أن يكون تعبّدياً ، مستدلا على ذلك بوجوه :

الوجه الأول : أنّ الأمر فعل اختياري للمولى ، وشأن كل فعل اختياري أن يقع عن داع من الدواعي ، ولا ريب أنّ الداعي والغرض من الأمر إنّما هو تحريك العبد نحو المأمور به وبعثه إليه ، بجعل الداعي في نفسه لأن يصدر منه الفعل خارجاً

ــ[254]ــ

وإذا كان كذلك فالعبد لابدّ وأن يأتي بالمأمور به بداعي الأمر تحصيلا للغرض ، وهذا هو معنى أنّ الأصل في كل واجب أن يكون عبادياً إلاّ أن يقوم دليل على توصّليته .

ويرد عليه أولا : أنّ غرض المولى من أمره وإن كان ذلك ، إلاّ أنّه لا يجب على العبد تحصيل غرض المولى من أمره ، وإنّما الواجب عليه بحكم العقل إطاعة ما أمره مولاه ، والإتيان بما تعلّق به التكليف ، وتحصيل الغرض في نفس المأمور به . والمفروض أنّ المأمور به ـ أعني ما اشتغلت به ذمّته ـ مطلق ، وغير مقيّد بداع من الدواعي كما مرّ بيانه سابقاً .

وثانياً : أنّ الغرض من الأمر يستحيل أن يكون جعل الداعي ، لأنّه من المعلوم تخلّف الداعوية عن الأمر كثيراً في الكفّار والعصاة ، وإنّما الغرض من الأمر هو جعل ما يمكن أن يكون داعياً ، وهذا لا يتخلّف عن نفس الأمر ، فلا معنى لوجوب تحصيله على المكلّف .

والحاصل : أنّ الجواب عن هذا الوجه إمّا بمنع الصغرى ، أعني كون الغرض من الأمر جعل الداعي ، أو بمنع الكبرى ، أعني لزوم تحصيل الغرض من الأمر .

الوجه الثاني : الاستدلال على ذلك بقوله (صلّى الله عليه وآله) : « إنّما الأعمال بالنيّات »(1) وبقوله (عليه السلام) : « لكل امرئ ما نوى »(2) بتقريب أنّ كل عمل خلا عن نيّة التقرّب فليس بعمل ، إلاّ أن يقوم الدليل عليه ، وهذا هو معنى أنّ الأصل في الواجبات التعبّدية .

والجواب عنه : أنّ هاتين الروايتين لا تدلاّن على أنّ الأعمال التي فقدت نيّة التقرّب كانت بحكم العدم ، ولا تكون عملا إلاّ مع النيّة ، فتفيد تعبّدية كل فعل من 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 48 / أبواب مقدّمة العبادات ب5 ح10 ، 10 : 13 / أبواب وجوب الصوم ب2 ح12 .

ــ[255]ــ

الأفعال الواجبة ، إلاّ ما قام الدليل عليه . بل تدلاّن على أنّ نتيجة الأعمال ـ وهي الغايات ـ مرتّبة على النيّات . فلو جاء الإنسان بعمل قصد به وجه الله تعالى ترتّب عليه الثواب ، أمّا لو جاء بعمل لم يقصد به وجه الله تعالى ، بل قصد به أمراً دنيوياً ترتّب عليه ذلك الأمر الدنيوي . وقد اُشير إلى هذا المعنى في باب الجهاد : إنّ المجاهد إن جاهد لله تعالى فالعمل له تعالى ، وإن جاهد لطلب المال والدنيا فله ما نوى(1).

وبتعبير آخر : أنّ للفعل أثرين : أحدهما : استحقاق الثواب . ثانيهما : عدم حصول العقاب عليه . والمقصود من هذه الرواية الأثر الأول ، وأنّ الإنسان ما لم يأت بالواجب لله تعالى لا يترتّب عليه الثواب . وليس لها نظر إلى الأثر الثاني ، فلا تدلّ على أنّه إذا لم يأت به قربيّاً لا يكون مسقطاً للعقاب ، حتّى يكون الواجب باقياً على حاله فيدلّ على ما أراده المستدلّ .

مضافاً إلى ذلك لزوم تخصيص الأكثر لو التزمنا بتقريب المستدلّ ، وهو مستهجن ، باعتبار أنّ أكثر الواجبات توصّلية .

الوجه الثالث : قوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(2) بتقريب : أنّ الله تعالى حصر المأمور به في العبادة التي تكون خالصة له وهي التقرّب ، وهذا هو معنى أنّ الأصل في الواجبات التعبّدية ، ولا يعدل عنه إلى التوصّلية إلاّ بدليل خاصّ .

والجواب عنه : أنّ مقتضى سياق الآية الشريفة يوجب صرف ظهورها عن المدّعى ، حيث إنّها وردت في سياق قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 48 / أبواب مقدّمة العبادات ب5 ح10 (نقل بالمضمون) .

(2) البيّنة 98 : 5 .

(3) البيّنة 98 : 1 .

ــ[256]ــ

الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)(1) ويستفاد من هذا أنّ الله تعالى في مقام حصر العبادة في العبادة لله ، وليس بصدد حصر الواجبات في العبادة ، حيث إنّ الكفّار عبدوا الأوثان ، فردّ عليهم بما حاصله : أنّ الله تعالى إذا أمر بعبادة فهو يأمر بعبادة له ، لا لغيره . وهذا المعنى أجنبي عن المدّعى .

وعلى هذا فالمتحصّل من هذه الوجوه ومناقشتها : أن لا أصل لفظي يعيّن أصالة التعبّدية ، ليرجع إليه عند الشكّ .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدّم في ص252 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net