عدم اعتبار العصر ونحوه في المتنجِّس ببول الرّضيع 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6775


ــ[70]ــ

   [ 324 ] مسألة 17 : لا يعتبر العصر ونحوه فيما تنجس ببول الرضيع وإن كان مثل الثوب والفرش ونحوهما ، بل يكفي صبّ الماء عليه مرة على وجه يشمل جميع أجزائه ، وإن كان الأحوط مرتين . لكن يشترط أن لا يكون متغذياً معتاداً بالغذاء ، ولا يضرّ تغذيه اتفاقاً نادراً ، وأن يكون ذكراً لا اُنثى على الأحوط ، ولا يشترط فيه أن يكون في الحولين ، بل هو كذلك ما دام يعد رضيعاً غير متغذ ، وإن كان بعدهما ، كما أنه لو صار معتاداً بالغذاء قبل الحولين لا يلحقه الحكم المذكور بل هو كسائر الأبوال (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولا يمكن المساعدة عليه ، لأن الموجود في أعماق الأجسام المتنجسة لا يطلق عليه الماء ليكتفى في تطهيره بمجرد اتصاله بالماء الكثير وإنما هو رطوبات ، والمستفاد من صحيحة ابن بزيع وغيرها إنما هو كفاية الاتصال بالماء العاصم في تطهير المياه المتنجسة ، وأما غيرها فلا دليل على طهارتها بذلك ، فلا يمكن الحكم بطهارة الرطوبات المتنجسة باتصالها بالماء المعتصم في بعض أطرافها ، كما أن الاتصال كذلك بالنجس لا يوجب نجاسة الجميع ، حيث إن النجس إذا لاقى أحد أطراف الجسم الرطب لم يحكم بنجاسة سائر جوانبه بدعوى أن الرطوبات متصلة ، فكما أنها لا توجب السراية في ملاقاة الأشياء النجسة كذلك لا توجب سراية الطهارة في موارد الاتصال بالماء الكثير ، أترى أن الجسم الرطب إذا لاقى أحد جوانبه الطاهرة مع الماء العاصم يكفي ذلك في تطهير الجانب النجس منه ؟

   وعليه فلا بد في تطهير أمثال هذه الأجسام المتنجسة من إبقائها في الماء المعتصم بمقدار يصل إلى جميع أجزائها الداخلية ، لغلبته على ما في جوفها من الرطوبات ، أو تحريك الماء في جوفها على نحو تحصل الغلبة .

   (1) قدّمنا الكلام على ذلك في المسألة الرابعة مفصّلاً (1) وتعرضنا هناك لجميع ما تعرض لها الماتن (قدس سره) هنا من الشروط ، سوى اشتراط كون اللبن من المسلمة وأنه إذا كان من الكافرة أو الخنزيرة حكم بوجوب غسله . ويقع الكلام فيها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 30 .

ــ[71]ــ

وكذا يشترط ((1)) في لحوق الحكم أن يكون اللبن من المسلمة فلو كان من الكافرة لم يلحقه ، وكذا لو كان من الخنزيرة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفيما دلّ على هذا الاشتراط في التعليقة الآتية فليلاحظ .

   (1) قد يقال : الوجه في هذا الاشتراط هو ما يستفاد من التعليل الوارد في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أن عليّاً (عليه السلام) قال : «لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأن لبنها يخرج من مثانة اُمها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين» (2) . حيث يستفاد منها أن العلة في الغسل من لبن الجارية وبولها هي نجاسة لبنها لخروجه من مثانة اُمها ، كما أن العلة في عدم لزوم الغسل من لبن الغلام وبوله طهارة لبنه ، لأنه يخرج من العضدين والمنكبين ، وبتعليلها هذا يتعدى من موردها إلى كل لبن نجس كلبن الكلبة والخنزيرة والمشركة والكافرة فاذا ارتضع به الولد وجب الغسل من بوله .

   وهذا الاستدلال مخدوش من جهات :

   الاُولى : أن لازم هذا الكلام هو الحكم بوجوب الغسل من بول الغلام فيما إذا ارتضع بلبن امرأة ولدت جارية ، وعدم وجوبه من بول الجارية التي ارتضعت بلبن امرأة ولدت ذكراً ، والوجه في الملازمة ظاهر لأن الجارية حينئذ ارتضعت باللبن الطاهر دون الغلام ، وقد فرضنا أن نجاسة اللبن هي العلة في الحكم بوجوب الغسل من بول الجارية ، وهذا مما لا يلتزم به أحد .

   الثانية : أن خروج اللبن من المثانة ـ على تقدير تسليمه ـ لا يقتضي نجاسته ، كيف فان المذي والودي أيضاً يخرجان من المثانة من دون أن يحكم بنجاستهما ، فان ما خرج من المثانة لم يدل دليل على نجاسته إلاّ إذا كان بولاً أو منياً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط ، والأظهر عدم الاشتراط .

(2) الوسائل 3 : 398 / أبواب النجاسات ب 3 ح 4 .

ــ[72]ــ

   الثالثة : أن الرواية لا يحتمل صحتها ومطابقتها للواقع أبداً ، للقطع بعدم اختلاف اللبن في الجارية والغلام من حيث المحل ، بأن يخرج لبن الجارية من موضع ويخرج لبن الغلام من موضع آخر ، لأن الطبيعة تقتضي خروج اللبن عن موضع معيّن في النساء بلا فرق في ذلك بين كون الولد ذكراً أو اُنثى ، فاذا سقطت الرواية عن الحجية من هذه الجهة أعني دلالتها على خروج لبن الجارية من مثانة اُمها ، فلا محالة تسقط عن الحجية في الحكم المترتب عليه وهو الحكم بوجوب الغسل من بول الرضيع فيما إذا ارتضع باللبن النجس .

   ودعوى : أن سقوط الرواية عن الحجية في بعض مداليلها لا يكشف عن عدم حجيتها في بعض مدلولاتها الاُخر لعدم قيام الدليل على خلافه .

   مدفوعة : بما ذكرناه غير مرة من أن الدلالات الالتزامية تابعة للدلالات المطابقية حدوثاً وحجية ، فاذا سقطت الرواية عن الاعتبار في مدلولها المطابقي سقطت عن الحجية في مدلولها الالتزامي أيضاً لا محالة ، وحيث إن في الرواية ترتب الحكم بوجوب الغسل من لبن الجارية على خروج لبنها من مثانة اُمها ، وقد سقطت الرواية عن الحجية فيما يترتّب عليه ذلك الحكم لعلمنا بعدم مطابقته للواقع ، سقطت عن الحجية في الحكم المترتب أيضاً وهو وجوب الغسل من لبن الجارية وبولها . وما أشبه دعوى بقاء الرواية على حجيتها في مدلولها الالتزامي بعد سقوطها عن الحجية في المدلول المطابقي ، باستدلال بعض أهل الخلاف على جواز الجمع بين الفريضتين للمطر والخوف والمرض بل وللسفر ونحوه من الأعذار ، بما رووه عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أنه جمع بينهما في الحضر من غير عذر وقالوا إن هذه الرواية وإن كان لا بدّ من طرحها لكونها مقطوعة الخلاف إلاّ أنها تدلنا على جواز الجمع بينهما للمطر وغيره من الأعذار المتقدِّمة بالأولوية (1) . فانّهم قد أسقطوا الرواية في مدلولها المطابقي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجزء الثاني من المنتقى لابن تيمية الحراني ص 4 أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، قيل لابن عباس ما أراد بذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج اُمته ، قلت : وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر وللخوف وللمرض ، وإنما خلف وظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للاجماع ولأخبار المواقيت فيبقى فحواه على مقتضاه . انتهى .
ــ[73]ــ

   [ 325 ] مسألة 18 : إذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن في مثل الصابون ونحوه بُني على عدمه(1) كما أنه إذا شك بعد العلم بنفوذه في نفوذ الماء الطاهر فيه بُني على عدمه(2) فيحكم ببقاء الطهارة في الأوّل وبقاء النجاسة في الثاني .

ـــــــــــــــــــــــــــ

عن الاعتبار بدعوى أنها مقطوعة الخلاف ، مع تمسكهم بمدلولها الالتزامي كما عرفت وهو من الغرابة بمكان .

   الجهة الرابعة : وهي أسهل الجهات ، أن الرواية ضعيفة السند فان في طريقها النوفلي عن السكوني ، والسكوني وإن كان لا بأس برواياته إلاّ أن النوفلي ضعيف ولم يوثّقه علماء الرجال .

   (1) لاستصحاب عدم نفوذ الماء النجس في باطنه .

   (2) لاستصحاب عدم نفوذ الماء الطاهر فيه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net