كيفيّة تطهير المتنجِّس الذي يرسب فيه الماء ولا يقبل العصر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6345


ــ[65]ــ

وفي مثل الصابون والطين ونحوهما مما ينفذ فيه الماء ولا يمكن عصره ، فيطهر ظاهره باجراء الماء عليه ، ولا يضره بقاء نجاسة الباطن على فرض نفوذها فيه (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قد تعرض (قدس سره) في هذه المسألة لعدة فروع .

   منها : تطهير المتنجِّس الذي لا يرسب فيه الماء ولا ينفذ إلى أعماقه ، وقد تقدّم آنفاً أن في تطهيره بالماء القليل يكفي مجرد الصب عليه مشروطاً بانفصال الغسالة عنه كما في البدن ونحوه .

   ومنها : تطهير المتنجِّس الذي يرسب فيه الماء وهو قابل للعصر أو ما يقوم مقامه . وقد عرفت أن في تطهيره بالماء القليل لا بدّ من صبّ الماء عليه وعصره أو دلكه أو غيرهما مما ينفصل به الغسالة عن الجسم .

   ومنها : المتنجِّس الراسب فيه الماء وهو غير قابل للعصر وشبهه كالصابون والطين والحنطة والشعير ونحوها ، فقد ذكر (قدس سره) أن إجراء الماء على مثله يكفي في الحكم بطهارة ظاهره ولا يضره بقاء الباطن على نجاسته على تقدير نفوذها فيه . وهذه المسألة يقع الكلام فيها من جهات ثلاث :

   الاُولى : أن الجسم القابل لأن يرسب فيه الماء إذا تنجس ظاهره بشيء فهل يمكن تطهير ظاهره بالماء القليل ؟

   قد يقال بعدم إمكان ذلك ، لاشتراط انفصال الغسالة عن المغسول في الغسل بالماء القليل ، وهذا لا يتحقق في الأجسـام غير القابلة للعصر فيما إذا نفذ الماء في جوفها لأنه لا ينفصل عن مثلها سوى المقدار غير الراسب في جوفها ، ومع عدم انفصال الغسالة يبقى المتنجِّس على نجاسته ، لأن الماء الكائن في جوفها ماء قليل لاقاه المتنجِّس ونجّسه وهو يوجب نجاسة المغسول لا محالة .

   هذا ، ولا يخفى عدم إمكان المساعدة عليه ، وذلك لأ نّا وإن اشترطنا انفصال الغسالة في التطهير إلاّ أن المعتبر إنما هو انفصالها عن الموضع المتنجِّس المغسول لا عن تمام الجسم ، بحيث لو انفصلت عن محل الغسل واجتمعت في مكان آخر من الجسم كفت في طهارة الموضع الذي انفصلت الغسالة عنه ، مثلاً إذا غسل الموضع المتنجِّس

ــ[66]ــ

من يده وانفصلت الغسالة عنه واجتمعت في كفه حكم بطهارة ذلك الموضع لا محالة . وكذلك الحال في تطهير الموضع المتنجِّس من الأرض فان انفصالها عن موضع الغسل يكفي في طهارته وإن اجتمعت في جانب آخر من الأرض ، وعليه يكفي انفصال الغسالة عن ظاهر مثل الصابون في الحكم بطهارة ظاهره وإن صارت مجتمعة في جوفه ، فلا مانع من تطهير الأجسام غير القابلة للعصر بالماء القليل وإن نفذ في جوفها .

   الجهة الثانية : أن الغسالة النافذة في جوف الأجسام المذكورة هل تنجّس بواطنها بناء على نجاسة الغسالة ؟

   التحقيق أنها لا تنجّس البواطن ، لأن ما ينفذ في جوفها إنما هو من الأجزاء المتخلِّفة من الغسالة والمتخلف منها محكوم بالطهارة بطهارة المحل ، لأنه من لوازم الغسل التي يحكم بطهارتها بتماميته ، وذلك للأمر بغسل المتنجسات ودلالة الروايات على طهارتها بذلك ، ومعه لا مناص من الالتزام بطهارة كل ما هو من لوازم غسلها وتطهيرها ، وقد عرفت أن بقاء مقدار من الغسالة في المغسول أمر لازم لغسله ، فنفوذ الغسالة في الأجسام المذكورة لا يوجب نجاسة بواطنها .

   الجهة الثالثة : أن بواطن الأجسام المذكورة إذا تنجست قبل غسلها وتطهيرها فهل تطهر بصبّ الماء على ظواهرها بمقدار يصل جوفها ؟ فقد يقال بالمنع عن طهارة جوفها بذلك بدعوى أن الطهارة إنما تحصل بالغسل ، وصبّ الماء على ظاهر الجسم لا  يعد غسلاً لباطنه بوجه ، هذا .

   والصحيح كفاية ذلك في تطهير بواطن الأجسام ، لأن غسل كل شيء إنما هو بحسبه فرب شيء يكتفى في غسله بصبّ الماء عليه وانفصال الغسالة عنه كما في البدن ونحوه ، وشيء يعتبر فيه عصره ولا يكفي صبّ الماء عليه ، ففي بواطن الأجسام المذكورة يكتفى بصبّ الماء على ظواهرها إلى أن يصل الماء الطاهر إلى جوفها لأنه غسلها . وأمّا استكشاف أن ذلك يعدّ غسلاً للبواطن فهو إنما يحصل بملاحظة كيفية إزالة القذارات لدى العرف ، فترى أن العرف يكتفي في تطهير ما وقع في البالوعة وتقذر جوفها لذلك ، بصبّ الماء على ظاهره حتى ينفذ الماء الطاهر في أعماقه ، فإذا

ــ[67]ــ

كان هذا طريق الازالة لدى العرف فلا مناص من الحكم بكفايته في حصول الطهارة لدى الشرع ، لأن ما أمر به في الروايات من الغسل إنما هو الغسل الذي يكون غسلاً لدى العرف، وعليه فمقتضى عموم أو إطلاق ما دلّ على طهارة المتنجِّس بغسله، طهارة البواطن أيضاً بما ذكرناه ، هذا .

   وقد يستدل على طهارة البواطن بصبّ الماء على ظواهرها بحديث نفى الضرر ، لأن بقاءها على نجاستها ضرر على مالكها ، إذ النجاسة مانعة عن أكلها أو استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة . ويجاب عنه بأن الحديث إنما ينفي الأحكام الضررية التكليفية ولا يعم الأحكام الوضعية التي منها الطهارة والنجاسة .

   وهذا الاستدلال والجواب لا يرجعان إلى محصل :

   أمّا الجواب فلما قدمناه في محله من أن حديثي الرفع ونفي الضرر وكذلك ما دلّ على نفي العسر والحرج غير مختصة بالأحكام التكليفية ، ومن هنا استدلوا على عدم لزوم المعاملة الغبنية بحديث نفي الضرر ولم يستشكل عليهم بعدم جريان الحديث في الأحكام الوضعية .

   وأمّا الاستدلال فلما بيّناه في حديث نفي الضرر من أنه إنما ينظر إلى الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة ، ويدل على أن ما يلزم منه الضرر في مورد فهو مرفوع لا  محالة ، ولا نظر لها إلى الأحكام المعدومة بوجه ، فلو لزم من عدم جعل حكم في مورد ضرر على أحد المكلفين لم يقتض الحديث جعل ذلك الحكم في الشريعة المقدّسة ، فان عدم جعل الحكم ليس من الأحكام الضررية ، والأمر في المقام كذلك لأنّ الضرر إنما ينشأ عن عدم جعل مطهّر لتلك الأجسام ، فالحديث لا يقتضي جعل مطهّر لها في الشرع . نعم ، لو أرجعنا الحديث إلى منشأ عدم جعل الطهارة للبواطن وهو نجاسة تلك الأجسام ، صح أن يقال إنها حكم ضرري فيرتفع بالحديث ، إلاّ أن ارتفاع النجاسة عن الأجسام المذكورة خلاف المقطوع به لليقين بنجاستها على الفرض.

   على أن ذلك خلاف ما نطقت به الأخبار حيث إنها تدل على نجاسة جملة من الاُمور الموجبة للضرر ، كما دلّ على لزوم إهراق الاناءين اللذين وقع في أحدهما غير




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net