آراء حول السجود لآدم - كيف يتحقق الشرك بالله 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 4409

آراء حول السجود لآدم:
بقي الكلام في سجود الملائكة لآدم، وكيف جاز ذلك؟ مع أن السجود لا يجوز لغير الله، وقد أجاب العلماء عن ذلك بوجوه:
الرأي الأول:
إن سجود الملائكة هنا بمعنى الخضوع، و ليس بمعنى السجود المعهود.
ويرده: ان ذلك خلاف الظاهر من اللفظ، فلا يصار إليه من غير قرينة، وان الروايات قد دلت على أن ابن آدم إذا سجد لربه ضجر إبليس وبكى، وهي دالة على أن سجود الملائكة الذي أمرهم الله به، واستكبر عنه إبليس كان بهذا المعنى المعهود، ولذلك يضجر إبليس ويبكي من إطاعة ابن ادم للأمر وعصيانه هو من قبل.
الرأي الثاني:
إن سجود الملائكة كان لله، وإنما كان آدم قبلة لهم، كما يقال: صلى للقبلة أي إليها. وقد أمرهم الله بالتوجه إلى آدم في سجودهم تكريماً له وتعظيما لشأنه.
ويردّه: أنه تأويل ينافيه ظاهر الآيات والروايات، بل ينافيه صريح الآية المباركة. فان إبليس إنما أبى عن السجود بادعاء انه أشرف من آدم، فلو كان السجود لله، وكان آدم قبلة له لما كان لقوله:
{ءَأسْجُدُ لِمن خَلَقْتَ طِيناً}(17: 61).

ــ[478]ــ

معنى لجواز أن يكون الساجد أشرف مما يستقبله.
الرأي الثالث:
إن السجود لآدم حيث كان بأمر من الله تعالى فهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له.
وبيان ذلك: ان السجود هو الغاية القصوى للتذلل والخضوع، ولذلك قد خصّه الله بنفسه، ولم يرخص عباده أن يسجدوا لغيره، وإن لم يكن السجود بعنوان العبودية من الساجد، والربوبية للمسجود له. غير أن السجود لغير الله إذا كان بأمر من الله كان في الحقيقة عبادة له وتقرباً إليه، لأنه امتثال لأمره، وانقياد لحكمه، وإن كان في الصورة تذللاً للمخلوق. ومن أجل ذلك يصح عقاب المتمرد عن هذا الأمر، ولا يسمع اعتذاره بأنه لا يتذلل للمخلوق، ولا يخضع لغير الآمر(1).
وهذا هو الوجه الصحيح: فان العبد يجب أن لا يرى لنفسه استقلالاً في أموره، بل يطيع مولاه من حيث يهوى ويشتهي. فإذا أمره بالخضوع لأحد وجب عليه أن يمتثله، وكان خضوعه حينئذ خضوعاً لمولاه الذي أمره به(2).
ونتيجة ما قدمناه:
أنه لابد في كل عمل يتقرب به العبد إلى ربه من أن يكون مأموراً به من قبله بدليل خاص أو عام. وإذا شك في أن ذلك العمل مأمور به كان التقرب به تشريعاً محرماً بالأدلة الأربعة. نعم إن زيارة القبور وتقبيلها وتعظيمها مما ثبت بالعمومات، وبالروايات الخاصة من طرق أهل البيت (عليهم السلام) الذين جعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) قرناء للكتاب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر التعليقة رقم(21) بشأن تأويل آيه السجود من قبل بعض أصحاب الكشف، في قسم التعليقات.
(2) انظر التعليقة رقم (22) لمعرفة ما قاله تعالى لإبليس في ترك السجود، في قسم التعليقات.

ــ[479]ــ

في قوله: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي"(1). وتؤكد جوازها أيضاً سيرة المسلمين وجريهم عليها من السلف والخلف، وما قدمناه من الروايات عن طرق أهل السنة.
كيف يتحقق الشرك بالله؟
تنبيه: إذا نهي عن خضوع خاص لغير الله كالسجود، أو عن عبادة خاصة كصوم العيدين، وصلاة الحائض، والحج في غير الأشهر الحرم كان الآتي به مرتكباً للحرام ومستحقاً للعقاب، إلا أنه لا يكون بذلك الفعل مشركاً ولا كافراً، فليس كل فعل محرم يقتضي شرك مرتكبه أو كفره.
وقد عرفت أن الشرك إنما هو الخضوع لغير الله بما أن الخاضع عبد والمخضوع له رب، فمن تعمّد السجود لغير الله بغير قصد العبودية لم يخرج بعمله هذا المحرم عن زمرة المسلمين، فإن الإسلام يدور مدار الإقرار بالشهادتين، وبذلك يحرم ماله ودمه.
والروايات الدالة على هذا متواترة من الطريقين(2)، ومع ذلك كيف يجوز الحكم بشرك من زار قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه (عليهم السلام) متقرباً إلى الله وهو يشهد الشهادتين:
{وَلا تَقُولُوا لِمن ألقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مؤْمِناً}(4: 94).
ولسوف يحكم الله بين عباده بالحق وهو أحكم الحاكمين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدم بعض مصادر الحديث في الصفحة 18، 378 من هذا الكتاب.
(2) انظر التعليقة رقم (23) لمعرفة ان الاسلام يدور مدار الشهادتين، في قسم التعليقات.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net