المقدّمة الاولى‏ - الحاجة إلى علم الرجال‏ 

الكتاب : معجم رجال الحديث ـ الجزء الأول   ||   القسم : الرجال   ||   القرّاء : 16822


المقدّمة الاولى‏


إستعراض سلسلة من المقدّمات تفضي إلى ضرورة الرجوع إلى علم الرجال.
زيف الآراء القائمة على إنكار الحاجة إليه.
تفنيد المذهب القائل: إنّ الكتب الاربعة قطعيّة الصدور.

الحاجة إلى علم الرجال‏


قد ثبت بالادلّة الاربعة حرمة العمل بالظنّ، وأنّه لا يجوز نسبة حكم إلى اللّه سبحانه مالم يثبت ذلك بدليل قطعى، أو بما ينتهي إلى الدّليل القطعى، وناهيك في ذلك قوله سبحانه: (أللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون).
دلّت الآية المباركة على أنّ كلّ ما لم يثبت فيه إذن من اللّه تعالى، فنسبته إليه افتراء عليه سبحانه، كما ثبت بتلك الادلّة أنّ الظنّ بنفسه لا يكون منجزاً للواقع، ولا معذّرا عن مخالفته في ما تنجّز بمنجز، ويكفي في ذلك قوله تعالى: (ولا تقف ماليس لك به علم)، وقوله تعالى: (وما يتّبع أكثرهم إلاّ ظنّاً إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً).
وأمّا الروايات الناهية عن العمل بغير العلم: فهي فوق حدّ الإحصاء، ففي صحيح أبي بصير: (قال: قلت لابي عبداللّه عليه السلام: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب اللّه ولا سنّةٍ فننظر فيها؟ فقال: لا، أما أنّك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذّبت على اللّه)(1).
مثال ذلك: أنّ الصدوق روى عن محمد بن مسل عبداللّه عليهما السلام، قالا: (إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات، فصلّها مالم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة...)(1).
وقد عبّر عنها صاحب الحدائق : رحمه اللّه : ومن تأخّر عنه بصحيحة محمد ابن مسلم وبريد بن معاوية اغتراراً بجلالتها، وغفلة عن أنّ طريق الصدوق إلى بريد مجهول، وإلى محمد بن مسلم ضعيف، والرواية ضعيفة.
مثال ذلك: أنّ الصدوق روى عن محمد عبداللّه عليهما السلام، قالا: (إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات، فصلّها مالم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة...)(1).
وقد عبّر عنها صاحب الحدائق : رحمه اللّه : ومن تأخّر عنه بصحيحة محمد ثم إنّه لا ريب في أنّ العقل لا طريق له إلى إثبات الاحكام الشرعية لعدم إحاطته بالجهات الواقعية الداعية إلى جعل الاحكام الشرعية. نعم يمكن ذلك في موارد قليلة، وهي إدراك العقل الملازمة بين حكم شرعي وحكم آخر، كإدراكه الملازمة بين النّهي عن عبادة: كالصوم يومي العيدين وفساده.
وأمّا الكتاب العزيز: فهو غير متكفّل ببيان جميع الاحكام، ولا بخصوصيات ماتكفّل ببيانه من العبادات، كالصلاة والصوم والحج والزكاة فلم يتعرّض لبيان الاجزاء والشرائط والموانع.
وأمّا الإجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام: فهو نادر الوجود. وأمّا غير الكاشف عن قوله عليه السلام، فهو لا يكون حجّة لانّه غير خارج عن حدود الظنّ غير المعتبر.
والمتحصّل: أنّ استنباط الحكم الشرعي في الغالب لا يكون إلاّ من الروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة صلوات اللّه عليهم. والإستدلال بها على ثبوت حكم شرعي يتوقّف على إثبات أمرين:
الاوّل: إثبات حجّية خبر الواحد، فإنّا إذا لم نقل بحجّيته، إنتهى الامر إلى الالتزام بانسداد باب العلم والعلمى. ونتيجة ذلك هو التنزّل في مرحلة الإمتثال إلى الإمتثال الظنّى، أو القول بحجّية الظنّ في هذا الحال، على ماذهب إليه بعضهم.
الثاني: إثبات حجّية ظواهر الروايات بالإضافة إلينا أيضاً، فإنّا إذا قلنا باختصاصها بمن قصد بالافهام، وإنّهم المخاطبون فقط، لم يكن الإستدلال بها على ثبوت حكم من الاحكام أصلاً.
وهذان الامران قد أشبعنا الكلام فيهما في مباحثنا الاصولية. ولكن ذكرنا أنّ كلّ خبر عن معصوم لا يكون حجّة، وإنّما الحجّة هو خصوص خبر الثقة أو الحسن. ومن الظاهر أنّ تشخيص ذلك لا يكون إلاّ بمراجعة علم الرجال ومعرفة أحوالهم وتمييز الثقة والحسن عن الضعيف. وكذلك الحال لو قلنا بحجّية خبـر العادل فقط، فإنّ الجزم بعدالة رجل أو الوثوق بها لا يكاد يحصل إلاّ بمراجعته.
هذا، والحاجة إلى معرفة حال الرواة موجودة. حتى لو قلنا بعدم حجّية خبر الواحد، أو قلنا باختصاص حجّية الظهور بمن قصد افهامه، فانتهى الامر إلى القول بحجّية الظنّ الإنسدادي أو لزوم التنزّل إلى الإمتثال الظنّى، فإنّ دخل توثيق علماء الرجال رواة رواية في حصول الظنّ بصدورها غير قابل للإنكار.
ومن الغريب : بعد ذلك : إنكار بعض المتأخّرين الحاجة إلى علم الرجال بتوهّم أنّ كلّ رواية عمل بها المشهور فهي حجّة، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجّة، سواء أكانت رواتها ثقات أم ضعفاء.
بحجّية الظنّ الإنسدادي أو لزوم التنزّل إ علماء الرجال رواة رواية في حصول الظنّ بصدورها غير قابل للإنكار.
ومن الغريب : بعد ذلك : إنكار بعض المتأخّرين الحاجة إلى علم الرجال بتوهّم أنّ كلّ رواية عمل بها المشهور فهي حجّة، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجّة، سواء أكانت رواتها ثقات أم ضعفاء.
فإنّه مع تسليم ماذكره من الكلّيّة : وهي غير مسلّمة وقد أوضحنا بطلانها في مباحثنا الاصولية : فالحاجة إلى علم الرجال باقية بحالها، فإنّ جملة من المسائل لا طريق لنا إلى معرفة فتاوى المشهور فيها، لعدم التعرّض لها في كلماتهم، وجملة منها لا شهرة فيها على أحد الطرفين، فهما متساويان. أو أنّ أحدهما أشهر من الاخر، وليست كلّ مسألة فقهية كان أحد القولين، أو الاقوال فيها مشهوراً، وكان مايقابله شاذّاً.
بل الحال كذلك حتى لو قلنا بأنّ صدور روايات الكتب الاربعة قطعى، فإنّ أدلّة الاحكام الشرعية لا تختصّ بالكتب الاربعة، فنحتاج : في تشخيص الحجّة من الروايات الموجودة في غيرها عن غير الحجّة : إلى علم الرجال.
ومن الضروري التكلّم على هذا القول بما يناسب المقام:
روايات الكتب الاربعة ليست قطعيّة الصدور
ذهب جماعة من المحدّثين إلى أنّ روايات الكتب الاربعة قطعيّة الصدور. وهذا القول باطل من أصله؟ إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد. ولا سيّما أنّ في رواة الكتب الاربعة من هو معروف بالكذب والوضع، على ماستقف عليه قريباً وفي موارده إن شاء اللّه تعالى.
ودعوى القطع بصدقهم في خصوص روايات الكتب الاربعة : لقرائن دلّت على ذلك : لا أساس لها، فانّها بلا بيّنة وبرهان، فإنّ ماذكروه في المقام : وادّعوا أنّها قرائن تدلّنا على صدور هذه الروايات من المعصوم : عليه السلام : لا يرجع شى‏ء منها إلى محصل.
وأحسن ما قيل في ذلك هو: أنّ اهتمام أصحاب الائمة عليهم السلام وأرباب الاصول والكتب بأمر الحديث إلى زمان المحمدين الثلاثة : قدّس اللّه أسرارهم : يدلّنا على أنّ الروايات التي أثبتوها في كتبهم قد صدرت عن المعصومين عليهم السلام، فإنّ الاهتمام المزبور يوجب : في العادة : العلم بصحّة ماأودعوه في كتبهم، وصدوره من المعصومين عليهم السلام.
ولكن هذه الدعوى فارغة من وجوه:
أوّلاً: إنّ أصحاب الائمة عليهم السلام وإن بذلوا غاية جهدهم واهتمامهم في أمر الحديث وحفظه من الضياع والإندراس حسبما أمرهم به الائمة عليهم السلام، إلاّ أنّهم عاشوا في دور التقيّة، ولم يتمكّنوا من نشر الاحاديث علناً، فكيف بلغت هذه الاحاديث حدّ التواتر أو قريباً منه! وهذا ابن أبي عمير حبس أيام الرشيد، وطلب منه أن يدلّ على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر عليه السلام، وأنّ أخته دفنت كتبه عندما كان في الحبس فهلكت، أو تركها في غرفته، فسال عليها المطر فهلكت. وهكذا حال سائر أصحاب الائمة عليهم السلام، فإنّ شدّتهم في ماكانوا عليه، وعدم تمكّنهم من نشر الاحاديث علناً ممّا لا شكّ فيه ذو مسكة. مع ذلك كيف يمكن دعوى: أنّها قطعيّة الصدور؟.
ثانياً: إنّ الاهتمام المزبور لو سلّمنا أنّه يورث العلم، فغاية الامر أنّه يورث العلم بصدور هذه الاصول والكتب عن أربابها، فنسلّم أنّها متواترة، ولكنّه مع ذلك لا يحصل لنا العلم بصدور رواياتها عن المعصومين عليهم السلام، وذلك فإنّ أرباب الاصول والكتب لم يكونوا كلّهم ثقات وعدولاً، فيحتمل فيهم الكذب. وإذا كان صاحب الاصل ممّن لا يحتمل الكذب في حقّه، فيحتمل فيه السّهو والإشتباه.
وهذا حذيفة بن منصور قد روى عنه الشيخ بعدّة طرق:
بحجّية الظنّ الإنسدادي أو لزوم التنزّل إ علماء الرجال رواة رواية في حصول الظنّ بصدورها غير قابل للإنكار.
ومن الغريب : بعد ذلك : إنكار بعض المتأخّرين الحاجة إلى علم الرجال بتوهّم أنّ كلّ رواية عمل بها المشهور فهي حجّة، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجّة، سواء أكانت رواتها ثقات أم ضعفاء.
بحجّية الظنّ الإنسدادي أو لزوم ال علماء الرجال رواة رواية في حصول الظنّ بصدورها غير قابل للإنكار.
ومن الغريب : بعد ذلك : إنكار بعض المتأخّرين الحاجة إلى علم الرجال بتوهّم أنّ كلّ رواية عمل بها المشهور فهي حجّة، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور ليست بحجّة، سواء أكانت رواتها ثقات أم ضعفاء.
منها: مارواه بطرقه المعتبرة عن محمد بن أبي عمير عنه رواية: أنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً(1). ثم قال: (وهذا الخبر لا يصحّ العمل به من وجوه: أحدها أنّ متن هذا الحديث لا يوجد في شى‏ء من الاصول المصنّفة، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الاخبار. ومنها: أنّ كتاب حذيفة بن منصور عريّ منه، والكتاب معروف مشهور، ولو كان هذا الحديث صحيحاً عنه لضمّنه كتابه).
إلى آخر ماذكره : قدّس سرّه ؤ.
فنرى أنّ الشيخ : قدّس سرّه : يناقش في صحّة هذا الحديث عن حذيفة مع أنّ في رواتها عنه محمد بن أبي عمير، وقد رواها الشيخ عنه بطرق معتبرة، ولا يكون منشأ ذلك إلاّ احتمال وقوع السّهو والإشتباه من الرواة، فإذا كانت مثل هذه الرواية لايحكم بصحّتها، فما حال الروايات التي يرويها الضعفاء أو المجهولون؟!.
ثالثاً: لو سلّمنا أنّ صاحب الكتاب أو الاصل لم يكذب ولم يشتبه عليه الامر، فمن الممكن أنّ من روى عنه صاحب الكتاب قد كذب عليه في روايته، أو أنّه اشتبه عليه الامر، وهكذا...
ومن هنا قال الشيخ : قدّس سرّه : في كتاب العدّة عند بحثه عن حجّية خبر الواحد:
والذي يدلّ على ذلك: إجماع الفرقة المحقّة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ودوّنوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك، ولا يتدافعونه حتى أنّ واحداً منهم إذا أفتى بشى‏ء لايعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم إلى كتاب معروف أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لاينكر حديثه سكتوا، وسلّموا الامر في ذلك وقبلوا قوله.
فإنّ دلالة هذا الكلام على أنّ روايات الكتب المعروفة والاصول المشهورة لم تكن قطعيّة الصدور، وإنّما يلزم قبولها بشرط أن تكون رواتها ثقات، للإجماع على حجّيتها : حينئذ : واضحة ظاهرة.
رابعاً: إنّ الاصول والكتب المعتبرة لو سلّمنا أنّها كانت مشهورة ومعروفة إلاّ أنّها كانت كذلك على إجمالها، وإلاّ فمن الضروري أنّ كلّ نسخة منها لم تكن معروفة ومشهورة، وإنّما ينقلها واحد إلى آخر قراءة أو سماعاً، أو مناولة مع الاجازة في روايتها، فالواصل إلى المحمدين الثلاثة إنّما وصل إليهم عن طريق الآحاد، ولذلك ترى أنّ الشيخ الصدوق بعدما ذكر في خطبة كتابه من لا يحضره الفقيه أنّ: جميع ما أورده فيه مستخرج من كتب مشهورة معروفة أشار إلى طريقه إليها، وقال: (وطرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضى اللّه عنهم). فإنّه يظهر من ذلك أنّه : قدّس سرّه : كان قد ألّف فهرساً ذكر فيه طرقه إلى الكتب التي رواها عن مشايخه وأسلافه، فهو إنّما يروي الكتب بتلك الطرق المعروفة في ذلك الفهرس، ولكنّه لم يصل إلينا، فلا نعرف من طرقه غير ماذكره في المشيخة من طرقه إلى من روى عنهم في كتابه.
وأمّا طرقه إلى أرباب الكتب فهي مجهولة عندنا، ولا ندري أنّ أيّاً منها كان صحيحاً، وأيّاً منها غير صحيح. ومع ذلك كيف يمكن دعوى العلم بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام.
وعلى الجملة: إنّ دعوى القطع بصدور جميع روايات الكتب الاربعة من المعصومين عليهم السلام واضحة البطلان. ويؤكّد ذلك أنّ أرباب هذه الكتب بأنفسهم لم يكونوا يعتقدون ذلك.
وهذا محمد بن يعقوب : قدّس اللّه تعالى سرّه : بعدما ذكر أنّه طلب منه تأليف كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين مايكتفي به المتعلّم ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام، قال بعد كلام له:
(فاعلم يا أخي أرشدك اللّه أنّه لا يسع أحداً تمييز شى‏ء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء : عليهم السلام : برأيه إلاّ على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: أعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه عزّ وجلّ فخذوه، وما خالف كتاب اللّه فردّوه. وقوله: دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم. وقوله عليه السلام: خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه. ونحن لانعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام، وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله: بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم. وقد يسّر اللّه : وللّه الحمد : تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت).
وهذا الكلام ظاهر في أنّ محمد بن يعقوب لم يكن يعتقد صدور روايات كتابه عن المعصومين عليهم السلام جزماً، وإلاّ لم يكن مجال للاستشهاد بالرواية على لزوم الاخذ بالمشهور من الروايتين عند التعارض، فانّ هذا لايجتمع مع الجزم بصدور كلتيهما، فإنّ الشهرة إنّما تكون مرجّحة لتمييز الصادر عن غيره، ولا مجال للترجيح بها مع الجزم بالصدور.
وأمّا الشيخ الصدوق : قدّس سرّه : فقد قال في خطبة كتابه:
(ولم أقصد فيه قصد المصنّفين من إيراد جميع مارووه، بل قصدت إلى إيراد ماأفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّى).
فإنّ هذا الكلام ظاهر في أنّ كتاب الكافي في اعتقاد الصدوق كان مشتملاً على الصحيح وغير الصحيح كسائر المصنّفات، فكيف يمكن أن يدّعى أنّ جميع رواياته قطعيّة الصدور؟.
وأيضاً، فإنّ الشيخ الصدوق إنّما كتب كتابه: من لا يحضره الفقيه، إجابة لطلب السيّد الشريف أبي عبداللّه المعروف بـ (نعمة اللّه) فإنّه قد طلب من الشيخ الصدوق أن يصنّف له كتاباً في الفقه ليكون إليه مرجعه، وعليه معتمده، ويكون شافياً في معناه مثل ما صنّفه محمد بن زكريّا الرازي وترجمه بكتاب: من لا يحضره الطبيب.
ولا شكّ أنّ كتاب الكافي أوسع وأشمل من كتاب من لا يحضره الفقيه، فلو كانت جميع روايات الكافي صحيحة عند الشيخ الصدوق : قدّس سرّه : فضلاً عن أن تكون قطعيّة الصدور لم تكن حاجة إلى كتابة كتاب: من لا يحضره الفقيه، بل كان على الشيخ الصدوق أن يرجع السيّد الشريف إلى كتاب الكافي، ويقول له: إنّ كتاب الكافي في : بابه : ككتاب من لا يحضره الطبيب في بابه في أنّه شاف في معناه.
الآحاد، ولذلك ترى أنّ الشيخ الصدوق بعدما أنّ: جميع ما أورده فيه مستخرج من كتب مشهورة معروفة أشار إلى طريقه إليها، وقال: (وطرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضى اللّه عنهم). فإنّه يظهر من ذلك أنّه : قدّس سرّه : كان قد ألّف فهرساً ذكر فيه طرقه إلى الكتب التي رواها عن مشايخه وأسلافه، فهو إنّما يروي الكتب بتلك الطرق المعروفة في ذلك الفهرس، ولكنّه لم يصل إلينا، فلا نعرف من طرقه غير ماذكره في المشيخة من طرقه إلى من روى عنهم في كتابه.
وأمّا طرقه إلى أرباب الكتب فهي مجهولة عندنا، ولا ندري أنّ أيّاً منها كان صحيحاً، وأيّاً منها غير صحيح. ومع ذلك كيف يمكن دعوى العلم بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام.
ويزيد ذلك وضوحاً: أنّ الشيخ الصدوق قال في باب الوصيّ يمنع الوارث: (ماوجدت هذا الحديث إلاّ في كتاب محمد بن يعقوب، ولارويته إلاّ من طريقه) فلو كانت روايات الكافي كلّها قطعيّة الصدور، فكيف يصحّ ذلك القول من الشيخ الصدوق : قدّس سرّه ؤ.
بقي هنا شى‏ء، وهو: أنّه قد يتوهّم أنّ شهادة الشيخ الصدوق بصحّة جميع روايات كتابه شهادة منه بصدور جميعها عن المعصومين عليهم السلام، فإنّ الصحيح عند القدماء هو ما علم صدوره من المعصوم عليه السلام، فهو وإن لم يكن يرى صحّة جميع روايات الكافي، إلاّ أنّه كان معتقداً بصحّة جميع مااشتمل عليه كتابه من الروايات.
ولكن هذا توهّم صرف، فإنّ الصدوق إنّما يريد بالصحيح ماهو حجّة بينه وبين اللّه، أي ماأحرز صدوره من المعصوم عليه السلام ولو بالتعبّد، ولم يرد بذلك قطعي الصدور وما لايحتمل فيه الكذب أو الخطأ، كما سيجى‏ء منه : قدّس سرّه : عند البحث عن صحّة جميع أخبار الكتب الاربعة وعدمها: تصريحه بأنّه يتبع في التصحيح وعدمه شيخه ابن الوليد، فيصحّح ماصحّحه، ولا يصحّح مالم يصحّحه.
أفهل يمكن أن يقال: إنّه كان يتّبع شيخه في القطع بالصدور وعدم القطع به؟ فكلّ ماكان مقطوع الصدور لابن الوليد كان مقطوع الصدور للشيخ الصدوق وإلاّ فلا.
فالمتلخّص : أنّه لم يظهر من الشيخ الصدوق إلاّ أنّه كان يعتقد حجّية جميع روايات كتابه ولم يكن يرى ذلك بالاضافة إلى الكافي وغيره من المصنّفات.
وأما الشيخ : قدّس سرّه : فلا شكّ في أنّه لم يكن يعتقد صدور جميع روايات كتابيه ولا سائر الكتب والاصول عن المعصومين عليهم السلام. ومن ثم ذكر في آخر كتابه أنّه يذكر طرقه إلى أرباب الكتب الذين روى عنهم في كتابه، لتخرج الروايات بذلك عن الإرسال إلى الاسناد، فانّ هذا الكلام صريح في أنّ مارواه في كتابه أخبار آحاد محتملة الصدق والكذب، فإن كان الطريق إليها معلوماً كانت من الروايات المسندة، وإلاّ فهي مرسلات وغير قابلة للاعتماد عليها.
وبعبارة أخرى: إنّ الشيخ إنّما التزم بذكر الطريق، لئلاّ تسقط روايات كتابه عن الحجّية لاجل الارسال، فلو كانت تلك الروايات قطعيّة الصدور، وكان ذكر الطريق لمجرّد التيمّن والتبرّك، لم يكن الامر كذلك مع أنّه خلاف ماصرّح به : قدّس سرّه ؤ، وأيضاً فإنّه قد تقدّم منه أنّ جواز العمل بما في الكتب المعروفة والاصول المشهورة مشروط بوثاقة الراوى. وهذا ظاهر في أنّه لم يكن يرى صحّة جميع روايات تلك الكتب، فضلاً عن القطع بصدورها.
وأيضاً إنّه : قدّس سرّه : قد ناقش في غير مورد من كتابه في صحّة رواية رواها عن الكافي أو أنّه لم يروها عنه، ولكنّها موجودة في الكافي، أو فيه وفي من لايحضره الفقيه أيضاً، ومع ذلك قد حكم بضعفها، فلو كانت تلك الروايات صحيحة ومقطوعة الصدور من المعصومين عليهم السلام فكيف ساغ للشيخ أن يناقش فيها بضعف السند. ومن تلك الموارد:
1: مارواه عن محمد بن يعقوب بسنده عن أبي سعيد الخدرى، قال: (أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بلالاً أن ينادى...)(1) فإنّه قال بعد رواية الحديث:
لمجرّد التيمّن والتبرّك، لم يكن الامر كذ سرّه ؤ، وأيضاً فإنّه قد تقدّم منه أنّ جواز العمل بما في الكتب المعروفة والاصول المشهورة مشروط بوثاقة الراوى. وهذا ظاهر في أنّه لم يكن يرى صحّة جميع روايات تلك الكتب، فضلاً عن القطع بصدورها.
وأيضاً إنّه : قدّس سرّه : قد ناقش في غير مورد من كتابه في صحّة رواية رواها عن الكافي أو أنّه لم يروها عنه، ولكنّها موجودة في الكافي، أو فيه وفي من لايحضره الفقيه أيضاً، ومع ذلك قد حكم بضعفها، فلو كانت تلك الروايات صحيحة ومقطوعة الصدور من المعصومين عليهم السلام فكيف ساغ للشيخ أن يناقش فيها بضعف السند. ومن تلك الموارد:
1: مارواه عن محمد بن يعقوب بسنده عن أبي سعيد الخدرى، قال: (أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بلالاً أن ينادى...)(1) فإنّه قال بعد رواية الحديث:
قال محمد بن الحسن: فما تضمّن هذا الحديث من تحريم لحم الحمار الاهلي موافق للعامّة، والرجال الذين رووا هذا الخبر أكثرهم عامّة، ومايختصّون بنقله لايلتفت إليه.
وهذا تصريح منه بأنّ روايات الكافي ليست كلّها بصحيحة، فضلاً عن كونها مقطوعة الصدور.
2: مارواه عنه بسنده عن عمران الزعفرانى، قال: (قلت لابي عبداللّه عليه السلام: إنّ السّماء تطبق علينا...)، وما رواه عنه بسنده عن عمران الزعفراني أيضاً، قال: (قلت لابي عبداللّه عليه السلام: إنّا نمكث في الشتاء...)(1). فإنّه قال بعد روايتهما:
(إنّهما خبر واحد لايوجبان علماً ولا عملاً، ولانّ راويهما عمران الزعفرانى، وهو مجهول، وفي إسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصّون بروايته).
وهذا تصريح من الشيخ بأنّ كلّ رواية في الكافي أو غيره إذا كان في سندها ضعفاء لايعمل بها فيما إذا اختصّوا بروايتها.
3: مارواه بسنده عن القاسم بن محمد الزيّات، قال: (قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: إنّي ظاهرت من امرأتى...)، وما رواه عن محمد بن يعقوب بسنده عن ابن بكير عن رجل: (قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: إنّي قلت لإمرأتى...)، وما رواه بطريقه عن ابن فضّال عمّن أخبره عن أبي عبداللّه : عليه السلام : قال: (لايكون الظهار إلاّ على مثل موضع الطلاق)(2).
والاولى من هذه الروايات الثلاث رواها محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن القاسم بن محمد الزيّات(1). كما إنّ الثالثة منها رواها الشيخ الصدوق : قدّس سرّه : مرسلة عن الصادق عليه السلام(2).
قال الشيخ بعد ذكر هذه الروايات: (أوّل مافي هذه الاخبار أنّ الخبرين منهما وهما الاخيران مرسلان، والمراسيل لايعترض بها على الاخبار المسندة لما بيّناه في غير موضع. وأمّا الخبر الاوّل فراويه أبو سعيد الآدمي : سهل بن زياد : وهو ضعيف جداً عند نقّاد الاخبار، وقد استثناه أبو جعفر بن بابويه في رجال نوادر الحكمة).
أقول: لو كان الشيخ يعتقد أنّ جميع روايات الكافي والفقيه قطعيّة الصدور أو أنّها صحيحة، وإن لم تكن قطعيّة الصدور لم يكن يعترض على هذه الروايات بضعف السّند أو بالإرسال، ولا سيّما أنّ المرسل ابن بكير وهو من أصحاب الإجماع، وابن فضّال المعروف بالوثاقة.
4: الروايات التي دلّت على أنّ شهر رمضان لاينقص عن ثلاثين يوماً أبداً فإنّ هذه الروايات مع أنّ جملة منها مذكورة في الكافي والفقيه قد ناقش فيها الشيخ ومن قبله الشيخ المفيد، وحكما بعدم صحّتها، وبأنّها من شواذّ الاخبار.
وبيان ذلك: أنّ محمد بن يعقوب قد عقد باباً ذكر فيه ثلاث روايات دلّت على أنّ شهر رمضان لاينقص أبداً، الاولى: مارواه حذيفة بن منصور عن أبي عبداللّه عليه السلام. الثانية: مارواه محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبداللّه عليه السلام. الثالثة: مارواه حذيفه بن منصور عن معاذ بن كثير عن أبي عبداللّه عليه السلام(1).
على هذه الروايات بضعف السند أو بالإرسال، ولا سيّما أنّ المرسل ابن بك من أصحاب الإجماع، وابن فضّال المعروف بالوثاقة.
4: الروايات التي دلّت على أنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوماً أبداً فإنّ هذه الروايات مع أنّ جملة منها مذكورة في الكافي والفقيه قد ناقش فيها الشيخ ومن قبله الشيخ المفيد، وحكما بعدم صحّتها، وبأنّها من شواذّ الاخبار.
وهذه الروايات ذكرها الصدوق، إلاّ أنّه روى الثانية عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع، عن محمد بن يعقوب بن شعيب، عن أبيه، عن أبي عبداللّه عليه السلام. وزاد رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام، ورواية ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام(2).
قال الصدوق بعد ذكر هذه الروايات:
(قال مصنّف هذا الكتاب رضي اللّه عنه: من خالف هذه الاخبار، وذهب إلى الاخبار الموافقة للعامّة في ضدّها، أتّقيّ كما يتّقي العامّة ولا يكلّم إلاّ بالتقيّة كائناً من كان، إلاّ أن يكون مسترشداً فيرشد ويبيّن له، فإنّ البدعة إنّما تمات وتبطل بترك ذكرها ولا قوّة إلاّ باللّه).
(أقول): هذه الروايات التي ذكرها محمد بن يعقوب، وصحّحها الصدوق، وبالغ في تصحيحها ولزوم العمل بها قد تعرّض لها الشيخ المفيد : قدّس سرّه : في رسالته المعروفة بالرسالة العددية، وناقش في إسنادها، وذكر أنّها روايات شاذّة لايمكن الاستدلال بها. قال المفيد:
(وأمّا ما تعلّق به أصحاب العدد من أنّ شهر رمضان لا يكون أقلّ من ثلاثين يوماً، فهي أحاديث شاذّة قد طعن نقلة الآثار من الشيعة في سندها، وهي مثبّتة في كتب الصيام، في أبواب النوادر، والنوادر هي التي لا عمل عليها. وأنا أذكر جملة ماجاءت به الاحاديث الشاذّة وأبيّن عن خللها وفساد التعلّق بها في خلاف الكافّة إن شاء اللّه.
فمن ذلك حديث رواه محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: شهر رمضان ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً. وهذا حديث شاذّ نادر غير معتمد عليه. في طريقه محمد بن سنان، وهو مطعون فيه، لاتختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين.
ومن ذلك حديث رواه محمد بن يحيى العطّار، عن سهل بن زياد الآدمى، عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق الدنيا في ستّة أيام، ثم اختزلها من أيام السنة، فالسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً، وشعبان لا يتمّ، وشهر رمضان لا ينقص أبداً، ولا تكون فريضة ناقصة، إنّ اللّه تعالى يقول: ولتكملوا العدّة. وهذا الحديث شاذّ مجهول الاسناد، ولو جاء بفعل صدقة أو صيام أو عمل لوجب التوقّف فيه، فكيف إذا جاء بشى‏ء يخالف الكتاب والسنّة وإجماع الامّة، ولا يصحّ على حساب ذمّي ولا ملّي ولا مسلم ولا منجِّم، ومن عوّل على مثل هذا الحديث في فرائض اللّه تعالى فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، وبعد: فالكلام الذي فيه بعيد من كلام العلماء فضلاً عن أئمة الهدى عليهم السلام، لانّه قال فيه لا تكون فريضة ناقصة وهذا لا معنى له، لانّ الفريضة بحسب مافرضت، فاذا أدّيت على الثقيل أو الخفيف لم تكن ناقصة، والشهر إذا كان تسعة وعشرين يوماً، ففرض صيامه لا ينسب إلى النقصان في الفرض، كما أنّ صلاة السفر إذا كانت على الشطر من صلاة الحضر لا يقال لها صلاة ناقصة، وقد أجلّ اللّه إمام الهدى عليه السلام عن القول بأنّ الفريضة إذا أدّيت على التخفيف كانت ناقصة. وقد بيّنا أنّ من صام شهرين متتابعين في كفّارة ظهار، فكانا ثمانية وخمسين يوماً لم يكن فرضاً ناقصاً، بل كان فرضاً تامّاً. ثم احتجّ لكون شهر رمضان ثلاثين يوماً لم ينقص عنها بقوله تعالى: ولتكملوا العدّة. وهذا نقد في قضاء الفائت بالمرض والسّفر. ألا ترى إلى قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولتكملوا العدّة) أي عدّة صوم شهر رمضان، وما أوجب ذلك أن يكون ثلاثين يوماً إذا كان ناقصاً. وقد بيّنا ذلك في صيام الكفّارة إذا كانا شهرين متتابعين وإن كانا ناقصين أو أحدهما كاملاً والآخر ناقصاً.
قضاء الفائت بالمرض والسّفر. ألا ت على سفر فعدّة من أيام أخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولتكملوا العدّة) أي عدّة صوم شهر رمضان، وما أوجب ذلك أن يكون ثلاثين يوماً إذا كان ناقصاً. وقد بيّنا ذلك في صيام الكفّارة إذا كانا شهرين متتابعين وإن كانا ناقصين أو أحدهما كاملاً والآخر ناقصاً.
شذوذها، واضطراب سندها وطعن العلماء في رواتها هي التي يعتمد عليها أصح المتعلّقون بالنقل، وقد بيّنا ضعف التعلّق بها ممّا فيه كفاية والحمد للّه).
وتقدّم كلام الشيخ الطوسي في ذلك قريباً.
ولا شكّ في أنّ المفيد والشيخ كانا يعاملان مع روايات الكافي والفقيه وغيرها في الكتب والاصول معاملة الخبر غير القطعيّ .
وليت شعري إذا كان مثل المفيد والشيخ : قدّس سرّهما : ، مع قرب عصرهما، وسعة اطلاعهما لم يحصل لهما القطع بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام، فمن أين حصل القطع لجماعة متأخّرين عنهما زماناً ورتبة؟ أوليس حصول القطع يتوقّف على مقدّمات قطعيّة بديهية أو منتهية إلى البداهة؟.
وقد ذكر صاحب الوسائل لإثبات ماادّعاه من صحّة ماأودعه في كتابه من الاخبار، وصدورها من المعصومين عليهم السلام وجوهاً، سمّاها أدلّة، ولا يرجع شى‏ء منها إلى محصل، ولا يترتّب على التعرّض لها والجواب عنها غير تضييع الوقت، وأحسنها الوجه الاوّل الذي أشرنا اليه وأجبنا عنه، ولا بأس أن نذكر له كلاماً في المقام ليظهر للباحث حال بقية ماذكره دليلاً على مدّعاه. قال في الوجه التاسع ممّا ذكره:
(والعجب أنّ هؤلاء المتقدّمين، بل من تأخّر عنهم كالمحقّق والعلاّمة والشهيدين وغيرهم إذا نقل واحد منهم قولاً عن أبي حنيفة أو غيره من علماء العامّة أو الخاصّة، أو نقل كلاماً من كتاب معيّن، ورجعنا إلى وجداننا، نرى أنّه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه، وصحّة نقله : لا الظنّ : وذلك علم عادى، كما نعلم أنّ الجبل لم ينقلب ذهباً، والبحر لم ينقلب دماً.
فكيف يحصل العلم من نقله عن غير المعصوم، ولا يحصل من نقله عن المعصوم غير الظن، مع أنّه لا يتسامح ولا يتساهل من له أدنى ورع وصلاح في القسم الثاني، وربّما يتساهل في الاوّل)(1).
أقول: ليت شعري كيف خفي على مثل الشيخ الحرّ: الفارق بين الامرين، والمائز بين الموردين؟ فإنّ المحقّق والعلاّمة والشهيدين وأمثالهم إذا نقلوا شيئاً من أبي حنيفة، فإنّما ينقلونه عن حسّ، لمشاهدة ذلك في كتاب جامع لآرائه، وأمّا إذا نقلوا أمراً من معصوم، فإنّما ينقلونه عنه حسبما أدّت إليه آراؤهم وأنظارهم، وكيف يقاس الثاني بالاوّل.
وممايؤكّد أيضاً بطلان دعوى القطع بصدور أخبار الكتب الاربعة عن المعصومين عليهم السلام، اختلاف هذه الكتب في السّند أو المتن. وسنبيّن موارده في ضمن التراجم إن شاء اللّه تعالى.
بل يتّفق : في غير مورد : أنّ الرواية الواحدة تذكر في كتاب واحد مرّتين أو أكثر مع الإختلاف بينهما في السّند أو المتن، وأكثر هذه الكتب اختلافاً كتاب التهذيب حتى أنّه قال في الحدائق(2): (قلّما يخلو حديث فيه من ذلك(1) في متنه أو سنده). وماذكره : قدّس سرّه : وإن كان لا يخلو من نوع من المبالغة، إلاّ أنّه صحيح في الجملة. والخلل في روايات التهذيب كثير، نتعرّض لبيانه من جهة السند ضمن التراجم إن شاء اللّه.
ثم إنّ في الكافي : ولا سيّما في الروضة : روايات لا يسعنا التصديق بصدورها عن المعصوم عليه السلام، ولا بدّ من ردّ علمها إليهم عليهم السلام. والتعرّض لها يوجب الخروج عن وضع الكتاب، لكنّنا نتعرّض لواحدة منها ونحيل الباقي إلى الباحثين.
أكثر مع الإختلاف بينهما في السّ التهذيب حتى أنّه قال في الحدائق‏ - (2) - : (قلّما يخلو حديث فيه من ذلك‏ - (1) - في متنه أو سنده). وماذكره : قدّس سرّه : وإن كان لا يخلو من نوع من المبالغة، إلاّ أنّه صحيح في الجملة. والخلل في روايات التهذيب كثير، نتعرّض لبيانه من جهة السند ضمن التراجم إن شاء اللّه.
ثم إنّ في الكافي : ولا سيّما في الروضة : روايات لا يسعنا التصديق بصدورها عن المعصوم عليه السلام، ولا بدّ من ردّ علمها إليهم عليهم السلام. والتعرّض لها يوجب الخروج عن وضع الكتاب، لكنّنا نتعرّض لواحدة منها ونحيل الباقي إلى الباحثين.
(أقول): يردّ على ذلك:
أوّلاً: أنّ وجود الرواية الضعيفة لا يلازم الظنّ بالصدق.
وثانياً: أنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً، ودعوى الإجماع على حجّيته في المقام قطعيّة البطلان.
كيف وهذه الكتب الاصولية : قديماً وحديثاً : ترى أنّها ذكرت أنّ العمل بالظنّ حرام ما لم يقم دليل على حجّيته. ونسبة الحكم المظنون إلى الشارع حينئذ تشريع محرّم. وقد ذكروا موارد خاصة قام الدليل فيها على حجّية الظنّ، وموارد وقع الخلاف فيها ولم يذكر في شى‏ء من الموردين الظنون الرجالية، ولم تنسب حجّية الظنّ الرجالي إلى أحد من الاعلام، فضلاً عن أن يدّعى الإجماع عليها.
وهذه الكتب الفقهية الإستدلالية من زمان الشيخ إلى زمان الفاضلين المحقّق والعلاّمة ومن بعدهما: لا تجد فيها من يدّعي ذلك أبداً. وإنّما صدر هذا القول من بعض متأخّري المتأخّرين من دون ذكر منشئه. ولا يبعد أنّ منشأ ذلك تخيّله أنّ باب العلم منسدّ في باب الرجال، فينتهي الامر إلى العمل بالظنّ لا محالة.
ولعلّ مدّعي الإجماع على حجّية الظنّ الرجالي إستند إلى هذا أيضاً بتخيّل أنّ حجّية الظنّ : على تقدير إنسداد باب العلم : إجماعية.
ويردّ على هذا القول:
أوّلاً: أنّ باب العلم بالتوثيقات وما بحكمها غير منسدّ، بناء على ما نبيّن من جواز الإعتماد على أخبار الاعلام المتقدّمين.
وثانياً: أنّ إنسداد باب العلم في كل موضوع لا يوجب حجّية الظنّ في ذلك الموضوع. وإنّما العبرة في حجّية الظنّ من باب الكشف أو الحكومة بإنسداد باب العلم بمعظم الاحكام الشرعية، فان ثبت ذلك كان الظنّ بالحكم الشرعي : وإن نشأ من الظنّ الرجالى : حجّة، سواء أكان باب العلم في الرجال منسدّاً أم لم يكن، وإذا كان باب العلم والعلمي بمعظم الاحكام مفتوحاً لم يكن الظنّ الرجالي حجّة، سواء أكان باب العلم بالرجال منسدّاً أم لم يكن.
وعلى الجملة، فدعوى حجّية الظنّ الرجالي بخصوصه : فضلاً عن دعوى الإجماع عليها : باطلة جزماً.
2: نصّ أحد الاعلام المتقدّمين:
ومماتثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينصّ على ذلك أحد الاعلام، كالبرقى، وابن قولويه، والكشّى، والصدوق، والمفيد، والنجاشى، والشيخ وأضرابهم. وهذا أيضاً لا إشكال فيه، وذلك من جهة الشهادة وحجّية خبر الثقة.
وقد ذكرنا في أبحاثنا الاصولية أنّ حجّية خبر الثقة لا تختصّ بالاحكام الشرعية، وتعمّ الموضوعات الخارجية أيضاً، إلاّ فيما قام دليل على اعتبار التعدّد كما في المرافعات، كما ذكرنا أنّه لا يعتبر في حجّية خبر الثقة العدالة، ولهذا نعتمد على توثيقات أمثال إبن عقدة وابن فضّال وأمثالهم.
فإن قيل: إنّ إخبارهم عن الوثاقة والحسن : لعلّه : نشأ من الحدس والإجتهاد وإعمال النظر، فلا تشمله أدلّة حجّية خبر الثقة، فإنّها لا تشمل الاخبار الحدسية، فإذا إحتمل أنّ الخبر حدسي كانت الشبهة مصداقية.
قلنا: إنّ هذا الإحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجّية خبر الثقة فيما لم يعلم أنّه نشأ من الحدس. ولا ريب في أنّ إحتمال الحدس في أخبارهم : ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة : موجود وجداناً. كيف؟ وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمراً متعارفاً عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى. وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفاً ومئة كتاب على مايظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما. وقد جمع ذلك البحّاثة الشهير المعاصي الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه مصفى المقال.
الحدسية، فإذا إحتمل أنّ الخبر حدسي كانت ال قلنا: إنّ هذا الإحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجّية خبر الثقة فيما لم يعلم أنّه نشأ من الحدس. ولا ريب في أنّ إحتمال الحدس في أخبارهم : ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة : موجود وجداناً. كيف؟ وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمراً متعارفاً عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى. وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفاً ومئة كتاب على مايظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما. وقد جمع ذلك البحّاثة الشهير المعاصي الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه مصفى المقال.
وهذا الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة للشيخ عبدالصمد والد الشيخ البهائي بعد ماذكر عدّة طرق له إلى الشيخ أبي جعفر الطوسى، قال:
(وبهذه الطرق نروي جميع مصنّفات من تقدّم على الشيخ أبي جعفر من المشايخ المذكورين وغيرهم، وجميع ما اشتمل عليه كتابه فهرست أسماء المصنّفين وجميع كتبهم ورواياتهم بالطرق التي تضمّنتها الاحاديث. وإنّما أكثرنا الطرق إلى الشيخ أبي جعفر، لانّ أصول المذهب كلّها ترجع إلى كتبه ورواياته).
وعلى الجملة: فالشيخ : قدّس سرّه : هو حلقة الإتصال بين المتأخّرين وأرباب الاصول التي أخذ منها الكتب الاربعة وغيرها. ولا طريق للمتأخّرين إلى توثيقات رواتها وتضعيفهم غالباً إلاّ الإستنباط، وإعمال الرأي والنظر.
وممايؤكّد ماذكرناه من انقطاع السلسلة أنّ كتاب الكشّي الذي هو أحد الاصول الرجالية : وقد حكى عنه النجاشي في رجاله : لم يصل إلى المتأخّرين، فلم ينقلوا عنه شيئاً، وإنّما وصل إليهم اختيار الكشّي الذي رتّبه الشيخ واختاره من كتاب الكشّى. وكذلك كتاب رجال ابن الغضائرى. فانّه لم يثبت عند المتأخِّرين، وقد ذكره ابن طاووس عند ذكره طرقه إلى الاصول الرجالية أنّه لا طريق له إلى هذا الكتاب. وأمّا العلاّمةة وابن داود والمولى القهباني فانّهم وإن كانوا يحكون عن هذا الكتاب كثيراً إلاّ أنّهم لم يذكروا إليه طريقاً. ومن المطمأن به عدم وجود طريق لهم إليه.
وهذا العلاّمة قد ذكر في إجازته الكبيرة أسماء الكتب التي له طريق إليها، حتى أنّه : مضافاً إلى ماذكره من كتب أصحابنا المتقدّمين على الشيخ والمتأخِّرين عنه : ذكر شيئاً كثيراً من كتب العامة في الحديث والفقه والادب وغير ذلك. ومع ذلك فلم يذكر رجال ابن الغضائري في ماذكره من الكتب. وهذا كاشف عن أنّه لم يكن له طريق إليه، وإلاّ لكان هذا أولى بالذكر من أكثر ماذكره في تلك الاجازة.
نعم إنّ الشهيد الثاني في إجازته المتقدمة، والآغا حسين الخونساري في إجازته لتلميذه الامير ذي الفقار ذكرا كتاب الرجال للحسين بن عبيد اللّه بن الغضائري في ضمن الكتب التي ذكرا طريقهما إليها.
فربّما يستظهر من ذلك أنّ كتاب الرجال للحسين بن عبيد اللّه قد وصل إليهما وكان عندهما، ولكن واقع الامر على خلاف ذلك، فإنّ الشهيد قدّس سرّه يذكر في طريقه إلى هذا الكتاب العلاّمة، وأنّه يروي هذا الكتاب بطريق العلاّمة إليه. وقد عرفت أنّ المطمأنّ به أنّ العلاّمة لا طريق له إلى هذا الكتاب.
هذا، مضافاً إلى أنّ الشهيد يوصل طريقه إلى النجاشي عن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري وهذا على خلاف الواقع، فإنّ الحسين بن عبيد اللّه شيخ النجاشى، وتعرّض النجاشي لترجمته وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال، بل لم ينقل عنه في مجموع كتابه شيئاً يستشعر منه أنّ له كتاب الرجال، وكذلك الشيخ يروي عن الحسين بن عبيد اللّه كثيراً، ولم ينسب إليه كتاب الرجال، ولا مايستشعر منه وجود كتاب له في الرجال.
طريقه إلى هذا الكتاب العلاّمة، وأنّه ير وقد عرفت أنّ المطمأنّ به أنّ العلاّمة لا طريق له إلى هذا الكتاب.
هذا، مضافاً إلى أنّ الشهيد يوصل طريقه إلى النجاشي عن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري وهذا على خلاف الواقع، فإنّ الحسين بن عبيد اللّه شيخ النجاشى، وتعرّض النجاشي لترجمته وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال، بل لم ينقل عنه في مجموع كتابه شيئاً يستشعر منه أنّ له كتاب الرجال، وكذلك الشيخ يروي عن الحسين بن عبيد اللّه كثيراً، ولم ينسب إليه كتاب الرجال، ولا مايستشعر منه وجود كتاب له في الرجال.
طريقه إلى هذا الكتاب العلاّمة، وقد عرفت أنّ المطمأنّ به أنّ العلاّمة لا طريق له إلى هذا الكتاب.
الضّمني للاشخاص الذين تمّ توثيقهم ضمن توثيق غيرهم.
(ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواة مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم...) فإنّ في هذا الكلام دلالة ظاهرة على أنّه لايروي في كتابه هذا إلاّ عن ثقة، بل استفاد صاحب الوسائل في الفائدة السادسة في كتابه في ذكر شهادة جمع كثير من علماءنا بصحّة الكتب المذكورة وأمثالها وتواترها وثبوتها عن مؤلفيها وثبوت أحاديثها عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أنّ كل من وقع في إسناد روايات تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين عليهم السلام، قد شهد علي بن إبراهيم بوثاقته، حيث قال: (وشهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره وأنّها مرويّة عن الثقات عن الائمة عليهم السلام).
أقول: إنّ مااستفاده : قدّس سرّه : في محلّه، فإنّ علي بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحّة تفسيره، وأنّ رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام، وإنّها إنتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة. وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة كما زعمه بعضهم.
وبما ذكرناه نحكم بوثاقة جميع مشايخه الذين وقعوا في إسناد كامل الزيارات أيضاً، فإنّ جعفر بن قولويه قال في أول كتابه: (وقد علمنا بأنّا لانحيط بجميع ماروي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكن ماوقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم اللّه برحمته ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم...).
فإنّك ترى أنّ هذه العبارة واضحة الدلالة على أنّه لايروي في كتابه رواية عن المعصوم إلاّ وقد وصلت إليه من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم اللّه، قال صاحب الوسائل بعدما ذكر شهادة علي بن إبراهيم بأنّ روايات تفسيره ثابتة ومرويّة عن الثقات من الائمة عليهم السلام: (وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه، فإنّه صرّح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره).
أقول: إنّ ماذكره متين، فيحكم بوثاقة من شهد علي بن إبراهيم أو جعفر ابن محمد بن قولويه بوثاقته، اللّهم إلاّ أن يبتلي بمعارض.
وممّن شهد بوثاقة جماعة : على نحو الإجمال : النجاشى، فانّه يظهر منه توثيق جميع مشايخه. قال : قدّس سرّه : في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيداللّه بن الحسن الجوهرى: (رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه شيئاً، وتجنّبته...). وقال في ترجمة محمد بن عبداللّه بن محمد بن عبيداللّه بن البهلول: (وكان في أول أمره ثبتاً ثم خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه... رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً، ثم توقفت عن الرواية عنه إلاّ بواسطة بيني وبينه).
ولاشكّ في ظهور ذلك في أنّه لايروي عن ضعيف بلا واسطة فيحكم بوثاقة جميع مشايخه. هذا وقد يقال: إنّه لايظهر من كلامه إلاّ أنّه لايروي بلا واسطة عمّن غمز فيه أصحابنا أو ضعّفوه. ولا دلالة فيه على أنّه لايروي عمّن لم يثبت ضعفه ولا وثاقته، إذاً لايمكن الحكم بوثاقة جميع مشايخه، ولكنّه لايتمّ. فإنّ الظاهر من قوله: (ورأيت جلّ أصحابنا...). أنّ الرؤية أخذت طريقاً إلى ثبوت الضعف، ومعناه أنّه لايروي عن الضعيف بلا واسطة، فكل من روى عنه فهو ليس بضعيف، فيكون ثقة لا محالة.
ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه شيئ ًعبداللّه بن محمد بن عبيداللّه بن البهلول: (وكان في أول أمره ثبتاً ثم خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه... رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً، ثم توقفت عن الرواية عنه إلاّ بواسطة بيني وبينه).
ولاشكّ في ظهور ذلك في أنّه لايروي عن ضعيف بلا واسطة فيحكم بوثاقة جميع مشايخه. هذا وقد يقال: إنّه لايظهر من كلامه إلاّ أنّه لايروي بلا واسطة عمّن غمز فيه أصحابنا أو ضعّفوه. ولا دلالة فيه على أنّه لايروي عمّن لم يثبت ضعفه ولا وثاقته، إذاً لايمكن الحكم بوثاقة جميع مشايخه، ولكنّه لايتمّ. فإنّ الظاهر من قوله: (ورأيت جلّ أصحابنا...). أنّ الرؤية أخذت طريقاً إلى ثبوت الضعف، ومعناه أنّه لايروي عن الضعيف بلا واسطة، فكل من روى عنه فهو ليس بضعيف، فيكون ثقة لا محالة.
وبعبارة واضحة إنّه فرّغ عدم روايته عن شخص برؤيته أنّ شيوخه يضعّفونه. ومعنى ذلك أنّ عدم روايته عنه مترتّب على ضعفه، لا على التضعيف من الشيوخ، ولعلّ هذا ظاهر.
وهذا الذي ذكرناه هو المهم من التوثيقات العامّة، ويأتي عن النجاشي في ترجمة عبيداللّه بن أبي شعبة الحلبى: (أنّ آل أبي شعبة بيت بالكوفة وهم ثقات جميعاً)، وفي ترجمة محمد بن الحسن بن أبي سارة: (أنّ بيت الرواسي كلّهم ثقات)، ويأتي عن الشيخ في ترجمة علي بن الحسن بن محمد الطائى: (أنّ من روى عنه علي بن الحسن الطاطري في كتبه يوثق به وبروايته).
بقي هنا أمران:
الاول: أنّ الشيخ محمد ابن المشهدى، قال في أول مزاره: (فإنّي قد جمعت في كتابه هذا من فنون الزّيارات للمشاهد، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والادعية المختارات ومايدعى به عقيب الصلوات ومايناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات والخلوات، ومايلجأ إليه من الادعية عند المهمّات، ممّا إتصلت به ثقات الرواة إلى السادات...).
وهذا الكلام منه صريح في توثيق جميع من وقع في إسناد روايات كتابه. لكنّه لايمكن الإعتماد على ذلك من وجهين:
1: أنّه لم يظهر إعتبار هذا الكتاب في نفسه، فإنّ محمد ابن المشهدي لم يظهر حاله، بل لم يعلم شخصه وإن أصرّ المحدّث النّورى: على أنّه محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائرى، فإنّ ماذكره في وجه ذلك لايورث إلاّ الظنّ.
2: أنّ محمد ابن المشهدي من المتأخّرين، وقد مرّ أنّه لا عبرة بتوثيقاتهم لغير من يقرب عصرهم من عصره، فإنّا قد ذكرنا أنّ هذه التوثيقات مبنيّة على النظر والحدس، فلا يترتّب عليها أثر.
الثاني: أنّ الصدوق قال في أول كتابه المقنع: (وحذفت الإسناد منه لئلاّ يثقل حمله، ولايصعب حفظه، ولايملّه قاريه، إذ كان ماأبيّنه فيه في الكتب الاصولية موجوداً مبيّناً عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم اللّه).
وهذا الكلام قد يوهم أنّه شهادة إجمالية من الشيخ الصدوق بوثاقة رواة ماذكره في كتابه، فلا بدّ وأن يعامل معه معاملة الخبر الصحيح.
ولكنّ ذلك خلاف الواقع، فإنّ الشيخ الصدوق لايريد بذلك أنّ رواة ماذكره في كتابه ثقات إلى أن يتّصل بالمعصوم عليه السلام، وإنّما يريد بذلك أنّ مشايخه الثقات قد رووا هذه الروايات، وهو يحكم بصحّة مارواه الثقات الفقهاء وأثبتوه في كتبهم، على ماستعرفه.
والذي يدلّ على ماذكرناه أنّ الشيخ الصدوق وصف المشايخ بالعلماء الفقهاء الثقات، وقلّ مايوجد ذلك في الروايات في تمام سلسلة السّند، فكيف يمكن إدّعاء ذلك في جميع ماذكره في كتابه.
ولكنّ ذلك خلاف الواقع، فإنّ الشيخ ال كتابه ثقات إلى أن يتّصل بالمعصوم عليه السلام، وإنّما يريد بذلك أنّ مشايخه الثقات قد رووا هذه الروايات، وهو يحكم بصحّة مارواه الثقات الفقهاء وأثبتوه في كتبهم، على ماستعرفه.
والذي يدلّ على ماذكرناه أنّ الشيخ الصدوق وصف المشايخ بالعلماء الفقهاء الثقات، وقلّ مايوجد ذلك في الروايات في تمام سلسلة السّند، فكيف يمكن إدّعاء ذلك في جميع ماذكره في كتابه.
ولكنّ ذلك خلاف الواقع، فإنّ ال كتابه ثقات إلى أن يتّصل بالمعصوم عليه السلام، وإنّما يريد بذلك أنّ مشايخه الثقات قد رووا هذه الروايات، وهو يحكم بصحّة مارواه الثقات الفقهاء وأثبتوه، وبذلك يظهر الحال فيما ذكره الطبري في ديباجة كتابه: بشارة المصطفى، قال: (ولا أذكر فيه إلاّ المسند من الاخبار، عن المشايخ الكبار والثقات الاخيار). على أنّه قد مرّ أنّه لا عبرة بتوثيقات المتأخّرين لغير من يقرب عصره من عصرهم.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net