ما يحصل به الاستبراء عن الجلل - حكم الشكّ في حدوث الجلل 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7421


ــ[230]ــ

وهي غائط الانسان، والمراد من الاستبراء منعه من ذلك واغتذاؤه بالعلف الطاهر حتى يزول عنه إسم الجلل، والأحوط مع زوال الاسم مضي المدّة المنصوصة في كل حيوان بهذا التفصيل (1) :

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تكن جلاّلة ، والجلاّلة التي تكون ذلك غذاها» (1) فلا يمكن الاستدلال بها من جهتين : الاُولى : ضعف سندها بالارسال . الثانية : عدم دلالتها على أن الجلل هو التغذي بعذرة الانسان فحسب لعدم تقيد العذرة في الرواية بشيء . ودعوى انصرافها إلى عذرة الانسان مندفعة ، بأنها إسم لكل رجيع نتن ولا اختصاص لها بمدفوع الانسان بوجه ، بل قد اُطلقت في بعض الأخبار على رجيع الكلب والسنور (2) فالرواية غير قابلة للاعتماد عليها بوجه . وإنما خصصنا الجلل بالتغذي بعذرة الانسان خاصة نظراً إلى عدم معهودية أكل الحيوان غيرها من عذرة الكلب والهرة ونحوهما ، وإنما المشاهد أكله عذرة الانسان فالجلل مختص به ، وعلى تقدير الشك في سعته وضيقه كان المرجع إطلاق ما دلّ على حلية أكل لحم المحلل في ذاته كما تقدم .

   (1) هذه هي الجهة الرابعة من الجهات التي يتكلم عنها في المقام وهي في بيان ما يحصل به الاستبراء عن الجلل وبه ترتفع نجاسة البول والرجيع ، بناء على نجاستهما في مطلق الحيوان المحرم أكله ولو عرضاً ، أو ما يرتفع به خصوص حرمة الأكل إذا منعنا عن نجاستهما في المحرم بالعرض .

   ذكر الماتن (قدس سره) أن المدار في ذلك على زوال إسم الجلل ، وهذا هو الوجيه لأن الموضوع في الحكم بحرمة الأكل أو هي ونجاسة البول والرجيع هو الجلل ، وبما أن الحكم يتبع موضوعه بحسب الحدوث والبقاء فمع ارتفاعه لا يحتمل بقاء الأحكام المترتبة عليه ، ولا يصغى معه إلى استصحاب بقاء الأحكام المترتبة على الحيوان حال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 24 : 160 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 24 ح 2 .

(2) عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته ؟ قال : إن كان لم يعلم فلا يعيد» الوسائل 3 : 475 / أبواب النجاسات ب 40 ح 5 .

ــ[231]ــ

الجلل إذ لا مجرى للاستصحاب بعد ارتفاع موضوعه . على أنه من الاستصحاب في الشبهة الحكمية وهو ممنوع كما مر غير مرة .

   وأمّا ما عن المشهور من أن الاستبراء إنما يحصل بمضي المدة المنصوصة في الروايات وإن بقي عنوان الجلل بعد انقضائها فهو على تقدير صحّة النسبة ـ  وهي مستبعدة  ـ مندفع بوجهين :

   أحدهما : أن الأخبار المحددة للاستبراء كلزها ضعاف ، لأنها بين مرسلة ومرفوعة وضعيفة الاسناد فلا اعتبار لها بوجه .

   وثانيهما : أن المرتكز في الأذهان من تحديد حرمة الأكل أو نجاسة الخرء والبول بتلك المدة المنصوصة في الأخبار ، أن الحرمة أو النجاسة محددتان بتلك المدة بعد زوال عنوان الجلل ، بمعنى أن الابل الجلاّلة مثلاً بعد ما زال عنها إسم الجلل لا يحكم بحلية لحمها وطهارة بولها وروثها إلاّ بعد أربعين يوماً ـ  كما في الخبر  ـ لا أن الأحكام المترتبة على الابل الجلاّلة ترتفع بعد المدة المنصوصة وإن بقي عنوان جللها ، وقد ذكرنا نظير ذلك في مثل الأمر الوارد بغسل الثوب المتنجِّس بالبول مرتين أو بصبّ الماء على البدن كذلك(1) وما ورد في الاستنجاء من المسح بثلاثة أحجار(2) حيث قلنا إن ظاهرها كفاية الحد بعد زوال النجاسة عن المحل ، لا أن مجرد الغسل أو الصبّ أو المسح بالأحجار كاف في الحكم بالطهارة ولو بقيت العين بحالها . نعم لا يشترط ارتفاع الموضوع قبل الغسل أو الصبّ أو قبل انقضاء المدة المنصوصة في المقام ، بل يكفي ارتفاعه وزواله ولو مع الغسل أو أخويه ، فانقضاء المدة المنصوصة في الأخبار غير كاف في الحكم بحلية اللحم أو بطهارة الخرء والبول وإن بقي موضوعهما وهو عنوان الجلل .

   نعم ، لو تمّت الأخبار الواردة بحسب السند لأمكن القول بأن طهارة مدفوعي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع صحيحة البزنطي وغيرها مما ورد في الوسائل 3 : 396 / أبواب النجاسات ب 1 ح 7 وغيره .

(2) الوسائل 1 : 348 / أبواب أحكام الخلوة ب 30 .

ــ[232]ــ

الجلاّلات وحلِّيّة لحمها متوقفتان على انقضاء المدّة المنصوصة بعد زوال عنوانها وهو الجلل ، لأنه تحديد تعبّدي فلا يحكم بارتفاع أحكامها بزول جللها قبل المدّة المنصوصة في الأخبار ، ومع عدم تماميّة سندها كما مرّ لا مناص من حملها على الندب بناء على التسامح في أدلّة السنن .

   ومن المحتمل القريب أن يكون ما ذكرناه هو المراد مما ذكره الشهيد الثاني (قدس سره) وغيره من اعتبار أكثر الأمرين من المقدر وما يزول به إسم الجلل بأن يقال إن نظره من ذلك إلى أن انقضاء المدة المنصوصة ـ  مع بقاء الجلل  ـ غير موجب لارتفاع الأحكام المترتبة عليه ، وذلك لأن ظاهر التحديد إرادة مضي المدّة المنصوصة بعد زوال عنوان الجلل .

   وأما ما ربما يظهر من كلام صاحب الجواهر (قدس سره) من الأخذ بالمقدار المنصوص عليه إلاّ مع العلم ببقاء صدق الجلل ، فان انقضاء المدة غير موجب لحلِّيّة الحيوان وطهارة بوله وروثه(1) فلعلّه أيضاً ناظر إلى ما قدمناه بمعنى أنه لا يريد بذلك أن التحديد بالمقدرات المنصوصة تحديد ظاهري وأن المقدرات حجة في مقام الشك والجهل ، بل لعلّ مقصوده أن المقدرات وإن كانت تحديدات واقعية إلاّ أن التمسك باطلاقها إنما يصحّ في موردين : أحدهما : ما إذا علم زوال إسم الجلل وعنوانه قبل انقضاء المدة المنصوصة في الأخبار . وثانيهما : ما إذا شك في زواله بانقضاء المدّة المقدرة وهو الغالب في أهل القرى والبوادي وغير المطلعين باللغة العربية ، حيث إن أكثرهم غير عالمين بزوال الجلل لجهلهم بمفهومه وأما مع العلم ببقاء عنوان الجلل فلا يمكن الحكم بحليته وطهارة بوله وروثه بمجرد انقضاء المدة المقدرة ، لما تقدم من أن المتفاهم العرفي في أمثال التحديدات الواردة في المقام هو التحديد بعد زوال الموضوع وارتفاعه ولو كان ارتفاعه مقارناً لانقضاء المدة كما مر ، وبهذا يحصل التوافق بين كلمات الشهيد وصاحب الجواهر وما ذكره الماتن (قدس الله أسرارهم) إلاّ أن هذا كله مبني على تمامية الأخبار الواردة في التحديد وقد مرّ أنها ضعيفة السند والدلالة . فالصحيح ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 36 : 276 .

ــ[233]ــ

اخترناه تبعاً للماتن (قدس سره) .

   فالى هنا تحصل أن مفهوم الجلل كبقية المفاهيم العرفية لا بدّ في تعيينه من الرجوع إلى العرف ، ولا اعتبار بشيء مما ذكروه في تعريفه من أنه يحصل بالتغذي بالعذرة يوماً وليلة أو بظهور النتن في لحمه وجلده أو بصيرورة العذرة جزءاً من بدنه ، بل إنما هو عرفي لابدّ من الرجوع إليه، فان علمنا بحدوثه أو بارتفاعه فهو ، وإذا شككنا في حدوثه أو في بقائه فلا بد من الرجوع إلى ما تقتضيه القواعد المقررة وقتئذ ، وهي قد تقتضي الرجوع إلى عموم الدليل أو إطلاقه وقد تقتضي الرجوع إلى الاستصحاب .

   وتفصيل الكلام في المقام : أن الشك في حدوث الجلل قد يكون من جهة الشبهة المفهومية وقد يكون من جهة الشبهة الموضوعية ، فان شككنا في حدوثه من جهة الشبهة المفهومية للجهل بمفهوم الجلل ، وأنه يتحقق بالتغذي بالعذرة يوماً وليلة أو بثلاثة أيام مثلاً ، فلا يمكن الرجوع حينئذ إلى الاستصحاب الحكمي للجهل بموضوعه ، ولا إلى الاستصحاب الموضوعي إذ لا شك لنا في شيء من الموجودات الخارجية ، فلا بد معه من الرجوع إلى عموم أو إطلاق الدليل الذي دلّ على حلية لحم الدجاج أو الشاة مثلاً وطهارة بولهما ومدفوعهما ، لأن ما دلّ على حرمة لحم الجلاّل أو نجاسة بوله وروثه من المخصصات المنفصلة لدليل الحلية والطهارة ، وقد بيّنا في محله أن إجمال المخصص المنفصل لا يسري إلى العام ، بل يؤخذ بالمقدار المتيقن منه للعلم بقيام حجة أقوى فيه على خلاف العموم ، وفي المقدار الزائد يرجع إلى عموم الدليل أو إطلاقه ، لأنه حجّة في مدلوله ما دام لم يقم على خلافه حجّة أقوى ، وحيث لا حجّة على خلافه في المقدار الزائد فيكون عموم العام أو إطلاقه هو المحكّم فيه (1) .

   وأما إذا كانت الشبهة مصداقية للعلم بمفهوم الجلل والشك في بعض الاُمور الخارجية ، كما إذا علمنا أن الجلل يتحقق بالتغذي ثلاثة أيام أو أربعة مثلاً وشككنا في أن التغذّي هل كان ثلاثة أيام أو أربعة أم لم يكن ، فلا يمكن الرجوع فيها إلى عموم الدليل بناء على عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية كما هو الصحيح ، ولا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 181 .

ــ[234]ــ

مناص حينئذ من الرجوع إلى استصحاب عدم حدوث الجلل وبه يحكم بحلية لحمه وطهارة بوله وروثه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net