عرض الروايات حول نزول القرآن على سبعة احرف - تهافت الروايات 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 7347


ــ[169]ــ


هل نزل القرآن على
سبعة أحرف؟!!
 

ــ[170]ــ

*عرض الروايات حول نزول القرآن على سبعة أحرف.
* تفنيد تلك الروايات.
* عدم رجوع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول.
* الوجوه العشرة التي ذكروها تفسيرا للأحرف السبعة.
* بيان فساد تلك الوجوه.

ــ[171]ــ

لقد ورد في روايات أهل السنة: أن القرآن انزل على سبعة أحرف، فيحسن بنا أن نتعرض إلى التحقيق في ذلك بعد ذكر هذه الروايات:
1 ـ أخرج الطبري، عن يونس وأبي كريب، بإسنادهما عن ابن شهاب، بإسناده عن ابن عباس، حدثه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
"أقرأني جبرئيل على حرف فراجعته، فلم أزل استزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف".
ورواها مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب عن يونس(1) ورواها البخاري بسند آخر (2) وروى مضمونها عن ابن البرقي، بإسناده عن ابن عباس.
2 ـ وأخرج عن أبي كريب، بإسناده عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن جده، عن أبي بن كعب قال:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم: 2 / 202، كتاب صلاة المسافرين وقصرها رقم الحديث: 355. طبعة محمد علي صبيح بمصر.
(2) صحيح البخاري: 6 / 100، كتاب بدء الخلق، باب انزل القرآن على سبعة أحرف، رقم الحديث: 2980. طبعة دار الخلافة. المطبعة العامرة.

ــ[172]ــ

"كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فدخلنا جميعا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فقلت يا رسول الله إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقرءا، فحسن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شأنهما، فوقع في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا كأنما أنظر إلى الله فرقا. فقال لي: يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه أن هون على أمتي، فرد علي في الثانية أن اقرأ القرآن على حرف (1) فرددت عليه أن هون على أمتي، فرد علي في الثالثة ان اقرأه على سبع أحرف، ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها. فقلت: اللهم اغفر لامتي. اللهم اغفر لامتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم (عليه السلام) "(2).
وهذه الرواية رواها مسلم أيضا بأدنى اختلاف (3). وأخرجها الطبري عن أبي كريب بطرق أخرى باختلاف يسير أيضا. وروى ما يقرب من مضمونها عن طريق يونس بن عبدالأعلى وعن طريق محمد بن عبدالأعلى الصنعاني عن أبي.
3 - و أخرج عن أبي كريب، باسناده، عن سليمان بن صرد، عن أبي بن كعب قال:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هكذا في النسخة، وفي صحيح مسلم: على حرفين.
(2) مسند احمد: مسند الأنصار، رقم الحديث: 20234 و20242.
(3) صحيح مسلم: 2 / 203، رقم الحديث: 1356. كتاب صلاة المسافرين وقصرها.

ــ[173]ــ

"رحت إلى المسجد فسمعت رجلا يقرأ. فقلت: من أقرأك؟ فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانطلقت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: استقرئ هذا، فقرأ. فقال: أحسنت. قال: فقلت: إنك أقرأتني كذا وكذا فقال: وأنت قد أحسنت. قال: فقلت: قد أحسنت قد أحسنت. قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال. اللهم أذهب عن أبي الشك. قال: ففضت عرقا وامتلا جوفي فرقا، ثم قال (صلى الله عليه وآله): إن الملكين أتياني. فقال أحدهما: اقرأ القرآن على حرف، وقال الآخر: زده قال: فقلت زدني. قال: اقرأه على حرفين حتى بلغ سبعة أحرف. فقال: اقرأ على سبعة أحرف".
4 ـ وأخرج عن أبي كريب، بإسناده عن عبدالرحمن"قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال جبرئيل: اقرأ بن أبي بكرة، عن أبيه قال:
القرآن على حرف. فقال ميكائيل: استزده. فقال: على حرفين، حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف - والشك من أبي كريب - فقال: كلها شاف كاف. ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب كقولك: هلم وتعال ".
5 ـ وأخرج عن أحمد بن منصور، بإسناده عن عبدالله بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جده قال:
"قرأ رجل عند عمر بن الخطاب فغير عليه فقال: لقد قرأت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يغير علي قال: فاختصما عند النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: بلى. فوقع في صدر عمر شيء فعرف النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك في وجهه. قال: فضرب

ــ[174]ــ

صدره. وقال: أبعد شيطانا، قالها ثلاثا ثم قال: ياعمر إن القرآن كله سواء، ما لم تجعل رحمة عذابا وعذابا رحمة". وأخرج عن يونس بن عبدالأعلى، بإسناده، عن عمر بن الخطاب قضية مع هشام بن حكيم تشبه هذه القصة. وروى البخاري ومسلم والترمذي قصة عمر مع هشام بإسناد غير ذلك، واختلاف في ألفاظ الحديث (1).
6 ـ وأخرج عن محمد بن المثنى، بإسناده عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان عند أضاءة بني غفار قال:
"فأتاه جبرئيل. فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف. فقال: اسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك. قال: ثم أتاه الثانية. فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن امتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الثالثة. فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال: أسال الله معافاته ومغفرته، وإن امتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الرابعة. فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا".
ورواها مسلم أيضا في صحيحه (2). وأخرج الطبري أيضا نحوها، عن أبي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري: كتاب الخصومات، رقم الحديث: 2241 وكتاب فضائل القرآن، رقم الحديث: 4653، وصحيح مسلم: 2/202، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم الحديث: 1354، ورقم الحديث: 1357، وسنن النسائي: كتاب الافتتاح رقم الحديث: 930. وسنن الترمذي: كتاب القراءات رقم الحديث: 2867.
(2) صحيح مسلم: 2 / 203، رقم الحديث: 1357.

ــ[175]ــ

كريب، بإسناده عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب. وأخرج أيضا بعضها، عن أحمد بن محمد الطوسي، بإسناده عن ابن أبي ليلى، عن أبى بن كعب باختلاف يسير. وأخرجها أيضا عن محمد بن المثنى، باسناده عن أبي بن كعب.
7 ـ وأخرج عن أبي كريب باسناده عن زر عن أبي قال: "لقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جبرئيل عند أحجار
المراء. فقال: إني بعثت إلى أمة أميين منهم الغلام والخادم، وفيهم الشيخ الفاني والعجوز. فقال جبرئيل: فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف "(1).
8 ـ وأخرج عن عمرو بن عثمان العثماني، بإسناده عن المقبري، عن أبي هريرة أنه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة".
9 ـ وأخرج عن عبيد بن اسباط، باسناده عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انزل القرآن على سبعة أحرف. عليم. حكيم .غفور. رحيم ".
وأخرج عن أبي كريب، باسناده عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مثله.
10 ـ وأخرج عن سعيد بن يحيى، باسناده عن عاصم، عن زر، عن عبدالله بن مسعود قال:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورواها الترمذي أيضاً بأدنى اختلاف: 11/ 62.

ــ[176]ــ

"تمارينا في سورة من القرآن، فقلنا: خمس وثلاثون، أو ست وثلاثون آية. قال: فانطلقنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجدنا عليا يناجيه. قال: فقلنا إنما اختلفنا في القراءة. قال: فاحمر وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم. قال: ثم أسر إلى علي شيئا. فقال لنا علي: إن رسول الله يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم"(1).
11 ـ وأخرج القرطبي، عن أبي داود، عن أبي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"يا أبي إني قرأت القرآن. فقيل لي: على حرف أو حرفين. فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة، فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت سمعياً، عليما، عزيزا، حكيما، ما لم تخلط آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب "(2).
هذه أهم الروايات التي رويت في هذا المعنى، وكلها من طرق أهل السنة، وهي مخالفة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
"إن القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة"(3).
وقد سأل الفضيل بن يسار أبا عبدالله (عليه السلام) فقال:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذه الروايات كلها مذكورة في تفسير الطبري: 1 / 9 - 15.
(2) تفسير القرطبي: 1 / 43.
(3) أصول الكافي: 1 / 630، كتاب فضل القرآن - باب النوادر، رقم الحديث: 12.

ــ[177]ــ

"إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال أبو عبدالله (عليه السلام):
كذبوا - أعداء الله - ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد" (1).
وقد تقدم إجمالا أن المرجع بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في امور الدين، إنما هو كتاب الله وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (وسيأتي توضيحه مفصلا بعد ذلك إن شاء الله تعالى) ولا قيمة للروايات إذا كانت مخالفة لما يصح عنهم. ولذلك لا يهمنا أن نتكلم عن أسانيد هذه الروايات. وهذا أول شيء تسقط به الرواية عن الاعتبار والحجية. ويضاف إلى ذلك ما بين هذه الروايات من التخالف والتناقض، وما في بعضها من عدم التناسب بين السؤال والجواب.
تهافت الروايات:
فمن التناقض أن بعض الروايات دل على أن جبرئيل أقرأ النبي (صلى الله عليه وآله) على حرف فاستزاده النبي (صلى الله عليه وآله) فزاده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، وهذا يدل على أن الزيادة كانت على التدريج، وفي بعضها أن الزيادة كانت مرة واحدة في المرة الثالثة، وفي بعضها أن الله أمره في المرة الثالثة أن يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف، وكان الأمر بقرأة سبع في المرة الرابعة.
ومن التناقض أن بعض الروايات يدل على أن الزيادة كلها كانت في مجلس واحد، وأن طلب النبي (صلى الله عليه وآله) الزيادة كان بارشاد ميكائيل، فزاده جبرئيل حتى بلغ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اصول الكافي: 1 / 630، كتاب فضل القرآن - باب النوادر - رقم الحديث: 13.

ــ[178]ــ

سبعا، وبعضها يدل على أن جبرئيل كان ينطلق ويعود مرة بعد مرة.
ومن التناقض أن بعض الروايات يقول: إن أبي دخل المسجد، فرأى رجلا يقرأ على خلاف قراءته. وفي بعضها أنه كان في المسجد، فدخل رجلان وقرءا على خلاف قراءته. وقد وقع فيها الاختلاف أيضا فيما قاله النبي (صلى الله عليه وآله) لابي.. إلى غير ذلك من الاختلاف.
ومن عدم التناسب بين السؤال والجواب، ما في رواية ابن مسعود من قول علي (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمركم أن تقرووا كما علمتم. فان هذا الجواب لا يرتبط بما وقع فيه النزاع من الاختلاف في عدد الآيات. أضف إلى جميع ذلك أنه لا يرجع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول، ولا يتحصل للناظر فيها معنى صحيح.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net