كفاية إظهار الشهادتين في الحكم بإسلام الكافر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6463


ــ[205]ــ

   [ 383 ] مسألة 2 : يكفي في الحكم باسلام الكافر إظهاره الشهادتين وإن لم يعلم موافقة قلبه للسانه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فكأنها لم تصدر من المكلف أصلاً وبه ترتفع آثارها مطلقاً ، إلاّ فيما دلّ الدليل على بقائه كوجوب قتل المرتد وغيره من الأحكام الثلاثة المتقدِّمة تخصيصاً في أدلة التوبة بما دلّ على أن توبته كعدمها بالاضافة إلى تلك الأحكام .

   وأما غيرها من الآثار المترتبة على الكفر المقارن كالنجاسة وعدم تزويج المرأة المسلمة والخلود في النار ونحوها فقد عرفت أنها ترتفع بارتفاع الكفر والإرتداد من غير حاجة إلى التشبث بشيء ، وعلى هذا لا مانع من الرجوع إلى زوجته قبل خروج عدّتها وبعده ، لأنه بعد توبته مسلم وله أن يتزوّج بالمسلمة ، وبما أنها زوجته لم يعتبر انقضاء عدتها في تزويجها ، لأن المرأة إنما تعتد لغير زوجها . نعم لا بدّ في رجوعه من العقد الجديد لحصول البينونة بينهما بالارتداد .

   (1) أسلفنا تحقيق الكلام في هذه المسألة سابقاً (1) ولا بأس بتوضيحه أيضاً في المقام . فنقول :

   الايمان في لسان الكتاب المجيد هو الاعتقاد القلبي والعرفان ، والايقان بالتوحيد والنبوّة والمعاد ، ولا يكفي في تحقّقه مجرّد الاظهار باللِّسان ، لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنما بعث لأن يعرف الناس وحدانيته سبحانه ونبوة نفسه والاعتقاد بيوم الجزاء ، والايمان أمر قلبي لا بدّ من عقد القلب عليه ، وقد تصدّى سبحانه في غير وضع من كتابه لاقامة البرهان على تلك الاُمور ، فبرهن على وحدانيته بقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (2) وقوله : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِله بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْض ) (3) كما برهن على نبوة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله : (وَإِن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في بحث النجاسات الثامن : الكافر قبل المسألة [ 198 ] .

(2) الأنبياء 21 : 22 .

(3) المؤمنون 23 : 91 .

ــ[206]ــ

كُنتُمْ فِي رَيْب مِمّا نَزَّلْنا عَلَى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَة مِن مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِن دُونِ اللهِ إِن
كُنتُمْ صادِقِينَ * فَإِن لَمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّـقُوا النَّارَ ا لَّتِي وَقُودُها النَّاسُ وَالحِجـارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ )(1) وقوله : (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِن كُنتُمْ صادِقِينَ ) (2) وقال في مقام البرهان على المعاد : (قُلْ يُحْـيِيها ا لَّذِي أَنشَأَها أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ ) (3) إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على تلك الاُمور ، وكيف كان فهذه الاُمور يعتبر في تحقّقها الاعتقاد والعرفان ولا يكفي فيها مجرد الاظهار باللسان .

   وأما الايمان في لسان الأئمة (عليهم السلام) ورواياتهم فهو أخص من الايمان بمصطلح الكتاب وهو ظاهر .

   وأما الاسلام فيكفي في تحقّقه مجرّد الاعتراف وإظهار الشهادتين باللسان وإن لم يعتقدهما قلباً ، بأن أظهر خلاف ما أضمره وهو المعبّر عنه بالنفاق ، ويدل على ذلك الأخبار الواردة في أن الاسلام هو إظهار الشهادتين (4) وأن به حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح (5) كما ورد ذلك في جملة من الأخبار النبوية أيضاً راجع (6) وقوله عزّ من قائل : (قالَتِ الأَعْرابُ آمَنّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الإِيْمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (7) هذا .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 23 و24 .

(2) الصافات 37 : 157 .

(3) يس 36 : 79 .

(4) راجع الوسائل 1 : 17 / أبواب مقدمة العبادات ب 1 ح 9 ، 12 ، 13 وغيرها من أخبار الباب .

(5) كما في رواية حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «والاسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح ...» المروية في ج 2 من اُصول الكافي 26 / 5 والوسائل 1 : 19 / أبواب مقدمة العبادات ب 1 ح 14 .

(6) كما في صحيح مسلم ج 1 ص 37 / 1 والبخاري ج 1 ص 8 ، 9 وكنز العمال ج 1 ص 23 .

(7) الحجرات 49 : 14 .

ــ[207]ــ

لا مع العلم بالمخالفة ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   مضافاً إلى السيرة القطعية الجارية في زمان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على قبول إسلام الكفرة بمجرد إظهارهم للشهادتين مع القطع بعدم كونهم معتقدين بالاسلام حقيقة ، لأن من البعيد جداً ـ  لو لم يكن مستحيلاً عادة  ـ أن يحصل اليقين القلبي للكفرة بمجرّد مشاهدتهم غلبة الاسلام وتقدمه إلاّ في مثل عقيل على ما حكي .

   فتلخص أن الاسلام لا يعتبر فيه سوى إظهار الشهادتين ، ولا بأس بتسميته بالايمان بالمعنى الأعم ، وتسمية الإيمان في لسان الكتاب بالايمان بالمعنى الأخص وتسمية الايمان في لسان الأخبار بالإيمان أخص الخاص . هذا كله إذا لم يعلم مخالفة ما  أظهره لما أضمره ، وأما إذا علمنا ذلك وأن ما يظهره خلاف ما يعتقده فيأتي عليه الكلام في التعليقة الآتية .

   (1) بأن علمنا بقاءه على كفره ، وإنما يظهر الشهادتين لجلب نفع أو دفع ضرر دنيوي فهل يحكم باسلامه ؟ ظاهر المتن عدم كفاية الاظهار حينئذ ، ولكنّا في التعليقة لم نستبعد الكفاية حتى مع العلم بالمخالفة ، فيما إذا كان مظهر الشهادتين جارياً على طبق الاسلام ولم يظهر اعتقاده الخلاف . وتوضيح ذلك : أن إظهار الشهادتين قد يقترن باظهار الشك والتردد أو باظهار العلم بخلافهما ، وعدم كفاية الاظهار حينئذ مما لا  إشكال فيه ، لأنه ليس إظهاراً للشهادتين وإنما هو إظهار للتردد فيهما أو العلم بخلافهما ، وقد لا يقترن بشيء منهما وهذا هو الذي لم نستبعد كفايته في الحكم باسلام مظهر الشهادتين .

   ويدل على ذلك إطلاقات الأخبار الدالّة على أن إظهار الشهادتين هو الذي تحقن به الدماء وعليه تجري المواريث ويجوز النكاح (2) والسيرة القطعية الجارية على الحكم باسلام المظهر لهما ولو مع العلم بالخلاف ، لمعاملة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا تبعد الكفاية معه أيضاً إذا كان المظهر للشهادتين جارياً على طبق الاسلام .

(2) كما تقدّم في ص 206 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net