مطهِّريّة الاسلام لمطلق الكفّار - الكلام في طهارة المرتدّ الفطريّ وسائر أحكامه إذا تاب 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8616


ــ[199]ــ

أيضاً على الأقوى من قبول توبته باطناً وظاهراً أيضاً (1) فتقبل عباداته ويطهر بدنه . نعم يجب قتله إن أمكن وتبين زوجته ، وتعتد عدة الوفاة وتنتقل أمواله الموجودة

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أمّا الأصلي والملي ـ  وهو المرتد الذي لم يكن أحد أبويه مسلماً حال انعقاده  ـ فهما المتيقن مما دلّ على طهارة الكافر بالاسلام ولا خلاف فيها بينهم .

   وأمّا الفطري ـ وهو المرتد الذي انعقد وأحد أبويه أو كلاهما مسلم ـ فيقتل وتبين عنه زوجته وتقسم أمواله ، والمشهور عدم قبول توبته وإسلامه وأنه مخلد في النار كبقية الكفار . وذهب جملة من المحققين إلى قبول توبته وإسلامه واقعاً وظاهراً . وفصّل ثالث في المسألة والتزم بقبول توبته وإسلامه فيما بينه وبين الله سبحانه واقعاً وأنه يعامل معه معاملة المسلمين ، وحكم بعدم قبولهما ظاهراً بالحكم بنجاسته وكفره وغيرهما من الأحكام المترتبة على الكفّار . وعن ابن الجنيد أن الفطري تقبل توبته مطلقاً حتى بالاضافة إلى الأحكام الثلاثة المتقدِّمة ، فلا يقتل بعد توبته ولا تبين زوجته ولا يقسم أمواله(1) إلاّ أنه شاذ لا يعبأ به ، إلى غير ذلك من الأقوال .

   والصحيح هو القول الوسط وهو ما نقلناه عن جملة من المحققين ، وذلك لأنه سبحانه واسع رحيم ولا يغلق أبواب رحمته لأحد من مخلوقاته ، فاذا ندم المرتد وتاب حكم باسلامه واقعاً وظاهراً ، ونسبة عدم قبولهما إلى المشهور غير ثابتة ، ولعلهم أرادوا بذلك عدم ارتفاع الأحكام الثلاثة المتقدِّمة باسلامه وإن كان مسلماً شرعاً وحقيقة ، ولا غرابة في كون المسلم محكوماً بالقتل في الشريعة المقدسة ، ويدل على ذلك :

   أوّلاً : صدق المسلم عليه من دون عناية ، إذ لا نعني بالمسلم إلاّ من أظهر الشهادتين واعترف بالمعاد وبما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمفروض أن المرتد بعد توبته معترف بذلك كله فلا وجه معه للحكم بنجاسته . بل لا دليل على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقل عنه في المستمسك 2 : 120 .

ــ[200]ــ

هذا المدعى سوى ما ورد في جملة من الأخبار من أن الفطري لا يستتاب وأنه لا توبة له (1) ولا يمكن الاستدلال به على المدعى ، لوضوح أن عدم استتابته لا يقتضي كفره ونجاسته على تقدير توبته ، فلعل عدم استتابته من جهة أن توبته لا يترتب عليها ارتفاع الأحكام الثلاثة الثابتة عليه بالارتداد فلا أثر لتوبته بالاضافة إليها ، وقد تقدم أن عدم ارتفاع الأحكام الثلاثة أعم من الكفر .

   وأما ما دلّ على أنه لا توبة له فهو وإن كان قد يتوهم دلالته على كفره ونجاسته لأنه لو كان مسلماً قبلت توبته لا محالة ، إلاّ أنه أيضاً كسابقه ، حيث إن التوبة ليست إلاّ بمعنى إظهار الندم وهو يتحقق من الفطري على الفرض فلا معنى لنفي توبته سوى نفي آثارها ، وعلى ذلك فمعنى أن الفطري لا توبة له : أن القتل وبينونة زوجته وتقسيم أمواله لا يرتفع عنه بتوبته وأن توبته كعدمها من هذه الجهة ، ولا منافاة بين ذلك وبين إسلامه بوجه .

   ويمكن حمله على نفي الأعم من الآثار الدنيوية والاُخروية ، وأنه مضافاً إلى قتله وغيره من الأحكام السابقة آنفاً يعاقب بارتداده أيضاً ولا يرتفع عنه العقاب بتوبته لأن ما دلّ على أن التائب من ذنب كمن لا ذنب له وغيره من أدلّة التوبة(2) لا مانع من أن يخصّص بما دلّ على أن الفطري لا تُقبل توبته ، إلاّ أنه لا يدل على عدم قبول إسلامه بوجه .

   وتوضيح ما ذكرناه : أن المعصية الصادرة خارجاً قد يقوم الدليل على أن الآثار المترتبة عليها غير زائلة إلى الأبد وإن زالت المعصية نفسها ، وذلك لاطلاق دليل تلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن المرتد فقال من رغب عن الاسلام وكفر بما اُنزل على محمد بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته وقسم ما ترك على ولده» وصحيحة الحسين بن سعيد قال : «قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) رجل ولد على الاسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الاسلام هل يستتاب أو يقتل ولا يستتاب ؟ فكتب (عليه السلام) يقتل» . الوسائل 28 : 323 / أبواب حدّ المرتد ب 1 ح 2 ، 6 .

(2) الوسائل 16 : 71 / أبواب جهاد النفس ب 86 .

 
 

ــ[201]ــ

الآثار أو عمومه ، لدلالته على أن المعصية بحدوثها وصرف وجودها كافية في بقاء آثارها إلى الأبد ، وقد لا يقوم دليل على بقاء آثار المعصية بعد ارتفاعها ، لعدم العموم والاطلاق في دليلها بحيث لا يستفاد منه سوى ترتب الأثر على المعصية ما دامت موجودة . ثم إن الآثار المترتبة على المعصية قد تكون تكوينية كاسـتحقاق العقاب وقد تكون شرعية كوجوب القتل وجواز تقسيم المال ونحوهما .

   أمّا القسم الأوّل من المعصية ، فمقتضى إطلاق أو عموم الأدلّة الدالّة على آثارها وإن كان بقاء تلك الآثار وإن ارتفعت المعصية ، إلاّ أنه قد يقوم الدليل على أن المعصية المتحقِّقة كلا معصية وكأنها لم توجد من الابتداء ، ومعه ترتفع الآثار المترتبة على صرف وجودها لا محالة ، وهذا كما في دليل التوبة لدلالته على أن التوبة تمحي السيئة والعصيان وأن التائب من ذنب كمن لا ذنب له ، ومعناه أن المعصية الصادرة كغير الصادرة فلا يبقى مع التوبة شيء من آثار المعصية بوجه .

   نعم ، قد يرد مخصص على هذا الدليل ويدل على أن التوبة مثلاً لا توجب ارتفاع المعصية المعينة ، كما ورد في المرتد عن فطرة ودل على أنه لا توبة له وأنها لا تقبل منه فتوبته كعدمها ، ومعه إذا كان لدليل آثارها إطلاق أو عموم فلا مناص من الالتزام ببقائها ، فلا بدّ من النظر إلى الآثار المترتبة على الارتداد لنرى أيها يثبت على المعصية الارتدادية مطلقاً وأيها يثبت عليها ما دامت باقية ، فنقول :

   أما استحقاق العقاب والخلود في النار فمقتضى قوله عزّ من قائل (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـئاتِ حَتَّى إذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا ا لَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) (1) أن الخلود في النار إنما هو من لآثار المترتبة على الكفر حال الموت دون من لم يتصف به حينه ، فارتفاع المعصية الكفرية يقتضي الحكم بعدم الخلود في النار ، فاذا أسلم المرتد وتاب ولم يبق على كفره إلى حين موته ارتفع عنه العقاب والخلود . وهذا لا من جهة دليل التوبة حتى يدعى أن توبة المرتد كعدمها لأنه لا تقبل توبته ، بل من جهة القصور في دليل الأثر المترتب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 18 .

ــ[202]ــ

على الارتداد ، لاختصاصه بما إذا كان باقياً حال الممات ، ومع القصور في المقتضي لا  حاجة إلى التمسّك بدليل التوبة ، لأنه إنما يحتاج إليه في رفع الآثار التي لولاه كانت باقية بحالها .

   وأمّا بقية الأحكام المترتبة على الكفر والارتداد كنجاسة بدنه وعدم جواز تزويجه المرأة المسلمة وعدم إرثه من المسلم ونحوها فهي أيضاً كسابقها ، لارتفاعها بارتفاع موضوعها الذي هو الكفر ، لوضوح أن نجاسة اليهود والنصارى مثلاً على تقدير القول بها إنما تترتّب على عنوان اليهودي أو النصراني ونحوهما فاذا أسلم وتاب لم يصدق عليه عنوانهما ، فترتفع نجاسته وغيرها من الآثار المترتبة على عنوانهما ، لقصور أدلتها وعدم شمولها لما بعد إسلامه ، من غير حاجة إلى التشبث بدليل التوبة ليقال إن المرتد لا  توبة له .

   وأمّا وجوب قتل المرتد وبينونة زوجته وتقسيم أمواله فلا مناص من الالتزام ببقائها وعدم ارتفاعها بتوبته ، وذلك لاطلاق أدلتها فليراجع (1) وإن زال كفره وارتداده بسببها ، فهو مسلم يجب قتله ولا غرابة في ذلك ، لأن المسلم قد يحكم بقتله كما في اللّواط وبعض أقسام الزنا والافطار في نهار شهر رمضان متعمداً على الشروط والتفاصيل المذكورة في محلها ، هذا كله في الوجه الأول مما يمكن الاستدلال به على المختار .

   الوجه الثاني : أنه أنه لا شبهة في أن المرتد بعد ما تاب وأسلم كبقية المسلمين مكلف بالصلاة والصيام ويرث من المسلم ويجوز له تزويج المرأة المسلمة وغيرها من الأحكام ، ولا يمكن التفوه بانكاره لأنه على خلاف الضرورة من الفقه ، وإن كان ثبوتها في حقِّه قبل إسلامه وتوبته مورد الكلام والنزاع للخلاف في تكليف الكفار بالفروع وعدمه . وعلى ذلك إما أن نلتزم باسلامه وطهارة بدنه وغيرها من الأحكام المترتبة على بقية المسلمين وهذا هو المدعى ، وإما أن نلتزم بنجاسة بدنه وبقائه على كفره وهذا يستلزم التكليف بما لا يطاق ، لأن من حكم بنجاسته لا يتمكّن من تطهير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 323 / أبواب حدّ المرتد ب 1 .

ــ[203]ــ

حال الارتداد إلى ورثته ، ولا تسقط هذه الأحكام بالتوبة ، لكن يملك ما اكتسبه

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدنه فكيف يكلف بالصلاة وغيرها من الاُمور المشروطة بالطهارة ، وهل هذا إلاّ التكليف بما لا يطاق .

   ودعوى : أن عجزه عن الامتثال إنما نشأ من سوء الاختيار وقد تقرر في محلِّه أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فلا مانع من تكليف المرتد بالصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطهارة .

   تندفع : بأن قبح التكليف بما لا يطاق لا يختص ـ على مسلكنا ـ بما إذا لم يستند إلى سوء الاختيار .

   وأما ما ربما يقال من أن التكاليف في حقه تسجيلية ولا غرض منها سوى التوصل إلى عقابه ، فهو أيضاً كسابقه مما لا يمكن المساعدة عليه ، لأن الاُمور الخارجة عن الاختيار غير قابلة للبعث نحوها أو الزجر عنها ، فبناء على ما ذكرناه من أن الضرورة تقتضي تكليف المرتد بمثل الصلاة والصيام ونحوهما بعد توبته لا بدّ من الالتزام بأحد أمرين على سبيل منع الخلو :

   فامّا أن نلتزم بالتقييد في الأدلّة الدالّة على اعتبار الاسلام والطهارة في مثل الصلاة والتوارث وتزويج المرأة المسلمة بأن لا نعتبرهما في حقه ، فتصح صلاته من دون طهارة واسلام ويجوز له تزويج المسلمة ويرث من المسلم من دون أن يكون مسلماً .

   أو نلتزم بالتخصيص فيما دلّ على أن الفطري لا تقبل توبته ، بأن نحمله على عدم قبولها بالاضافة إلى الأحكام الثلاثة المتقدِّمة لا في مثل طهارة بدنه وإرثه وجواز تزويجه المسلمة وغيرها من الأحكام ، لقبول توبته بالاضافة إليها . ومقتضى الفهم العرفي الالتزام بالأخير ، بل لا ينبغي التردد في أنه المتعيّن الصحيح ، لأنه أهون من الأوّل بالارتكاز وإن كانت الصناعة العلمية قد تقتضي العكس .

   فتلخص أن المرتد عن فطرة تقبل توبته وإسلامه ظاهراً وواقعاً . نعم دلّت الأخبار المعتبرة على أنه يقتل ويقسّم أمواله وتبين زوجته وتعتد عدّة المتوفّى عنها زوجها (1) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 323 / أبواب حدّ المرتد ب 1 .

ــ[204]ــ

بعد التوبة ((1)) (1) . ويصح الرجوع إلى زوجته بعقد جديد حتى قبل خروج العدّة على الأقوى (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لأنه كسائر المسلمين فله ما لهم وعليه ما عليهم ، ولعلّ هذا مما لا إشكال فيه وإنما الكلام فيما اكتسبه بعد كفره وقبل أن يتوب ـ بالحيازة أو العمل ـ فهل ينتقل إلى ورثته كغيره مما تملكه قبل الارتداد أو لا ينتقل ؟

   الصحيح عدم انتقاله إلى ورثته ، لأنه حكم على خلاف القاعدة ولا بدّ من الاقتصار فيه على دلالة الدليل ، وهو إنما دلّ على أنّ أمواله التي يملكها حال الارتداد تنتقل إلى ورثته ، وأمّا ما تملكه بعد ارتداده فلا دليل على انتقاله ، هذا .

   وقد يستشكل في الحكم بتملكه بعد توبته بأن الشارع قد ألغى قابليته للتملك ، بل نزّله منزلة الميت في انتقال أمواله إلى ورثته ، فالمعاملة معه كالمعاملة مع الميت وهو غير قابل للتملك بالمعاملة .

   ويدفعه إطلاقات أدلة البيع والتجارة والحيازة وغيرها من الأسباب ، لأنها تقتضي الحكم بصحّة الاُمور المذكورة وإن كانت صادرة من المرتد بعد إسلامه ، وهذه المسألة عامة البلوى في عصرنا هذا ، لأنّ المسلم قد ينتمي إلى البهائية أو الشيوعية أو غيرهما من الأديان والعقائد المنتشرة في أرجاء العالم ، وهو بعد ردّته وإن كان يجب قتله وتبين عنه زوجته وتقسم أمواله تاب أم لم يتب ، إلاّ أن المعاملة معه إذا تاب وندم مما يبتلي به الكسبة غالباً ، لأنه إذا لم يكن قابلاً للتملك لم يجز التصرف فيما يؤخذ منه لعدم انتقاله من مالكه ، وإذا كان قابلاً له ولكن قلنا بانتقال ما تملكه إلى ورثته وقعت معاملاته فضولية لا محالة . وأما بناء على ما ذكرناه من أنه قابل للتملك ولا تنتقل أمواله التي اكتسبها بعد توبته إلى ورثته فلا يبقى أي شبهة في معاملاته وضعاً ، وإن كانت في بعض الموارد محرمة تكليفاً بعنوان أنها ترويج للباطل أو غير ذلك من العناوين الثانوية الموجبة لحرمة المعاملة تكليفاً .

   (2) لما تقدّم من أن دليل التوبة باطلاقه يجعل المعصية المتحقِّقة كغير المتحقِّقة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وكذا ما اكتسبه بعد كفره قبل توبته .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net