الكلام في تنجّس البواطن وطهارتها 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9489


ــ[222]ــ

وكذا زوال عين النجاسة أو المتنجِّس عن بواطن الانسان كفمه وأنفه واُذنه . فاذا أكل طعاماً نجساً يطهر فمه بمجرّد بلعه. هذا إذا قلنا إن البواطن تتنجس بملاقاة النجاسة ، وكذا جسد الحيوان . ولكن يمكن أن يقال بعدم تنجسهما أصلاً (1) ، وإنّما

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والرؤية وإن كانت موجبة للعلم بالحاسة الخاصة أعني الابصار ، إلاّ أن هذه الخصوصية ملغاة للقطع بعدم الفرق بين العلم الحاصل بالابصار والعلم الحاصل بغيره ، وعليه فالرواية تدل على نجاسة منقار الطيور والماء الملاقي معه عند العلم بها وأما مع الشك في نجاسته فهو وما لاقاه محكوم بالطهارة ، فهذه الثمرة ساقطة .

   نعم ، لا بأس بجعل ما قدمناه ثمرة للنزاع ، وهو ما إذا أصابت الحيوان نجاسة وجفت ولم تزل عنه عينها ثم ذبح فانّه على القول بعدم تنجس الحيوان أصلاً لا بدّ من الحكم بطهارته ، لأن العين حال رطوبتها لم توجب نجاسته لفرض أن الحيوان لا يتنجّس بها ، وأما بعد ذبحه وخروجه عن كونه حيواناً فلأنه لم تصبه عين رطبة حتى يحكم بنجاسته . وأما على القول بتنجس الحيوان بالملاقاة وطهارته بزوال العين عنه فالحيوان المذبوح محكوم بالنجاسة ولا يكفي زوال العين في طهارته ، لأن كونه مطهراً يختص بالحيوان والمفروض خروجه عن كونه حيواناً، فلا مناص من تطهيره بالغسل.

   ثم إن ما دلّ على إناطة الحكم بالنجاسة بالعلم بها إنما ورد في الطيور ويمكن الحكم بذلك في الفأرة أيضاً ، نظراً إلى قضاء العادة بنجاستها ولو من جهة بولها وبعرها الموجبين لنجاسة محلّهما ، ومعه حكم (عليه السلام) بطهارة الماء الذي وقعت فيه الفأرة إذا خرجت منه حيّة (1) وأما غير الفأرة فان قطعنا بعدم الفرق بينها وبين سائر الحيوانات فهو ، وإلاّ فيقتصر في الحكم بالطهارة وانقطاع استصحاب النجاسة بمورد النص والفأرة فحسب .

   (1) وقع الكلام في أن بواطن الانسان هل تتنجس بملاقاة النجاسة وتطهر بزوال العين عنها أو أنها لا تقبل النجاسة أصلاً ؟ وما يمكن أن يقال في المقام إن البواطن على قسمين : ما دون الحلق وما فوقه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 240 / أبواب الأسآر ب 9 ح 4 .

ــ[223]ــ

النجس هو العين الموجودة في الباطن ، أو على جسد الحيوان . وعلى هذا فلا وجه لعدّه من المطهِّرات . وهذا الوجه قريب جدّاً ((1)) .

   وممّا يترتّب على الوجهين أنه لو كان في فمه شيء من الدم فريقه نجس ما دام الدم موجوداً على الوجه الأول ، فاذا لاقى شيئاً نجّسه ، بخلافه على الوجه الثاني فان الريق طاهر والنجس هو الدم فقط ، فان أدخل إصبعه مثلاً في فمه ، ولم يلاق الدم لم ينجس ، وإن لاقى الدم ينجس إذا قلنا بأن ملاقاة النجس في الباطن أيضاً موجبة للتنجس ، وإلاّ فلا ينجس أصلاً إلاّ إذا أخرجه وهو ملوث بالدم .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما البواطن ما دون الحلق فلا ينبغي الاشكال في عدم تنجسها بملاقاة النجاسة، بل ولا ثمرة للبحث في أنها تتنجس وتطهر بزوال العين عنها أو لا تتنجس من الابتداء للقطع بصحة الصلاة ممن أكل طعاماً متنجساً أو شرب ماء كذلك أو الخمر وهي موجودة في بطنه ، فالنزاع في ذلك لغو لا أثر له . وأما العموم المستفاد من موثقة عمار المتقدِّمة (2) فهو منصرف عن هذا القسم من البواطن جزماً ولا يتوهم شمولها لغسل البواطن بوجه .

   وأما البواطن ما فوق الحلق كباطن الفم والأنف والعين والاُذن ، فان كانت النجاسة الملاقية لها من النجاسات المتكونة في الباطن كملاقاة باطن الأنف بدم الرعاف ، فلا شبهة في عدم تنجسها بذلك لما ورد في موثقة عمار الساباطي قال : «سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل يسيل من أنفه الدم ، هل عليه أن يغسل باطنـه يعني جوف الأنف ؟ فقال : إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه» (3) وهي تخصص العموم المستفاد من موثقة عمار المتقدِّمة ، لأنها تقتضي وجوب الغسل حتى إذا كان الملاقي من البواطن فوق الحلق ، وبهذه الموثقة يرتفع الأمر بالغسل في البواطن المذكورة، ومع ارتفاعه لا يبقى دليل على نجاسة داخل الأنف وأمثاله من البواطن، لأن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل هو بعيد ، نعم هو قريب بالاضافة إلى ما دون الحلق .

(2) المتقدِّمة في ص 219 .

(3) الوسائل 3 : 438 / أبواب النجاسات ب 24 ح 5 .

ــ[224]ــ

   [ 386 ] مسألة 1 : إذا شك في كون شيء ((1)) من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين على الوجه الأول (1) من الوجهين ويبنى على طهارته على الوجه الثاني ، لأن الشك عليه يرجع إلى الشك في أصل التنجس .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النجاسة إنما تستفاد من الأمر بالغسل كما مر غير مرة .

   وإذا كانت النجاسة خارجية ولم تكن من النجاسات المتكونة في الجوف كما إذا استنشق الماء المتنجِّس ، فقد ذكرنا في البحث عن نجاسة البول والغائط (2) أن الأجزاء الداخلية لا تتنجس بملاقاة النجاسة الخارجية ، إلاّ أن ذلك إنما يتم في القسم الأول من البواطن ، وأما القسم الثاني منها فمقتضى عموم موثقة عمار المتقدِّمة تنجسها بملاقاة النجاسة ، ولم يرد أي مخصص للعموم المستفاد منها بالاضافة إلى النجاسات الخارجية إلاّ أنها تطهر بزوال العين عنها ، وذلك للسيرة الجارية على طهارتها بذلك مؤيدة بروايتين واردتين في طهارة بصاق شارب الخمر ، إحداهما : ما  رواه عبدالحميد بن أبي الديلم قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه قال : ليس بشيء» (3) وثانيتهما : رواية الحسن بن موسى الحناط قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي فقال : لا بأس» (4) وعليه فهذا القسم من البواطن نظير بدن الحيوان لا أنها لا تتنجّس بالملاقاة أصلاً .

   وتظهر ثمرة ذلك فيما إذا وصلت نجاسة إلى فم أحد فانّه على القول بتنجس البواطن يتنجّس به الفم لا محالة وبه ينجس الريق الموجود فيه فاذا أصاب شيئاً نجّسه ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بعدم تنجسها فان الريق والفم كملاقيهما باقيان على الطهارة .

   (1) بل على كلا الوجهين السابقين :

   أمّا إذا قلنا بتنجس البواطن وطهارتها بزوال العين عنها فلأجل العلم بنجاسة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المشكوك فيه يحكم بعدم كونه من الباطن ، وعليه فلا أثر للوجهين المذكورين .

(2) شرح العروة  2 : 391 .

(3) ، (4) الوسائل 3 : 473 / أبواب النجاسات ب 39 ح 1 ، 2 .

ــ[225]ــ

ما يشك في كونه من البواطن ، وإنما الشك في ارتفاع نجاسته بزوال العين عنه ومقتضى الاستصحاب بقاؤه على نجاسته .

   وأما إذا قلنا بعدم تنجّس البواطن ، فلأجل الأصل الموضوعي الموجب للحكم بعدم ارتفاع نجاسته حتى يغسل ، وتوضيحه : أن الشك في كون شيء من البواطن قد يكون من جهة الشبهة المفهومية وعدم الاطلاع بسعة مفهوم الباطن وضيقه ، ولا مناص حينئذ من الرجوع إلى مقتضى العموم والاطلاق ، ومقتضى العموم المستفاد من موثقة عمار المتقدِّمة أن كل شيء أصابته النجاسة ينجس ولا ترتفع نجاسته إلاّ بغسله وخرجنا عن عمومها في البواطن بما دلّ على أنها لا تتنجس بملاقاة النجاسة أصلاً ـ  لأ نّا نتكلم على هذا البناء  ـ ومع اجمال المخصص لدورانه بين الأقل والأكثر يرجع إلى العام في غير المقدار المتيقن من المخصص ، لأنه من الشك في التخصيص الزائد فيندفع بالعموم والاطلاق .

   وقد يكون من جهة الشبهة المصداقية ، كما إذا شك ـ لظلمة ونحوها ـ في أن ما أصابته النجاسة من البواطن أو غيرها ، وفي هذه الصورة وإن لم يجز الرجوع إلى العام لأنه من التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية ، إلاّ أن هناك أصلاً موضوعياً ومقتضاه أن المورد المشكوك فيه باق تحت العموم ، وذلك لأن الحكم بعدم التنجس في الدليل المخصص إنما رتب على عنوان الباطن وهو عنوان وجودي ومقتضى الأصل عدمه وأن المشكوك فيه ليس من البواطن لجريان الأصل في الأعدام الأزلية ، وكل ما لم يكن من البواطن لا بدّ من غسله لتنجسه بملاقاة النجاسة وعدم ارتفاعها إلاّ بغسله .

   وذلك لأن الموضوع للحكم في الموثقة هو الشيء المعبّر عنه بلفظة «ما» في قوله «ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء» وما لم يثبت أنه من الباطن أيضاً شيء ويصدق أن يقال : إنه مما أصابه ذلك الماء من غير حاجة إلى تجشم إثبات أنه من الظواهر ، هذا كله في النجاسة الخارجية .

   وأما النجاسة الداخلية فقد عرفت أنها غير منجسة للبواطن ، فلو شككنا في أن ما أصابته النجاسة الداخلية من الباطن أو الظاهر فلا مناص من الحكم بطهارته بالأصل الموضوعي أو قاعدة الطهارة ، وذلك لأن وجوب الغسل في موثقة عمار الواردة في دم

ــ[226]ــ

   [ 387 ] مسألة 2 : مطبق الشفتين من الباطن وكذا مطبق الجفنين ، فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منهما بعد التطبيق (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرعاف (1) إنما رتب على عنوان الظاهر حيث قال : «وإنما يغسل ظاهره» . وعليه إن قلنا إن الجملة المذكورة متكفلة لحكم إيجابي فقط وهو وجوب غسل الظاهر ، فبما أنه من العناوين الوجودية يمكن أن يحرز عدمه بالاستصحاب لجريانه في الأعدام الأزلية كما مر ، فيقال : الأصل أن المشكوك فيه لم يكن من الظاهر وكل ما لم يكن كذلك لا يتنجّس بالنجاسة الداخلية بمقتضى الموثقة .

   وأما إذا بنينا على أن الجملة المذكورة متكفلة لحكمين : إيجابي وسلبي لكلمة «إنما» لأنها من أداة الحصر ، فتدل على وجوب غسل الظاهر وعدم وجوب غسل الباطن فلا يمكننا استصحاب عدم كون المشكوك فيه من الظاهر لأنه يعارض باستصحاب عدم كونه من الباطن فيتساقطان ، إلاّ أنه لا بدّ حينئذ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة وهي تقتضي الحكم بطهارة المشكوك يه لا محالة .

   (1) أما في الطهارة الحدثية من الغسل والوضوء فلا شك في أن المطبقين من البواطن ولا يجب غسلهما ، ويمكن استفادة ذلك من كلمة «الوجه» لأنها بمعنى ما  يواجه الانسان ومطبق الشفتين أو الجفنين لا يواجه الانسان وهو ظاهر ، وكذا في غسل الجنابة لقوله : «لو أن رجلاً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك» (2) فانّه يقتضي عدم كون المطبقين من الظاهر لجريان العادة على عدم فتح العينين والشفتين في الارتماس وعند صبّ الماء على الوجه فلا يصل الماء إلى المطبقين ، وقد دلت الرواية على كفايته .

   وإنما الكلام في الطهارة الخبثية ، والصحيح أن الأمر فيها أيضاً كذلك ، وهذا لا لموثقة عمّار الواردة في الرعاف ولا لما ورد في الاستنجاء (3) الدالّتين على أن الواجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدِّمة في ص 223 .

(2) كما في صحيحة زرارة المروية في الوسائل 2 : 230 / أبواب الجنابة ب 26 ح 5 .

(3) كما في موثقة عمار المشتملة على قوله : «إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منها ـ  يعني المقعدة  ـ    وليس عليه أن يغسل باطنها»  ونحـوها من الأخبار المرويّة في الوسائل 1  :  347 / أبواب أحكام الخلوة ب 29 ح 2 وغيره .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net