حكم تنجّس الفلز من الذهب وغيره 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6468


   [ 338 ] مسألة 31 : الذهب المـذاب ونحوه من الفلزات إذا صبّ في الماء النجس أو كان متنجِّساً فاُذيب ينجس ظاهره وباطنه ((1)) ، ولا يقبل التطهير إلاّ ظاهره (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بمقدار ينفذ في أعماقه ، أو الغمس في الكثير ، لأنّ غسل كل شيء بحسبه . وأما خيوطها فلأنها تابعة للجلد أو الحزام أو غيرهما مما تستعمل فيه وليس لها وجود مستقل ، فاذا لم يكن الجلد قابلاً للعصر فتكون الخيوط القائمة به أيضاً كذلك . ومجرّد أنها قد تكون قابلة لحمل مقدار معتد به من الماء ، لا يقتضي كونها قابلة للعصر ، وذلك لأنها لا تحمل من الماء أزيد ممّا يحمله الجلد ، ولا خلاف في أن الجلد في النعل غير قابل للعصر . فعلى ما ذكرناه يكفي في تطهيرها صبّ الماء عليها إلى أن يصل إلى جوفها أو يغمس في الكثير كما عرفته في الجلد .

   (1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :

   أحدهما : ما إذا تنجس الفلز قبل أن يذاب واُذيب بعد تنجسه .

   وثانيهما : ما إذا طرأت عليه النجاسة حال ذوبانه كما إذا اُلقي عليه ماء متنجس أو اُلقي الفلز المذاب عليه ، فهل يحكم بذلك بنجاسة أجزائه الداخلية والخارجية في كلا المقامين أو يتنجّس بذلك ظاهره فحسب ؟

   أمّا المقام الأوّل : فان علم بعد إذابة الفلز وانجماده أن أجزاءه الظاهرية هي التي أصابها النجس قبل إذابته ، فلا مناص من الحكم بنجاستها إلاّ أنها إذا غسلت حكم بطهارتها كما هوالحال في بقية المتنجسات .

   وأما إذا شككنا في جزء منها في أنه هو الذي أصابه النجس قبل الاذابة ، بمعنى أنه من الأجزاء الظاهرية التي علمنا بتنجسها سابقاً أو أنه من الأجزاء الداخلية التي لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل ينجس ظاهره فقط إذا صبّ في الماء النجس .

ــ[85]ــ

يلاقها النجس ، وذلك لأن إذابة الفلز إنما هي غليانه وفورانه ، والغليان هو القلب فان به تتبدل الأجزاء الداخلية خارجية وبالعكس ، ومن هنا قد يشك في أن الجزء المشاهد الخارجي من الأجزاء الظاهرية للفلز حتى يحكم بنجاسته لملاقاته مع النجس قبل إذابته ، أو أنه من الأجزاء الداخلية له ليكون طاهراً ، فمقتضى القاعدة هو الحكم بطهارة ملاقي ذلك الجزء المشكوك طهارته لقاعدة الطهارة أو استصحاب عدم اصابة النجس له . وأما نفس ذلك الجزء فلا يمكن الحكم بطهارته ، لأنه طرف للعلم الاجمالي بالنجس ، حيث إن ما أصابه النجس قبل إذابة الفلز إما أن يكون هو ذلك الجزء الخارجي الذي نشك في طهارته ، وإما أن يكون هو الجزء النازل إلى الجوف بالغليان ، والعلم الاجمالي مانع عن جريان الاُصول في أطرافه .

   نعم ، ملاقي أحد أطراف العلم محكوم بطهارته إذ لا مانع من جريان الاُصول فيه لعدم كونه طرفاً للعلم الاجمالي على ما حررناه في بحث الاُصول (1) وذلك لأن الأصل الجاري فيه لا يعارضه شيء من الاُصول الجارية في أطراف العلم في نفسها ، أي مع قطع النظر عن العلم الاجمالي . ودعوى أنه طرف لعلم إجمالي آخر وهو العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر ، مدفوعة بأن العلم الاجمالي الآخر وإن كان موجوداً كما ذكر إلاّ أنه مما لا أثر له لعدم ترتب التنجيز عليه ، فان المدار في تنجيز العلم الاجمالي إنما هو تساقط الاُصول في أطرافه بالمعارضة ، وقد عرفت أن الأصل الجاري في الملاقي غير معارض بشيء ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محله .

   فالمتحصل أن الملاقي للجزء المشكوك طهارته محكوم بطهارته بخلاف نفس ذلك الجزء أو غيره من الأجزاء الظاهرية للفلز بعد إذابته . اللّهمّ إلاّ أن تكون الأجزاء الباطنية خارجة عن قدرة المكلف ، فانّه لا مانع حينئذ من جريان الأصل في الأجزاء الظاهرية لعدم معارضته بالأصل في الطرف الخارج عن القدرة . أو يقال بانحلال العلم الاجمالي بخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء مع تعميمه إلى مثل الأجزاء الداخلية في المقام ، كما عممه ـ  أي الخروج عن محل الابتلاء  ـ شيخنا الأنصاري

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في مصباح الاُصول 2 : 410 .

ــ[86]ــ

(قدس سره) إلى خارج الاناء ، وعليه حمل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (1) هذا كله بالاضافة إلى ظاهر الفلز بعد إذابته وانجماده .

   وأما إذا استهلك ظاهره بالاستعمال أو بغيره حتى ظهرت أجزاؤه الداخلية فحالها حال الجزء الظاهر قبل الاستهلاك ، فان علم أنها هي التي أصابها النجس حكم بنجاستها كما يحكم بطهارتها إذا غسلت . وإذا شككنا في أنها هي التي أصابها النجس أو أنها غيرها أتى فيه ما قدمناه في صورة الشك قبل الاستهلاك فلا نعيد .

   أمّا المقام الثاني : فقد يقال إن إصابة النجس لجزء من أجزاء الفلز تقتضي سراية النجاسة إلى تمام أجزائه الظاهرية والباطنية ، إما بدعوى أن الفلزات الذائبة كالمياه المضافة والمائعات ـ  كالدهن والحليب ونحوهما  ـ فكما أن إصابة النجس لجزء من أجزائها يوجب تنجس الجميع فليكن الحال في المقام أيضاً كذلك . أو بدعوى أن الفلزّات الذائبة إذا اُلقيت على ماء متنجس أو اُلقي عليها الماء المتنجِّس وصل الماء إلى جميع أجزائها الداخلية والخارجية وبذلك يتنجّس الجميع ، ويدعى أن هذا هو الغالب في الفلز المذاب .

   ولا يخفى ما في هاتين الدعويين :

   أمّا الاُولى منهما ، فلأنّ سراية النجاسة من جزء إلى غيره من الأجزاء الاُخر إنما هي في المياه المضافة والمائعات ، ولا دليل في غير ذلك على السراية بوجه ، فالزئبق مثلاً وإن كان ذائباً إلاّ أنه إذا صبّ على موضع متنجس لا يحكم بنجاسة شيء من أجزائه وذلك لعدم المقتضي له .

   وأمّا ثانيتهما ، فلأن الدعوى المذكورة على خلاف ما ندركه بوجداننا ، حيث إن الفلزات الذائبة إذا لاقت الماء انجمدت فكيف يلاقي الماء المتنجِّس جميع أجزائها ، بل لا يلاقي سوى بعضها وهو الأجزاء الظاهرية من الفلز .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال : «سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه هل يصلح له الوضوء منه ؟ فقال : إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس ...» الوسائل 1 : 150 / أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1 .

ــ[87]ــ

   هذا ، ثم لو سلمنا ـ على فرض غير واقع ـ أنها لا تنجمد إلاّ أن غاية ما هناك أن يلاقي الماء الأجزاء الظاهرية من الفلز ، وأما بواطنها فلا ينفذ الماء المتنجِّس فيها بأسرها ، ولا محالة تبقى على طهارتها . وعلى الجملة لا دليل على تنجس الأجزاء الداخلية في مثل الفلز المذاب .

   هذا ، ثم لو فرضنا في مورد وصول الماء المتنجِّس إلى جميع الأجزاء الداخلية والخارجية للفلز ـ  ولو باذابته مرات كثيرة وإلقائه في كل مرة على الماء المتنجِّس بحيث لا يشك في ملاقاة الماء المتنجِّس لكل واحد من أجزاء الفلز  ـ لم يقبل الطهارة بعد ذلك أبداً ، لعدم التمكن من غسل باطنه ضرورة عدم وصول المطهّر إلى جوف الفلز . نعم لا مانع من تطهير ظاهره ، إلاّ أن الظاهر لو استهلك باستعمال الفلز فالجزء البادي بعد الاستهلاك باق على نجاسته وهو أيضاً قابل للغسل والتطهير بصيرورته من الأجزاء الظاهرية . هذا كلّه فيما إذا علمنا أن الجزء إنما ظهر بعد استهلاك ظاهر الفلز .

   وأمّا إذا شككنا في أنه من الأجزاء الظاهرية ـ التي طهرناها بغسلها ـ أو أنه مما ظهر بعد الاستهلاك فهو باق على نجاسته ، فهل يحكم بطهارته أو لا بدّ من غسله ؟ تبتني هذه المسألة على مسألة اُصولية ، وهي أن الحالة السابقة إذا علم انتقاضها في بعض أفراد المتيقن السابق وعلم عدم انتقاضها في فرد آخر ، وشك في فرد بعد ذلك في أنه الفرد المعلوم انتقاض الحالة السابقة فيه أو أنه الفرد الذي علمنا بعدم انتقاض حالته السابقة فهل يجري فيه الاستصحاب أو لا ؟

   ذهب شـيخنا الاُستاذ (قدس سره) إلى عدم جريان الأصل فيه بدعوى أنه من الشبهة المصداقية للاستصحاب ، وذلك للشك في أن رفع اليد عن الحالة السابقة حينئذ نقض لليقين بالشك أو أنه من نقض اليقين باليقين ، ولا مجال معه للتمسّـك بعمـوم ما  دلّ على حرمة نقض اليقين بالشك (1) هذا .

   ولكنّا أسلفنا في محلِّه (2) أن اليقين والشك وغيرهما من الأوصاف النفسـانية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 2 : 431 .

(2) مصباح الاُصول 3 : 190 .

ــ[88]ــ

فإذا اُذيب ثانياً بعد تطهير ظاهره تنجّس ظاهره ثانياً (1) . نعم لو احتمل عدم وصول النجاسة إلى جميع أجزائه وأن ما ظهر منه بعد الذوبان الأجزاء الطاهرة ، يحكم بطهارته ((1)) وعلى أيّ حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله وإن كان مثل القدر من الصفر (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يتعقّل فيها شبهة مصداقية بوجه ، لأنه لا معنى للشك في الشك أو اليقين ، بأن يشك الانسان في أنه يشك في أمر كذا أو لا يشك ، أو أنه متيقن منه أو لا يقين له ، لأنه إذا راجع وجدانه يرى أنه يشك أو يتيقن فلا معنى للشك في أمثالهما ، وعليه فلا مانع من الرجوع إلى اسـتصحاب الحالة السابقة في الفرد المشـكوك فيه . وهذا كما إذا ذبحنا حيواناً وخرج منه المقدار المتعارف من الدم فانّه حينئذ يقتضي الحكم بطهارة المقدار المتخلف منه في الذبيحة وبه تنتقض الحالة السابقة فيه ، فلو شككنا بعد ذلك في دم أنه من الدم المتخلف أو المسفوح ، فعلى ما سلكناه لا مانع من التمسّك باستصحاب نجاسته لعدم كونه من الشبهات المصداقية للنقض الحرام . وعلى ذلك لمّا علمنا في المقام بانتقاض الحالة السابقة في الأجزاء الظاهرية للفلز للعلم بتطهيرها ، وعلمنا أيضاً بعدم انتقاضها في الأجزاء الداخلية ، لم يكن أي مانع من الرجوع إلى استصحاب بقاء النجاسة فيما إذا شككنا في جزء أنه من الأجزاء الظاهرية أو الداخلية . نعم بناء على ما سلكه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) لا يبقى مجال للاستصحاب وتنتهي النوبة إلى قاعدة الطهارة في الجزء المشكوك فيه .

   (1) لوضوح أن الفلز إذا اُذيب وكانت أجزاؤه الداخلية متنجسة حكم بنجاسة أجزائه الظاهرية لا محالة ، وهذا لا لأن الذوبان يقتضي نجاستها ، بل لأن الأجزاء الظاهرية هي الأجزاء الداخلية المتنجسة على الفرض وقد ظهرت بالغليان والذوبان .

   (2) ظهر مما تلوناه عليك في التعليقة السابقة عدم إمكان الحكم بطهارة الجزء المشكوك فيه ، لأنه طرف للعلم الاجمالي باصابة النجاسة له أو للجزء الداخل إلى الجوف بالغليان .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكم بطهارته لا يخلو من إشكال ظاهر ، نعم لا ينجس ملاقيه على الأظهر .

ــ[89]ــ

   [ 339 ] مسألة 32 : الحلي الذي يصوغه الكافر إذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته ومع العلم بها يجب غسله ويطهر ظاهره ، وإن بقي باطنه على النجاسة إذا كان متنجساً قبل الاذابة (1) .

   [ 340 ] مسألة 33 : النبات المتنجِّس يطهر بالغمس في الكثير ، بل والغسل بالقليل إذا علم جريان((1)) الماء عليه بوصف الاطلاق(2) وكذا قطعة الملح . نعم لو صنع النبات من السكر المتنجِّس أو انجمد الملح بعد تنجسه مائعاً لا يكون حينئذ قابلاً للتطهير (3) .

   [ 341 ] مسألة 34 : الكوز الذي صنع من طين نجس أو كان مصنوعاً للكافر يطهر ظاهره بالقليل وباطنه أيضاً إذا وضع في الكثير فنفذ الماء في أعماقه (4) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فمجرّد أنّ الصائغ غير مسلم لا يوجب الحكم بنجاسة الحلي . بل لو شككنا في أن ذلك الحلي هل أصابته نجاسة رطبة ولو كانت هي يد الصائغ ، بنينا على طهارته باستصحابها أو بقاعدة الطهارة . نعم مع العلم باصابة النجس له يحكم بنجاسة ظاهره أو جميع أجزائه الظاهرية والباطنية على التفصيل المتقدم في التعليقة السابقة فليراجع .

   (2) وكذلك الحال فيما إذا شك في بقائه على إطلاقه ، وذلك لاستصحاب بقائه على الاطلاق وعدم صيرورته مضافاً بالجريان .

   (3) لعدم إمكان وصول المطهر إلى أعماقه وهو مطلق ، لأن نفوذه في مثل النبات يستلزم صيرورته مضافاً ، ومع فرض كثرة الماء وغلبته يخرج النبات المتنجِّس عن كونه كذلك بالاستهلاك في الماء .

   (4) ظهر حكم هذه المسألة مما بيّنّاه(2) في تطهير الصابون وغيره من الأجسام التي ينفذ فيها الماء وهي غير قابلة للعصر ، فليراجع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والمرجع عند الشك في بقاء الاطلاق هو الاستصحاب .

(2) في ص 65 .

ــ[90]ــ

   [ 342 ] مسألة 35 : اليد الدسمة إذا تنجست تطهر في الكثير والقليل إذا لم يكن لدسومتها
جرم(1) وإلاّ فلا بدّ من إزالته أوّلاً ، وكذا اللّحم الدّسم والألية فهذا المقدار من الدسومة لا يمنع من وصول الماء .

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) بأن عدّت الدسومة من الأعراض الطارئة على اليد مثلاً ، فانّ العرض غير مانع عن وصول الماء إلى البشرة ويمكن معه تطهير اليد أو اللحم أو غيرهما بغسلها . وأما إذا كانت الدسومة معدودة من الجواهر والأجسام فلا ينبغي الشبهة في كونها مانعـة عن الغسـل ووصول الماء إلى البشرة ، فلا بدّ في تطهـيرها حينئـذ من إزالة الدسومة أوّلاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net