الواجب النفسي والغيري\ تعريف الواجب النفسي والغيري وما يرد عليه 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4269


ــ[367]ــ

الواجب النفسي والغيري

عرّف الواجب النفسي بأنّه ما وجب لا للتوصّل به إلى واجب آخر ، وعرّف الواجب الغيري بأنّه ما وجب للتوصّل به إلى واجب آخر .

واُشكل على التعريف الأول بأنّ لازمه صيرورة جلّ الواجبات ـ ما عدا المعرفة ـ غيرية ، لأنّ الغرض منها تحصيل الغايات والفوائد المترتّبة عليها ، بناءً على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ـ كما عن العدلية ، وهو الصحيح ـ ولا ريب أنّ الغايات واجبة ، فكل ما يؤدّي إلى تحصيلها يجب مقدّمة . أمّا المعرفة فهي غاية الغايات ، ووجوبها لنفسها ، لا للتوصّل به إلى واجب آخر .

واُجيب عنه بأنّ الغايات وإن كان وجودها محبوباً ، ولكنّها حيث كانت غير مقدورة استحال تعلّق الطلب بها ، فلابدّ من تعلّقه بنفس الفعل ، ومعه لا يصدق على الواجب أنّه غيري ، لعدم واجب يتوصّل به إليه .

وردّ الجواب بأنّ الفائدة وإن لم تكن مقدورة بالذات ، إلاّ أنّها مقدورة بالواسطة ، وذلك للقدرة على أسبابها ، والمقدور بالواسطة كالمقدور بدونها ، من جهة صحّة تعلّق الخطاب به . فالأغراض والفوائد يصحّ تعلّق الحكم بها ، لأنّها مقدورة ، للقدرة على الأفعال التي تترتّب عليها .

ــ[368]ــ

وقد منع شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) تعلّق الخطاب بمثل هذه الغايات حيث قسّم الأغراض إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول : ما لا يتوسّط بين الفعل الخارجي والغرض أمر اختياري وغير اختياري ، كطلاق المرأة وقتل زيد .

وفي مثل هذا لا مانع من تعلّق التكليف بالغرض ، والأمر بتحصيله .

القسم الثاني : ما يتوسّط بين الفعل الخارجي والغرض أمر اختياري خاصّة كطبخ اللحم ، والصعود على السطح مثلا ، فإنّ كلا منهما موقوف على جملة من الاُمور الاختيارية ، بحيث لو لم تحصل خارجاً لما حصل الغرض أصلا .

وفي هذا القسم أيضاً لا مانع من تعلّق التكليف بنفس الغرض ، باعتبار أنّ الواسطة اختيارية .

القسم الثالث : ما يتوسّط بين الفعل الخارجي والغرض أمر ليس باختياري فيكون نسبة الفعل إلى الغاية نسبة المعدّ إلى المعدّ له ، وذلك كحصول الثمر والنتاج المتوقّفين على زراعة الفلاح وسقايته للأرض ، فإنّ الثمرة والنتاج لا يترتّبان على نفس عمل الفلاح ، بل يتوقّفان على قوّة الأرض وتقبّلها للزراعة وغير ذلك من الاُمور الخارجة عن قدرة الفلاح . وكذا شرب الدواء للمريض وتحسّن صحّته .

وفي هذا القسم لا يمكن تعلّق الطلب بالغرض ، بل لابدّ من تعلّقه بنفس الفعل  ، وإن كانت الغاية باعثة على التكليف بما هو معدّ لها .

والظاهر أنّ الغايات الداعية إلى جعل الأحكام الشرعية من القسم الثالث ولا يمكن في مواردها التكليف بنفسها ، بل التكليف يتعلّق بمعدّاتها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 57 ، 167 ، 243 .

ــ[369]ــ

وغير خفي أنّ ما جاء به (قدّس سرّه) صحيح ومتين ، إلاّ أنّ ذلك بالنسبة إلى الغرض الأقصى ، أمّا بالإضافة إلى الأثر الإعدادي فلا مانع من تعلّق التكليف به والأثر الإعدادي فيما نحن فيه من مثال الزراعة إنّما هو إعطاء قابلية الانتاج للأرض  ، بحيث إن سقيت ولوحظت ملاحظة كاملة كانت قابلة لذلك . وأمّا النتاج والثمر فهو غرض أقصى ، وأثر نهائي ، وهو ليس بمقدور للفلاح ليكون المولى بصدد طلبه . وعليه فموردنا ممّا يمكن تعلّق الطلب فيه بنفس الغرض . فإشكال صيرورة جلّ الواجبات غيرية باق على حاله .

فالتحقيق أن يقال في دفع الإشكال : إنّ باب الأسباب والمسبّبات إمّا أن نلتزم بمقالة صاحب المعالم (رحمه الله)(1) فيها من أنّ الأمر بالمسبّب عين الأمر بالسبب ، أو ندّعي المغايرة بينهما .

فإن التزمنا بالأول كانت جميع الأفعال واجبة بالوجوب النفسي ، وليس هناك واجب غيري ، لأنّ الأمر بالغاية أمر بالفعل لا محالة .

وإن التزمنا بالثاني ـ كما هو الصحيح ـ فلا يمكن تعلّق التكليف به ، لأنّه يعتبر في متعلّق التكليف ـ مضافاً إلى لزوم كونه مقدوراً ـ أن يكون ممّا يفهمه عموم الناس  ، بحيث يمكن تحريكهم نحوه .

ومن المعلوم أنّ هذا الشرط غير موجود في الفوائد والغايات ، لأنّ العرف لا يرى حسناً في توجّه الطلب نحو النهي عن الفحشاء ، أو باعداد النفس للانتهاء عن كل أمر فاحش ، كما لا يرى حسناً في قول الطبيب للمريض : أعدّ نفسك لكل ما يعود عليك بالنفع وتحسن الحالة ، بل الحسن يتمّ إذا قال : صلّ ، أو اشرب الدواء .

فالغاية وإن كانت مقدورة إلاّ أنّ الطلب لا يحسن عرفاً تعلّقه بها . وليس كل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع معالم الدين : 61 .

ــ[370]ــ

مقدور يصحّ تعلّق التكليف به ، نعم تلك الغاية بعثت المولى للإيجاب ، وجعلت في نفسه داعياً إلى إنشاء الطلب ، إلاّ أنّ ذلك لا يستلزم وجوبها .

إذن فما عرّفه المشهور من أنّ الواجب النفسي ما وجب لا للتوصّل به إلى واجب آخر ، والغيري ما وجب للتوصّل به إلى واجب آخر ، هو الصحيح .

ثمّ إنّ صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) بعد أن التزم بصحّة تعلّق التكليف النفسي بالآثار المترتّبة على الفعل التي هي مقدورة بالواسطة ، أجاب عن الإشكال المتقدّم بأنّ الواجبات النفسية هي التي تعلّق أمر الشارع بها استناداً إلى الحسن الذاتي المتحقّق فيها ، وإن كانت مقدّمة لغرض آخر ملزم ، والواجبات الغيرية هي التي أمر الشارع بها لواجب آخر ، من دون لحاظ حسنها الذاتي ، وإن اشتملت عليه  ، كالطهارات الثلاث ، فإنّها تجب بالوجوب الغيري ، بلحاظ كونها مقدّمات للصلاة ونحوها ، وإن كانت مستحبّة نفساً بلحاظ حسنها الذاتي .

وبتعبير آخر : إيجاب الفعل إن كان منشؤه وسببه ملاحظة الشارع حسن الفعل في حدّ ذاته فهو واجب نفسي وإن كان مقدّمة لما يجب تحصيله ، وإن كان منشؤه ملاحظة مقدّميته لفعل آخر فهو واجب غيري ، وإن اشتمل على الحسن الذاتي .

وغير خفي أولا : أنّ لازم ما ذكر أن لا يكون شيء من الواجبات النفسية متمحّضاً في الوجوب النفسي ، وذلك باعتبار اشتمالها على ملاكين : النفسية والغيرية . فإنّ كل واجب نفسي بما أنّه مأمور به لأجل المصلحة الملزمة المترتّبة عليه فهو غيري ، وبالنظر إلى حسن الفعل من حيث هو فإنّه يقتضي أن يكون واجباً نفسياً ، وهذا التزام بالإشكال من أنّ جميع الواجبات النفسية واجبات غيرية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 108 .

ــ[371]ــ

وثانياً : أنّ دعوى الحسن في جميع الواجبات النفسية جزاف ، فإنّ بعض الواجبات في حدّ ذاتها مشتملة على الحسن الذاتي مع قطع النظر عن تعلّق الأمر بها  ، كالسجود مثلا . أمّا بقية الواجبات فليس لها حسن ذاتي ، كالصوم والخمس والزكاة والحجّ . نعم الأمر بها يكشف عن وجود ملاك ومصلحة فيها . وأمّا الحسن العقلي فهو يطرأ عليها بعد الأمر ، باعتبار أنّ الإتيان بها يكون إطاعة للمولى والإطاعة حسنة عقلا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net