كاشفيّة حسن الظاهر عن العدالة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9034


    كاشفية حسن الظاهر

   (1) الكلام في ذلك يقع في موضعين :

   أحدهما : أن حسن الظاهر هل يكشف عن العدالة في الجملة أو لا ؟

   وثانيهما : أن كاشفية حسن الظاهر مقيّدة بما إذا أوجبت العلم أو الظن بالملكة ولو بمعنى الخوف النفساني من الله كما في كلام جملة من الأعلام ومنهم الماتن (قدّس سرّه) حيث قال : حسن الظاهر يكشف عن الملكة علماً أو ظناً . أو أن كاشفيته غير مقيّدة بشيء ، وأنه كاشف عن العدالة مطلقاً أفادت العلم أو الظن بالملكة أم لم تفد ، بل ومع الظن بعدم الملكة أيضاً ؟

   أما الموضع الأول : فالصحيح كما هو المعروف بينهم أن حسن الظاهر كاشف عن العدالة ، وهذا مضافاً إلى أنه المتسالم عليه بين الأصحاب وأنه لولاه لم يمكن كشف العدالة ولو بالمعاشرة ، لاحتمال أن يكون الآتي بالواجبات غير قاصد للقربة بل وغير ناو للواجب ، فلا يمكن الحكم بأن المكلف أتى بالواجب إلاّ من جهة حسن الظاهر يمكن أن يستدل عليه بجملة من الأخبار :

   منها : صحيحة عبدالله بن المغيرة قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام) : رجل طلّق امرأته ، وأشهد شاهدين ناصبيين قال : كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» (1) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة 27 : 393 / أبواب الشهادات ب 41 ح 5 .

ــ[236]ــ

   ومنها : موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال : «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً» (1) .

   ومنها : صحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السّلام) : «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ، ولم يعدل الآخران ، فقال : إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور اُجيزت شهادتهم جميعاً ...» (2) إلى غير ذلك من الروايات . فإنها دلتنا على أن من حَسن ظاهره ولم يكن معروفاً بشهادة الزور ونحوها من المحرمات حكم بعدالته ورتب عليها آثارها ، وإن لم يتحقق لنا حاله بأزيد من ذلك بحيث احتملنا ارتكابه المعاصي واقعاً .

   ثمّ إن هناك جملة اُخرى من الروايات استدل بها على أن حسن الظاهر كاشف عن العدالة ، إلاّ أنها لمكان ضعفها سنداً أو كونها ظاهرة في أصالة العدالة لا كاشفية حسن الظاهر عن العدالة ، غير صالحة للاستدلال بها في المقام ومن هنا نجعلها مؤيدة للمدعى وإليك بعضها :

   منها : ما رواه يونس بن عبدالرحمان عن بعض رجاله عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال : «سألته عن البينة إذا اُقيمت على الحق أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة ؟ فقال : خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم : الولايات والمناكح ، والذبائح ، والشهادات ، والأنساب ، فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته ، ولا يسأل عن باطنه» (3) وهي ضعيفة بارسالها .

   ومنها : ما رواه إبراهيم بن زياد الكرخي عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السّلام) قال : «من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنوا به خيراً واُجيزوا شهادته»(4) وهي ضعيفة بجعفر بن محمد بن مسرور(5) وغيره من المجاهيل .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة 27 : 395 / أبواب الشهادات ب 41 ح 10 .

(2) وسائل الشيعة 27 : 397 / أبواب الشهادات ب 41 ح 18 .

(3) وسائل الشيعة 27 : 392 / أبواب الشهادات ب 41 ح 3 .

(4) وسائل الشيعة 27 : 395 / أبواب الشهادات ب 41 ح 12 .

(5) نعم احتمل الوحيد (قدّس سرّه) في التعليقة انه جعفر بن محمد بن قولويه لأن قولويه إسمه مسرور ، فإن النجاشي ذكر في ترجمة علي بن محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور أنه روى عنه أخوه جعفر بن محمد بن قولويه [ رجال النجاشي : 262 / 685 ] .

         ولكن هذا الاحتمال بعيد جداً ، فإن علي بن محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور لم يسمع منه على ما ذكره النجاشي ، وجعفر بن محمد بن قولويه لم يرو عن علي بن محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور ، وإنما روى كتابه عن أخيه علي كما روى عن أخيه في كامل الزيارات كثيراً ، وليس في كلام النجاشي أن جعفر بن محمد بن قولويه روى عن اخيه علي بن محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور وعليه لم يثبت أن قولويه إسمه مسرور ، بل الثابت خلافه .

ــ[237]ــ

   ومنها : رواية علقمة قال : «قال الصادق (عليه السّلام) وقد قلت له : يابن رسول الله أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل ؟ فقال : يا علقمة كل من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته . قال فقلت له : تقبل شهادة مقترف بالذنوب ؟ فقال : يا  علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلاّ شهادة الأنبياء والأوصياء لأنهم المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً ، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة ...» (1) وهي ضعيفة بعلي ابن محمد بن قتيبة ، على أنها تناسب أصالة العدالة لا كاشفية حسن الظاهر عن العدالة كما لا يخفى . إلى غير ذلك من الروايات .

    اعتبار المعاشرة وعدمه :

   هل تعتبر المعاشرة في كاشفية حسن الظاهر عن العدالة ؟ أو أن مجرد كون الرجل ساتراً لعيوبه ، متعاهداً للحضور في جماعة المسلمين ونحو ذلك مما يجمعه حسن الظاهر كاف في استكشاف عدالته ، وإن لم نعاشره بوجه ؟

   قد يقال باعتبار المعاشرة في كاشفيته ويستدل عليه بوجهين :

   أحدهما : أن ستر العيوب إنما يتحقق في موارد كانت معرضاً للظهور أي في مورد قابل للظهور ، نظير الأعدام والملكات لوضوح أنها لو لم تكن قابلة للظهور فهي متسترة في نفسها ، لا أن المكلف قد سترها ، فعدم ظهورها لأجل فقدان المقتضي لا من جهة المانع وهو الستر ، وإحراز أن المكلف قد سترها في مورد كانت معرضاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة 27 : 395 / أبواب الشهادات ب 41 ح 13 .

ــ[238]ــ

للظهور لا يتحقق إلاّ بالمعاشرة ، فإنه لولاها لم يعلم كونها في مورد قابل للظهور . إذن لا بدّ من المعاشرة والمصاحبة بمقدار لو كان في المكلف نقص ديني لظهر ، فهي معتبرة في كاشفية حسن الظاهر عن العدالة .

   وثانيهما : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال : «من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته وكملت مروءته وظهر عدله ووجبت اُخوّته» (1) وبهذا المضمون روايتا الخصال عن عبدالله بن أحمد الطائي عن أبيه (2) وعيون الأخبار (3) تركنا نقلهما لضعف اسنادهما ، لدلالتها على أن العدالة تتوقف على عدم ارتكاب الاُمور المذكورة فيها بعد المعاملة والتحديث والمواعدة ، وهي كما ترى تتوقف على المعاشرة .

   ويرد على الوجه الأول : أن ستر العيوب يكفي في صدقه وتحققه أن يسترها المكلف في حضوره لجماعة المسلمين مثلاً وعدم ارتكابه ما ينافي ذلك قبل إقامة الجماعة وبعدها وهو بمرئى من المسلمين ، لأنه قد يبتلي قبلها أو بعدها بما هو مورد للظهور فإذا ستر عيوبه ولم يرتكب أمراً ينافي عدالته ، صدق أنه حَسن الظاهر وأنه ساتر لجميع عيوبه فلا يحتاج كاشفية الستر إلى أزيد من ذلك بوجه .

   وأما الوجه الثاني : فيرد عليه :

   أوّلاً : أن الموثقة أجنبية عن المدعى ، حيث إنها لم تدل على أن العادل لا بدّ له من أن يعامل الناس فلا يظلمهم ويحدّثهم فلا يكذبهم ويواعدهم فلا يخلفهم ، لأن عدم ارتكاب الظلم والكذب وخلف الوعد متفرع على الأفعال المذكورة في الموثقة تفرع النتيجة على الشرط ، بأن يعاملهم ويكون نتيجة معاملته عدم ظلمهم ، ويحدّثهم وتكون نتيجته أن لا يكذبهم وهكذا نظير القضايا الشرطية ، ولم تدل على أن ارتكاب الأفعال المذكورة معتبر في حصول العدالة . وبعبارة واضحة أن قوله (عليه السّلام) «من عامل الناس ....» في قوة قوله : من ترك ظلم الناس على فرض معاملتهم . ولم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة 12 : 278 / أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 2 .

(2) وسائل الشيعة 27 : 396 / أبواب الشهادات ب 41 ح 15 .

(3) المصدر السابق .

ــ[239]ــ

يرتكب الكذب على تقدير تحدّثهم وهكذا ، فالمعاملة والتحدّث والمواعدة كالمقدّمة والتوطئة لترك الظلم والكذب وخلف الوعد ، لا أنها اُمور مطلوبة في نفسها ومعتبرة في تحقق العدالة ، إذ من البيّن عدم توقفها على شيء من الأفعال المذكورة ، ولم يقل أحد أن العدالة لا تتحقق إلاّ بالتحديث للناس أو مواعدتهم ومعاملتهم بحيث لو لم تصدر منه لم يحكم بعدالته ، فلا دلالة للموثقة على أن المعاشرة معتبرة في العدالة ، وإنما تدلنا على أن من صدر منه تلك الأفعال ولم يرتكب الظلم والكذب وخلف الوعد فهو محكوم بالعدالة ومعه لا تنافي بين الموثقة والروايات المتقدمة الدالة على أن حسن الظاهر يكشف عن العدالة ، وإن لم تكن هناك أية معاشرة في البين ، كما إذا كان منزوياً لا يشاهد إلاّ في أوقات الصلاة .

   وثانياً : أن الموثقة لا دلالة لها بوجه على حصر العدالة في من عامل الناس ولم يظلمهم ... فإنها إنما تدل على أن من لم يظلم الناس إذا عاملهم ... فهو ممن كملت عدالته وتمت مروّته ، ولا تنفي العدالة عن غيره إذا وجد سبب من أسبابها ، كما إذا تعاهد حضور الجماعة وستر عيوبه ، فإن مقتضى رواية ابن أبي يعفور المتقدمة أنهما كاشفان عن العدالة كما مرّ ، فلا تنافي بين الموثقة والأخبار المتقدمة ورواية ابن أبي يعفور . فمقتضى الجمع بين الأخبار الثلاث ـ على تقدير صحة الأخيرة ـ أن يقال : العدالة إنما تستكشف بأحد أمرين : إما حضور الجماعة وتعاهد الصلوات في أوقاتها وستر العيوب ، وإما عدم الظلم والكذب وخلف الوعد عند الابتلاء بالمعاشرة بالمعاملة والتحدّث والمواعدة . إذن لم يدلنا دليل على أن المعاشرة معتبرة في استكشاف العدالة بحسن الظاهر ، هذا كلّه في الموضع الأول .

   أما الموضع الثاني : فالصحيح أن كاشفية حسن الظاهر عن العدالة لا يعتبر فيها إفادته العلم أو الظن بالملكة ولو بمعنى الخوف النفساني من الله ، بحيث لو ظننا أن حسن الظاهر في مورد مستند إلى الرياء أو غيره من الدواعي غير القربية أيضاً قلنا باعتباره وكشفه عن العدالة ، وذلك لعدم الدليل على أن كاشفية حسن الظاهر مقيّدة بما إذا أفادت العلم أو الظن بالملكة فهو تقييد للروايات المتقدمة من غير مقيد .

   وما استدل به على ذلك روايتان :

ــ[240]ــ

   إحداهما : مرسلة يونس بن عبدالرحمان المتقدمة (1) «إذا كان ظاهره مأموناً جازت شهادته» . نظراً إلى أن كون الظاهر مأموناً بمعنى كونه مطابقاً للواقع فحسن الظاهر إنما يكشف عن العدالة إذا حصل لنا الوثوق بكونه مطابقاً للواقع، وهذا معنى كشف الظاهر عن الملكة علماً أو ظناً .

   وثانيتهما : ما رواه الكليني باسناده عن أبي علي بن راشد قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) إن مواليك قد اختلفوا فاُصلي خلفهم جميعاً ؟ فقال : لا تصل إلاّ خلف من تثق بدينه» (2) وفي رواية الشيخ «إلاّ خلف من تثق بدينه وأمانته» . لدلالتها على عدم جواز الصلاة إلاّ خلف من يوثق بدينه ، ومعه لا يكون حسن الظاهر كاشفاً عن العدالة إلاّ إذا علمنا أو ظننا كونه مطابقاً للواقع وإلاّ كيف يحصل الوثوق بدينه .

   ولا يمكن المساعدة على شيء من الروايتين .

   أما الرواية الاُولى فلأنها ضعيفة السند بارسالها ، وقاصرة الدلالة على المدعى حيث إن المأمونية جعلت وصفاً لظاهر الرجل ، ومعنى ذلك أن يكون ظاهره ظاهراً موثوقاً به بأن يرى عاملاً بالوظائف الشرعية مرتين أو ثلاثاً أو أكثر ليظهر حسن ظاهره وعدم ارتكابه المعاصي والمحرمات ، فإن ذلك لا يظهر برؤيته كذلك مرة واحدة . وليست المأمونية صفة لواقعه كي نطمئن أن ظاهره مطابق للواقع وغير متخلف عنه .

   وأما الرواية الثانية فلأنها أيضاً ضعيفة السند بسهل بن زياد الواقع في كلا طريقي الكليني والشيخ ، وما ذكره بعضهم من أن الأمر في سهل سهل ليس بشيء، بل الأمر في سهل ليس بسهل على ما مرّ منا غير مرّة فلاحظ . وبمضمون هذه الرواية روايتان تركنا التعرض لهما لضعفهما من حيث السند . كما أنها قاصرة الدلالة على المدعى ، إذ المراد بالوثوق بدين الرجل هو أن يكون الإمام ، إمامياً إثنى عشرياً للروايات المانعة عن الصلاة خلف المخالفين ، وفي بعضها أنهم عنده (عليه السّلام) بمنزلة الجدر (3) ولم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 219  .

(2) وسائل الشيعة 8 : 309 / أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 2 .

(3) وسائل الشيعة 8 : 309 / أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 1 .

ــ[241]ــ

وتثبت بشهادة العدلين ((1))  (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يرد منه أن يكون ظاهره مطابقاً للواقع .

   وأما الوثوق بالأمانة كما في رواية الشيخ فلأنه لم يؤخذ في موضوع جواز الاقتداء بما أنه صفة نفسانية خاصة ، للقطع بجواز الصلاة خلف من ثبتت عدالته بالبينة أو بالاستصحاب مع عدم اطمئنان النفس بعدالة الإمام . إذن المراد بالوثوق بالأمانة هو الطريق الكاشف عن أمانته وإن كان غير الوثوق ومعه تكون الأخبار المتقدمة الدالة على أن حسن الظاهر طريق تعبدي في استكشاف العدالة ، حاكمة على هذه الرواية لدلالتها على أن الأمانة والعدالة لا ينحصر استكشافهما بالوثوق .

   فالمتحصل : أن حسن الظاهر كاشف عن العدالة في نفسه . وإن لم يكن فيه أي كشف عن الملكة علماً أو ظناً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net